بيئة
24 كانون الأول 2021, 09:05

الضوضاء البيضاء لإنقاذ حياة ملايين الطيور

تيلي لوميار/ نورسات
يعتقد باحثون أن الصوت قد يكون تحذيرًا أفضل لسلامة للطيور التي تقترب بسرعة من هياكل من صنع الإنسان.

تموت مليارات الطيور كل عام بسبب الاصطدام بالمباني الزجاجية الشاهقة وأبراج الاتصالات وخطوط الكهرباء، وهي حصيلة مدمرة من المتوقع أن تزداد مع نمو المدن في كل مكان.

تُشير دراسة حديثة إلى أنه يُمكن أن تكون هناك طريقة لإصلاح أخطائنا المميتة، من خلال تركيب "المنارات الصوتية" التي تفجر ضوضاء بيضاء، وتوقف الطيور المهاجرة في مسار اصطدام مع الهياكل المعدنية المدرجة، والمباني الطويلة، وربما حتى توربينات الرياح. يوضح "تيموثي بويكوت"، المؤلف الرئيس للدراسة أن توربينات الرياح صُممت لتسخير الطاقة من نفس تيارات الرياح التي تسافر الطيور المهاجرة على طولها. يقول "بويكوت":" إنها منطقة بها نزاع شديد الاحتمال بين الطيور المهاجرة والتنمية البشرية، ومن المقرر أن يزداد هذا التطور بمعدل مذهل".

أدت التجارب الميدانية التي تختبر نوعين من الإشارات الصوتية إلى تقليل نشاط الطيور حول أبراج الاتصالات بنسبة تصل إلى 16٪، ويعتقد الباحثون أن هذه المنارات الصوتية يمكن أن تقلل من خطر اصطدام الطيور بتوربينات الرياح أيضًا.

يشير عالم بيئة الحياة البرية "جاريد إلمور"، والذي لم يشارك في الدراسة: "إننا نبني الهياكل بمعدل أسرع من أي وقت مضى تقريبًا في تاريخ البشرية، إذ ينظر إلى الزجاج على أنه مادة بناء جذابة ورخيصة حقًا، وهذا ليس جيدًا للطيور." لذا ابتكر دعاة الحفاظ على البيئة جميع أنواع الاستراتيجيات في محاولة لتقليل عدد الوفيات الناجمة عن اصطدام الطيور، من الزجاج المزخرف إلى الستائر المصنوعة من الحبال وأضواء الليزر. لكن هذه الاستراتيجيات ليست دائمًا فعالة، على الأرجح لأن الطيور تنظر إلى العالم بشكل مختلف تمامًا عن البشر. إذ أن معظم الطيور لها عيون على جانبي رؤوسها، متجهة للخارج، ما يعني أن الطيور تحلق برأسها لأسفل والأجنحة للأعلى بها بقعة عمياء أمامها مباشرة. كما تشكل شفرات توربينات الرياح التي تقطع مسارًا كاسحًا عبر الهواء خطرًا متحركًا يختلف عن المباني الزجاجية العاكسة والأبراج الفولاذية.

بالنظر إلى كل هذا، يعتقد "بويكوت" وزملاؤه أن الصوت قد يكون تحذيرًا أفضل للسلامة للطيور التي تقترب بسرعة من هيكل من صنع الإنسان. وهي الفكرة التي اختبرها بعض الباحثين في المجموعة لأول مرة مع عصافير الحمار الوحشي الأسيرة. في هذه التجارب الميدانية الأخيرة، التي أجريت أثناء هجرة الخريف في أميركا الشمالية، قام الباحثون بضخ الضوضاء البيضاء في رشقات نارية مدتها 30 دقيقة حول برجي اتصالات في شبه جزيرة دلمارفا، على الساحل الشرقي للولايات المتحدة. يقول "بويكوت": "إنها منطقة جغرافية تشهد وفرة عالي بشكل لا يصدق من الطيور، وتتحرك هذه الطيور جنوبًا على طول مسار الهجرة الأطلسي، وتتجه جنوبًا حتى طرف أميركا الجنوبية في بعض الحالات."

وقد تم اختبار نوعين مختلفين من الضوضاء البيضاء على مدار ستة أيام مع وضع مكبرات الصوت في قاعدة الأبراج. يوضح "بويكوت":كانا كلاهما واسع الطيف، حيث يتناسب أحدهما مع نطاق السمع للعديد من الطيور وآخر، عند ترددات أعلى، تم اختياره للوقوف في مواجهة ضوضاء الخلفية. وسمح استخدام الكاميرات لالتقاط سلوكيات الطيران لأكثر من 1500 طائر يمر في نطاق 100 متر (328 قدمًا) من برجي اتصالات للباحثين بإحصاء الطيور المحتملة المحفوظة، بدلاً من إحصاء الطيور المفقودة، كما فعلت دراسات أخرى.

سجل" بويكوت" وزملاؤه الطيور في رحلة كاملة من زوايا متعددة، وقاموا بتحليل اللقطات، ووجدوا أن كلا الصوتين المختبرين يمنعان الطيور من الطيران بالقرب من الأبراج. لكن المزيد من الطيور ابتعدت عن الأبراج في وقت أقرب عندما تم إسقاط صوت التردد المنخفض (4-6 كيلو هرتز)، مقارنة بالظروف العادية. وبقيت الطيور بعيدًا عن الأبراج ووجهوا مسارات طيرانهم بعيدًا عن الأبراج. لاحظ الباحثون ما قد يشير إلى أن الترددات المنخفضة مسموعة بشكل أكثر وضوحًا للطيور - على الرغم من أنها قد تختلف من نوع إلى نوع. وانحرفت الطيور الصغيرة أيضًا عن أبراج الاتصال بشكل أسرع، لكن الاعتماد على لقطات الفيديو يعني أن الدراسة لم تتتبع الأنواع الفردية من الطيور. إذ أن بعض الأنواع أكثر عرضة للتصادم، وخاصة الطيور المهاجرة التي تطير في مجموعات كبيرة في الليل. يضيف "بويكوت": "ستكون الدراسات المستقبلية مهمة حقًا لمعرفة كيف تُترجم هذه الاختلافات في سلوك الطيران إلى وفيات على الأرض".

أظهرت الاختبارات السابقة أيضًا أن الصوت وحده قد لا يحول مسار الطيور بل ينبهها إلى المخاطر المستقبلية، لذا قد لا تزال هناك حاجة إلى إشارات بصرية إضافية. على سبيل المثال، وجدت دراسة في النرويج مؤخرًا أن طلاء شفرة واحدة لتوربينات الرياح باللون الأسود لزيادة الرؤية يمكن أن يساعد في تقليل مخاطر الاصطدام. أما بالنسبة للمنارات الصوتية، فقد يلزم تعديل الترددات للطيور المحلية في قارات أخرى أيضًا. كما سيكون من الحكمة أيضًا النظر في تأثيرات الضوضاء الاصطناعية بشكل عام، حيث إن تعدي البشر على العالم الطبيعي، خلق هذا المأزق في المقام الأول.

لاحظ "بويكوت" وزملاؤه أن "إشارات التحذير الصوتية يمكن أن تشكل أيضًا تحديات للحياة البرية الأخرى، أو إخفاء إشارات الاتصال أو زيادة التوتر". و لتقليل النتائج السلبية غير المقصودة لإشارات التحذير الصوتية، قد يكون الاستخدام المتقطع المعتمد على السياق حلاً مقنعًا."وكدليل أولي، يُمكن أن تكون إشارات التحذير المسموعة هذه خطوة واعدة في الاتجاه الصحيح.

 

المصدر: National Geographic