لبنان
11 حزيران 2017, 09:52

اليازجي في ذكرى حركة الشبيبة الارثوذكسية: لنتجنب المماحكات الكلامية ولنستعمل التكنولوجيا للبنيان ولنقل كلمة الحياة

أحيت الامانة العامة لحركة الشبيبة الارثوذكسية الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الحركة في يوبيلها الماسي، خلال حفل أَقيم في باحة ثانوية سيدة البلمند الفرع الفرنسي، برعاية بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الارثوذكس يوحنا العاشر اليازجي وحضوره الى النائب نضال طعمة، وكل من المطارنة دمسكينوس منصور، اغناطيوس الحوشي، غطاس هزيم وأنطونيوس الصوري، الوكيل البطريركي الأسقف افرام معلولي، والأسقف نيقولا أوزون، رئيس دير سيدة البلمند البطريركي الأرشمنديت رومانوس حنات، رئيس معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي الأب بورفيريوس جرجي ولفيف من الكهنة والشمامسة، اضافةً الى امين عام كنائس الشرق الأوسط الأب ميشال جلخ، المحامي جورج عطالله، مدير ثانوية سيدة البلمند عطية موسى ومدراء مدارس، رؤساء بلديات وقضاة، فاعليات، وحشد من الحركيين.

استهلّ الحفل بالصّلاة، ثمّ كلمة ترحيب وتعريف من باتي حداد، نوهت فيها بالحركة التي"سعت على مدى الكرسي الانطاكي أن تختبر حياة الجماعة وتلتزم هم الكنيسة على جميع المستويات، انطلاقاً من ايمانها وحبّها للسيد المسيح".

وتوجّه الأمين العام للحركة المهندس فادي نصر الى البطريرك اليازجي بالقول:"انّ عيدنا اليوم يعنيكم فوق ما يعنينا، خصوصاً أنّ هذا الالتزام الكلّي للرب الذي تقيمون فيه هذا الوله الذي تعيشونه بكنيسة على قلب الله، انّما نما وارتوى في هذا الحقل الذي رمينا جميعا فيه البذور. فقط انّه واجب البنوّة في المسيح تجاه الأبوّة التي تمثلون أن أحمل اليكم دعاء الاخوة في سائر مراكز الحركة وصلواتهم، لأجل أن يزيدكم الله صحةً وقوةً وحكمةً واعواماً تفي بحاجة كنيسة انطاكية الى رئاستكم، علنا نعاين اليوم كنيسة المسيح عروساً تشتهى في هذا العالم".

وأكّد أنّنا"لا نحتفل اليوم بذكرى تأسيس حركتنا، بل بذكرى ولادة كل منا في معمودية ممتدة مستمرة بالمسيح. هو عيدنا لأنّ بهذا الحدث كشف طريق خلاصنا. به استحالت حروف الانجيل قصيدة ايمان وحياة. به صارت الطقوس لغة وصلنا بالله، وصارت الصلاة نبضة قلب تسمع في السماء به صارت قاعات الكنائس منازل، وصار مرح الشباب خدمة. به كسرت الأنا، وصار الشخص خمير الجماعة، والجماعة صارت أمّ الاشخاص".

وشدّد على أنّ"كل ما يحيط بنا يدعونا الى عهد حركي متجدد، الى حضور متمايز يتوافق مع الحاجات والتحديات والمتغيرات الكنسية والاجتماعية الكبرى. في كنيستنا تغير الكثير ويتغير، ولعلّ أهمّه أنّنا نواكب انطلاقة عهد انطاكي جديد، بامامة غبطة البطريرك يوحنا العاشر، وهو الأمر الذي ينادينا للتّجند في خدمة كل خطوة تؤول الى أن يكون عهد فرح للمسيح بكنيسة أنطاكية". ونوّه بالعديد من الخطوات التي أطلقها البطريرك اليازجي.


وقال البطريرك اليازجي في كلمته:" نعمة ربنا يسوع المسيح فلتكن معكم، وتعضدكم وتقويكم وتثبتكم في محبة الله وكنيسته، وترشد خطواتكم في سعيكم لتمجيد اسمه القدوس في حياتكم وحياة الكنيسة. إنّه لفرح عظيم أن نجتمع اليوم معا، رعاة وأبناء، لإحياء الذكرى الخامسة والسبعين لانطلاقة حركة الشبيبة الأرثوذكسية. هذه الحركة التي من رحم الكنيسة ولدت، وبحبها لسيدها نمت وتقوت. فشعاع خدمة الحركة أضاء في كنيستنا الأنطاكية، على مدى عقود، جوانب كثيرة في حياتها. فقد غدت حركة كل محب لله ولكنيسته، وكل ساع إلى أن يحمل وجوه حياته، بالصلاة، إلى الرب، وكل تواق إلى أن يثبت في الرب بالتزام الممارسة الأسرارية، وكل ساع لأن تكون حياة الكنيسة كما شاء سيدها أن تكون، وكل عاشق لتجلي الوحدة في أي مجال أو صعيد كنسي".

وأكّد أنّ"المناسبة التي تجمعنا اليوم، لا تخص من انتمى إلى حركة الشبيبة الأرثوذكسية فقط، بل تشمل كل محبي المسيح وكنيسته في أنطاكية. هي تخص كل من يعمل لكي يعمد نور الله سعيه الشخصي إلى الخلاص وسعي كنيسته في العالم. إنّ القصد الذي شاءه الرب لكنيسة أنطاكية يوم ألهم روحه القدوس المؤسسين في ذلك اليوم المبارك من آذار العام 1942 أن يحيوا الحركة فيها، إنّما تكمن تجلياته في أن يعم الوعي والالتزام كل أبناء الكنيسة، وأن ينخرط هؤلاء في ورشة الكنيسة وفي سعيها المستمر، لكي تبقى على بهاء سيدها وتنقل نور إنجيله في العالم. وإذ أتينا على ذكر الأحبة المؤسسين، رسل "المحبة الأولى"، نرفع الصلوات إلى إلهنا كي يغدق على المنتقلين منهم رحمته، ويغمر نفوسهم بضياء قيامته، وأن يمدّ الأحياء، منهم، بأعوام من الصّحة المتوجة بالفرح بثمار تكرسهم لخدمة المسيح وكنيسة أنطاكية. وأخصّ بالذكر الأحباء، المطران جورج خضر والمطران يوحنا منصور والشماس اسبيرو جبور".

ورأى انّ الذكرى" تقودنا اليوم لنتأمّل أولاً سرّ الفداء، وأن نمده إلى عالمنا اليوم، بحيث نفتدي هذا الزمن الصعب، بالتفافنا حول الحمل الذبيح منذ إنشاء العالم، وبوحدتنا في وجه المخاطر الكثيرة التي تهدد شرقنا ووجودنا الفاعل في هذه البقعة التي أرادنا الله شهودا له فيها، فلا نلتهي عن الجوهر بالقشور، ولا نسمح للتشرذم بأن يتسلّل إلى صفوفنا. وهذا يدفعنا إلى أن نرسخ في "المحبة الأولى"، ونعمق معرفتنا بالسيد ونوطد التصاقنا به وبكلامه، فنشهد بوعي وحيوية لإيماننا الثابت بلغة تخاطب حاجات مؤمني اليوم وتطلعاتهم. فيسوع المسيح هو هو، وحاجة العالم إلى خلاصه لا تتغير مع تغيير الأزمنة بل تبقى هي هي. أمّا السؤال الكبير حول السبل التي علينا أن نسلكها من أجل تفعيل بشارتنا بالمسيح الظافر في وسط هذه المتغيرات المتسارعة التي يشهدها عالمنا، فهو سؤال يخصنا جميعاً ويدعونا الى أن نلملم ونوحد طاقاتنا من أجل بناء حضور أرثوذكسي فاعل يترجم عظمة إيماننا وحنان مسيحنا ومحبته للجميع. فشهادتنا، مدعوّة لأن تتكيف مع تقلب الأزمات والظروف وتتحرك معها. فكثيرة، وكبيرة هي أزمات منطقتنا وعالمنا التي تنادينا إلى أن نجسد في وسطها حضوراً إيمانيّاً انجيليّاً مفتقداً. فالإرهاب، بويلاته كافة، صار، للأسف، مشهداً مألوفاً ومؤلماً للجميع، والإنسان، خاصّةً في بلداننا ومنطقتنا، أمسى سلعة تتقاذفها مصالح الكبار. هذا، ناهيكم عن داء الاستهلاك المستعصي الذي يلازم هذه الأوضاع ويدفع شرائح شبابية إلى اللّهو عمّا يخدم خلاصها ومجتمعاتها وأوطانها، وعما يرتقي بهذه المجتمعات إلى حال المصالحة والسلام مع شعوبها المرتكزين على العدل بين الناس واحترام التنوع الإنساني".

أضاف:" نعلم، وتعلمون، أنّنا إن رنونا، بصدق، إلى شهادة فاعلة تفرح ربنا، لا مفر أمامنا من سلوك مدخلها الأوحد، أي السعي الصادق من أجل أن تكون حياتنا الكنسية واحة نقاوة ووحدة وأخوة يشتهيها العالم. فزرعنا الشهادي لن يرمى في أرض صالحة ويثمر ثماراً طيّبة إن لم ير العالم فينا تلاميذ للمعلم. فلئن كنا، في كنيسة يسوع، "نحمل هذا الكنز في أوان خزفية" إلا أنّ هذا لا يبطل أننا "افتدينا بثمن" وأن سعينا وجب أن يكون، دائماً، إلى قبول فداء الرب لنا في مسيرة توبة لا تهدأ. دينونتنا كبيرة إن هدأت توبتنا وفتر سعينا، وإن تلهينا عن وجهه بوجوهنا، وعن كنيسته بأطرنا. نحن مدعوّون لأن نجعل حضور الكنيسة في العالم تعبيراً صادقاً عن حضور الله في التاريخ، بكل ما لهذا الحضور من أبعاد. وهذا يتطلب أن نصبح قنوات ممهورة بختم الانجيل تشد إلى حلاوة يسوع. ليقتن كل منا الفضائل الشخصية، وليزدد صلاة ومعرفة. لنتحرر من الفردية المقززة ليسوع والناقضة لحياة كنيستنا. لنتجنب المماحكات الكلامية والصبيانية والشرنقة والتقوقع. لنستعمل التكنولوجيا والعلوم، ومن أهمّها وسائل التواصل الاجتماعي، للبنيان ولنقل كلمة الحياة، لا لتعميم النقد الهدام والكلام البطال. لنبن، معاً كنيسة المسيح في أنطاكية الحبيبة خارج الاصطفافات والتموضعات، وخارج ثقافة امتلاك الحقيقة وتكفير الآخر المختلف عنا. فالكنيسة تتسع لكل المواهب ونحن نصنعها جميعنا ومعاً كل يوم، بالركون لمشيئة سيدها، وبالحوار البناء في ما بيننا، وبالعمل الدؤوب من أجل تمتين الشركة والوحدة وترجمة المحبة تعاضدا في هذا الزمن الصعب. ولنرتفع بالفقراء، عطاء وفي الضمائر والقلوب، إلى حيث يمين الرب. لنبق أبناء الحق النابذين للظلم والخطيئة، الصارخين بالعدل منحنين كالعشار ومتحلين بالحكمة والتلطف والحرص على خلاص النفس وخلاص كل خاطئ تائب".

وشدّد على أنّ" تنقية الذات، الشخصية والجماعية، من الزؤان، وتنمية حنطة الرّب فيها، والتوق إلى أن تكون لنا نكهة مسيحنا لنكون في العالم ولا نكون منه، تجعلنا نستحق أن نكون أبناء هذه المناسبة التي نحييها اليوم. لقد زرعت حفنة قليلة من الأشخاص في تربة أنطاكية بالصلاة والدموع فأثمر زرعها لأنّ توبتها ما هدأت، ولأنها جدت في محبتها لمن "أحبّنا أولاً". فعيدنا اليوم يكون عيداً مباركاً إن جددنا عهد الحب والتوبة هذا الذي قطعه من سبقنا. وفي هذه المسيرة كل منا بحاجة إلى الآخر، وكل موهبة بحاجة إلى الأخرى. ولعل هذا يدعونا، خصوصاً اليوم، إلى شكر الرّب وتمتين وتنمية ما أعطي لنا بفضل تعب من سبقونا من خلال وحدتنا وتكاتفنا.
يقودني هذا إلى الكلام عن روح الوحدة في الكنيسة. هذه الروح ليست فقط وحدة في الكأس المشتركة، بل هي أيضاً ترجمةً حيّةً في واقع وحاضر الكنيسة. فمنطق الاستقلالية لا يتماشى ومنطق المحبة والخدمة والتضحية. الكنيسة تكامل بين أعضاء الجسد الواحد على كل مستوى. فالاستقلالية تقود إلى التشرذم بينما التكامل يقود إلى القوة. ولا بدّ لي هنا من التأكيد أنّ هذه الوحدة التي نرجو لا تعنينا نحن فقط المتواجدين في الوطن بل تشمل أبناءنا المتواجدين في بلاد الانتشار التي يعاني قسم كبير منها من حالات مستجدة طرحتها عليها الهجرة القسرية لكثير من أبنائنا".

أضاف:"أنتم، يا أحبّة، تدركون كم هي الصعوبات التي تواجه اليوم أبناء الانجيل في هذه المنطقة، وماهيّة الأسئلة المفصلية المطروحة في حياتنا، كمؤمنين، وكم تقتضي من تعاضد الطاقات للاجابة عليها؛ خاصّةً أنّ نتائجها لم توفر وجودنا في بلاد الانتشار. وتدركون، أيضاً، كم أنّ الأيام تزداد ظلمة وشعبنا تغلبه المعاناة، فدعونا نفكر سوية، ونعمل سويّة، ونصحّح ما أعوج معاً. ومعاً نبني ما يمدّ أيامنا بنوره المضيء، ونفوس الأبناء بوهج الشركة والفداء، وما يزيد الرب فرحا بكنيسته. والرب، في يقيني سيفرح بنا عندما نهدم الحائط الذي يفصل بين "الأنا والأنت"، وبين النحن والأنتم"، وعندما يرانا لا ننتقد بعضنا البعض في المجالس وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، بل نصارح بعضنا بعضاً، بما يظنه كل منّا الحقيقة المطلقة، بحنان المسيح ولطفه، ونتعلّم أن نكتشف معاً أنّ الحقيقة التي لا تسقط أبداً، هي تلك التي نكتشفها خلال الحوار المحب والبعيد عن الإدانة والأفكار المسبقة وتسمير الآخر على صورة اصطنعناها له في أذهاننا".

وركّز على"أنّ لقاءنا اليوم، ليس للاحتفال بتقادم السنوات على حركة الشبيبة الأرثوذكسية، بل لشكر الله على ما أعطى. وهو لقاء لتجديد عهد الحب ليسوع الذي هو يوبيلنا الدائم. وفي يوم اليوبيل هذا أدعوكم لأن تبنوا نفوسكم بضياء النور الذي كشفه الله لنا، وبدفء المحبة التي تتأنى وترفق وترجو والتي لا تسقط أبداً. وأن تتكرسوا لما يرتجيه الزمن الكنسي الآتي من شباب الرّب".

وختم:"على هذا الرجاء، تبقى دعوتي إليكم، وصلواتي لكم، لكي تثبتوا في الإيمان والحق والمحبة. حافظوا على تعب من سبقكم ولا تستهينوا بأتعاب كل من يخدم المسيح وكنيسته. لا تكيلوا ضعفات غيركم، ولكن لا تتهانوا مع ضعفاتكم. لا تساوموا على حق الله في الأرض، ولكن تنبهوا لكي لا تكسروا قصبة مرضوضة، أو أن تطفئوا فتيلاً مدخّناً. أحبّوا الجمال ولا تحتكروه لكم ولا تسجنوه في أناكم، بل اقتحموا به سائر الهياكل لتزيدوها جمالا وتزيدوه بها سحراً.
التصقوا أكثر فأكثر بالصلاة وبقراءة الكتاب وبالتكرس للمعرفة، املأوا الكنائس، احملوا كنيستكم، وأساقفتكم، في صلواتكم. أذكروا دائماً المعذّبين في الأرض واجهدوا في تخفيف عذاباتهم. صلّوا من أجل من هم في الضيقات ومن أجل المأسورين والمخطوفين، ولاسيّما أخوينا المغيبين المطران بولس والمطران يوحنا. كونوا شهوداً سلاميين لحق الانجيل مهما ندر الشهود، وانطلقوا إلى أعوامكم الآتية بفرح الحب والمشاركة والعطاء. لا تجمدوا الحركة في أطر، ولا تتجمدوا أنتم في قوالب تقتل الروح. وتذكّروا دائماً أنّ الحركة كانت هبوب الروح في أنطاكية. فتنقوا دائماً لتقتنوا الروح القدس، وتذكّروا بأنّ الروح يهبّ حيث يشاء، وكيفما يشاء، ويخلع كل الأبواب المغلقة".
تخلّل الحفل عرض فيلم أُعدّ للمناسبة وأناشيد.
وكان كوكتيل. كما أخذت صورة تذكاريّة.