الفاتيكان
20 تشرين الثاني 2025, 14:20

البابا في أسيزي والمناسبة؟

تيلي لوميار/ نورسات
زار البابا لاون الرّابع عشر صباحًا ضريح القدّيس فرنسيس الأسيزيّ، واختتم أعمال الجمعيّة العامّة الحادية والثّمانين لمجلس أساقفة إيطاليا الملتئمة في المدينة، والتقى في بازيليك "القدّيسة مريم سيّدة الملائكة" الأساقفة الإيطاليّين.

وبحسب "فاتيكان نيوز"، "ألقى البابا للمناسبة خطابًا استهلّه معربًا عن سروره للمشاركة في اللّقاء ولزيارة أسيزي، ووجّه كلمة شكر إلى رئيس مجلس الأساقفة الكاردينال ماتيو زوبي على الدّعوة الّتي وجّهها له لاختتام أعمال الجمعيّة العامّة السّنويّة. هذا ثمّ ذكّر بأنّه في تلك المدينة نال القدّيس فرنسيس وحيًا من الرّبّ، ألا وهو أن يعيش بحسب الإنجيل، وهي دعوة موجّهة إلى كلّ مؤمن مسيحيّ.

هذا ثمّ توقّف الحبر الأعظم عند ضرورة أن تكون الأنظار موجّهة دائمًا نحو المسيح، لأنّ سبب وجودنا هو الإيمانُ بالمصلوب والقائم من بين الأموات، ومن الأهمّيّة بمكان أن يضع الأساقفة الرّبّ في المحور، وأن يساعدوا الأشخاص على الدّخول في علاقة شخصيّة معه، ليكتشفوا فرح الإنجيل، كما أنّ العودة إلى ينابيع الإيمان مسألة تكتسب أهمّيّة كبرى في هذا الزّمن المطبوع بالانقسامات. لذا لا بدّ من الانطلاق مجدّدًا من الإيمان الّذي يجعلنا نرى في المسيح مخلّصًا والّذي يرتبط ببيئات حياتنا اليوميّة كلّها.

بعدها لفت لاون الرّابع عشر إلى أنّ توجيه الأنظار نحو المسيح يجعلنا قادرين على النّظر إلى وجوه الأخوة، ومحبّةُ الرّبّ هي الّتي تدفعنا نحو الآخرين، كما أنّ الإيمان به هو سلامُنا، ويقتضي منّا أن نقدّم للجميع هبة سلامه. وذكّر البابا في هذا السّياق بأنّنا نعيش في زمن مطبوع بالانقسامات، والعدائيّة والعنف، واللّامبالاة حيال الضّعفاء وقمع الحرّيّات، ناهيك عن الوحدة الّتي تقضي على الأمل، والتّساؤلات الكثيرة المطروحة بشأن المستقبل، ومع ذلك يحثّنا الرّوح القدس وكلمة الله على أن نكون صانعين للصّداقة والأخوّة والعلاقات الأصيلة وسط الجماعات، إذ ينبغي أن نصغي إلى الآخرين ونعزّز ثقافة اللّقاء، وهكذا نصبح نبوءة سلام بالنّسبة للعالم كلّه.

هذا ثمّ عاد الحبر الأعظم بالذّاكرة إلى آخر لقاء جمعه بالأساقفة الإيطاليّين مشيرًا إلى أنّه دعاهم في تلك المناسبة إلى إعلان رسالة الخلاص، بناء السّلام، تعزيز الكرامة البشريّة والتّرويج لثقافة الحوار ولنظرة أنتروبولوجيّة مسيحيّة. وشدّد على أنّ هذه النّقاط تتوافق مع المسيرة السّينودسيّة للكنيسة في إيطاليا، موضحًا أنّ الأساقفة مدعوّون إلى تحديد الخطوات الرّعويّة للسّنوات المقبلة.

وذكّر لاون الرّابع عشر رعاة الكنيسة الإيطاليّة بأنّ السّينودسيّة هي مسيرة يجتازها المسيحيّون مع المسيح، نحو ملكوت الله، متّحدين مع البشريّة كلّها، مشدّدًا على ضرورة أن يلتزم الجميع في مواجهة التّحدّيات المطروحة أمام الشّركة الكنسيّة النّاجعة والكرازة بالإنجيل والتّغيّرات الثّقافيّة والدّيمغرافيّة والكنسيّة، فلا بدّ من متابعة السّير إلى الأمام والعمل معًا وتوحيد القوى مع الأخذ في عين الاعتبار الطّابع الخاصّ للكنيسة الإيطاليّة، كما أنّ الأساقفة، في مختلف الأقاليم، مدعوّون إلى التّمييز، وإلى تقديم مقترحات واقعيّة بشأن الأبرشيّات الصّغيرة الّتي تفتقر ربّما إلى الموارد البشريّة، لترى الكنيسة كيف يمكنها أن تقدّم إسهامها في هذا المجال.

تابع البابا خطابه مذكّرًا بأنّ السّينودسيّة تتطلّب، فضلًا عن الشّركة بين الأساقفة ومع البابا، إصغاءً متنبّهًا وتمييزًا جادًّا لمطالب شعب الله، وذكّر بأنّ الكنيسة السّينودسيّة السّائرة في التّاريخ والّتي تواجه تحدّيات ناشئة على صعيد الكرازة بالإنجيل تحتاج إلى التّجدّد باستمرار، ومن الأهمّيّة بمكان أن نتذكّر ما قاله البابا فرنسيس بشأن الأسقف الّذي ينبغي أن يتعلّم كيف يُنهي خدمته لدى بلوغه السّنّ القانونيّة، ألا وهي خمسة وسبعون عامًا، وهذه السّنّ يمكن أن تصل إلى سبعة وسبعين عامًا فيما يتعلّق بالكرادلة.

لم تخلُ كلمة لاون الرّابع عشر إلى الأساقفة الإيطاليّين من تسليط الضّوء على المسيرة الّتي وضعتها الكنيسة الإيطاليّة منذ المجمع الفاتيكانيّ الثّاني. وحثّ الأساقفة على الاعتناء بالجماعات الأبرشيّة والرّعويّة لكي تبقى حيّة، لأنّها مسألة جوهريّة بالنّسبة للكنيسة الّتي ينبغي أن تتذكّر المسيرة الّتي يقودنا فيها الرّبّ في "البرّيّة" عبر الزّمن. من هذا المنطلق، تابع البابا يقول، يتعيّن على الكنيسة في إيطاليا أن تواصل العمل من أجل تعزيز أنسنة متكاملة، تدعم وتساعد المسارات الوجوديّة للأفراد والجماعات، وتعطي قيمة للحياة وللاعتناء بالخليقة، وترفع صوتها في النّقاشات العامّة بغية نشر ثقافة الشّرعيّة والتّعاضد.

بعدها شدّد البابا على ضرورة ألّا ننسى التّحدّي الّذي يطرحه أمامنا العالم الرّقميّ، لافتًا إلى أنّ البرامج الرّعويّة مدعوّة إلى عدم الاكتفاء باستخدام وسائل التّواصل، إذ لا بدّ أن تربّي على استخدام الوسائل الرّقميّة بطريقة إنسانيّة، مع الحفاظ على الحقيقة، لكي تصبح الشّبكة فعلًا فسحة للحرّيّة والمسؤوليّة والأخوّة. كما أنّ السّير معًا ومع الجميع يتطلّب من الكنيسة أن تعيش وسط النّاس، وأن تخفّف من آلامهم وأن تقاسمهم آمالهم. ويجب عليها أن تقف إلى جانب العائلات والشّبّان والمسنّين ومن يعانون من الوحدة، وأن تعتني بالفقراء بالتّعاون مع الجمعيّات الخيريّة المنتشرة على كامل التّراب الوطنيّ.

هذا ثمّ ذكّر لاون الرّابع عشر الأساقفة بضرورة الاهتمام بالأشخاص الضّعفاء والوقاية من كلّ شكل من أشكال الانتهاكات، مسلّطًا الضّوء على أهمّيّة الإصغاء إلى الضّحايا والإقرار بالجراح والعمل على تضميدها. وشكر الأساقفة على ما قاموا به على هذا الصّعيد، مشجّعًا إيّاهم على مواصلة التزامهم في حماية القاصرين والبالغين الضّعفاء.

في نهاية كلمته إلى الأساقفة الإيطاليّين ذكّر الحبر الأعظم بأنّه في مدينة أسيزي عاش القدّيس فرنسيس والرّهبان الأوائل نمطًا سينودسيًّا، وقد تقاسموا المحطّات المختلفة من مسيرتهم، وزاروا معًا البابا إينوسنت الثّالث، وانكبّوا معًا على صياغة النّصّ الّذي طرحوه على الحبر الأعظم وكان مفعمًا بالتّعابير الإنجيليّة، وأصبح لاحقًا "قانون الرّهبنة"، وقد كان إيمانهم الرّاسخ والمثابر مصدر إلهام للأخوّة.

في الختام تمنّى البابا لاون الرّابع عشر أن يعطينا مثال القدّيس فرنسيس القوّة اللّازمة لاتّخاذ خيارات مستلهمة من إيمان أصيل لكي نكون، ككنيسة، علامةً وشهادة لملكوت الله في هذا العالم."