دينيّة
17 شباط 2025, 08:00

القدّيس ثيوذوروس التّيرونيّ

أرزة البيطار
القدّيس ثيوذوروس التّيرونيّ ومعنى اسمه في اليونانيّة هديَّة الله أو عطيّة الله. أمّا التّيرونيّ فهو لقبٌ ومعناه المجنَّد حديثًا، وبحسب بعض المراجع، إنَّ مردَّه يعود لانتماء القدّيس إلى الفيلق التّريانيّ الّذي كان فرقةً عسكريَّة تضمُّ النُّخبة من الجنود.

المعلوماتُ عن مسيرة حياته قد استمدَّت بأغلبها من عظةٍ للقدّيس غريغوريوس النّيصصيّ الّتي ألقاها عند زيارةِ ضريحه. 

موطنه الأصليّ وزمانه غير معروفين، لكنَّ بعض الدّارسين يشيرون إلى أنَّه قد يكون من سوريا أو من أرمينيا، وأنَّه عاش بين أواخر القرن الثّالث وأوائل القرن الرّابع م.

وفي تفاصيل مسيرة القدّيس الاستشهاديَّة، فقد تزامن وصول الفرقة الّتي كان جنديًّا فيها إلى أماسيا لقضاء فصل الشِّتاء. هناك كانت حربٌ دمويَّةٌ قائمةٌ على المسيحيّين، بحيثُ كان عليهم حينها اختيار الوثنيَّة أو الموت. 

هنا برز القدّيس كمثالٍ للاستقامة والإيمان الحقيقيّين بيسوع المسيح، إذ كان قدر تربّى على التَّقوى والفضيلة. فلم تُخِفه التَّهديدات ولم تمنعه من المجاهرة بالحقّ.

وإذ استيق للمحاكمة سُئل عن مصدر جرأته في معارضة قرار الإمبراطور وتكريم آلهته، فأجابهم بأنّ إلهه واحدٌ، وأنَّ من يطلقون عليهم إسم آلهةٍ إنَّما هم شياطين، وأنَّه مستعدٌّ للموت بفرحٍ من أجل إيمانه. 

فطرح عليه أحد الضُّباط سؤالًا بهدف السُّخرية بقوله: "ماذا يا ثيوذوروس الله وَلَدَ؟ كيف ذلك؟ أَلَهُ أولادٌ كالنّاس؟ أَلَهُ شهواتٌ كشهواتِ النَّاسِ ويَعرِفُ مثلَهُم توتُّراتِ الجَسَد؟" 

فأجابه بحزمٍ وثقَةٍ وأخرسه بقوله: "ليس الإله الّذي أعبد عرضةً للضُّعفات ولا لتوتُّرات البشر النّابية. صحيحٌ أنَّهُ أَولَدَ إبنًا لكنَّه أَولَدَهُ على نحوٍ إلهيٍّ، وإيلادُهُ العجيب لإبنه هو إلهيٌّ بالكلِّيَّة. أمّا أنت أيُّها المتهكِّم الخبيث، فكيف تجعل من إمرأةٍ إلهةً أما تخجل من عبادة إلهةٍ تعاني آلام الطَّلق وتنجب آلهةً أطفالًا كما الأرنبة خرانقها والخنزيرة البريَّة خنانيصها؟"

أمام موقفه الحازم، وبنيَّةٍ خبيثةٍ تراجع الحكّام عن إعدامه وقرَّروا أن يعطوه وقتًا ليفكِّر ويعود عن ضلاله. فما كان من القدّيس إلّا أن أحرق هيكلًا لأُمِّ الآلهة في أماسيا ورمَّده بِرُمَّته. فقبضوا عليه ثانيةً، فخاطبهم بكلِّ جرأةٍ وإيمانٍ وأفحمهم، فحاولوا استرضاءَه بالوعود والمراكز فأبى وسخر منهم وأبدى شفقةً على الأباطرة والكهنة وعبّاد الأصنام، فأثارت كلماته سخطهم وأحالوه للتَّعذيب. 

تحت سطوة التَّعذيب أيضًا لم يبدِ القدّيس أيَّ نوعٍ من أنواع الاضطراب أو التَّراجع بل كان يُردِّد: "أبارك الرّبّ في كلِّ حينٍ. تسبحته في فمي في كلِّ آنٍ." 

بعد التَّعذيب اُلقي القدّيس في السِّجن، حيث لحَظَ الحرَّاس انبعاثًا للأناشيد طول اللّيل، وأضيء المكانُ بالمشاعل. ولمّا دخل الحرّاس ليعرفوا السَّبب لم يجدوا شيئًا، فقد كان القدّيس مرتاحًا وبقيَّة المساجين في سباتٍ عميقٍ.

ولمّا رأى القضاة والحكّام أنّ لا جدوى من ارتداده إلى الوثنيَّة حكموا عليه بالموت حرقًا. وقد ورد في بعض المصادر أنَّ سيِّدةً أخذت رفاته وأقامت له ضريحًا، يُرجَّح أنَّه في أوخاييطا. 

يرتبط إسم القدّيس بأعاجيبَ كثيرةٍ، فقد كان ضريحه محجَّةً للمتوافدين إليه بايمانٍ ولكنَّ أبرزها القمح المسلوق. ففي العام 361 أمر الإمبراطور يوليانوس الجاحد، أن يُدنَّسَ طعام المسيحيّين في الأسواق بدمِ الذَّبائِحِ المُقدَّمَة للأوثان، إلّا أنَّ اللهَ أرسل القدّيس ثيوذوروس الّذي تراءى لأسقفِ القسطنطينيَّة أفدوكسيوس، كاشفًا له نوايا الطَّاغية وأمره بمنع المسيحيّين من شراء المأكولات من السُّوق وأن يستعاض عنها بالقمح المسلوق، وهكذا حصل. ومنذ ذلك الوقت والكنيسة تحفظ ذكرى هذه الأعجوبة في السَّبت الأوَّل من الصَّوم الكبير.