انطلاق أعمال سينودس كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك في عين تراز برئاسة البطريرك غريغوريوس الثالث لحام
واستُهلت اعمال السينودس بكلمة افتتاحية تلاها البطريرك لحام قال فيها:"
إخوتي الأحبَّاء أصحاب السّيادة الموقَّرين، أعضاء سينودس أساقفة الكنيسة
البطريركيَّة للرُّوم الملكيين الكاثوليك. إخوتي الآباء الرؤساء
العامّين.
لكم أيها الأحباء تحيتي وهي شعار بطريركيتي: "إسهروا وسيروا في المحبة".
ومن هذا المنطلق أردِّد عبارتي المألوفة وكأنّي أقولها لكم للمرّة الأولى:
إني أحبّكم! هذا الشعار وهذه العبارة هما خريطة طريق لكم ولي: وهو أن نبقى ساهرين على أسوار كنيستنا الرومية الملكية الكاثوليكية، ونكمِّل مسيرتنا بالمحبة،
ونبادل بعضنا بعضًا بهذه التحية، كما تدعونا إلى ذلك صلواتنا الطقسية في
ليترجيا القداس الإلهي: "لنحبَّ بعضنا بعضًا لكي نعترف بنيّة واحدة".
هذا مختصر دعوتنا الرعائية المقدّسة لكي نخدم الرعية والقطيع حيث أقامنا
المخلّص الإلهي رعاة لمجد اسمه القدّوس.
هذه الدعوة هي التي تجمعنا في افتتاح هذا السينودس المقدّس. وأجد أجمل
تعبير عن هذه الدعوة مطلع رسالة القديس بولس إلى أفسس حيث نقرأ: "تبارك
الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي غمرنا، من علياء سمائه، بكلّ بركة روحية
في المسيح؛ إذ فيه قد اختارنا عن محبّة من قبل إنشاء العالم، لنكون قديسين، وبغير عيب أمامه" (أفسس1، 3-4). كما أجد تعبيرًا آخر عند بولس في الرسالة إلى أهل كورنثوس في كلامه عن وحدة الكنيسة وتنوّع خدماتها من خلال صورة الجسد: "فكما أن الجسد واحدٌ، وله أعضاء كثيرة، وأن جميع أعضاء الجسد، مع كونها كثيرة، هي جسد واحدٌ، كذلك المسيح أيضًا." (1كورنثوس 12، بهذه الروحانية نفتتح سينودسنا المقدّس أمام وسائل الإعلام مشكورة وكأننا نخاطب من خلالها رعايانا، إكليروسًا (كهنةً ورهبان وراهبات) ومؤمنين علمانيين رجالاً ونساءً، ومعاونينا في النشاطات المتنوّعة في كلّ أبرشياتنا ورعايانا، لنقول لهم عهدنا لهم بأن نسهر على رعايانا سهر من سيؤدي حسابًا. ولكي نقول لهم إننا بالرغم من كل الظروف المأساوية الدامية التي تعصف بأوطاننا لا سيّما في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان ومصر وسواها، وبسبب الحروب والتهجير والنزوح والدمار والقتل والتشريد وهدم كنائسنا ومؤسساتنا... وبرغم ما هناك من جوٍّ مؤلم أيضًا داخل كنيستنا الرومية الملكية الكاثوليكية. ونقول بصراحة بالرغم من تجاذبات الانقسام التي تهدِّد مسيرة كنيستنا الملكية... بالرغم من المآسي والتجارب والمحن
في الخارج والداخل، بالرغم من كل ذلك سنبقى نعمل لكي نحافظ كما يقول معلمنا بولس الرسول على وحدة الروح برباط السلام. وسنبقى نسعى لنحقِّقَ نموذج كنيسة القدس الأولى حيث كان للتلاميذ روح واحد وقلب واحد ونفس واحدة (أعمال 2، 42-47). أجل سنبقى نسعى لنحقّق ما قيل عن المسيحيين الأوائل آبائنا وأجدادنا في كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمة لقب كرسينا الأنطاكي العظيم: أنطروا كيف يحبّون بعضهم بعضًا! وبهذا نحقِّق ما ورد في عيد العنصرة، عيد ميلاد الكنيسة، وعيد الكنيسة المملؤة من الروح القدس، وما أوردتُه في كلمتي الأولى بعد انتخابي بطريركًا عام 2000: "أن نذيع أوامر المسيح وتدبيره مثل قيثارة موسيقية تحرّكها ريشة إلهية سرّية هي ريشة الروح القدس".
بهذه الروح وبهذه الروحانية نفتتح هذا السينودس المقدس. وسنعالج المواضيع الواردة على جدول الأعمال الذي سنقرّره نهائيًا في الجلسة الأولى من السينودس كالعادة. سنتناول في هذا السينودس بدرجة أولى أمورًا تتعلّق بحياة كنيستنا في كلّ أبرشياتنا في الشرق وفي بلاد الانتشار بحيث تقدّم كلُّ أبرشية تقريرًا. وهكذا تتكوّن لدينا صورة متكاملة لبطريركيتنا في أنطاكية والإسكندرية وأورشليم في أوروبا وفي كندا وأميريكا الشمالية والجنوبية وأوستراليا ونيوزلندا. وفي هذا السياق سنناقش القضايا الخلافية بين فريق من المطارنة والبطريرك بكلّ احترامٍ وصراحة وشفافية وبروح الحوار والمحبّة.
كما سنعالج واقع الحرب الدامية التي تضرب بلادنا العربية، لا سيّما سوريا والعراق وفلسطين ويتأثّر بها لبنان ومصر، حيث تتواجد كنيستنا الرومية الملكية بنوعٍ خاصٍّ. وسنتوقف بنوعٍ خاصٍّ عند مآسي رعايانا في أبرشياتنا في سوريا، وفي دمشق، وحمص وجبل العرب (حوران)، وحلب الجريحة واللاذقية.
وقد طالنا جميعًا النصيب الوافر من القتل والدمار والخراب والنزوح داخل سوريا وخارجها. فضربت الحرب مقوِّمات كنيستنا في الحجر والبشر.
كما سنعالج بهذا السياق بنوع خاص واقع النزوح إلى أوروبا حيث النزوح الأكبر إلى السويد حيث لنا رعية، وإلى ألمانيا حيث ليس لنا رعية. وأنا بتواصل مع سيادة المطران جنبرت ولا سيّما مع مجلس أساقفة ألمانيا بسبب علاقتي الوثيقة بهم، لكي نعمل ما يجب عمله لتأمين الرعاية الروحية والاجتماعية لأولادنا هناك.
وسنعالج وضع أولادنا في أميريكا اللاتينية حيث ليس لنا وجود كنسيّ راعوي منظّم. وبالطبع سنعالج وضع أبرشيتنا في الأردن الحبيب. كما سنستعرض وضع إكليركية القديسة حنة. وإننا نلاحظ بأسف شديد تدنّي عدد الدعوات الكهنوتية (والرهبانية الرجالية والنسائية) في أبرشياتنا كلّها. ومن هنا نوجّه النداء إلى الآباء والأمهات والأسر المسيحية الملتزمة، أن توجّه أحد أبنائها لخدمة المخلّص الإلهي في الكهنوت المقدّس. كما نحث أبناءنا الكهنة في كلّ رعايانا أن يقدّموا كاهنًا من كلّ رعية! ولهذا لا بدّ من وجود لجنة للدعوات الكهنوتية في كلّ أبرشية.
هذا وإننا نطلق من هذا السينودس الذي يعقد في لبنان الرسالة نداءً إلى جميع الأحزاب اللبنانية والوزراء والنوّاب والفعاليات الروحية والسياسية والاجتماعية لكي نقف معًا وقفةً وطنيةً واحدة لأجل تسريع انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية. إن الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والمعيشية، وخطر الإرهاب الذي يهدّد السلم الوطني... كلُّ هذا يحتّم علينا جميعًا وضع مصلحة لبنان فوق كلّ مصلحة. ومصلحة لبنان العليا اليوم
هي انتخاب رئيس للجمهورية. ولهذا نطلق نداءنا من هذا السينودس مقرونًا بالصلاة لأجل انتخاب رئيس للبنان.
وأمّا بشأن الحرب على سوريا وفي المنطقة بأسرها، فإننا نردّد ما ننادي به في المؤتمرات التي نشارك فيها. من ذلك هذه الأسطر: "من هنا أهميَّة اهتمام الكنيسة في الغرب بالمساعدة الروحيَّة للنازحين حتى يلتقي هؤلاء النازحون السوريون المسيحيون (وحتى المسلمون) يلتقوا مع كنيسة الغرب المؤمنة... وإلا فإنَّ مؤمنينا سيضيّعون إيمانهم وقيمهم، والمسلمون سيكون حقد في قلبهم تجاه غربٍ يشكِّل خطرًا على إيمانهم."
"مستقبلنا كمسيحيين لا يجب أن نفصله عن مستقبل الإسلام والمسلمين. نحن كنيسة العرب وكنيسة الإسلام مع ولأجل!"
"أوجَّه اللوم إلى العالم الأوروبي.إنَّه يُعلنُ حقوق الانسان... ويقف صامتًا اليوم ومنقسمًا أمام أزمات الشرق! والمسيحيون في أوروبا والاتحاد الأوروبي وأميركا عليهم أن يعوا مسؤولياتهم. إنَّهم منقسمون أمام الأزمة وأمام داعش! ولهذا فلا يمكنهم أن يحاربوا داعش! ولا يمكنهم أن ينتصروا عليها"
"كما أنَّ كلّ تدخّل بدون رؤية إلى المستقبل وإلى الحل والبديل سيكون وبالاً ودمارًا ومآسي!"
"أوجِّه ندائي إلى العالم: إذا انطفأ نور المسيحيَّة في الشرق سينطفئ في العالم."
"حلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو من أهم الأمور التي تخفّف من خطر الحركات الإسلامية ومن خطر وجود المسلمين في أوروبا."
"لا تحكموا على مجتمعنا وحتى على كنيستنا وتهملوا رأينا ووجهة نظرنا وخبرتنا... هل تعلمون أنَّ أكثر البطاركة في الشرق لا يتَّفقون معكم حول حكمكم على أو ذاك من الرؤساء والأحزاب والحكومات في شرقنا العزيز؟"
الحرب على سوريا. أين العرب؟ أين المجتمع الدولي؟
إرهابيون يدخلون سوريا، من جنسيات متعدِّدة، بأعداد كبيرة، وباعتراف دول ومنظّمات. أين هي مسؤوليَّة الدول التي يحمل الإرهابيون جنسياتها؟
"علينا أن نكون كمسيحيين حقًا عاملي وصانعي سلام! وعلينا أن يكون لنا موقعنا لأجل تحقيق هذا الهدف. وعلى الكنيسة بطاركة ومطارنة بنوع خاص أن يقوموا بخطوات نبوية جريئة فعّالة وعمليَّة لأجل إحلال السلام! فيسجِّل التاريخ أنَّ الكنيسة كانت صانعة سلام الشرق الأوسط."
وعلى هذا الأساس طالبتُ في اجتماع البطاركة الأنطاكيين في حزيران 2015 بضرورة وضع ورقة تكون خريطة طريق لصنع وتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
"وأيضًا أدعو أن تأتي كنيسة الغرب وتصلِّي معنا في سوريا. مطارنة يأتون تكرارًا إلى لبنان، إلى العراق، وليس إلى سوريا."
أيُّها الأحبَّاء والإخوة الموقَّرون الأجلاء! أسوق هذه الخواطر لأجلنا نحن كرعاة لشحذ هممنا أمام مسؤوليَّاتنا الخطيرة جدًا في تاريخ مشرقنا المسيحي. فهو مليء بالأخطار والمآسي التي تهدِّد حضورنا المسيحي ودورنا ورسالتنا وشهادتنا.
هذه الخواطر تساعدنا أيضًا لكي نجابه آلام ومخاوف وهواجس وقلق رعايانا الذين تطالهم هذه الحروب والأخطار في صميم حياتهم، في أُسَرِهم، وأولادهم، وعملهم، وممتلكاتهم، ومستقبلهم كلّه.
وأرى أنَّ هذه الخواطر مهمَّة لأجل توجيه وتصويب تفكيرنا ومداولاتنا وقراراتنا بشأن جدول أعمال هذا السينودس المقدَّس وبشأن الأسس الرعوية وثوابتها، وبشأن قناعاتنا وقناعات أبنائنا وبناتنا، ومجمل عملنا الرعوي وخدمتنا الكهنوتيَّة المقدَّسة.
نوجِّه النداء إلى أبنائنا المنتشرين في رعايانا في أوروبا، ولاسيَّما في أبرشيَّاتنا في لكي يجمعوا المساعدات لكي نتمكَّن من مجابهة المآسي المتزايدة يومًا بعد يوم. فأين أولادنا في المهاجر وأين المتموِّلون الكبار؟ كيف نخاطبهم ونحثّهم على العطاء والتبرُّع؟ نحنُ كنيسة البشر والحجر، وكنيسة الإعمار: بعد تدمير الكنائس، نعيد
الترميم والتدشين (معلولا، النبك، يبرود، القصير، ربلة...).
ونوجِّه النداء إلى المغتربين من أبنائنا، لأن يكونوا سفراء بلدانهم في مناطق انتشارهم، وأن يشكِّلوا قوى ضاغطة Lobyللإسهام في إعادة السلام إلى سوريا والعراق ولبنان، وأن يساعدوا أهلهم وأبناء وطنهم للصمود في أرضهم.
ولا أزال أدعو كلّ الفرقاءالسوريين إلى الحوار والمصالحة والتلاقي لوضع خطَّة سريعة لإنقاذ الوطن من مأساة مدمِّرة!
أمام هذه المآسي أخاف من أن ننسى فلسطين وقضيَّة السلام. وأحذِّر من سيناريوهات وتقسيمات جديدة للمنطقة.
أشكر مجَّددًا وسائل الإعلام، وأستمطر علينا جميعًا وعلى السينودس المقدَّس غزير نعم المخلِّص الإلهي وبركات أمّنا مريم العذراء سيدة البشارة شفيعة هذا الدير وهذا المقرّ البطريركي الصيفي في عين تراز.
وهكذا يمكننا من خلال هذا السينودس المقدَّس أن نعيش وحدة راعويَّة أخويَّة عميقة. وهكذا يمكننا أن نسبِّح بفمٍ واحدٍ وقلبٍ واحدٍ الله الآب والابن والرُّوح القدس الإله الواحد."