التجربة في حياة المؤمن
يتردّد كثيرًا بين المؤمنين القول: "الله لا يجرّبنا". هذه العبارة تنطلق من إيمان عميق بأنّ الله قادر على حماية أولاده من مكائد الشرّير، فهو يحفظ المتواضعين الملتجئين إليه. أمّا النفوس المتكبّرة التي تبتعد عن كلمته، فإنّه يتركها لإرادتها بسبب عنادها.
في الصلاة الربّانية، نتضرّع قائلين: "لا تدخلنا في تجربة" (متّى 6: 13)، وهي طلبة تنبع من وعي الإنسان بضعفه أمام الخطيئة. نرجو من الله أن يصرف عنّا التجارب، وإن سمحت مشيئته بأن نواجهها، فإنّنا نطلب بقلوب منسحقة: "لكن نجّنا من الشرّير". التجربة الحقيقيّة ليست في الضيقات أو الأمراض أو الكوارث، بل في السقوط في الخطية والابتعاد عن الله. هذا هو الخطر الذي نرجو الحماية منه.
لقد سمح الله لإبليس أن يجرّب السيّد المسيح في البرّيّة، كما ورد: "ثمّ أُصعد يسوع إلى البرّيّة من الروح ليُجرَّب من إبليس" (متّى 4: 1). أراد الربّ بذلك أن يعلن قربه منّا وتضامنه مع آلامنا، كما يقول الرسول بولس: "لأنْ فيما هو قد تألّم مُجَرَّبًا يقدر أن يُعين المُجَرَّبين" (عبرانيّين 2: 18). علاوة على ذلك، أكّد لنا أنّ التجارب ليست نهاية الطريق، بل يمكن أن تكون مدخلًا إلى الانتصار والبركة الروحيّة. فكما حارب إبليسُ السيّدَ المسيح بعد أن حلّ عليه الروح القدس، فإنّنا نحن أيضًا عرضةٌ لحروب الشيطان بعد كلّ نعمة إلهيّة تُمنح لنا.
غير أنّ المشكلة ليست أحيانًا في التجربة بحدّ ذاتها، بل في استجابتنا لها. كثيرًا ما يلجأ البعض إلى إلقاء اللوم على الآخرين، أو حتّى على الله، لتبرير خطاياهم. لكن، كما أنّ ارتكاب الخطيئة هو ضعف بشريّ، فإنّ تبريرها عمل شيطانيّ. الله لا يجرّبنا بالشرّ، لكنّه يسمح للتجارب أن تكون امتحانًا إلهيًّا، يهدف إلى رفعنا إلى درجات أعلى إن تخطّيناها بنجاح.
وهنا يقول يعقوب الرسول بوضوح: "لا يقل أحد إذا جُرِّب إنّي أُجرَّب من قبل الله، لأنّ الله غير مُجرَّب بالشرور وهو لا يجرِّب أحدًا" (يعقوب 1: 13-15). الله في محبّته لا يسمح للشرّير أن يجرّبنا إلّا بما هو لفائدتنا، مانحًا إيّانا المعونة الإلهيّة التي تعيننا على الانتصار.
فلنثِقْ دائمًا، أيّها الأحبّاء، في أنّ التجربة ليست دليل تخلّي الله عنّا، بل هي فرصة للنمو في الإيمان والفضيلة، متسلّحين بثقتنا في نصرته التي وعَدَنا بها.