العراق
09 آب 2021, 11:50

البطريرك ساكو افتتح السّينودس الكلدانيّ

تيلي لوميار/ نورسات
إفتُتح صباحًا السّينودس الكلدانيّ في المنصور- بغداد بالقدّاس الإلهيّ، قبل أن يتوجّه الأساقفة إلى قاعة مار توما في البطريركيّة حيث ستُعقد الجلسات لغاية الرّابع عشر من الجاري.

وفي بداية الجلسة الافتتاحيّة، استعرض بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو جدول الأعمال، والرّسائل الواردة إلى البطريركيّة، تلتها كلمة الافتتاح، وجاء فيها بحسب إعلام البطريركيّة:

"إخوتي الأجلّاء

"عليكم النّعمة والسّلام من لدُن الله أبينا، ومن لدُن ربنا يسوع المسيح" (رومية 1/7).

أحيّيكم جميعًا، ويسعدني أن نعقد سينودسنا السّنويّ الدّوريّ ببغداد، بعد انقطاع سنة كاملة، لتفاقم الوضع بسبب جائحة كوفيد-19.

كلّي ثقة بأنّ هذا السّينودس سيبعث الأمل في قلوب مؤمنينا، ويرفع من معنويّاتهم وسط همومهم، ويقلّل معاناتهم وشجونهم، ويتجاوب مع تطلّعاتهم.

1. يسرّني أن أشير إلى أهمّيّة زيارة البابا فرنسيس للعراق. هذه الزّيارة الّتي شكَّلت محطّة هامّة في تاريخنا الحديث، وفتحت العراق على السّاحة الدّوليّة. رسائل البابا فرنسيس ولقاءاته أعطت السّلام والعيش المشترك المتناغم فرصة نأمل ألّا نفوّتها. بالنّسبة للكنيسة فقد سجّلت الزّيارة لحظة تاريخيّة، عندما احتفل البابا بالقدّاس حسب طقسنا الكلدانيّ في كاتدرائيّة مار يوسف ببغداد، وأشاد به بالقول: "ما أجملها من صلاة". هذا الاحتفال تعبير عن مكانة وأهمّيّة الكنائس الشّرقيّة في الكنيسة الجامعة. وقوله: "أنتم كنيسة حيّة وقويّة"، دافع لتجديد التزاماتنا الكنسيّة والإنسانيّة والوطنيّة. كذلك الاحتفال المهيب في ملعب فرنسو حريري في أربيل، حيث حضره عشرة آلاف شخص بضمنهم المسؤولين، فضلاً عن مؤمنين من كنائس وديانات أخرى.

2. وسط عدم اليقين وانعدام الاستقرار الاجتماعيّ والسّياسيّ الّتي يعيشها مواطنونا في العراق وفي البلدان الأخرى الّتي نعمل فيها، يتحتّم علينا أن نسير معًا بشركة تامّة كما تعنيها كلمة السّينودس، وأن نكون قريبين من النّاس ونستقبلهم ونصغي إليهم ونخدمهم بمحبّة المسيح ووداعته وبشكل ملموس. نحن رعاة وآباء وإخوة لهم، نجيب على تساؤلاتهم وحاجاتهم بصدق ووضوح واحترام، وتأتي أجوبتنا ملائمة، بحيث يشعرون أنّنا نحمل لهم سراج نور المسيح، لا أجوبة جاهزة قديمة لا تتماشى مع تطلّعاتهم. نحن الأساقفة مدعوّون بحكم موقعنا وتكريسنا، أن نقرأ علامات الأزمنة وأن نعكس خبرة إنجيليّة صادقة، وأن نواصل خدمتنا على المستوى الرّوحيّ والرّاعويّ والتّعليميّ بحماسة. هذا لن يتمّ إلّا من خلال تعزيز علاقة شخصيّة حميميّة وثيقة مع من دعانا وأرسلَنا، والعودة المستمرّة إليه.

3. أشدّد على الحاجة إلى "التّجديد والإصلاحات" من خلال متابعة كهنتنا ومكرَّسينا ومؤمنينا بتجديد الفكر والرّوحيّة والانفتاح على العالم. وفي هذه الأوضاع الصّعبة والمقلقة وجائحة كورونا، لا قوّة لنا غير إيماننا وصلاتنا لتخطِّيها والعبور إلى فضاءات أكثر رحابة ورجاء توطّد تضامننا.

4. من أولويّاتنا، متابعة تنشئة الإكليروس، تنشئة كهنوتيّة شاملة وراسخة، تمكّنهم من القيام برسالتهم الرّاعويّة على أحسن وجه، وأن يكونوا مثالاً للالتزام الثّابت بالإنجيل وخدمة رعاياهم بتواضع وبساطة وأمانة. أودّ الإشارة، إلى أهمّيّة التّعامل مع الكهنة بكيَاسة، ومحبّة إنجيليّة، أما ترون أنّه أمر محزن، بأن يتداول النّاس، سوء تفاهم علنيّ بين الكهنة وبين الأساقفة؟

5. بخصوص اختيار أساقفة جُدد لا بدّ أن نؤكّد على أهمّيّة أن يكون المرشَّح ممّن له الصّفات المطلوبة وفقًا للشّروط الّتي حدّدتها قوانين الكنيسة الكاثوليكيّة ومجموعة قوانين الكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة (ق 180-189) وأيضًا التّعليمات الّتي أصدرها مجمع الأساقفة الكاثوليك والّتي أُرسلت إليكم. هذه المعايير الرّوحيّة والثّقافيّة والرّاعويّة والإداريّة مطلوبة ليكون الأسقف شخصًا قياديًّا في أبرشيّته، قادرًا على اتّخاذ القرار المناسب، لتقدّمها وازدهارها في جميع المجالات.

6. تجديد الطّقوس وأسلوب التّعليم المسيحيّ. لقد فرضت وسائل التّواصل الاجتماعيّ (social medias) وجائحة كورونا واقعًا جديدًا على البشريّة: رؤية جديدة وفكر جديد، ومنطق جديد وحساسيّة جديدة وتعامل جديد. على أثرها تراجعت نسبة الممارسين للطّقوس الدّينيّة والمشاركين في دروس التّعليم المسيحيّ، لكن ثمّة عائق آخر هو أنّ طقوسنا الحاليّة تعود إلى أكثر من ألف سنة، البعض منها ولد في بيئة جدليّة كريستولوجيّة. المضمون أحيانًا واللّغة وأسلوب الأداء لا يرتبط بحاضر معاصرينا وحساسيّتهم وظروفهم. فمن غير المنطقيّ التّمسّك بحذافير هذه الطّقوس. ونحن نواجه مثل هذه التّساؤلات: ما هي نظرتنا للمستقبل؟ وما هي استراتيجيّتنا للمرحلة القادمة؟ لا بدّ من التّلاقح الثّقافيّ، وأن تعتمد الكنيسة عمليّة التّأوين والتّجديد لتُغذّي المؤمنين في حياتهم اليومية وتثريها روحيًّا، بعيدًا عن الرّتابة والمحفوظات، انطلاقًا من حقيقة أنّ الطّقوس هي لهم كما يقول القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفمّ (توفّي 14/9/2007)، وهي وسيلة لا غاية. علينا أن نفكّر بالشّباب والجماعات الكلدانيّة الّتي ولدت في الغرب والّتي لا تعرف هذه الطّقوس ولا ينجذب إليها الشّباب لأنّها لا تتناسب مع حاضرهم ولغتهم ومنطقهم وثقافتهم. التّرجمة وحدها لا تكفي مهما كان نوع إعدادها ومضمونها. الطّقوس تتجدّد وتتطوّر بتبدّل الزّمان والمكان. ولا بدّ من تثقيف المؤمنين وتوعيتهم بأهمّيّة الطّقوس ومعانيها ورموزها والمشاركة في أدائها. وهذا يسري أيضًا على مناهج التّعليم المسيحيّ وشكل التّعليم وأسلوبه. وهذا في الوقت عينه، يدعونا إلى الصّبر والتّفهّم الحكيم في التّنشئة، تجاه الّذين يعترضون على الجديد، ويستكينون إلى القديم.

7. علينا بقراءة متأنّية وعميقة وليس قراءة نمطيّة للأوضاع في معظم بلداننا وخصوصًا وضع مسيحيّينا الّذين يتعرّضون لضغوطات عديدة وبسبب الهجرة المتزايدة وتناقص عددنا. على الكنيسة ألّا تلعب دورًا سياسيًّا متحزّبًا، بل تعمل، بشجاعة رسوليّة ومسؤوليّة، على استنارة الضّمائر حول قضايا السّلام والعدالة الاجتماعيّة والمواطنة والهجرة بسبب فقدان الأمل بالمستقبل، والتّبدّلات المناخيّة. رسالة الكنائس هي أيضًا الصّوت المطلوب في زرع بذور الأخوّة والمحبّة والسّلام والأمان والتّضامن والتّعاون بفرح وتنادي بالعدل. لقد حاولت منذ تسلّمي المسؤوليّة أن تكون الكنيسة حاضرة في حياة المجتمع العراقيّ وأيضًا في المحافل الدّوليّة والكنسيّة. من الأهمّيّة بمكان تقوية حضور كنيستنا الكلدانيّة في العراق، هنا مستقبلها بسبب الأرض واللّغة والتّاريخ والتّراث…

أخيرًا أتمنّى أن ينير هذا السّينودس الدّرب في خدمة رعايانا بتجرّد وحكمة، وأن يكون أرضيًة أمل وعمل والتزام وثبات آخذين بنظر الاعتبار ما لكنيستنا من شهداء وما تحمله في جسدها من ألم ووجع عبر التّاريخ، ومن قوّة القيامة كما حصل للمسيح بعد الآمه."