العراق
19 حزيران 2019, 09:29

البطريرك ساكو للرّهبان الكلدان: "هذا هو الطَّريق فاسلُكوه"

وجّه بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو تأمّلاً إلى الرّهبانيّة الكلدانيّة لمناسبة الرّياضة السّنويّة، كتب فيه نقلاً عن موقع البطريركيّة الرّسميّ:

 

"تمكَّن الآب جبرائيل دنبو، بمساعيه الحثيثة، وغيرته الرّسوليّة، أن يفتح ثانيةً دير الرّبّان هرمزد سنة 1808، ويجدّد الحياة الرّهبانيّة في الكنيسة الكلدانيّة الّتي أحبَّها للغاية. واستقطب بمثاله العديد من الشّباب بحيث وصل عدد الرّهبان في زمانه إلى مائة وعشرين راهبًا، وصار منهم أساقفة وبطاركة. وفي 15 آذار 1832 استشهد الأب جبرائيل مع اثنين من رهبانه عندما هاجم أمير العماديّة المسمّى ميرا كور (الأمير الأعور) المنطقة، وقتل 300 شخص من أهالي القوش وحواليها. واليوم الأب دنبو في طريق إعلان تطويبه.

تميَّزت حياة الأب دنبو والجماعة الرّهبانيّة الأولى، بروحانيّتها العميقة، والتزامها بالنّذور الرّهبانيّة وانسجامها، وبالرّغبة في تجديد حضورالكنيسة من خلال الإرساليّات، والعديد من المبادرات الجريئة، وتعاليم أخلاقيّة وروحيّة غنيّة. فراح الرّهبان يعلنون الإنجيل في بلدات سهل نينوى والقرى المنتشرة في منطقة العماديّة وزاخو وعقرة. وقد نجحوا إلى حدٍّ كبير بفضل شهادة حياة إنجيليّة، تغذّت على الزّهد وقراءة الكتاب المقدّس، والصّلاة والتّأمّل، والعمل الحثيث، ومساعدة الفقراء بمجّانيّة وسخاء، فعرفوا حالة من القناعة والفرح.

تعاني الرّهبانيّة اليوم من نقص خطير ليس في الدّعوات فقط (عدد أعضائها حاليًّا 12)، بل في التّنشئة الرّوحيّة وتجسيد رسالتها ضمن الكنيسة الكلدانيّة والواقع العراقيّ الجديد، رغم كلّ الجهود الّتي بذلها الكرسيّ الرّسوليّ بإرسال زائرين رسوليّين إليها. هذا الرّكود دفع عناصر مثقّفة من رهبانها إلى طلب الانعتاق من النّذور والتّحوّل إلى كهنة أبرشيّين يخدمون في الرّعايا. وهذا ليس بالحلّ المثاليّ!

نقد الذّات داخل الجماعة الكنسيّة أو الرّهبانيّة علامة صحّيِّة تُعبِّر عن المسؤوليّة المشتركة. من هذا المنطلق ندعو الرّهبان للعودة إلى جذورهم واكتشاف الخطّ التّوجيهيّ والإلهام الفكريّ والرّؤية الرّوحيّة وكاريزما مؤسّسهم، ويتخلّوا عمّا هو خاصّ وشخصيّ، الّذي يفسد الحياة الدّيريّة، ويقيسوا تكريسهم على مقياس ملء قامة المسيح (أفسس 4: 23)، وليس على ذاتهم أو شيء آخر. عليهم أن يحذوا حذو الأب دنبو في إعطاء الأولويّة للحياة الدّاخليّة، وتنشئة القلب والفكر بديناميّة وانفتاح ونضج، وبخبرات فريدة لإشاعة حياة إنجيليّة حقيقيّة، تجذب دعوات جديدة، وتحقّق نهضة روحيّة وثقافيّة، ورسوليّة بعد كلّ هذا التّشتّت والتّرهّل. هذا التّجدّد المنشود والانتعاش الرّوحيّ والانسجام الجماعيّ، ببعده الفصحيّ والعلائقيّ والوجدانيّ العميق ينبني على الاحتفال الإفخارستيّ اليوميّ، وليس  على بعض ممارسات رتيبة لا تلمس القلب. "هذا هو الطَّريق فآسلُكوه" (أشعيا 30: 22).

ختامًا، نتطلّع بروح الرّجاء إلى أن يستنهض رهباننا الكلدان من بينهم، من لديه كاريزما من طراز خادم الله الأب جبرائيل دنبو، للاضطلاع بنهضة جديدة تقتضيها ظروف اليوم، وحاجة المجتمع الّذي نعيش فيه.
"ليس على الأرضِ ما هو أعزّ على الله من راهبٍ جاثٍ على الأرضِ يُصلّي دائمًا، فالصّلاةُ مرساةُ التّوبة، حيثُ تَهدأ كلُّ أنواعِ الأفكارِ مهما كانت كثيرة. الصّلاةُ الدّائمة تَجعلُ من العقلِ صورةَ الله، وتؤمِّنُ له موهبةَ إدراكِ الأمورِ الصّغيرة. وبوقتٍ قصير تكّفِرُ عن ديون الأهمال الثّقيلة. هذه الصّلاة تحوي كلَّ أنواع الزُّهْدِ وأنماطِهِ" (ابراهيم النّثفريّ، القرن السّادس، ساكو آباؤنا السّريان ص 192)".