البابا فرنسيس: هناك حاجة للصّلاة لكي ندعم ضحايا الاتجار بالبشر
هذه الدّعوة جاءت في رسالة مصوّرة للمناسبة، قال فيها البابا فرنسيس بحسب "فاتيكان نيوز":
"أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أناشدكم جميعًا أنتم الّذين تعملون ضد الاتجار بالبشر وتتّحدون اليوم روحيًّا في هذا اليوم العالميّ للصّلاة، والّذي له أيضًا نيّة محدّدة: "اقتصاد بدون اتجار بالبشر". يسعدني أن أعرف أنّ العديد من وقفات الصّلاة في هذا العام ستكون ما بين الأديان، وأنّ واحدة منها تقام في آسيا أيضًا. كذلك أنشر رسالتي أيضًا إلى جميع الأشخاص ذوي الإرادة الصّالحة الّذين يصلّون ويلتزمون ويدرسون ويفكّرون من أجل مكافحة الاتجار بالبشر ولاسيّما الّذين- وعلى مثال القدّيسة بخيتا، الّتي نحتفل اليوم بعيدها- عاشوا مأساة الاتجار في حياتهم.
هذا اليوم مهمّ لأنّه يساعدنا جميعًا على تذكّر هذه المأساة، ويشجّعنا على عدم التّوقّف عن الصّلاة والنّضال معًا. وليترافق التّفكير والوعي على الدّوام بتصرّفات ملموسة تفتح أيضًا دروب تحرّر اجتماعيّ. إنَّ الهدف، في الواقع، هو أن يصبح كلّ شخص مستعبد رائدًا حرًّا لحياته وجزءًا فاعلاً في بناء الخير العامّ.
أيّها الأعزّاء، إنّه يوم صلاة. نعم، هناك حاجة للصّلاة لكي ندعم ضحايا الاتجار بالبشر والأشخاص الّذين يرافقون عمليّات الادماج وإعادة الإدماج في المجتمع. هناك حاجة للصّلاة لكي نتعلّم أن نقترب بإنسانيّة وشجاعة من الّذين قد طُبعوا بالكثير من الألم واليأس، وأن نحافظ على شعلة الرّجاء حيّة. علينا أن نصلّي لكي نكون رقباء قادرين على التّمييز وعلى اتّخاذ قرارات موجّهة نحو الخير. إنَّ الصّلاة تلمس القلب وتحثّنا على القيام بأعمال ملموسة، وأعمال مبتكرة وشجاعة، تعرف كيف تخاطر وتثق في قوّة الله.
تشكّل الذّكرى اللّيتورجيّة للقدّيسة بخيتا دعوة قويّة لهذا البعد من الإيمان والصّلاة: إنّ صدى شهادتها هو على الدّوام حيٌّ وآنيّ! إنّها دعوة لكي نضع في المحور الأشخاص الّذين يتمّ الاتجار بهم وعائلاتهم وجماعاتهم. إنّهم مركز صلاتنا. كذلك تذكّرنا القدّيسة بخيتا بأنّهم أبطال هذا اليوم، وأنّنا جميعًا في الخدمة. والآن أرغب في أن أتقاسم معكم بعض الأفكار للتّفكير والعمل حول الموضوع الّذي اخترتموه: "اقتصاد بدون اتجار بالبشر". كما يمكنكم العثور على أفكار أخرى في الرّسالة الّتي وجّهتها إلى المشاركين في حدث "Economy of Francesco" في الحادي والعشرين من تشرين الثّاني نوفمبر الماضي.
إقتصاد الرّعاية. يمكن فهم الرّعاية على أنّها العناية بالأشخاص والطّبيعة، وتقديم منتجات وخدمات من أجل تنمية الخير العامّ. إقتصاد يعتني بالعمل ويخلق فرص عمل لا تستغلّ العامل لظروف عمل مهينة وساعات مرهقة. لقد أدّت جائحة فيروس الكورونا إلى تفاقم وتصعيد ظروف الاستغلال في العمل؛ فيما أدّى فقدان الوظائف إلى معاقبة العديد من ضحايا الاتجار بالبشر في عمليّة إعادة التّأهيل وإعادة الإدماج في المجتمع. ففي تلك اللّحظات، الّتي يبدو فيها أنّ كلّ شيء يتلاشى ويفقد الاتّساق، من المفيد لنا أن نلجأ إلى الصّلابة الّتي تأتي من معرفتنا بأنّنا مسؤولون عن هشاشة الآخرين، ونسعى إلى مصير مشترك. لذلك فإنّ اقتصاد الرّعاية يعني اقتصادًا تضامنيًّا: نحن نعمل من أجل صلابة تُترجم من خلال التّضامن. نحن مقتنعون بأنّ التّضامن، إذا تمّت إدارته بشكل جيّد، يؤدي إلى بناء اجتماعيذ أكثر أمانًا وثباتًا.
إنَّ الاقتصاد بدون اتجار بالبشر هو اقتصاد له قواعد السّوق الّتي تعزّز العدالة وليس المصالح الخاصّة الحصريّة. يجد الاتجار بالأشخاص أرضًا خصبة في نهج الرّأسماليّة النّيوليبراليّة، في رفع القيود عن الأسواق الّذي يهدف إلى تعظيم الأرباح بدون حدود أخلاقيّة، وبدون حدود اجتماعيّة، وبدون حدود بيئيّة. إذا تمّ اتّباع هذا المنطق، فلن يكون هناك سوى حساب المزايا والعيوب. ولن يتمّ اتّخاذ الخيارات على أساس المعايير الأخلاقيّة، وإنّما وفقًا للمصالح المهيمنة، الّتي غالبًا ما تكون مخفيّة بمهارة تحت مظهر إنسانيّ أو بيئيّ. وبالتّالي لا يتمّ الاختيار من خلال النّظر إلى الأشخاص: لأنَّ الأشخاص هم مجرّد أرقام يجب استغلالها أيضًا.
فالاقتصاد بدون اتجار بالبشر هو اقتصاد شجاع- ويتطلّب الشّجاعة. ليس بمعنى انعدام الضّمير، والعمليّات المحفوفة بالمخاطر بحثًا عن مكاسب سهلة. لا، ليس بهذا المعنى؛ بالطّبع هذه ليست الشّجاعة الّتي يتطلّبها الأمر. وإنّما على العكس إنّها شجاعة البناء الصّبور، والتّخطيط الّذي لا ينظر دائمًا وفقط إلى المنافع القصيرة المدى، وإنّما إلى الفوائد المتوسّطة والطّويلة الأجل، ولاسيّما إلى الأشخاص. الشّجاعة للجمع بين الرّبح المشروع وتعزيز العمالة وظروف العمل الكريمة. في زمن الأزمات الشّديدة، مثل الأزمة الحاليّة، تكون هذه الشّجاعة ضروريّة أكثر من أيّ وقت مضى. في الأزمة، يزداد الاتجار بالبشر، جميعنا نعرف ذلك وجميعنا نراه يوميًّا. في ظلّ الأزمة، يزداد الاتجار بالبشر. ولذلك من الضّروريّ تعزيز اقتصاد يستجيب للأزمة بطريقة حكيمة، وبشكل دائم، وبطريقة ثابتة.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لنضع هذا كلّه في صلواتنا، ولاسيّما اليوم، بشفاعة القدّيسة بخيتا. أنا أصلّي من أجلكم، ولنصلِّ معًا جميعًا من أجل كلّ شخص هو حاليًّا ضحية للاتجار بالبشر. ومن فضلكم لا تنسوا أيضًا أن تصلّوا من أجلي."