الحمل والنعجة
وصل إلى نواحي صور وصيدا، الباحث عن الخراف الضالّة من بيت إسرائيل. هناك، وجد المسيح ضالّته ومأربه؛ إنّها النعجة الكنعانيّة الصارخة للحمل المخلّص أن يرحم ابنتها من عذاب الشياطين.
تاريخ أجدادها، تاريخ عداوة مع بني إسرائيل، فكان صدى صوتها في آذان تلاميذ المسيح كنباح الكلاب المزعجة، تلك التي جعلتها أحكامُنا، مجرّد أصوات تقلقنا بكثرتها وتكرارها، من دون أن نفهم ما تحمله في عمق روحها من ألم وخوف وصدق ورجاء...نعم، إنّ العداوات بين البشر تحجّر القلوب، حتّى في وجود المسيح وكلماته الحيّة.
"ساعدني يا ربّ" صرخت الكنعانيّة، فطلب التلاميذ من يسوع، بقسوة وحزم، أن يصرفها، أن يوقف صراخها، فهي ليست من فريقهم. وكان لهم ما يريدون سماعه في جواب يسوع: "لا يَحسُن أن يؤخذ خبز البنين ويُرمى إلى جراء الكلاب". هو الحمل يكلّم النعجة الضالّة، بلغة الأرض القاسية الحاقدة المتكبّرة والعديمة الإحساس، لا لأنّ المسيح يُشبهنا بعواطفه، بل لأنّه يُريدنا أن نتشبّه به من خلال أضعف الناس، فهو يعرف صدق إيمان تلك المرأة، وأرادها في سؤاله هذا، أن تصبح المعلّم، فنقلها من نعجة تائهة، إلى صوت مؤمنٍ حقيقيّ وثابت، فأجابت: "نعم، يا ربّ، وجراء الكلاب أيضًا تأكل من الفتات المتساقط عن مائدة أربابها".
عظيمة أنت أيّتها الكنعانيّة في تواضعك وصلابة إيمانك بالمسيح في أصعب الظروف والمحن، وفي وسط عواصف كلام الناس وأحكامهم وانعدام عواطفهم وتقديرهم لمصابك الأليم. لقد أظهرتِ أنّ الإيمان ليس حكرًا على أحد، وأنّ من يطلب يجد، ومن يقرع يُفتح له، ومن يصبر إلى المنتهى سيكون له كما يريد.
فلنتعلّم من الحمل الوديع، أن نشعر بآلام الآخرين وصراعاتهم الروحيّة، فلا نستخفّ أبدًا بأصوات الخراف الضالّة التائقة، مثلنا، إلى الخلاص. فلننظر ولنصغِ بحكمةِ المسيح، لا بحسب تاريخنا وعداواتنا وكبريائنا الذي يقتل الحياة في وسطنا.