لبنان
03 كانون الأول 2017, 06:17

العبسي بدأ زيارة لأبرشية زحلة: كم نحن بحاجة إلى أن يقترب بعضنا من بعض وكلما فعلنا ذلك كان لبنان في عافية

بدأ بطريرك انطاكية والإسكندرية واورشليم وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، زيارته الرسمية الأولى الى ابرشية الفرزل وزحلة والبقاع، تلبية لدعوة من راعيها المطران عصام يوحنا درويش. ويتخلل الزيارة التي تستمر ثلاثة أيام، لقاءات مع أساقفة المدينة وفاعلياتها.



سيدة زحلة والبقاع

المحطة الأولى للبطريرك كانت في مقام سيدة زحلة والبقاع حيث كان في استقباله درويش، الى جانب راعي ابرشية طرابلس للروم الكاثوليك ادوار ضاهر وكهنة وراهبات وأعضاء لجنة مقام سيدة زحلة والبقاع وأعضاء اللجنة التنظيمية للزيارة وعدد من أبناء الرعايا المجاورة.

بعد الإستقبال دخل الجميع الى الكابيلا حيث أقيمت صلاة شكر، والقى درويش كلمة ترحيبية جاء فيها: "البطريرك هو رأس كنيستنا ورمز وحدة الكنيسة الملكية الكاثوليكية في لبنان والشرق والعالم. نحن سعداء جدا ان نستقبل في ربوع زحلة والبقاع ابينا وبطريركنا يوسف. احببنا ان تبدأ الزيارة عكس التقليد الذي كان سائدا، حيث يدخل الزائر الى المدينة عبر شارعها الرئيسي. احببنا ان نبدأ هذه الزيارة من مقام سيدة زحلة لكي نأخذ بركة من امنا مريم العذراء، حارسة المدينة. واعطينا لهذه الزيارة عناوين واضحة جدا: العنوان الأول، هي زيارة روحية رسولية، زيارة اب يتفقد أبنائه، زيارة اب يبارك أبنائه، يدعمهم، يعطيهم القوة ويمنحهم السلام. العنوان الثاني هو العنوان الاجتماعي، اردنا ان يكون غبطة البطريرك اولا في مستشفى تل شيحا، يزور المرضى، يباركهم ويمنحهم الشفاء، ومن ثم ان يلتقي المؤسسات الاجتماعية في المدينة من فقراء وذوي احتياجات خاصة، وسيتناول طعام الغداء مع الفقراء في المدينة. العنوان الثالث هو ان يتلاقى مع كل شرائح المدينة، سياسيين، زعماء، مدراء، أصدقاء، البلدية مع رئيسها، مع كل شرائح المجتمع. لكن هناك هدف واحد مهم جدا لزيارة غبطة البطريرك، هو هدف ان نكون معا تحت جناح الكنيسة، ان نكون موحدين تحت بركة سيدنا البطريرك وتحت نعمة الرب يسوع المسيح".

ورد العبسي شاكرا درويش على حفاوة الترحيب وكل من عمل وحضر لهذه الزيارة، وقال: "في طريقي إلى أبرشيتكم المباركة التي دعاني راعيها، سيادة الأخ المطران عصام يوحنا درويش الجزيل الاحترام، إلى زيارتها، وددت أن أعرج على هذا المكان المقدس، مقام السيدة العذراء، سيدة زحلة والبقاع، حيث ينتصب تمثالها، حاملة بين يديها ابنها يسوع ومتطلعة بحنو إلى مدينتكم العامرة زحلة، لكي أضع هذه الزيارة تحت حمايتها ولكي أطلب بركتها الوالدية. وهذا أمر طبيعي لأن زيارتي هي زيارة كنسية روحية رعوية وليست زيارة من نوع آخر".

أضاف: "في الواقع، منذ أن أعلمت بهذه الزيارة أخذت في الصلاة من أجل أن يلمس الرب يسوع وأمه السيدة العذراء مريم قلوبنا وعقولنا فنفتحها له ليضيئها بنوره الإلهي فنقطف الثمار المرجوة منها. وأنا على يقين أن هذه السيدة التي تبسط لزحلة ليس يديها فقط بل ابنها لن تخذلنا كما نقول في صلواتنا: "ما من أحد يسارع إليك ويعود من عندك خازيا". وكيف تنسانا وهي التي لا تني تطلب منا أن نلتجئ إليها لكي تشفع بنا في ما نطلب"؟

وتابع: "أنا اليوم آت إليكم لكي أفرح بمحبتكم وأتقوى بإيمانكم وأطمئن برجائكم وأتجدد بالصلاة معكم. أنا آت إلى عائلتي التي يربطني بها دم يسوع وجسده الإلهيان، إلى أولادي الذين إليهم حنيني وبهم سروري وفخري. والآتي إلى زحلة لا يعود منها كما دخل إليها. أنا اليوم داخل إلى زحلة وأرجو، بنعمة يسوع وصلاة والدته، أن أعود منها إنسانا متجددا بالفكر والقلب".

وختم العبسي: "على هذا الرجاء أشكر مرة أخرى أخي سيادة المطران عصام يوحنا وأشكر كل واحد منكم على مجيئكم إلى هنا لاستقبالي متحملين مشاق الطريق، ومع خطوتي الأولى أرفع صلاتي إلى الرب يسوع قائلا: يا رب يا رب اطلع من السماء وانظر وتعهد هذه الكرمة، مدينة زحلة، وأنمها، لأن يمينك قد غرستها. آمين."

وقدم شفيق عاصي وجان عبود الى البطريرك، باسم لجنة المقام، لوحة زيتية للعذراء من رسم الفنانة الزحلية جورجيت زعتر. كما أقامت لجنة المقام حفل كوكتيل على شرف الزائر والضيوف.

مستشفى تل شيحا

المحطة الثانية كانت في مستشفى تل شيحا التابع للأبرشية، حيث كان في استقبال البطريرك المدير جوزف بستاني وأعضاء مجلس الإدارة ورئيس وأعضاء اللجنة الطبية والممرضون والممرضات. وفور وصوله زار المطران اندره حداد مطمئنا الى صحته. بعدها جال في اقسام المستشفى مطلعا على تطور الأقسام ومباركا المرضى، ثم كان لقاء جامع في قاعة المحاضرات في حضور كامل الطقم الإداري والطبي.

والقى درويش كلمة مقتضبة ضمنها تاريخ المستشفى وتطوره، واعلن البدء بتجديد الطابق الأول فيه بعد فترة الأعياد.

أما العبسي فأعرب عن سعادته لوجوده في مستشفى تل شيحا قائلا: "أشكركم على هذا الاستقبال الدافئ. أنا سعيد بأن يكون مشفى تل شيحا المحطة الأولى في زيارتي إلى أبرشية زحلة، بعد توقفي في مقام سيدة البقاع بالقرب منكم لوضع زيارتي بين يدي أمنا السيدة العذراء وطلب بركتها".

أضاف: "مشفى تل شيحا، هذا المشفى المتكامل بطاقمه الطبي وبالعاملين معه وبتجهيزاته المتنوعة، هو من المشافي الأولى في لبنان، (بني عام 1949) وبلغت شهرته البلدان المجاورة والمغتربات وغيرها من البلدان. إنه معلم وعنوان من معالم وعناوين زحلة بنوع خاص، حتى إن اسمه ربط باسم زحلة والعكس بالعكس. وإنه بنوع أخص مفخرة كنيستنا الرومية الملكية الكاثوليكية. أسس مشفى تل شيحا حين لم يكن بعد في لبنان مشاف عالية المستوى. والمطارنة الذين تعاقبوا على الأبرشية حسنوه وطوروه الواحد تلو الآخر، وكان للمطران الحالي سيادة الأخ عصام يوحنا درويش إسهام كبير في التطوير والتحسين وليس آخره قسم الطوارئ الذي دشن في الماضي القريب".

وتابع: "كان مشفى تل شيحا ولا يزال أداة كنيستنا في زحلة لعمل الخير في المجال الطبي في المنطقة، يؤمه ليس فقط الزحليون بل كل البقاعيين. إنه منشأة من منشآت العمل الإنساني المتنوعة التي شادتها وتشيدها كنيستنا والكنيسة عموما من أجل إظهار وجه الله الرحيم. لذلك من رسالتنا أن نقرن العمل الطبي التقني المحض بالمحبة والحنان. ليس مقصدنا أن يأتي الناس ليلاقوا أطباء وطبيبات وممرضين وممرضات فقط. هذا متوفر في كل المشافي. مقصدنا أن يلاقي المريض فينا وجها عطوفا متعاطفا، وجها إنسانيا، وجه يسوع الذي هو في نظرنا نحن المسيحيين المحب البشر وطبيب النفوس والأجساد".

وأردف: "عرفت كنيستنا الملكية أطباء صاروا قديسين لأنهم زاولوا مهنتهم كما يليق بها، مارسوها خصوصا مجانا médecins anargyres، مستقين من إيمانهم نورا لعلمهم ولعملهم، فصار لهم "العمل مرقاة إلى رؤية الإلهيات"، كما نقول في صلواتنا. الإنجيلي لوقا والقديسان قزما وداميانس والقديسان كيروس ويوحنا من هؤلاء. وعرفت الكنيسة قديسين أجروا شفاءات بعد موتهم خصوصا. وأنتم، أيها الأحباء، إذا ما كنتم كذلك، إذا عملتم جيدا ما تعملون، فإنكم قديسو العصر الحديث. يقول القديس بولس: لو كنت أعلم جميع الأسرار والعلم كله ولم تكن في المحبة فلست بشيء (1كور 13: 2). إن العلم في نظرنا نحن المسيحيين إن لم يفض إلى المحبة يبقى ناقصا، إن لم نقل ليس بشيء. والعلم من ناحية أخرى لا يناقض الإيمان. لا بل كم من طبيب وعالم بلغوا إلى الإيمان عن طريق علمهم واكتشافهم لأسرار الكون. ولكن مهما يكن من هذا الأمر، فإن واجبنا نحن الأطباء أن نحترم إنسان كل مريض نعتني به وأن نحترم فيه الحياة. وهذا ما اشتهر به مشفاكم وما جعل الناس يؤمونه للاستشفاء".

وشكر "باسم كنيستنا كل واحد منكم على العمل الذي يقوم به من أجل شفاء المرضى. شفاء المرضى كان رسالة يسوع البشرية الأولى كما نقرأ في الإنجيل. إنها رسالة سامية جدا. أطلب إلى الله أن يؤازركم في رسالتكم هذه لكي تتمم على أكمل وجه. أشكر سيادة الأخ المطران عصام يوحنا درويش على رعايته المستمرة والدقيقة لهذا المستشفى الذي نعتز به وأهنئه على ما ينجزه فيه من أعمال لكي يبقى مماشيا لأحدث التقنيات والخدمات، وأدعو له بالعافية وطول العمر".

وختم البطريرك بتلاوة صلاة من أجل المرضى في المستشفى.

وقدمت له نتالي صايغ باسم إدارة المستشفى شنطة اسعافات أولية.

مار الياس

المحطة الثالثة كانت في حارة مار الياس حيث أقيم له استقبال شعبي كبير، شاركت فيه الرعايا وكهنتها والفرق الكشفية والشبيبة، وسار الجميع نحو مطرانية سيدة النجاة حيث تجمعت الرعايا من كل بلدات البقاع لإستقباله، وادت موسيقى الكشاف لحن التعظيم، وتوجه الجميع الى كاتدرائية سيدة النجاة حيث أقيمت صلاة الغروب برئاسة العبسي وفي حضور النواب أنطوان أبو خاطر، جوزف المعلوف، عاصم عراجي ونقولا فتوش واشقائه، الوزير السابق عبد الرحيم مراد، النائب السابق سليم عون، رئيس بلدية زحلة- المعلقة- تعنايل المهندس اسعد زغيب وعدد من أعضاء المجلس البلدي، بالاضافة الى درويش وضاهر واساقفة زحلة جوزف معوض، انطونيوس الصوري وبولس سفر، المعاون البطريركي للروم الأرثوذكس المطران تيودور الغندور وفاعليات.

وقدم درويش الى العبسي، باسم أبناء وبنات الأبرشية، هدية قيمة عبارة عن انغولبيون encolpion للسيدة العذراء والسيد المسيح والصليب المقدس".

والقى البطريرك عظة قال فيها: "إذ قد بلغنا غروب الشمس ونظرنا نور المساء نسبح الله الآب والابن والروح القدس. هذا هو لسان حالنا أيها الأحباء إذ حطت أقدامنا في هذه المطرانية الجميلة الشامخة العامرة، مطرانية الروم الملكيين الكاثوليك في زحلة. لقد بلغنا بشوق ولهفة إنما ليس غروب الشمس بل شروقها من هذا المكان المقدس، من هذا المقام الكنسي، من هذا الصرح الوطني، مطرانية، كاتدرائية سيدة النجاة التي يشع نورها على البقاع كله. في هذه المطرانية عاش أساقفة كبار وقديسون رعوا أبرشيتهم وحموا شعبهم وقادوه إلى المراعي الخصبة، وفي هذه الكاتدرائية وضع الزحليون ملجأهم بحماية السيدة العذراء سيدة النجاة، وفيها رفعوا صلواتهم وأعلنوا إيمانهم. مطرانية الروم الملكيين الكاثوليك، كاتدرائية سيدة النجاة، من لا يحن إلى رؤيتهما؟ إنهما جزء أصيل هام كبير من تاريخ كنيستنا. وقد أتيت اليوم لأعلن افتخاري، بل افتخار كنيستنا بكل ذلك. أتيت لأحيي وأشكر أولئك القديسين والأبطال كلهم، ولأحييكم وأشكركم أنتم أحفادهم، عبر تحيتي وشكري لأخي سيادة المطران يوحنا عصام درويش راعيكم وخادمكم الجزيل الوقار الذي دعاني إلى زيارتكم والتمتع بلقياكم".

أضاف: "أجل، أشكر الله تعالى على أنه أتاح لي أن أبلغ إلى هنا وأن أقف اليوم بينكم أيها الأحباء لنسبح كلنا معا الآب والابن والروح القدس. أجل، إني آت إليكم لأمضي مع سيادته ومعكم بعض الوقت في الصلاة لأننا بالصلاة نعرف بعضنا بعضا أكثر مما بأي شيء آخر. حين نلتئم بعضنا مع بعض لنسبح الله بقلب واحد وفم واحد نشعر حقا بأننا كلنا أبناء الله وبأننا إخوة مهما كانت فروقاتنا والمساحات نائية بيننا. أنا اليوم هنا لأقول وأؤكد لكم بكل صدق ونزاهة أن الكنيسة كلها تفكر بكم وتشاطركم همومكم وأتعابكم وأفراحكم".

وتابع: "حين تكلم البابا فرنسيس عن القرب الواجب على الراعي الكنسي من رعيته، قال على المسؤول ليس فقط أن يعرف أبناءه بأسمائهم كما قال السيد المسيح بل أن يشم أيضا رائحتهم. أي أن يكون أقرب قرب ممكن. أنا اليوم أريد أن أعبر عن هذا القرب خصوصا في شخص أخي صاحب السيادة المطران عصام الذي تعرفون جميعكم كم هو قريب منكم في كل الظروف والأوقات. وفي هذه الأيام الحرجة كم نحن بحاجة إلى أن نكون أقرب من أي وقت مضى بعضنا من بعض. بل حاجة لبنان، مصلحة لبنان، خير لبنان، أن نكون نحن الروم الملكيين الكاثوليك هكذا. كلما اقتربنا بعضنا من بعض كان لبنان في عافية، ساعدنا لبنان على أن يكون كذلك. والصلاة التي نحن قائمون فيها الآن هي خير معين على ذلك لأنها لقاء حول يسوع، فيها يهدأ القلب والفكر، وفيها تتنقى العاطفة وتصفو الرؤية".

وختم البطريرك: "على هذا الرجاء أشكر كل واحد منكم على اللقيا الدافئة البنوية التي لاقيتموني بها. أشكر كل من خطط وهيأ وعمل فردا فردا، نشاطا نشاطا، جمعية جمعية، لجنة لجنة، أخوية أخوية. لكل واحد منكم دوره في الكنيسة ومحله ومجاله لاستثمار الوزنات التي يكتنزها والطاقات التي يختزنها. لذلك أدعوكم إلى أن نكون شبابا ملتزما. أدعوكم إلى أن لا تكون نشاطاتنا مجرد تجمعات لأعداد وأرقام، ولا مجرد تجمعات دنيوية، بل تلاقيا لعائلة واحدة وجها لوجه، يدا بيد، قلبا على قلب، فكرا على فكر. أدعوكم إلى أن لا نأتي إلى الكنيسة كمن يأتي إلى ناد أو جمعية أو ندوة. أنتم في قلب الكنيسة بل أنتم قلب الكنيسة، لا تأتون إليها من الخارج وكأنكم دخلاء أو نزلاء أو غرباء، لأنكم أنتم مواطنو القديسين وأهل بيت الله كما يقول بولس الرسول".

وبعد صلاة الغروب خرج الجميع الى باحة المطرانية حيث كانت كلمة لمنسق لجنة استقبال البطريرك جوزف نجار، ومن ثم اضاء العبسي زينة الميلاد وسط تصفيق الحضور.

ختاما أقيم حفل كوكتيل وقطع العبسي ودرويش قالب حلوى ثم انتقلا الى صالون المطرانية حيث استقبلا الوفود المهنئة.