المطران بو جوده: طرابلس مدينة العيش المشترك وقلعة جميع المواطنين
بداية الحفل، رحّب بو جوده بالحضور: "في شهر رمضان المبارك، الذي يدعا فيه المؤمنون إلى القيام بفحص ضمير ومراجعة حياة ليروا إلى أي مدى هم ملتزمون بمبادئ إيمانهم وبعيشها بروح الطاعة لما يطلبه منهم الرب، وإلى التساؤل عن الأولويات في حياتهم، هل هي لأمور الجسد فقط أم هي أيضا لأمور الروح"، مضيفاً: "للجسد دون شك حقوقه، لكنها لا يجب أن تطغى على أمور الروح، كما تعلمنا جميع الأديان، بخاصة الأديان الموحدة الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام. فالصوم والإنقطاع عن الطعام والشراب طيلة النهار، ولو سبّبا للمؤمن بعض المضايقات، بخاصة عندما يأتيان في فصل الصيف، فإن ذلك يفهمه أن عليه أن يعطي الأولوية لأمور الروح، فيسعى من خلال ذلك إلى تنقية ذاته وتطهيرها من كل الأدران، وكل ما يتراكم عليها من أوساخ".
وتابع: "للصوم بعد شخصي، أولاً لأنه يفرض على المؤمن بعض الممارسات الصعبة، فيتحملها بطيبة قلب معبراً بذلك عن طاعته لما يطلب منه الرب. لكن له أيضا بعداً إجتماعياً تدعو إليه، من ممارسة الزكاة التي هي من دعائم الإيمان الخمس، حيث تحضه على الإلتفات إلى الغير والإهتمام به، وبخاصة إلى المعوز والمحتاج الذي لا يستطيع غالباً أن يؤمن لنفسه ولعائلته أهم متطلبات الحياة اللآئقة والكريمة، وتعبر عن ذلك الموائد الرمضانية التي يقيمها الميسورون والأغنياء، والجمعيات الخيرية والإجتماعية طوال شهر رمضان.
ًكما أن المبالغ التي تجمع بهذه المناسبة توجه دائما بخدمة الفقراء، عملاً بما يقوله الرب في مختلف تعاليمه، ويذكرنا بذلك ما يقوله أشعيا النبي الذي يعطي المعنى الحقيقي للصوم فيقول: "يقولون: نصوم ولا تنظر، ونتضع وأنت لا تلاحظ، فيقول لكم الرب في يوم صومكم تجدون ملذاتكم وتسخرون جميع عمالكم. للمشاجرة والخصومة تصومون، وللضرب بقبضة الشر. صيام كصيامكم هذا اليوم لا يسمعني صلواتكم في العلاء، أهكذا يكون صوم أردته؟ يوماً واحداً يتضع فيه الإنسان؟
أم يكون بإحناء الرأس كالعشبة وإفتراش المسوح والرماد؟، صومكم لا يسمى صوماً ولا يوماً يرضى به الرب.، فالصوم الذي أريده هو أن تحل قيود الظلم وتفك مرابط النير، أن يطلق المنسحقون أحراراً وينزع كل نير عنهم، أن تفرش للجائع خبزك وتدخل المسكين الطريد بيتك، أن ترى العريان فتكسوه، ولا تتهرب من مساعدة قريبك. بذلك ينبثق كالصبح نورك وتزهر عافيتك سريعا" (أشعيا58/3-8)".
وقال: "يتوافق الإحتفال بهذا الشهر الفضيل في هذه السنة عند المسلمين، مع إحتفال المسيحيين بسنة الرحمة الإلهية التي دعا إليها البابا فرنسيس، الذي قال أنها "الشريعة الأساسية التي تقيم في قلب كل شخص عندما ينظر بعينين صادقتين إلى الأخ الذي يلتقيه في طريق الحياة". فالرحمة هي الطريق الذي يوحد الله والإنسان، حتى يفتح قلبه على الرجاء بأنه دائماً محبوب رغم خطيئته، لأن هناك أوقاتاً نكون فيها مدعوين بطريقة أكثر إلحاحاً لتثبيت نظرتنا إلى الرحمة، لنصبح نحن أيضاً علامة فعالة لعمل الله (وجه الرحمة 2-3). ويضيف البابا أن "تمتلك الرحمة قيمة تذهب أبعد من حدود الكنيسة، إنها تربطنا مع اليهودية والإسلام اللذين يعتبرانها من بين أبرز صفات الله. فإن صفحات العهد القديم ملأى بالرحمة، لأنها تخبر بالأعمال التي صنعها الرب لصالح شعبه في الأوقات الأشد صعوبة في تاريخه". من جهته فإن الإسلام يضع الرحمن الرحيم من بين أسماء الخالق. وبهذه الكلمتين يبدأ كل مسلم صلاته قائلاً: "بإسم الله الرحمن الرحيم". وإن هذا الإبتهال هو غالبا على شفاه المسلمين الذين يشعرون بأن الرحمة ترافقهم وتعضدهم في ضعفهم اليومي. فهم أيضاً يؤمنون بأن ما من أحد يستطيع أن يحد الرحمة الإلهية لأن أبوابها مفتوحة دائما للجميع (وجه الرحمة23)".
وأردف: "تتخذ العلاقة مع المؤمنين المسلمين أهمية عظمى في عصرنا. إنهم اليوم حاضرون في بلدان عدة ذات تقليد مسيحي، حيث يمكنهم الإحتفال بحرية بدينهم، ويعيشون مندمجين في المجتمع. ويجب ألا يغرب عن ذهننا البتة أنهم يعلنون أنهم على إيمان إبرهيم، يعبدون معنا الإله الواحد، الرحمن الرحيم الذي يدين الناس في اليوم الأخير (نور الأمم - المجمع المسكوني الثاني). عن هذا العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، الذي هو صفة مميزة للحياة في لبنان، يقول البابا القديس يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي: "رجاء جديد للبنان"، انهم عاشوا جنبا إلى جنب طوال قرون مديدة، حينا في سلم وتعاون وحينا في صراع ونزاع. ولذ فإنه يدعوهم ليجدوا في حوار يراعي مشاعر الأفراد والجماعات سبيلاً لا بد منه للعيش المشترك وبناء المجتمع. ويضيف قائلا: "إن على اللبنانيين ألا ينسوا تلك الخبرة الطويلة في العلاقات التي هم مدعوون إلى إستعادتها، بلا كلل، من أجل مصلحة الأشخاص والأمة برمتها. ولا يعقل أن يعيش أبناء مجتمع بشري واحد، على أرض واحدة، ويفضي بهم الأمر إلى عدم الثقة بعضهم ببعض والتخاصم والتنابذ بإسم الدين. وعلى هذا الحوار أن يتواصل على مستويات عدة، في الحياة اليومية والعمل، وفي الحياة الوطنية العملية. وان الخبرات العملية في ممارسة التضامن، هي ثروة لجميع الشعب، وخطوة واسعة هامة على طريق مصالحة الأفكار والقلوب، إذ بدونها لا يمكن القيام بعمل مشترك طويل الأمد. وأن الحكمة الطبيعية تقود الأفرقاء إلى تواصل بشري غني، وإلى تعاضد يمتن النسيج الإجتماعي"، (رجاء جديد للبنان عدد91)".
وقال بو جوده: "هذا الوصف يصح بصورة مميزة في طرابلس والشمال، حيث عاش المسيحيون والمسلمون طوال قرون عديدة وما يزالون. وان التاريخ شاهد على ذلك، فلا يصح أن توصف هذه المدينة بأنها فقط قلعة للمسلمين، ولا يصح للمؤرخين وبصورة خاصة لبعض الأخصائيين في التاريخ، أن يتكلموا فقط عن تاريخها الإسلامي ويتناسون أو يهملون تاريخها المسيحي مركزين فقط على الحروب الصليبية التي كانت صفحة سوداء في الكثير من مظاهرها ليس فقط على العلاقات بين المسيحيين والمسلمين، بل أيضاً على العلاقات بين المسيحيين مع بعضهم. والتاريخ يشهد أن الخلافات والحروب بين أبناء المجتمع الواحد والدين الواحد حصلت وما زالت تحصل منذ القديم وحتى أيامنا هذه، والذي نراه اليوم في العديد من البلدان العربية المجاورة أفضل شاهد على ذلك لسوء الحظ، وهو في نظرنا لا يعطي صورة حقيقية عن الإسلام، لا بل بإمكاننا القول أنه تشويه خطير للاسلام وليس له أية علاقة فيه".
وأضاف: "في مجتمعنا المعاصر، لم يعد يوجد أي بلد في العالم منغلقا على نفسه يعيش فيه فقط أبناء دين واحد. إننا نعيش عصر العولمة ليس فقط على الصعيد الإقتصادي، بل أيضاً على الصعيد الإجتماعي والديني حيث الجميع يتعاطون مع بعضهم في كل الأمور الإقتصادية والإجتماعية والسياسية بغض النظر عن إنتمائهم الديني. ونرى أن في بلدان الغرب الذي كان يوصف بالعالم المسيحي أصبحت المساجد والجوامع منتشرة في مختلف المدن بأعداد كبيرة، وحتى في عاصمة الكثلكة روما، مقر الكرسي الرسولي. كما أن الكنائس أصبحت موجودة في مختلف بلدان الخليج العربي ذات الأكثرية الإسلامية. ويذكر البابا فرنسيس في إرشاده الرسولي "فرح الإنجيل"، إن في كتب الإسلام المقدسة مقاطع كثيرة يرد فيها قسم من التعاليم المسيحية".
وأردف: "يضيف أن يسوع ومريم هما موضوع إكرام عميق، وإننا نرى شباناً وكباراً، رجالا ونساء مسلمين يكرسون بعض الوقت كل يوم للصلاة، والإشتراك بأمانة في طقوسهم الدينية. وفي الوقت عينه، فإنهم مقتنعون جداً أن حياتهم بكاملها هي من الله وله. ويقرون أيضا بضرورة الإستجابة لله بإلتزام خلقي ومعاملة الأكثر فقرا برحمة. كما أنه يدعو لدعم هذا الحوار مع الإسلام وتنشئة المتحاورين ليكونوا قادرين على التعرف على قيم الآخرين وإلقاء الضوء على القناعات المشتركة (فرح الإنجيل 252-253). وإسمحوا لي في الختام، أن أشير ولو بصورة عابرة إلى ما حدث مؤخراً في طرابلس في الإنتخابات البلدية والإختيارية لأقول وأردد ما قلته مرات كثيرة في وسائل الإعلام الإجتماعي، بأني لا أعتبر ذلك إستبعادا للمسيحيين وتهميشا لهم، بل إنهم كانوا لربما ضحية خلافات وصراع داخلي بين مختلف القوى السياسية من طائفة واحدة هي الطائفة الأكثرية العددية في المدينة، وعن نقص في الثقافة، وردة فعل طبيعية عند بعض فئات الشعب الطرابلسي الذين لم يعودوا معتادين على العيش المشترك مع مواطنيهم المسيحيين الذين إضطروا لمغادرة المدينة في ظروف قاسية لكنها كانت عابرة، بسبب ما حصل منذ ثمانينات القرن المنصرم. ويطيب لي بهذه المناسبة الإشارة إلى أمرين مهمين يؤكدان الإنتماء العضوي للمسيحيين إلى الجسم الطرابلسي، وهما إنتخاب الخوري جوزف نفاع إبن عكار إنتماء، وإبن طرابلس التل ولادة وإقامة كأسقف معاون لغبطة البطريرك الراعي، والخوري راشد شويري إبن باب التبانة ذي السجل رقم (6) كاهنا منذ عدة سنوات".
وختم بو جوده: "أعتبر أن من واجبنا نحن كمسؤولين دينيين، وأعضاء مجتمع مدني ومثقفين، أن نعمل يداً بيد لتخطي كل هذه الصعوبات، ولربما للعمل على إصلاح في قانون الإنتخابات البلدية يتيح الفرصة للأقليات العددية الحصول على مراكز في المجالس البلدية تؤهلهم للاسهام في العمل على الإنماء الإقتصادي والإجتماعي نظراً لما يتمتعون به من خبرات، ومن كونهم منخرطين في حياة المدينة بمختلف الإختصاصات التي تؤهلهم لذلك. وإننا نسعى إلى ذلك كمسؤولين دينيين من خلال اللقاءات التي تجمعنا في مختلف المناسبات الدينية والإجتماعية والوطنية لنعيد إلى هذه المدينة صورتها الحقيقية كمدينة للعيش المشترك، قلعة لجميع المواطنين على حد سواء يتحصنون فيه دفاعا عن القيم والأخلاق في مجتمع عالمي أصبحت فيه مهددة والإنسان فيه غالباً محتقراً ومذلولاً".
ثم تحدث المفتي الشعار، فقال: "مرحباً بكم في أمسية رمضانية، اكتسبت معنى مميزاً في حياتنا الوطنية، في الظاهر لقاء على مائدة افطار، وفي الباطن والواقع تواصل ومحبة واخاء وتكامل وتعاون، وكل منا من موقعه يكمل مسيرة الاخر في قضيتين أساسيتين، في صلاح الأفراد وصلاح المجتمع. قبل أن اتناول الكلمة والحديث الى حضراتكم، أريد أن أخصّ بتحية كبيرة الى هذا الفكر النير الذي استمعنا اليه في كلمة تستحق أن تقال في اعلى منابر القيم الفكرية والثقافية والدينية والاجتماعية. ولو أردت أن اسرد ما قال بدءاً من الصوم ومعناه واثاره ومضامينه، موصولا باثره الاجتماعي بقضية الزكاة، حيث التحسس بالقضية الاجتماعية وباخواننا وبابنائنا في المجتمع، مروراً بذاك الاطار الواسع الذي لن أجد أوسع منه وهو الرحمة. وقد سئلت يوماً، أن أقول صفة واحدة عن الاسلام أمام بعض الاجهزة الاعلامية الأميركية، عندما سالوني ما هو الاسلام بكلمتين فاجبت: "الاسلام دين التوحيد ودين الرحمة". أما الاطار الذي دندن عنه كثيراً عن طرابلس وتاريخها، لم أضطر يوماً أن أرد على المطران، ولن يكون اليوم، لكن أريد ان أقول له كلمة، قلتها للبطريرك الراعي، عندما أراد أن يتحدث عن المسيحية في الشرق، قلت له المسيحية في الشرق قبل الاسلام، والمسيحية في طرابلس قبل الاسلام، فهي موجودة في هذه البلاد قبل أن يكون النبي محمد عليه الصلاة والسلام، والرسالات السماوية كلها رسالات متكاملة، فكل رسالة تتمم التي قبلها وتكملها. ونحن نعتبر أنّ شرع ما قبلنا هو شرع لنا ما لم يرد نص، كما قال علماء الاصول في فقهنا الاسلامي".
وتناول أثر الصيام في صلاح الفرد، فقال: "رمضان هذا الشهر المبارك، كما ذكر المطران بالتحديد، فيه عودة الى الضمير، ونحن في فكرنا وثقافتنا الاسلامية نقول، عودة الى الفطرة السمحة، حيث يعود كل الى فطرته، ودينه، فتشتد العزائم، وتقبل على الخير، لذلك نرى أنّ الخير في رمضان يتضاعف كثيراً لأنّه شهر الخيرات والبركات، وشهر تصفد فيه الشياطين، فرمضان من شأنه أن يحقّق صلاحاً في نفوس الأفراد، لكن المشكلة أنّ صلاح الفرد كأنه هو الغاية الاولىا
والاخيرة، فنحن نريد أن يكون صلاح الفرد موصولاً بصلاح المجتمع، عبر صلاح الأسرة ذاك المجتمع الحاضن والكبير، ولا يجوز أبداً ان يكون الصلاح قاصراً على الفرد، وأن يكتفي كل مسلم أو كل فرد أن يكون صالحاً لنفسه، لأن الله قال في القران الكريم: "ان الله لا يضيع اجر المصلحين"، فالمصلح المغير ذاك الرمز الفاعل الايجابي الذي يبدأ عملية التغيير واصلاح الاخرين، ولا يكفي ابداً أن أكون صالحاً، انما يجب أن يسري هذا الاصلاح الى أسرتي واخواني، الى ربعي وقومي والى امتي ومجتمعي والى وطني، وربما صلاح الفرد ينعكس ايجاباً على صلاح الاسر في كثير من الاحيان، ولو بدأ مع الاسف يتراجع وربما يتاكل، لكن ينبغي أن نشدّ العزائم، ونستنهض الهمم، وأن نشعر وندرك، أن التكليف الالهي لكل واحد منا، كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الا يكتفي بصلاح نفسه، انما أن يقوم بعملية اصلاح غيره".
وأضاف: "أما الاطار الثالث فهو اصلاح المجتمع، فعملية التغيير تبدو لكل واحد منا بأنها قضية كبيرة وتحتاج الى حكومات ودول، والى مؤسسات، لكن أعتقد أنّ ما نحمله من الفكر والوعي، وثقافة متوازنة، ومن عقل مستنير، وحرص على مجتمعنا ووطننا، ينبغي أن يدفعنا لصناعة مناخ ثقافي، ولصناعة مناخ فكري، ولصناعة مناخ يشعر فيه كل مواطن بامنه الذاتي، وبانه مسؤول، ومكلف تجاه وطنه ومجتمه حتى يكون صالحاً بينه وبين نفسه، فلا يجوز أبداً أن يقتصر صلاحي على أن أقوم كل ليلة في المسجد، أو في البيت، أو مع مجموعة من اخواني العلماء، ينبغي أن يسري هذا الصلاح الى الاخر، هذا الصلاح، اذا سرى وانطلق تبدأ عملية الاصلاح، وهذه مهمتنا، وليس مهمة رجال الدين والعلماء وحدهم، هي مهمة كل غيور وكل صاحب ذي لب وبصيرة، كل من يدرك أنّه انسان، عنده رسالة في الحياة، رسالة الانسان ليست قاصرة أن اعلّم أولادي، وأن اتزوج وأن أنجب، وأن أكون مسروراً في حياتي، رسالة الاسلام هي اعمار الارض، فربنا استعمرنا في الارض، اي طلب منا اعمارها، هذه هي مسؤوليتنا وهذه هي بداية اصلاح للمجتمع الذي نعيش فيه".
وتابع: "يجب أن نرفع الصوت شيئاً فشيئاً على مراحل، ليشعر المجتمع أنّ هناك تياراً واعياً يحمل معه فكراً ناضجاً من أجل صلاح المجتمع، والوطن والدولة. نحن شعارنا في الاسلام "خير الناس أنفعهم للناس"، أي خير الناس وليس خير المسلمين، وليس خير أهل الكتاب، وهذا الشعار يجب ان يدفعنا لنقدم خيراً في كل يوم لمجتمعنا".
وأبدى اسفه لأن "يصل الوطن الى هذا المستوى، فمن يتحدث الان عن رئاسة الجمهورية؟، نحن ننتظر حلول موعد الجلسة في مجلس النواب، فيحضر بعض النواب ثم يعودون وكأن الوطن سائب، وليس له رجال. وحتى اذا قصر النواب، والاحزاب، والمسؤولون، عن القيام بواجبهم تجاه وطنهم، فينبغي أن نهب جميعاً في وجوههم وأن نتحرك"، مضيفاً: "هكذا يبقى لبنان سنتان من دون رئيس، وكأننا غنم سائبة في بوادي وجبال لا راعي لنا ولا مؤسسات، والكارثة أن المؤسسات بدأت تتلاشى، فلولا الجيش والقوى الامنية لضاع الوطن".
وتابع: "أريد أن اتحدث عن الصلاح، الذي يترجم الى اصلاح المجتمع والدولة والوطن، فينبغي أن يسمع النواب منا جميعاً، انهم ليسوا امام خيار أن لا يهرعوا ويهرولوا الى مجلس النواب، من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، ممثلوننا ينبغي أن يحملوا ويعبروا ويمثلوا ضميرنا، ورسالتنا، وأهدافنا، ولو كنا نحن الان نتحرك في مجتمعاتنا، ولو كان هذا الفكر أعطي الى الاخرين لتحركت في كل مناطق لبنان تيارات وطنية تحمل فكراً رائداً وناضجاً، فكراً ريادياً، حتى نضع الجميع أمام مسؤولياتهم، ولتكن الاستقالة منهم جميعاً، ليعودوا الى بيوتهم اذا أرادوا أن يتخلفوا عن أداء الرسالة في انتخاب رئيس للجمهورية، ثم هذا الفكر الفلسفي الجديد بأن الانسان مختار هو حرّ أن ينزل الى المجلس أم لا، هذا ليس فكراً ديموقراطياً، وليس فكراً قانونياً، ولا دستورياً، فانت مختار أن تنتخب فلان أو فلان، لكن أن لا تمارس عملك فهذا خلل في الانتظام العام الدستوري والوطني، وأنا أشعر أنّ هيبة رئاسة الجمهورية بدأت تتراجع، ولا أريد أن أقول أكثر، حتى لا أكون مشاركا في اضعافها، وانا اخاطب جميع اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، وكل حسب مذهبه، والله اذا ضاع لبنان سنبكي كثيراً، وسيبكي اللبنانيون كثيراً اذا ضاع الوطن، لن نجد وطنا في الدنيا يماثل لبنان، ولكن فليعذرني الأخوة المسيحيون اذا وجّهت اليهم الخطاب، اذا ضاع لبنان سيبكي المسيحيون مرتين، مرة لأنهم مواطنون، ومرة ثانية لأنهم أهل الحب، وليعذرني الموارنة كذلك، اذا ضاع الوطن، سيبكي الموارنة ثلاثة مرات، مرة لأنهم مواطنون، ومرة ثانية لأنهم مسيحيون أهل حب، وثالثة لأنهم مؤتمنون على الدستور، ينبغي أن نحدث ضجة في كل لبنان، ولا يجوز أن يهدأ لنا بال على الاطلاق، ولا يجوز أن نكتفي بكلمة أو خطاب أو مؤتمر صحافي، ربما سنضطر أن نقوم بمسيرات من أجل حمل النواب على أن يقوموا بواجبهم، ومسؤولياتهم، لبنان هذا الوطن أعطانا الكثير رغم كل الحرمان الموجود في عكار والضنة والهرمل، والكثير من مناطق لبنان، لكن رغم كل هذه الماسي فلبنان ملك أمام بقية الدول التي زرتها وعشت فيها، هذا الصلاح بأنك صاحب رسالة يجب أن يسري الى مجتمعك الى اخوانك وربعك والى كل من حولك ليستيقظ الجميع، ويعودوا الى ضمائرهم، ونحمل نوابنا قبل أن نطالب بسحب الثقة، الى أن يقوموا بواجبهم الوطني من أجل الحفاظ على لبنان".
وختم الشعار: "امل في أن لا أكون قد استرسلت او انفعلت، لكن القضية لا تتحمل منا بعد ذلك الهدوء أو الصمت على الاطلاق، فوضع لبنان يقض مضاجعنا، ويؤرقنا ويزعجنا أن يستمر هذا الوطن سنتين بدون رئيس جمهورية، ولا نستطيع أن ننتخب، من ذاك الذي يعتبر أكبر من الوطن، أي حزب، أي انسان أو فرد، لبنان ينبغي أن يكون اولاً، وينبغي أن نعمل نحن جميعاً من أجل الحفاظ على هذا الوطن. لا اريد أن أعود الى الوراء وأن أتحدث عن الانتخابات البلدية أو غير ذلك، طرابلس انتخبت المسيحيين عندما ينال المرشح المسيحي 14 الف و 15 الف صوت، هذا يدل على أنّ طرابلس لم تقاطع المسيحيين، وأنا اطمئن الجميع أنّه لا خوف من تصادم طائفي أو مذهبي، فطرابلس والشمال تعديا ذلك كله، وقيمة هذا الكلام أننا نقوله أمام رجال فكر، وفي منطقة لها في الوطن جذورها، كرمسده، قضاء زغرتا، من أقضية الشمال، ولبنان سيتعافى اذا تحرك امثالكم، ونحن في مقدمتكم".