عبد السّاتر: لنعمل باستمرار وبجرأة من أجل السّلام الحقيقيّ
وقال عبد السّاتر في عظته بحسب إعلام الأبرشيّة: "في أوّل كلمة له خلال زيارته المباركة للبنان، توجَّه قداسة البابا لاون الرّابع عشر بكلامه إلى فخامة رئيس الجمهوريّة وإلى المسؤولين المدنيّين والرّوحيّين الحاضرين في القصر الجمهوريّ: "كونوا فعلة سلام." وتابع: "أنتم شعب لا يستسلم بل أنتم شعب يعرف كيف يواجه المصاعب والمحن بشجاعة. ثباتكم في وجه التّحدّيات هو ميزة أساسيّة لفاعلي السّلام الحقيقيّين". وأضافَ: "وصنع السّلام هو استعداد مستمرّ للبدء من جديد. إنّ حبّ السّلام والالتزام به لا يعرفان الخوف أمام الإخفاقات ولا ينهزمان بسبب الخيبات... بناءُ السّلام يتطلّب عنادًا، وإنماءُ الحياة يتطلّب ثباتًا".
جاء قداسته إلى لبنان ليشجّعنا على صنع السّلام في وطننا وفي المنطقة من دون خوف ومن دون تعب ولا يأس. والسّلام لا يكون أبدًا ثمرة الحروب بين الشّعوب ولا ثمرة الاقتتال بين أهل البلد الواحد. السّلام الحقيقيّ لا يقوم إلّا على محبّة الآخر وعلى قبول تميّزه في فكره ودينه وجنسه وعلى احترام حقوقه ومنها حقّه في العيش الكريم وخصوصًا في شيخوخته وفي التّنقّل الحرّ والملكيّة الخاصّة وحقِّه بالتّعلّم. وهذه حقوق من واجب الدّولة تأمينُها وحمايتُها.
السّلام الحقيقيّ، يا إخوتي وأخواتي، ليس فقط غياب الحرب بل هو أيضًا تحقيق العدالة الاجتماعيّة والمساواةِ بين النّاس. والسّلام الحقيقيّ يتطلّب منّا جميعًا العناية بالفقير وبالعجوز وبالطّفل وحمايتِهم من الاعتداء والاستغلال. والسّلام الحقيقيّ يقوم أيضًا على رفع الغبن عن المواطن الكادح كإعادة أموال المودعين ضمن خطّة ماليّة سليمة تتضمّن إصلاحَ القطاع المصرفيّ وتنشيطَ الاقتصاد وعدم المساس بالاحتياط الاستراتيجيّ للمصرف المركزيّ وتحميلَ أصحاب المصارف المخالفين مسؤوليّة ما ارتكبوه. وتحقيق السّلام الحقيقيّ يفرض علينا أيضًا الامتناع عن الاستقواء بالخارج وعن التّحريض الدّينيّ والسّياسيّ وعن تخوين الآخر وعن لهجة التّحدّي، ويَفترض التّربية على المواطنة وعلى التّضامن مع الآخر من أجل بناء الوطن والإنسان فيه.
إخوتي وأخواتي، تجسّد الإله الابن ووُلِد في بيت لحم ووُضِع في مذود لأنّه أراد أن يدخل حياة كلِّ إنسان مهما كان فيخلِّصه من الموت الأبديّ. الله صار إنسانًا ليعيش كلُّ إنسان ومن اليوم في قلب الله ويستمرَّ فيه حتّى وقتِ مشاهدتِه وجهًا لوجه. جاء الرّبّ يسوع أرضنا حتّى يحيي كلَّ واحد منّا وليس ليميتنا. حلَّ بيننا ليضع الفرح الّذي لا ينتهي في النّفوس وليضع السّلام على الأرض. فلنسلّمه ذواتَنا حتّى يحوِّلنا إلى رسل محبّة حقيقيّين يعملون من أجل الإنسان وخيره ولا يسجدون لإله المال المتسلّط على العالم ولا يحابون وجوه الحكّام والمتزعّمين. لنعمل بحسب إرادته فنحافظ على كرامة الآخرين ونعتني بالمرذول وبالغريب حتّى لا نُشبه أهالي بيت لحمَ الّذين لم يقبلوه في بيوتهم ولم يكرّموه.
إخوتي وأخواتي، لنعمل باستمرار وبجرأة من أجل السّلام الحقيقيّ. فلنبتعد عمّن يحرّض على أخيه ومن يده سريعة إلى الاقتتال ومن يقسّم ولا يوحِّد. ولنُسقط كلَّ مسؤول فاسد ومفسد ولندعم كلَّ مسؤول نزيه. لنجتهد في تحقيق العدالة الاجتماعيّة ولنطالب بحقوق الضّعيف وبالعدالة لمن ينتظرونها منذ خمس سنوات. ولنعمل ما طلبه الرّبّ منّا في إنجيل متّى: فلنطعم الجائع من خبزنا بدل أن نهدرَ ما نملك في تفاهات زائلة، لنكسُ العريان بدل أن نكدّس ثيابًا ستتعفّن في أدراجنا، ولنسقِ العطشان بدل أن نملأ بطوننا بمشروبات غالية الثّمن، ولنعزّ المحزون ونزر المريض حتّى نستطيع أن نتقرَّبَ من تناولِ جسد الرّبّ ومن قول: وُلِد المسيح، هلّلويا!".
