العراق
18 آب 2021, 13:50

البطريرك ساكو يكتب عن حزقيال الكاهن ونبيّ الرّجاء

تيلي لوميار/ نورسات
أوضح بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو مفهوم النّبيّ وكيفيّة قيام النّبيّ برسالته، في مقال أضاء فيه على حزقيال الكاهن ونبي الرّجاء، وكتب فيه وفق إعلام البطريركيّة:

"مفهوم النّبوّة

"لفظة "نبيّ" وجمعها نبييم عبريّة، ومشتركة بين العربيّة والسّريانيّة، وقد تأتي لغويًّا من النّاب (السّنّ البارز) فهكذا يكون النّبيّ شخص المهمّات الصّعبة الّذي يقرأ علامات الأزمنة لمعاصريه ويوجّههم. كما تستعمل كلمة أخرى للدّلالة على النّبيّ هي الرّائيSeer –، أيّ من قبل وحيًا من خلال رؤية معيّنة1.

يعرّف معجم الإيمان المسيحيّ النّبيّ بـ"إنسان يتكلّم بإسم الله ليطلع على إرادته"2.

كثيرون يعتقدون أنّ النّبيّ هو من يتنبّأ عن المستقبل، هذا اعتقاد شعبيّ سطحيّ، لأنّ النّبيّ ليس بفتاح الفال ولا بـ "نوسترا آدموس"، يقرأ مستقبل الأيّام والأشخاص. النّبيّ شاهد لشيء مختلف عن الباقين وعلامة حيّة لما لا يُرى. فهو تحديدًا رجل الرّوح، رجل الله، وحامل كلامه. وهنا سرّ قوته. شاهد لقداسة الله ولكرامة النّاس، وشاهد للقيم الرّوحيّة والأخلاقيّة. أمانته لرسالته تعرّضه للرّفض والموت. عمومًا إنّ معظم الأنبياء قضوا شهداء كما قضى المسيح حياته مصلوبًا.

النّبوّة موهبة خاصّة موظّفة لرسالة معيّنة تتضمّن البشارة بفرج وخلاص، أو تحذيرًا أو إنذارًا أو تذكيرًا بوعود الله، أو حثًّا للعودة إلى القيم من أمانة وإخلاص واحترام وعدالة وحرّيّة وإعلائها. فالنّبوّة حقيقة تُختبر وتُعاش، وليست شيئًا يُكتب.

كيف يقوم النّبيّ برسالته؟

النّبيّ مكلّف بمناداة كلمة الله. وكلامه مملوء عذوبة ورجاء ويدعو الشّرّير إلى أن يُقلع عن شرّه ويسلك طريق الله، طريق الحقّ، لكي يحيا، فمن يخطأ يموت إن لم يتُب!

النّبيّ يقرأ علامات الأزمنة، ويوجّه النّاس إلى إرادة الله (إذهب وقُل..) فيعطي معنى للأحداث. فهو يعلم أنّ الله هو من يقوده ويدلّه على الطّريق. وبكلماته وحركاته وطريقة عيشه يذكّر معاصريه بحضور الله في تاريخهم. ويدعو كلّ واحد إلى الاهتداء وتغيير قلبه. النّبيّ دليل شعبه، يرافقه ويسند مسيرته الإنسانيّة والإيمانيّة. وجانب كبير لما يقوله يتحقّق في المستقبل لأنّ الحاضر قصير أمده.

النّبيّ يقف إلى جانب الفقراء والمقهورين والمعوزين بدل اختيار جانب الأغنياء والأقوياء والمتسلّطين. إنّه مليء بالعنفوان والحيويّة والقوّة، لذلك لا يخاف من مواجهة المتجبّرين، يكسر طوق المعتاد ويعلن وجود مستوى آخر من العلاقة. ولأنّه يزعزع عالم المتجبّرين من الأغنياء والسّياسيّين ورجال الدّين، بتعليمه يقضون عليه. طريق النّبيّ كما كان طريق يسوع طريق ضيّق وصعب.

حزقيال الكاهن والنّبيّ

كلمة حزقيال معناها "الله يقوّي"، نبيّ بارز من أنبياء العهد القديم، وكاتب سفر يحمل اسمه. ولد في القدس (أورشليم) في عائلة كهنوتيّة. شهد حصار أورشليم وسقوطها على يد الملك نبوخذنصر (598-597) ق. م. سُبي لاحقًا مع شعبه إلى بابل عاصمة المملكة الكلدانيّة 586 ق.م.  وهناك اختاره الله ليكون نبيًّا للمسبيّين. يدور معظم نشاطه في بابل وعلى ضفاف نهر دجلة. مات نحو 570 قبل الميلاد، ودفن في بلدة "ذو الكفل" القريبة من بابل.

نبوءات حزقيال تحمل الأمل والرّجاء بقرب تحرير اليهود المهجّرين وعودتهم إلى أرضهم كما سبقه إلى ذلك إرميا "إنّي أنظر إلى سبي يهوذا، وسأرجعهم إلى هذه الأرض" (إرميا 24/ 6).

يذكر حزقيال أنّ سبب معاناة وآلام شعبه في بابل هو جسامة شرّهم وفساد قلبهم، لكنّه في الوقت عينه يرى بإيمانه المستنير وخبرته الرّوحيّة نور مجد الله يعود إليهم في محنتهم، وراح يوضح ذلك ويتنبّأ عن العودة القريبة إلى ديارهم، من خلال المقبرة والعظام اليابسة، وتدفّق مجد الله ليتحوّل السّبي إلى بشرى الخلاص والاحتفال بالعودة (فصل 37).

نحن اليوم

ما عاشه العبرانيّون، عشناه نحن أيضًا، ولا زلنا نعيشه من تهجير وتهديد وخطف وقتل واستحواذ على الأملاك.. أحداث تجعلنا نشعر أنّنا على حافة الضّياع. لكن حزقيال ينقلنا إلى الجانب الآخر للحياة، إلى معجزة عودتها إلى مجراها الطّبيعيّ.. فالشّرّ لا مستقبل له.

لذا، وسط معاناتنا وأوجاعنا ومخاوفنا أمام ما نعيشه من صراعات وتداعيات جائحة كورونا، لنبقَ مع الشّاهدين القليلين، واقفين بجرأة الأنبياء، نتمسّك بإيماننا ورجائنا وقيمنا، ونعيش في الحقّ والغفران ونتبع النّداءات النّبويّة المبدعة. لتكن صلاتنا مفجِّرة لعمل صالح وأخلاق حميدة. هكذا نحتاج اليوم إلى تعاليم الأنبياء مثل حزقيال وإرميا وإشعيا… لتكون لنا القوّة للأمل والحياة والتّضامن والخدمة. يُخطيء من يظنَّ أنّ الله يتركنا. الله محبّة ورحمة يسامحنا إن تُبنا، ويخلّصنا ولن يخذلنا. لنقرأ أمثال الإنجيل…".