العراق
14 نيسان 2020, 11:15

البطريرك ساكو: عمّاوس وكورونا يوجد أمل

تيلي لوميار/ نورسات
على ضوء لقاء يسوع بتلميذي عمّاوس، تأمّل بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو فكتب بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ:

"الله ليس فكرةً فلسفيًّة ولا شخصًا نظريًّا، بل إنّه "سببُ وجودِنا ونسمةُ حياتِنا" (الطّقس الكلدانيّ، حوذرا ص 45). والتّعرّف عليه لا يتمّ عن طريق تبنّي كليشهات جاهزة، بل عبر الانفتاح على علامات حضوره في حياتنا وتاريخنا، برقّة القلب والإصغاء المُتَيَّقِظ. إنّنا نقدر مثلًا  ان نُحَوِّلَ  حجرَنا في البيت بسبب كورونا، إلى مصدر إلهام لتعميق البعد الرّوحيّ والإنسانيّ، وتوطيد العلاقات العائليّة والاجتماعيّة، والتّضامن الأخويّ.

من هذا المنطلق تُعلّمنا قصةُ تلميذي عِمَّاوُس (الأوّل اسمه كليوفا، والثّاني لا يذكر اسمه، إنّما يشير إليَّ وإليكَ)، أن نفتح قلبنا وعيوننا لنكتشف المسيح، ليس في عظمة بهاءِ مجدِه الخارجيّ، بل في سرّ محبّته وألمه وصلبه وبذل ذاته، أيّ بشكل مختلف عمّا ألفناه، وبمستوى آخر من الحضور، مغايرٍ لتفكيرنا ومنطقنا. إنّ انضمام يسوع إليهما ومرافقته لهما، ودعوتهما له بالمكوث عندهما، والجلوس على المائدة والصّلاة، فتح أعينهما شيئًا فشئيًا فعرفاه.

والقصّة تؤكّد على أنّ طريق الله لا ينتهي بالوصول إلى بلدة عمّاوس، بل يستمرّ عبر الأبديّة. وإنّ الله الّذي خلقنا يقود مستقبلنا، ويحقّق خلاصنا بالرّغم من المتاعب والآلام.

قال تلميذا عِمَّاوُس: "كُنَّا نَحنُ نَرجو أَنَّه هو الَّذي سيَفتَدي إِسرائيل، ومعَ ذلكَ كُلِّه فهذا هوَ اليَومُ الثَّالِثُ مُذ جَرَت تِلكَ الأُمور!". هذا الأمل اكتشفا تحقيقه في "الطّريق" عندما انضمّ إليهما يسوع. وهذا الأمل هو ما يجب أن نوطّده نحن في أزمة كورونا المقلق والمرعب،  فلا بدّ أن نخرج منها أصحّ وأقوى، وأن نشكر الله على نعمة النّجاة والحياة.  

المؤمن بالرّغم من التّعب وبعضِ الإحباط، عليه أن يذهب إلى الأبعد، وأن ينظر إلى الأمور نظرة عميقة وكاملة، من أجل اكتشاف المعنى العميق للأحداث وبعدها الرّوحيّ. فالأحداث الّتي ينقلها الإنجيل ليست روايات شكليّة بسيطة، ولا تقريرًا صحفيًّا للواقع، بل هي عبر ودروس حياتيّة. في قصّة التّلميذين المُحْبَطَين والعائدين إلى بلدتهما عِمَّاوُس، نرى يسوع يقترب منهما شخصيَّا برقّة، ويسير معهما جنبًا إلى جنب ويضيء لهما الطّريق. فيتحوّل اللّقاء والمرافقة والحوار والضّيافة إلى اكتشاف واقتسام وفرح ورسالة. أمور كثيرة في هذه الظّروف العصيبة، نقدر أن نفهمها مثلهما، من خلال اللّقاء والحوار والصّلاة والتّضامن الإنسانيّ!

الطّريق يبدأ بتلميذي عِمَّاوُس كما يرسمه لوقا "في اليوم عينه، الأوّل بعد السّبت". في الطّريق يتكلّم التّلميذان عن الماضي المأسويّ ليسوع: قسوة كهنة اليهود، مزاجيّة الشّعب المتقلّب، تهرّب بيلاطس من المسؤوليّة، وصلبه وخيبة أملهما، وكأنّهما فقدا القوّة على الذّهاب إلى أبعد،  فغادرا أورشليم خوفًا من الأسوأ،  لكن طريقهما يلزمهما بالعودة إلى اورشليم ومشاركة الآخرين بالاختبار وحمل البشارة! تمامًا كما فعلنا نحن مع فايروس كورونا فغاردنا عملنا ومدينتنا إلى البيت للحجر فيه خشية ً من الأسوأ، لكنّه ليس نهاية العالم، يقينًا سوف تنتهي الأزمة ويتغيّر العالم ويرجع التّضامن الإنسانيّ والعلاقات الاجتماعيّة بقوّة.

طريق عمّاوس، هو طريق كلِّ إنسان. إنّه طريقي وطريقك. وخلاله بالرّغم  من المتاعب والأحزان، تحصل لقاءات بأشخاص تُلهِب القلب "أَما كانَ قلبُنا مُتَّقِدًا في صَدرِنا، حينَ كان يُحَدِّثُنا في الطَّريق.. أُمكُثْ مَعَنا، فقد حانَ المَساءُ ومالَ النَّهار". ومثلما رفع يسوع معنويّاتهما بعبارات التّعزية والصّداقة، والضّيافة حول المائدة،  سوف يفعل الشّيء عينه معنا، عندما نعرف أن نقول له أمكث معنا فنحن بحاجة إليك. وعندما نستضيفه في بيتنا (هيكل قلبنا)، سيرسخ  في داخلنا  الرّجاء بالخلاص، بفضل "الكلمة" و"الإفخارستيّا" والصّلاة والصّبر وخدمة المحبّة. أرى أنّ متابعة الكثيرين للقدّاس من البيت عن طريق وسائل التّواصل الاجتماعيّ، أتاح لهم الفرصة لتعميق الارتباطَ الرّوحيّ (الشّوق إلى المناولة) وتحويل البيت إلى "كنيسة عائليّة".

العودة إلى أورشليم، التّلميذان عادا إلى أورشليم ليُخبرا التّلاميذ الآخرين بما اختبراه في الطّريق من خلال الحوار والضّيافة (الإفخارستيّا). وكانت المفاجأة أنّ التّلاميذ في أورشليم أخبروهما بدورهم  بأنّ "الرّب قام حقًّا وظهر لسمعان وللنّسوة". ظهورات مختلفة من واحد لآخر. ونحن أيضًا لا بدّ أن نعود إلى نبع إيماننا، وإلى عملنا في المدينة،  بعد الخلاص من وباء كورونا، لكن هل سنشرك الآخرين بما اختبرناه  شخصيًّا وعائليًّا على الصّعيد الحياتيّ والإيمانيّ؟ أتمنّى ذلك، خصوصًا أنّ العديد منكم قد اكتسبوا خبرات غنيّة!

لكم وللعراق القيامة والحياة والسّعادة".