الرّاعي: على الكاهن أن يعي دائماً أنّه وكيل تسلّم المسؤوليّة من المسيح، وله يؤدّي حساب خدمته
إنّ المسؤوليّة الأولى تقع على رعاة الكنيسة، المؤتمنين كوكلاء من المسيح على إعطاء أبنائها وبناتها ومؤسّساتها، "طعام" الحقيقة والمحبّة والوحدة. فهم مدعوّون ليتجاوزوا كل أسباب الإنقسام اللاّهوتيّة والشّخصيّة والسّياسيّة والقوميّة. فلا يمكن أن نبشّر بالمسيح الواحد والإنجيل الواحد والكنيسة الواحدة، ونحن منقسمون، ونستمرّ في انقسامنا، من دون السّعي الجدّي إلى شدّ أواصر الوحدة. لقد ربط الرّب يسوع وحدة المؤمنين به بمصداقيّة الإيمان بسرّه كرأس للجسد الّذي يجمع كلّ أعضائه في سرّ الكنيسة الواحدة الجامعة، وبمصداقيّة وصيّة المحبّة الّتي تعلو كل اعتبار، عندما صلّى صلاته الكهنوتيّة للآب:"يا أبتِ، ليكونوا واحدًا، كما نحن واحد، أنت فيَّ وأنا فيك، ليؤمن العالم أنّك أنت أرسلتني، وأنّك أحببتهم كما أحببتني" (يو 17: 21-23).
عندما نتحرّر من ذواتنا، ومن مصالحنا الخاصّة عندما تكون على حساب الصّالح العام، وعندما نتحرّر من انقساماتنا بقوّة الحقيقة والمحبّة والمصالحة، نستطيع العمل على تحرير الآخرين من الظّلم والإستعباد والإستبداد والعنف والفقر والحرمان والإتجار بالبشر، وتحرير سواهم من الألم والبؤس والقلق، ومن الإنحراف في مجالات الإدمان على المخدّرات والسّكر والعيش المخلّ بالأخلاق والآداب. وعندها نستطيع أن نحيي الرّجاء والشّجاعة في القلوب.
لقد آلمتنا، كما الجميع، مأساة الأربع عشر ضحيّة من الأخوة النّازحين من سوريا الّذين قضوا من البرد والصّقيع، فيما حاولوا الدّخول إلى لبنان بطريقة غير شرعيّة. إنّها مسؤوليّة الأسرة الدّوليّة الّتي لا تريد إيقاف الحروب وإحلال السّلام في سوريا وبلدان المنطقة، وتكشف يوماً بعد يوم أنّها غير معنيّة بالكائنات البشريّة وبسلامة المواطنين وحقوق عيشهم الكريم في أوطانهم.
أمّا لبنان، مع كلّ أزماته السّياسيّة والاقتصاديّة والمعيشيّة، فيبقى، كما كتب عنه القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني في إرشاده الرّسولي"رجاء جديد للبنان"، "يلبّي دعوته بأن يكون نوراً لشعوب المنطقة، وعلامةً للسّلام الآتي من الله"(الفقرة 125).
"من تراه الوكيل الأمين الحكيم!" الكاهن وكيل يعمل باسم وسلطان موكِّله، يسوع المسيح، الكاهن الأزلي،"وراعي الرعاة العظيم"(1بطرس 5: 4). إنّه ينوب عنه ويمثّله في قلب الجماعة. ليس الكهنوت رتبةً اجتماعيّةً أو سلطةً مدنيّةً. بل هو سلطان إلهيّ. يمنحه يسوع للكاهن، من دون أي استحقاق منه. فعلى كلّ مؤمن أن يرى في كاهنه صورة المؤتمن على كلام الحياة ونعمة أسرار الخلاص. وعلى الكاهن أن يعي دائمًا أنّه "وكيل" تسلّم المسؤوليّة من المسيح، وله يؤدّي حساب خدمته.
يشترط الرّب يسوع أن يكون الكاهن ذا فضيلتين: الأمانة والحكمة. الأمانة هي للمسيح الذي دعاه، وللكنيسة التي منحته الكهنوت وأشركته في رسالتها، وللجماعة المؤتمن على خدمتها. الأمانة تقتضي أن يتحلّى الكاهن بالإيمان والتقوى والضمير الحيّ. لا يمكن للكاهن أن يمارس خدمته بحسب قلب المسيح، إلاّ إذا كان أميناً لتعليم الكنيسة والطاعة للسلطة الكنسيّة وقرارتها. فطاعته مصدر قوّة له.
أمّا الحكمة، وهي أولى مواهب الرّوح القدس السّبع، فتتّصف بالمسلك الفطن والواعي، بحيث يتجنّب الكاهن ما يستوجب الّلوم من الله والنّاس، وما يولّد عندهم الشّك. والحكمة نور من الرّوح القدس يساعد الكاهن على اتّخاذ قراراته، وتنفيذ أعماله، والقيام بمبادراته وفقاً لإرادة الله، ونيّة المسيح والكنيسة، ومن منظارهم.
هذا الكلام الإنجيلي عن الكاهن"كوكيل متّصف بالأمانة والحكمة"، إنّما ينطبق على كل مسؤول: على الزّوجين والوالدين في العائلة، وعلى المسؤولين المدنيّين والإداريين في المجتمع، وعلى السّلطة السّياسيّة في الدّولة. إنّنا نذكرهم جميعاً بصلاتنا اليوم، كي يدركوا أنّهم وكلاء لا أرباب، خدّام لا أسياد، وأنّهم مؤتمنون على تأمين الخير العام لا خيرهم الشّخصي فقط ومصالحهم الفئويّة. عندئذٍ نستحقّ جميعاً ثواب "الوكيل الأمين الحكيم الّذي يقيمه سيّده على كل مقتنياته" (لو 12: 14)، فيشركنا بحياته الإلهيّة والخلاص الأبدي.
وإنّا نرفع نشيد المجد والتّسبيح لله الآب والإبن والرّوح القدس الّذي يشركنا بسرّ حقيقته ومحبّته، الآن وإلى الأبد، آمين.