الصّوم... ليس تشبّهًا بصوم يسوع!
ففي موعظة تعود إلى آذار/ مارس 2004، توجّه بها الأب داود كوكباني إلى أفراد "عيلة مار شربل"، يوضح سرّ "الصّوم" الكبير. فالأخير دخل إلى الكنيسة مع "الموعوظين" الّذين كانوا يتحضّرون للمعموديّة، فيتفرّغون كلّيًّا للإصغاء بعمق إلى كلمة الله ضمن جماعات لمدّة ثلاث سنوات. وفي ختامها، يمضون مع الأسقف خمسين يومًا، أيّ سبعة أسابيع، وينالون في نهايتها، في سبت النّور، سرّ المعموديّة بحسب التّقليد السّائد آنذاك، إذ كان المؤمنون يُعمّدون في ليلة الفصح تعبيرًا عن عبورهم من الموت إلى القيامة. وهكذا، بدأ الموعظون يصومون منقطعين عن كلمة العالم إلى كلمة الله، صوم يكرّرونه في تذكار موعوظيّتهم، ليندرج تدريجيًّا في الكنيسة ويُنظّم ضمن قوانينها، قانون يدعو إلى الانقطاع عن الخبر البشريّ إلى الخبز السّماويّ، وإلى الصّوم كلّ أيّام الأسبوع ما عدا يومي الأحد لأنّه ذكرى قيامة الرّبّ، والسّبت لأنّه اليوم الّذي تمّ فيه الخلق.
إذًا الصّوم ليس تشبّهًا بصوم يسوع المسيح الأربعينيّ، فهو لم يقاوم تجارب الشّيطان بالصّوم وإنّما بكلمة الله الّتي كان يستند إليها في إجاباته الثّلاث على إبليس. من هنا، لا بدّ من تغيير المعتقد السّائد لدينا، وأن نصوم ليس للتّغلّب على التّجربة بل للتّقوّي بكلمة الله وبالتّالي على الخطيئة. فـ"أن تفهم معنى الصّوم هو أن تؤمن بأنّك لستَ مجرّد جزء أمام الله: وهذا يعني بأنّه لا يحقّ لجزء فيك أن يصير كلّك. مثلاً، المعدة ليست كلّ الإنسان، إذا شبعت فهذا لا يعني أنّ المشكلة انتهت، وإن لم تشبع فهذا لا يعني أنّك مائت. إن انتهت حياتك البيولوجيّة فهذا لا يعني أنّك ميت. فالموت هو جزء من حياتك وليس كلّ ذاتك. كلّ ذاتك هي كلمة الله الّتي قالت لك: كُن فكنت!"
لنصم عن ذواتنا ونقبل الكلمة، لنُمِت الإنسان القديم الّذي فينا معترفين أنّ الرّبّ هو إلهنا ولا يكن لنا إله غيره. لندخل بفعل التّوبة والتّحوّل، ولنقل مع الأب داود لله: "في سبيل ملكوتك، هناك أهمّ من عطيّة الطّعام.. فالطّعام يؤمّن لي الحياة البيولوجيّة أمّا قربانك فيؤمّن لي الحياة الأبديّة."