المطران إبراهيم كرّس قبّ الياس وأهلها لشفاعة القدّيسة ريتا
بعد الإنجيل المقدّس، رحّب الأرشمنديت بو شعيا بالمطران ابراهيم، ثمّ كانت كلمة لراعي الأبرشيّة قال فيها:
"قدس الأرشمندريت المحبوب إيلي بو شعيا المحترم، المشهود لتفانيه في الخدمة والبنيان، المميّز في حكمته ورعايته ومحبّته الكبيرة. أشكره من كلّ قلبي مع كلّ مساعديه، خصوصًا لجنة الرّعيّة وأبنائها والجوقة والمتطوّعين في الخِدَم والمحسنين إلى هذه الكنيسة الشّامخة في قبّ الياس الأبيّة والمثاليّة بعيشها الواحد بين أهلها الطّيّبين، مقيمين ومغتربين. كما أشكركم جميعًا لحفاوة استقبّالكم وكرم ملقاكم الغالي جدًّا على قلبي وعلى قلب أبرشيّتنا الملكيّة العامرة.
أشكر قدس الأب أومير عبيدي كاهن رعيّتي ريّاق وحوش حالا والمسؤول عن الشّبيبة ومرشدها في الأبرشيّة وقدس الأب شربل راشد أمين سرّ المطرانيّة.
لقد أتيت إليكم اليوم بزيارتي الأولى لرعيّتكم برفقة ذخائر القدّيسة ريتا، القدّيسة الّتي نحبّها ونتّكل على شفاعتها وسوف أقوم بعد هذه الموعظة بتكريس بلدة قبّ الياس لشفاعتها وحمايتها. هي تدرك أنّ لا مستحيلَ عند الله وتريدنا أن نثق نحنُ بذلك أيضًا.
المناسبة إذًا تدعونا للتّأمّل بسيرة حياة هذه القدّيسة العظيمة، وللتّفكير بمسيرة حياتنا الشّخصيّة على ضوء قداسة ريتا. نحن ننسى أحيانًا كلماتِ يسوع لنا بعد كلّ أعجوبة: "إيمانك خلّصك"، الله لا يحتاج منّا إلى لائحة مطالب فقط لكن فوق كلّ شيء لائحة ثقة وإيمان بأنّ الله معنا بغضّ النّظر عن أوضاعنا إن كانت غاية في الجودة أو قِمّة في الضَّعف. لقد سمعنا يسوع عدّة مرّات يقول لتلاميذه: "يا قليلي الإيمان". هذا الإعلان الّذي سمعه التّلاميذ قد نسمعه نحن أيضًا عندما ينقص إيماننا ويتزعزع اتّكالنا على الرّبّ. كلّنا مدعوّون أن نقتدي بسيرة ريتا الّتي تزيّنت بالفضائل وتكلّلت بالقداسة والإيمان العميق. لا نريدُ أن يكون لجوؤنا إلى القدّيسين علامة كسلٍ روحيّ ومجرّد اتّكال سلبيّ عليهم لا يرتكز على أساس القيامة بالجهد المطلوب منّا، كما كان مطلوبًا منهم خلال مسيرة حجّهم في أرضنا هذه. فاللّجوء إلى القدّيسين ليس مجرّد بابٍ سهلٍ لتحقيق غاية وكفاية حاجة. القداسة ليست ضربة حظّ أو كالرّبح في اللّوتو لكنّه عناية لا تتوقّف وريّ لغرسة انغرست فينا لكي تنمو وتكبر وتثمر. فما النّفع من أن أتغنّى بتقواي وأفتخر بطول صلواتي وكثرة ترانيمي، بينما أنا غارق إلى فوق رأسي في محبّة ذاتي وكره الآخرين مختارًا الحِقد والحسد مسيرة حياة لا تتناسب أبدًا مع مشروع القداسة الّذي يتبنّاه المسيحيّون الحقيقيّون. وهل يعقل أن يكون فينا قداسة ونحن في فراغ أحدثه غياب المحبّة والتّواضع واحترام الآخرين. القدّيسون ليسوا رؤساء أحزاب تتصارع لأنّ لنا رئيسًا واحدًا هو رئيسُ السّلام وأبُ الدّهر الآتي. ليس في جوهر القداسة تناقضٌ ولا بين مكرّمي القدّيسين خصوماتٍ، بل تناغمٌ وانتماء لملك واحد لا يتلوّن ولا تأسره المصالح لأنّه هو الله، والله محبّة. في قوانين الدّول تُعطى لك الجنسيّة بحسب القوانين وقد تُسحب منك بإسم القانون أيضًا. لكنّ جنسيّة السّماء هي ملكُ أيدينا وقد أعطيت لنا إلى الأبد ولا أحد قادر أن يحرمنا منها إلّا إرادتُنا وقرارنا الحرّ.
أيّها الأحبّاء أبناء القدّيسة ريتا في قبّ الياس، إذا أردتم أن تكرّموا القدّيسة ريتا فإنّ لذلك طريق واحدة وهي أن تصيروا مثل ريتا. أحبّوا ريتا من أجل يسوع لأنّ القدّيسة ريتا تحبّكم من أجل يسوع هي لا تريد أن يحبّها أحدٌ في الدّنيا أكثر من يسوع وهي تدعوكم لأن تحبّوا الآخر من أجل يسوع. أعاد الله هذا العيد على هذه الرّعيّة المغروسة بيد الله وقراره في هذه البلدة وفي هذا البقاع الغالي. أعاد الله هذا العيد المبارك على كلّ اللّواتي يحملن اسم ريتا وعلى كلّ الّذين يحبّون هذه القدّيسة العظيمة. أدعوكم جميعًا في هذه اللّحظة أن تتابعوني في الصّلاة لكي نكرّس سويّة هذه البلدة العزيزة قبّ الياس بكلّ أبنائها وبترابها الغالي إلى شفاعة القدّيسة ريتا."
وفي نهاية عظته تلا إبراهيم الصّلاة التّالية مكرّسًا البلدة وأهلها لشفاعة القدّيسة ريتا: "أيّتها القدّيسة ريتا الفائقة الحنان. أيّتها العظيمة في السّماء وشفيعة الأمور المستحيلة. يا من حملتِ في حياتك صليب الألم والوجع واختبرتِ عذابات النّاس ومحَنِهِم. أنتِ يا من أحببتِ أعداءك وحملتِ على جبينكِ علامات حبّ المسيح وآلامه. أنظري إلينا نحن أبناءك وبناتك الّذين ركعوا أمامك بقلوب بائسة وحزن كبير على ما يصيب أهلنا في لبنان. نستغيث بك أيّتها الكلّيّة العذوبة لتهدئة أفكارنا المضطربة من أهوال العنف الّذي يضرب أرضنا وشعبنا. نريدك أنت يا مُختارة الله للدّفاع عن قضايانا المحقّة واحتياجاتنا الصّالحة في هذا الظّرف الشّديد الصّعوبة والخطورة. إلتمسي من لدن الله الرّحيم رحمة للمُضطهَدين وتوبة للخاطئين ولا تسمحي أن يطول أنينُ أبناءِ لبنانَ، بل امنحيهِم نعمةَ السّلام يا بحر الحنان. إنّنا اليوم نجدّد إعلان حبّنا لك أيّتها المحامية القديرة عن الأبرياء والضّعفاء ونضع ثقتنا ورجاءنا بك. ومن هذه الكنيسة نكرّس لك أهل قبّ الياس وأرض قبّ الياس لتكوني لهم شفيعة. نكرّس لك حاضر قبّ الياس ومستقبّلها ونتوسّل إليك أن تقبّلي تكريسنا هذا. يا بطلة الفضيلة كوني لنا اليوم بطلة السّلام. أبعدي عن لبنان شبح الانهيار والفوضى وقودينا إلى برّ أمان. أعينينا يا مُعينة البائسين. أشفقي علينا يا شفوقة. باركينا بالأمان واحملينا في قلبك الكلّيّ الوداعة. إمسحي أيّتها الطّاهرة الدّموع من عيون أطفالنا وشيوخنا وأمّهاتنا وكلّ المتألّمين في لبنان، وأهّليهم لنيل الثّواب الّذي تعدين به الودعاء والباكين.
بشفاعتك أيّتها القدّيسة العظيمة نتوسّل إلى الله الرّحيم أن يمنحنا النّعمة لكي نغفر لأعدائنا ونتأمّل في عذابات يسوع لننال عطفه وخلاصه وسلامه، الآن وكلّ أوان وإلى دهر الدّاهرين. آمين."
بعد القدّاس، التقى إبراهيم شبيبة الرّعيّة وتناول معهم أمورًا تهمّهم ودعاهم إلى عدم الخوف واليأس والتّمسّك بالأمل والرّجاء وبالكنيسة.