الفاتيكان
05 كانون الثاني 2023, 12:10

البابا فرنسيس: يا بندكتس، صديق العريس الأمين، ليكن فرحك كاملاً في سماع صوته بشكل نهائيّ

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس البابا فرنسيس صباح اليوم قدّاس جنازة البابا الفخريّ بندكتس السّادس عشر في ساحة القدّيس بطرس في الفاتيكان. وللمناسبة ألقى البابا عظة قال فيها بحسب ما أورد "فاتيكان نيوز":

"يا أَبَتِ، في يَدَيكَ أَجعَلُ رُوحي!". إنذها الكلمات الأخيرة التي قالها الرّبّ على الصّليب. تنهده الأخير - يمكننا أن نقول - القادر على تأكيد ما ميَّز حياته بأسرها: تسليم مستمرّ بين يدي أبيه، يدا المغفرة والشّفقة والشّفاء والرّحمة ويدا المسحة والبركة، اللّتان دفعتاه لكي يسلِّم نفسه أيضًا بين أيدي إخوته. إنَّ الرّبّ، المنفتح على القصص التي كان يلتقي بها على طول المسيرة، سمح لمشيئة الله أن تصقُلَه، وأخذ على كتفيه جميع عواقب الإنجيل وصعوباته إلى أن رأى يداه مجروحتان بدافع الحبّ: "أُنظُر يديَّ"، قال لتوما ويقول ذلك أيضًا لكلّ واحد منّا. يدان مجروحتان تذهبان للقائنا ولا تكفَّان أبدًا عن تقديم ذواتهما، لكي نعرف محبّة الله لنا ونؤمن بها.

"يا أَبَتِ، في يَدَيكَ أَجعَلُ رُوحي!". إنّها الدعوة وبرنامج الحياة الذي يهمس ويريد أن يصوّر مثل جابل الطّين قلب الرّاعي، لكي تنبض فيه مشاعر المسيح يسوع عينها. تفانٍ مُمتن في خدمة الرّبّ وشعبه يولد من قبول عطيّة مجانية: "أنت لي ... أنت لهم"، يهمس الرّبّ، "أنت تحت حماية يديَّ، تحت حماية قلبي. ابقَ في جوف يديَّ وأعطني يديك". إنّه تنازل الله وقربه القادر على أن يضع نفسه بين أيدي تلاميذه الهشّة لكي يغذّي شعبه ويقول معه: خذوا كلوا وخذوا اشربوا، هذا هو جسدي الذي يُبذل من أجلكم.

تفانٍ مُصلّي، يتشكل ويُصقل بصمت بين مفترق الطّرق والتّناقضات التي يجب على الرّاعي أن يواجهها والدّعوة الواثقة لكي يرعى القطيع. مثل المعلِّم، حمل على كتفيه تعب الشّفاعة واضمحلال المسحة لشعبه، لاسيّما حيث يجب على الصّلاح أن يجاهد وحيث تتعرَّض كرامة الإخوة للتّهديد. في لقاء الشّفاعة هذا، يولد الرّبّ وداعة قادرة على أن تفهم وتقبل وترجو وتراهن أبعد من سوء الفهم الذي يمكن لذلك أن يثيره. خصوبة غير مرئيّة وغامضة، تولد من معرفتنا بالذي وضعنا ثقتنا بين يديه. ثقة مصليّة وتعبّد، قادرة على أن تفسر أفعال الرّاعي وتكييف قلبه وقراراته مع أوقات الله: "أن نرعى يعني أن نحبّ، والمحبّة تعني أيضًا أن نكون مستعدّين لأن نتألّم. الحب يعني: أن نعطي الخراف الخير الحقيقيّ، وغذاء حقيقة الله، وكلمة الله، غذاء حضوره.

تفانٍ تعضده تعزية الرّوح القدس الذي يسبقه دائمًا في الرّسالة: في البحث الشّغوف لنقل جمال وفرح الإنجيل، في الشّهادة الخصبة للذين، على مثال مريم، يبقون بأساليب عديدة تحت أقدام الصّليب، في ذلك السّلام الأليم وإنّما القويّ الذي لا يهاجم ولا يُخضع؛ وفي الرّجاء العنيد والصّبور في أنّ الرّبّ سيتمِّم وعده، كما وعد آبائنا ونسله إلى الأبد. نحن أيضًا، إذ نرتبط بثبات بكلمات الرّبّ الأخيرة والشّهادة التي ميّزت حياته، نريد، كجماعة كنسيّة، أن نسير على خطاه ونسلّم أخينا إلى يدي الآب: لكي تجد يداه الرّحيمتين سراجه مُضاء بزيت الإنجيل، الذي نشره وشهد له خلال حياته.

في نهاية قانونه الرّاعويّ دعا القديس غريغوريوس الكبير إلى هذه الرّفقة وحثّ عليها قائلاً: "في خضم عواصف حياتي، تُعزّيني الثّقة بأنك ستبقيني عائمًا على طاولة صلواتك، وأنّه إذا كان ثقل ذنوبي يحبطني ويذلُّني، ستقدم لي مساعدة استحقاقاتك لكي ترفعني". إنه إدراك الرّاعي بأنّه لا يمكنه أن يحمل وحده ما لا يمكنه في الواقع أن يتحمّله وحده، ولذلك هو يعرف كيف يستسلم للصّلاة ولرعاية الأشخاص الموكلين إليه. إنّ شعب الله الأمين المجتمع هو الذي يرافق ويُسلِّم حياة من كان راعيه. مثل نساء الإنجيل عند القبر، نحن هنا مع طيب الامتنان ودهنُ الرّجاء لكي نظهر له، مرّة أخرى، الحبّ الذي لا يضيع أبدًا؛ ونريد أن نقوم بذلك بنفس المسحة والحكمة والرّقّة والتّفاني؛ جميع هذه الأمور التي عرف أن يمنحها على مرّ السنين. نريد أن نقول معًا: "يا أَبَتِ، في يَدَيكَ أَجعَلُ رُوحي!".

وإختتم البابا فرنسيس بالقول "يا بندكتس، صديق العريس الأمين، ليكن فرحك كاملاً في سماع صوته بشكل نهائيّ وإلى الأبد!"