لبنان
06 أيار 2019, 08:42

الراعي في بدء الشهر المريمي من حريصا: في شهر أيار المبارك نستعيد الحرارة في تلاوة مسبحة الوردية

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس قداسا احتفاليا لمناسبة عيد سيدة لبنان في بازيليك سيدة لبنان حريصا، عاونه فيه المطرانان رفيق الورشا وبولس الصياح، الرئيس العام لجمعية المرسلين اللبنانيين الاباتي مالك ابو طانيوس، رئيس مزار سيدة لبنان الأب يونان عبيد، ولفيف من الكهنة، بمشاركة رئيس اساقفة ديوسيز دو بوفوا في فرنسا المونسينيور جاك بينوا غونين، في حضور وزير الإقتصاد والتجارة منصور بطيش ممثلا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وحشد من الفعاليات والمؤمنين من مختلف المناطق اللبنانية.


والقى الراعي عظة بعنوان: "تعظم نفسي الرب" (لو46:1)، جاء فيها: "1. عندما زارت مريم، بعد بشارة الملاك لها، بيت إليصابات لتخدمها في الأشهر الثلاثة الأخيرة لحبلها بيوحنا، وحيتها إليصابات: طوبى للتي آمنت بأن ما قيل لها من قبل الرب سيتم (لو45:1)، أجابت مريم: تعظم نفسي الرب، لأنه نظر إلى تواضع أمته (لو1: 46 و 48). إنها تنشد عظمة الله بابنه المتجسد منها بالروح القدس، والذي كمل صورة الله في أمته المتواضعة. تعظم الله لأنه رفعها عاليا وهي الوضيعة، فأضافت: ها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال، لأن القدير صنع لي العظائم (لو1: 18-49).
2. يسعدنا جميعا أن نحتفل بهذه الليتورجيا الإلهية، بين يدي أمنا مريم العذراء، سيدة لبنان في يوم عيدها، هنا في بازيليك حريصا الحاملة اسمها، وقد توافدنا إليها من مختلف المناطق اللبنانية ومن الخارج. وهو توافد لا ينقطع طيلة السنة في الليل والنهار، وبخاصة في شهر أيار المخصص لتكريمها. فكم من صلوات وابتهالات تتصاعد من هذا المكان المقدس كالبخور وعطر الزهور والورود، موضوعة بين يدي أمنا مريم العذراء لترفعها إلى عرش ابنها يسوع المسيح الإله، ملك الملوك وسيد السادة. لقد توافدنا في مسيرة الأجيال لنعطيها الطوبى. فيطيب لي ان اهنئكم جميعا بهذا العيد وبخاصة فخامة رئيس الجمهورية ان يشاركنا من خلال صاحب المعالي وزير الاقتصاد الاستاذ منصور بطيش، نود ان ننقل الى فخامته عبرك صلاتنا الى سيدة لبنان لكي تحمي الوطن وهو يدير دفة سفينته نحو ميناء الخلاص. ونشكره على ايفاده اياك شخصيا للاحتفال معنا بهذا العيد، ونحن نتمنى لك كل التوفيق. 
3. فيطيب لي أن أهنئكم بهذا العيد، راجيا أن يكون مصدر خير ونعم عليكم وعلى عائلاتكم، وعلى وطننا لبنان التي هي سيدته وملكته وحاميته، وعلى بلدان الشرق الأوسط التي اعتدنا أن نكرسها سنويا مع لبنان لقلبها الطاهر، ملتمسين لها السلام والاستقرار وعودة مواطنيها اللاجئين والنازحين إليها، لكي يحافظوا على حقوقهم المدنية فيها، ويواصلوا كتابة تاريخهم ويعززوا ثقافتهم وحضارتهم وينقلوها إلى أجيالهم الطالعة.
ويسعدني أن أحيي الآباء المرسلين اللبنانيين الأعزاء، وعلى رأسهم قدس الاب العام مالك بو طانوس شاكرا الآباء على خدمتهم هذه البازيليك والمزار بكثير من التفاني والعطاء. نسأل لهم المكافأة من الله بتشفع سيدة لبنان، ولجمعيهم العزيزة دوان النمو والازدهار. وارحب بيننا بسيادة المطران جاك - بنوا غونان مطران ابرشية بوفيه Beauvais في فرنسا مع الوفد المرافق له في زيارة تقوية الى ارض لبنان المقدسة. 
4. نشيدُ مريم يشهد باليقين لبداية التغيير الحاسم في تاريخ البشر. فقد تحقق العهد الذي قطعه الله لإبراهيم ونسله من خلال إبن مريم الإلهي الذي معه تولد الكنيسة، شعب الله الجديد. هذا النشيد هو إعلان ذروة التاريخ الذي يبدأ معه طريق الله بين البشر، وكان مكتوما منذ الدهور. تُنشد مريم قدرة الله التي تتجلى في عظائمه، ورحمته التي تتواصل من جيل إلى جيل للذين يعيشون في مرضاته، وهم حريصون على عدم الإساءة إليه، وقوته التي تبدل تاريخ البشر، إذ يضعُ الله حدا لما كان يظنه الناس ضمانة ومأمنا وقدرة على السيطرة حتى تأليههم: فبدد المتكبرين وأنزل الجبابرة عن عروشهم، ورفع المتواضعين. صرف الأغنياء فارغين، وأشبع الجائعين من خيراته. وهو دائم الأمانة لوعده ولكلامه.
5. إن نشيد مريم الممتلئة من الروح القدس هو نشيد نبوي، ذو بُعد اجتماعي، بمعنى أن الله حاضر في تاريخ البشر ليحقق تغييرا جذريا فيه بيسوع المسيح وثقافة الإنجيل. إنها أكبر ثورة إجتماعية في التاريخ. لكن هذا النشيد لا ينحصر ببُعده الاجتماعي، بل هو ذو طابع لاهوتي يؤكد أن الله وحده الغنى الحقيقي. لذا، من كان ممتلئا من ذاته وشؤونه هو في الواقع فارغ. أما إذا فتح قلبه لله ولمحبته ولنعمة غفرانه، وانفتح بهذه الروح على الآخرين، يصبح غنيا حقا. المثل الأسمى لهذا الغنى هو مريم. من هذا القبيل، "تطوب الأجيال مريم"، كما تنبأت، لأنها آمنت بالله، وسلمت ذاتها له، لكي يحقق عظائمه فيها ومن خلالها.
لكل هذه الأبعاد والمفاهيم أصبح نشيدها نشيد الكنيسة، برعاتها وشعبها. نشيد يمجد الله في عظائم رحمته وقدرته، ويطوب مريم لما حقق الله فيها من عظائم.
6. في شهر أيار المبارك نستعيد الحرارة في تلاوة مسبحة الوردية. فهي بأسرارها الأربعة الفرح والنور والحزن والمجد، مع كونها تتسم بطابع مريمي، إنما تتميز فعلا بمحورها المسيحاني. إنها إعلان متجدد للإنجيل، وخلاصته من بشارة العذراء إلى حلول الروح القدس يوم العنصرة، وإظهار لمريم كتحفة الخلق والفداء بانتقالها بالنفس والجسد إلى السماء، وتتويجها سلطانة السماء والأرض، هي التي عاشت على أرضنا ملء دعوتها كإبنة للآب وأما للإبن وعروسا للروح القدس. ومن سمائها ترافق بعين الأم وعنايتها بأولادها المسافرين في بحر هذا العالم، حتى يبلغوا ميناء الخلاص.
إن مسبحة الوردية هي هاديتهم في هذه الرحلة الأرضية. فكل حياتنا وصلاتنا تتمحور حول المسيح. كل شيء ينطلق منه ويصبو إليه، وبه كل شيء يصل بالروح القدس إلى الآب. وهكذا، المسبحة سلسلة لطيفة تربطنا بالله كأبنائه وبناته، متخذين موقع الخادم، على مثال مريم خادمة الله (لو37:1)، والمسيح نفسه الذي اتخذ مكانة الخادم حبا بنا (لو27:22؛ فيل7:2).
فلنتشبه بالقديس البابا يوحنا بولس الثاني الذي كتب: منذ سني حداثتي كان لصلاة المسبحة مكانة هامة في حياتي. لقد رافقتني الوردية في أزمنة الفرح وفي أزمنة المحنة، وسلمتها إهتمامات عديدة في خدمتي الحبرية. وفيها وجدث القوة والعزاء منذ سبع وعشرين سنة لانتخابي على كرسي بطرس في 29 تشرين الأول 1978. الوردية هي صلاتي المفضلة. إنها رائعة في بساطتها وعمقها" (وردية مريم العذراء، فقرة 2).
7. إنا مع القديس يوحنا بولس الثاني نرفع صلاتنا إلى أمنا مريم العذراء سيدة لبنان قائلين: أيتها الوردية التي باركتها مريم، أيتها السلسلة العذبة التي تصلنا بالله، يا رباط الحب الذي يوحدنا بالملائكة، يا برج الحكمة تجاه هجمات الجحيم، يا ميناء الطمأننة من الغرق العام، لن نتركك أبدا. سوف تكونين عزاءنا في ساعة النزاع.لك آخر قبلة في الحياة التي تنطفئ. وآخر لفظة على شفاهنا يكون إسمُك العذب، يا ملكة الوردية، يا أمنا الأعز، يا ملجأ الخطأة، يا معزية الحزانى العظيمة. تباركتِ في كل مكان، اليوم ودائما، على الأرض وفي السماء". ومعك نرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس الذي اختارك، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".