المركز الكاثوليكيّ للإعلام يطلق "مذود وصليب" للأب مازن متّوكا
شارك في النّدوة: مدير المركز الكاثوليكيّ للإعلام الخوري عبده أبو كسم، الكاتب والشّاعر الأب مازن متّوكا، مدير الدّراسات السّريانيّة في بطريركيّة أنطاكيا للسّريان الأرثوذكس الأب الرّاهب روجيه أخرس، والباحثة والكاتبة السّيّدة نجوى طعمه باسيل. وحضرها رئيس الرّهبنة الأفراميّة الأباتي حنّا ياكو، المونسنيور إيلي حمزو، رئيسة رهبنة مرسلات سيّدة المعونة الأمّ نيكول حرّو وعدد من الرّاهبات، الآباء فادي اسكندر، يوحنّا مراد، ودافيد ملكي، شمامسة إكليريكيّة سيّدة النّجاة الشّرفة، الرّهبنة الأفراميّة بنات أمّ الرّحمة، رهبنة القدّيسة كاترينا السّيانيّة، وإعلاميّون ومهتمّون.
أبو كسم
بداية رحّب الخوري عبده أبو كسم بالمنتدين والحضور باسم رئيس اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام المطران بولس مطر وقال:
"يسرّنا اليوم وبفرح أن نستقبل سيّدنا المطران مار متيّاس شارل مراد وكلّ الجماعة السّريانيّة الكاثوليكيّة في المركز الكاثوليكيّ للإعلام الّذي هو لكلّ الكنائس الكاثوليكيّة وغير الكاثوليكيّة.
نهنّىء الأب مازن متّوكا على هذا الكتاب الّذي كتبه بعاطفة وإيمان "مذود وصليب"، يعبّر فيه عن حقيقة إيمانه ومشاعره ودعوته الكهنوتيّة في أرض نحن خلقنا فيها لنحمل الصّليب.
نحن كمسيحيّين في هذا الشّرق مدعوّون أن نكون على استعداد دائم لحمل الصّليب، لأنّ يسوع حمل صليبه في هذا الشّرق، وأوّل صليب حمّلنا إيّاه يسوع وقت حمل صليبه على الجلجة في فلسطين وقال لنا "من يريد أن يتبعني فليحمل صليبه"، صليبنا ليس للزّينة صليبنا ليكون عونًا لنا في وقت الصّعوبات ووقت المحن، وحارسًا لنا وقت الأزمات. صليبنا ليكون معنا وقت الشّهادة الاستشهاد، نحن كنيسة الشّرق مبنيّة على دم الشّهداء أساساتها مغموسة بدم الشّهداء، كنيستنا في لبنان وفي سوريا وفي العراق ومصر وفلسطين هي واحدة جامعة مقدّسة رسوليّة، هي حلقة لا تنكسر وهي كنيسة يسوع المسيح الفادي والمصلوب وكنيسة القيامة.
في العراق الكنيسة السّريانيّة الّتي ينتمي إليها الأب مازن متّوكا، وأيضًا كلّ الآباء السّريان الكاثوليك الموجودين معنا اليوم إن كان في سوريا أو العراق كانوا شهودًا ليسوع المسيح. كنيسة العراق قدّمت الشّهداء وكّلنا نتذكّر الكهنة الّذين سقطوا إثر انفجار أو خطفوا أو ذبحوا، من مرارة هذا الصّليب الّذي فيه ألم وانتهاك لكرامة ولحقوق الإنسان كتب الأب متّوكا "مذود وصليب". مذود فيه بداية الحياة الجديدة بولادة سيّدنا يسوع المسيح، وصليب كان الطّريق الّتي أخذتنا إلى القيامة الجديدة مع يسوع المسيح القائم من بين الأموات. بهذا الرّجاء والإيمان المسيحيّ نحن علامة فارقة في هذا الشّرق نحن بذور للقداسة في هذا الشّرق، نحن رسالة يسوع المسيح في هذا الشّرق حياتنا فيها صعوبات كثيرة لكن فرح القيامة ينسينا ألم الصّليب.
ذهبنا إلى أرض العراق الأرض الواسعة وزرنا قره قوش وقوش، رأينا هذه الكنائس الكبيرة القديمة سنة 1993 ولكن عندما رأينا الحرب والدّمار الّذي صار، علمنا كم من التّراث كان ينضرب في تلك الأرض. ولكن عندما رأينا البطريرك يونان مع الأساقفة يقيمون القداديس في الموصل وقرهقوش وقوش مع النّاس القليلة الّتي عادت، رأينا علامة الرّجاء المسيحيّ وفهمنا ما معنى أنّنا نحن بذور في هذا الشّرق، فحبّة الحنطة تدفن في الأرض ولكن تعود وتعطي حبوبًا كثيرة، هكذا نحن المسيحيّون في هذا الشّرق.
أهنّىء الأب مازن متّوكا على هذا الكتاب، على هذه الرّوح، روح الفرح والرّجاء، وقراءة اليوم في هذا الكتاب لنعرّف العالم على الفرح المسيحيّ والرّجاء المسيحيّ المزروع في قلوبنا من خلال صليب سيّدنا يسوع المسيح".
متّوكا
ثمّ تحدّث الأب مازن متّوكا حول قراءة في كتاب "مذودٌ وصليب" خواطر شعريّة عن التّعزية والرّجاء لكنيسة المشرق. والبعد المسكونيّ فيه فقال:
“بين نخلة العراق وأرزة لبنان حكاية نُسجت خيوطها الذّهبيّة بسنابل حنطة الشّهادة للمسيح يسوع، فخلاصنا بإيماننا وبشهادتنا للمسيح يسوع ربّنا. فتكون لنا الحياة الأبديّة. وهكذا كان هذا الكتاب خبرة إصغاء لكلام المُعلّم يسوع المسيح المخلِّص. "من المذودِ إلى الصّليبِ طريقٌ حافلٌ بمحطّاتٍ غَيّرَتْ تاريخَ البشريةِّ، بدأتْ بالبشارةِ لتكسرَ صمتَ العُقرِ الرتيبِ، وتملأَ قلبَ العذراءِ بالمحبّةِ الفائضةِ للبشريّةِ الرّازحةِ تحتَ ثقلِ همومِها وتيهِها. ولتُعلّمَ الأجيالَ محبّةَ اللهِ الوافرةَ للإنسانِ؛ بـ"الكلمةِ" الّذي كانَ منذُ البدءِ ولا زالَ يُعلّمُ."
أتيتُكم بكلماتٍ سَمِعَت دويَّ انفجاراتٍ، وتلطَّخَتْ بدماءِ الشّهداءِ، وتحوَّلَت ليالي إلى دموعٍ انهمرت وصرخاتٍ شقَّتْ قلبَ السّماءِ ووصلَتْ إلى عرشِ اللهِ، الّذي تجسّدَ طفلاً مُضطهدًا في مذودٍ.
كتابي هذا، لا يرثي الكنيسةَ ورجالهَا الشّهداءَ، ولا يغرقُ في الظّلمةِ متلذّذًا بسوادِها، ولا يشحذُ تعاطفَ النّاسِ. إنّما هو خواطرُ شعريّةٌ ونثريّةٌ تُنشدُ السّلامَ مع الملائكةِ، والنّورَ بعدَ الظّلمةِ، والقيامةَ بعدَ الموتِ. لقد هزمَتْ الكنيسةُ الظّلمةَ وخرجِتْ منها متّشحةً بثيابٍ بيضاءَ ازدانَتْ بدماءِ الحملِ. وقد استهلمتُ من الكتاب المقدّس جُلّ كلماتي.
يُشجع المجمع الفاتيكانيّ الثّاني على ممارسة العمل المسكونيِّ لبلوغ الاتّحاد وأقتبس منه "وإنَّ الاهتِمامَ ببلُوغِ الاتحّادِ فرضٌ على الكنيسة كُلِّها جمعاء، سواءٌ في ذلك المؤمنون والرُّعاة، ويُلزِمُ كلَّ واحدٍ بحسب طَاقاتهِ، سواءٌ في الحياةِ اليوميّةِ وفي البُحوثِ اللّاهوتيّةِ والتّاريخيّةِ. وإنَّ مثلَ هذا الاهتمام يُظهِر، من بعضٍ الوجوه، الرّابطَ الأخويَّ الّذي يَربطُ بين المسيحيّين ويقودُ إلى تَمَامِ الوَحدة الكاملة، كما يُريدُها الله".
لم تكن صدفةً اختيار وذكر شخصيّات مختلف المذاهب والطّقوس من كنيسة المسيح في المشرق والغرب ووقفة مع الآباء المختطفين والشّهداء من جميع طوائف كنيسة المسيح في العراق خاصّةً كوني على معرفة وصداقة بهم. فمن الكنيسة السّريانيّة الأرثوذكسيةّ ذكرت في الخواطر ومُلحق الحواشي في آخرِ الكتاب امتدّت لأكثر من صفحة- فمن الأب الشّهيد بولس اسكندر بكر الشّهداء في الألف الثّالث والأب يوسف عادل عبّوديّ من كنيسة السّريان الأرثوذكس، والأخت الرّاهبة سيسيليا قلب يسوع، الأب رغيد كنّي ورفاقه الشّهداء والمثلّث الرّحمات مار بولس فرج رحو ورفاقه الشّهداء من الكنيسة الكلدانيّة. واستمرّ مسلسل الاستهداف في الخطف وتفجير الكنائس لنصعق بخبر اقتحام كنيسة سيّدة النّجاة للسّريان الكاثوليك في بغداد الّتي اسفر عنها إصابة واستشهاد العشرات من المصلّين ومن بينهم زميليّ في الدّراسة الأبوان ثائر عبدال ووسيم القسّ بطرس!
وفي حواشي صلاة شابّ عراقيّ كتبتُ: "هي صلاةٌ لكلِّ شابٍّ تألمَّ وأحبَّ بلدَهُ، فهو الحُلم ذاتُهُ..! والصّلاةُ ذاتُهَا للشّبيبةِ اللّبنانيّةِ والمصريّةِ والسّوريّةِ والفلسطينيّةِ، وكلِّ بلادِنا الشّرقيّةِ!. ونواصلُ صلاتَنا وتضرّعَنا للهِ لربّنا ومْن أجلِ المختطفينَ والمفقودينَ وبالأخصّ: "المطرانَين يوحنّا إبراهيم وبولس اليازجي والأبوَين ميشال كيّال وإسحق محفوظ وجميعِ المفقودينَ مْن كلِّ البلدانِ".
طرحت همّي ووجعي ليخفّ باتّحاد القلوب بين المؤمنين بالمسيح مُخاطِبًا الأخ "روجيه شوتز" مؤسّس جماعةِ "تيزيه" Taizé ، ومعروفٌ أنها جماعةٌ رهبانيّةٌ مسكونيّةٌ لا تنتمي لأيّ طائفةٍ، تجمَعُ بين البروتستانت والكاثوليك والأرثوذكس تعملُ على تعزيزِ روحِ الوحدةِ بين المسيحيّينَ تأسّست في فرنسا منذ عام 1942.
رحل باني الجسورِ، يا رسولَ الوحدةِ اليسوعيَّة. أنت صدىً لنداءِ المعلّم، في صلاتهِ الكهنوتيَّةْ "ليَكونوا بأجمعِهم واحدًا"، جمعتَ بالصّلاةِ، ووحّدتَ قلوبَ الشّبيبةِ المسيحيَّةْ. بالصّلاةِ، والتّسبيحِ، والخدمةِ المجانيَّةْ.
بذلْتُ جهدًا في اختيارِ جميعِ اللّوحاتِ الفنِّيَّةِ واللّقطاتِ المُعبِّرةِ لِتضفيَ تناغمًا بينَ الكلمةِ والصّورةِ كونَ الصّورةِ تختزلُ آلافَ الكلماتِ وتقومُ بتقديمِ معانٍ ودلالاتٍ إضافيَّةٍ لِلموضوعِ فزيّنت اللّوحات والصّور الملوّنة الكتاب من فنّانين عالميّين وفنّانين محلّيّين كبارًا وشبابًا ومصوّرين وثائقيّين من مختلف الكنائس.
بعد تحرير الموصل وزيارة الكهنة أو الأساقفة للكنائس المدمّرة والمجرفة! وإزاء هذه المشاهد انهمرت دموع المطران "مار نيقوديمس متّي داؤد شرف" فكتبت حينها "عندما يبكي الأبطالْ. .ليس من أجل الأحجارْ! بل ممّا خلّفهُ الشّرُّ من دمارْ!".
كوننا في زمن الكنيسة زمن الرّوح القدس الّذي يجمع المؤمنين ويوحّدهم بخاطرة: "أنا معكم"... نادى يسوعُ الرّسلَ "يا تلاميذَ القيامَةْ.. أُرسلُ لكم نسمةَ الرّوحِ كحمامَةْ، تَهديكم.. وتُهديكم.. للطّريق الحقِّ كعلامَةْ، تجـمعُ، تُوحّدُ القلوبَ، وتنشُرُ السّلامَ".
باسيل
ثم تحدّثت الكاتبة نجوى طعمه باسيل حول كنيسة الشّهداء فقالت:
"شهادةُ اليوم آتيَةٌ من كنيسة العراق. حيث كشف الدمُّ المسكوبُ، وحشيَّةَ من سَفكَهُ. فالأمرُ الحاسمُ في حياة الشّهداءِ المسيحيّين هو يسوع المسيح ذاته.
يضعنا الأب مازن في الجزء الأخير من كتابه "مذود وصليب" في حالِ مثولٍ أصيلٍ أمام المسيح المصلوب وأمام شهدائه. مُتلمِّسًا وجهَه في وجوههم. ومُترقِّبًا أنوار القيامة في وهدة الفاجعة والمأساة. كنيسة العراق كنيسة الشّهداء عبر تاريخها حتّى يومنا هذا. تاريخ هو حياةٌ، فِعلٌ، واقعٌ، خِبرةٌ ووجود.
حُبٌّ للمسيح، يتنفّسُ هذا الكتاب. يتكلّمُ الكاتبُ عن سياسةٍ مُخَطَّطَةٍ مرسومةٍ لمقاومةِ المسيح ومَحوِ آثارِه كلِّها وصلبِه كلّ يوم. يتكلّم عن الشّهادة وكيف أنّه في وجه هذا الاضطهاد العارم، لم يَستَحِ الشّهداءُ من مسيحيّتِهم، ولم يخفوها، ولم يُلطِّفوا من حِدَّتها، ولم يتنازلوا عن الإجهار بها، ولم يقوموا بتَسوياتِ وتكييفات، ولم ينسحبوا من معركة الصّمود الرّوحيّ، ولم يلجَأوا لألفِ حيلةٍ وحيلة بقَصد التهّرّبِ من صليبِ الاضطهاد، ولم يَجبُنوا في الشّهادة للحقّ وللحقيقة. هم اكتفوا بالمسيح يسوع عِوضًا من العالم كلّه. المسيح أعطاهم هذا الاكتفاء. أحبّوا المسيحَ في حدِّ ذاته لأنّه أحبّهم وبذَل نفسه عنهم.
كنيسة المشرق الّتي، وفي طريقها الحرِجِ على مَرّ الأجيال والقرون، عانت من اضطهاداتٍ وضغوطٍ ومضايقات، عرَفَت كيف تبقى أمينةً لمُخلِّصها وإلهِها. صرخةُ الكاتب أمام مشهدِ ألَم البريء، العَصِيِّ عن الفهم في اللّحظة الآنيّة، جعلَته يُدرك بثباتٍ، أنّ اللهَ لا بُدّ من أن يُفهمَه إيَّاه في هذه الحياة أو ما بعدها. كم مرّةٍ بالفعل، لم نفهم سرَّ ألَمِ البريء حين وقعَ، وفهمناه بعد سنين.
هذا ما عاشه واختبَرَه الأب مازن يوم اغتيال رفاقه فوق الرّصيف، ويوم تفجير الكنائس بالمؤمنين، ويوم مقتل أهله في عقر دارهم في الموصل، ويم خطفه هو لتسعة أيّام. يسوع المسيح المنتصر على الموت قلَبَ وعلى طريقته، الشّرَّ إلى خيرٍ والظّلمةَ إلى أنوار.
شخصُ المسيح في اختبار الشّهادة هو شيء حقيقيٌّ، جديدٌ، مطلَق، هائلٌ، يعطي كلَّ شيء قيمتَه ومعناه. من هنا نلحظ الوضعَ النّفسيَّ الدّاخليّ الّذي احتوى الكاتب وما يكتب عنه، وهو تلك اللّيونة والانفتاح الدّاخليَّين. من لم يَعِش هذا الاختبار العظيم، لا يعرف شيئًا من قدرة المسيح وثقتِه ومعنى انتصارِه. بل لا يعرفُ المسيح. الكاتبُ ورفاقُه الشّهداء عاشوا هذا الاختبار. رحلوا هم وحمّلوهُ تَبِعةّ دمائهم. ويرسُم الكاتبُ ملامحَ الشّهيدَ والشّاهدَ المسيحيَّ الأصيل: “يعيشُ في الحقّ أيّ بالقرب من المسيح ويقول حقيقة الإنجيل بكلامه وبحياته؛ وهو يرفع حاجزًا ضدّ التّعسّف الشّموليّ الّذي يُقَوِّض قيمة الإنسان. يصغي الى صوت الضّمير ويفعل ما تمليه عليه حرّيّةُ الضّمير؛ ويقف بمواجهةٍ مع الشّرّ والظّلم بكلِّ وعيٍ ومسؤوليّة لأنّه يحترقُ غيرةً وحبًّا للمسيح.
كما ذهبَ شهداءُ كنيسةِ العراقِ الى أقصى مكانٍ، الشّهادةُ بالدَّمّ، على الكنيسةِ أن تذهبَ الى أقصى ارتفاعٍ، إعلانِ قداستِهم، اعترافًا منها لهُم بسِعَةِ إدراكِها ومسؤوليّتِها حيالَ دمائِهم المُهراقةِ. والبابا فرنسيس قال عن شهداء الكنيسة "لا شيء أكثر من الشّهادة يمكن أن يعطيَ ميزةً خاصّةً للمسيحيّ، ألا وهي، مشاركتُه في تاريخ خلاص البشريّة".
أخرس
بدوره تحدّث الأب روجيه يوسف أخرس فقال:
"مذودٌ وصليبٌ، هو باكورةٌ مباركة لأعمال الأب الموقّر مازن متّوكا، امتزجتْ فيه محبّة الكاتب الأبويّة مع لواعج الألم الّتي تخترق فؤاده المتفطّر بانسلاخه عن أحبّاء غوالٍ. وهذان الشّعوران أعني المحبّة والألم صنوان، اعتُصِرا في صدر الكاتب، وتقطّرا خواطرَ وتأمّلات مسجّعةً، نمّتْ عن روحٍ هامت بمحبّة الباري وذاقت الألم بحلاوة الإيمان، وراحت تُفرغ مكنوناتها بأسلوب لطيفٍ، مُرهَفٍ، يعكس طبيعة كاتبها.
المحبّة تدفع إلى قبول الألم واحتمال صنوف المحن. هي المحبّة أتت بالربّ إلى مذود وإلى صليب، يتقابلان في فكر الكنيسة المقدّسة وفي خواطر الأب مازن.
يطيب لي أن أقيم مقارنةً بين القسم الأوّل من الكتاب، "خواطر وتأمّلات لزمن الميلاد…"، وما نلقاه لدى أوّل من ألّف أناشيدًا للميلاد، ألا وهو نبيّ السّريان مار أفرام الّذي ترك بصماته على صلواتنا السّريانيّة منذ ستة عشر قرنًا ونيّف".
وقال في أناشيده الميلاديّة، يتحدّث مار أفرام عن شهر كانون، فيصف الألوان الحمراء الّتي يخلعها عيد الميلاد في قدومه على كلّ الزّينات. لكنّ ألوانَ الأرجوان والفرح الّتي يخلعها كانون على زينة العيد في شعر أفرام، توقظ في خاطر الأب مازن ذكريات الدّماء القانية، دماء الشّهداء، وكأنّي بها تذكّرنا بأنّ خمرة الصّليب ممزوجة بحُمرة الميلاد "“وترابُكَ يا بلدي يُخضّب بلونِ الحنّاء! دماءٌ دماء… دموعٌ واستياء!".
إذا تحدّثنا عن الأسلوب، فأفرام ذائع الصّيت بالمقابلات والمفارقات، كقوله: "حين كان على الصّليب.. أحيا الموتى؛ هكذا وَهُوَ جَنين.. كان يُصوَّرُ الأجِنّة"، والأب مازن المتشرّب الفكر الأفراميّ في اللّيتورجيا السّريانيّة، يُكثر من هذه المقابلات، فيقول على سبيل المثال "مذودٌ وصليب، تباينٌ عجيب! مذودٌ وصليب… احتضنا يسوع الحبيب".
في شعر مار أفرام أيضًا، تتعجّب مريم من هذا الطّفل الشّيخ، فتقول: "كم أعجَبُ! وقد وُضع أمامي..طفلٌ شيخ"، إنّ مناغيات مريم لطفلها هي أكثر ما اشتهرت به أناشيد الميلاد الأفراميّة. وعلى منوالها نسج الأب مازن، فقال "احتضنتْ أمٌّ طفلَها بالمقل، بالدّمعِ خاطبتْهُ بدلَ القُبَلْ. وعذراءٌ تناغي رضيعَها البكرَ، بُنيَّ، بِمَن عنكَ أنشغِلْ!".
لدى مار أفرام ليست العذراء مريم أمّ يسوع وأمتَه فقط، بل أيضًا أخته مع سائر البشر، وخطيبته مع كلّ امرأةٍ عفيفة، أمّا يسوع فهو جمال أمّه "إنّها أمُّك هي وحدَها، وإنّها أختُكَ معَ الجميع". ويتأمّل أيضًا الأب مازن جمالَ الطّفل يسوع، فيصفه بهذه الكلمات: "يا ملكَ القلوب، يا أبهى طفلٍ محبوبْ. اجعلْني أضمّكَ بمقلتيّ، فأبصرَ جمالَكَ اللّامحدود".
ولا يفوتُ الأب مازن التّأمّل بمذود المغارة، وبيسوع خبز الحياة فيه، فيقول: "مذودٌ يُزادُ فيه الطّعام، وُلِدَ فيه من جعلَ من جسده طعام!".
أخيرًا، يُلفت في شعر الأب مازن تأوينه للحدث فما حدث "في تلك اللّيلة"، حدث "اليوم". خلاص الأمس، هو خلاص "اليوم". يقول "وأنتم لا تخافوا" فقد وُلِد في مدينتكم وقلوبِكم "المخلّص".
ختامًا، دعائي أن يبارك الرّبّ كلّ عملٍ تقومون به، أبانا الموقّر، وسليلَ الآباء الرّوحيّين الميامين، فلا تبخلوا علينا بمزيدٍ من الثّمار الشّهيّة، لأنّنا منكم تعلّمنا ومنكم نرجو أن نستزيد".
مراد
وفي الختام تحدّث المطران مار متياس شارل مراد فقال:
"باسم الكنيسة السّريانيةّ أشكركم وأشكر الأب مازن على كتابه، أشكره أنّه في بعد ناس عم تكتب كتب، اشتقنا للكتاب صرنا هلّق بالتّطوّر Ipad – Cellulaire ما بقا عم نلمس الورق، كثير مهمّ أن نرجع نعيش ونبني هالعلاقة مع الورق وريحة الكتاب والكلمات... هيدا ما نفقده في مجتمعنا وحياتنا وأصبحنا نفضل الأمور الرّقميّة والأمور السّريعة. أنا باسمكم أشكر أبونا مازن وانشالله الكتاب الثّاني نذهب إلى العراق ونعمل ندوة في العراق، ونشكر المركز وعلى رأسه المطران بولس مطر ودايمًا أن يكون هذا المنبر منبر الثّقافة والإعلام والمحبّة، لأنّ مجتمعنا بحاجة إلى هذا الرّقيّ لنعطي صورة حلوة عن المسيح وعن الصّليب وعن مسيحيّتنا والرّبّ يبارككم".