الفاتيكان
05 تشرين الثاني 2025, 12:15

البابا: أمام إنسانيّتنا الضّعيفة يصير الإعلان الفصحيّ دواءً وشفاءً

تيلي لوميار/ نورسات
قيامة يسوع المسيح من بين الأموات وتحدِّيات عالم اليوم، كانت محور المقابلة العامّة اليوم ضمن سلسلة البابا لاون التّعليميّة حول "يسوع المسيح رجاؤنا".

وفي تعليمه، قال البابا بحسب موقع الكرسيّ الرّسوليّ: "فِصح يسوع ليس حدثًا يعود إلى ماضٍ بعيدٍ استقرَّ في طيّاتِ التّقليد مثل سائرِ الأحداث في تاريخ البشريّة. الكنيسة تُعلِّمنا أن نُحيي ذكرى قيامة الرّبّ يسوع كواقعٍ حاضرٍ في كلِّ سنة يومَ أحد الفصح، وفي كلِّ يومٍ خلال الاحتفال بالإفخارستيّا، حيث يتحقّق بصورة كاملة وعدُ الرّبّ القائم من بين الأموات: "وهاءَنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم" (متّى 28، 20).

لهذا فإنّ السّرّ الفصحيّ هو محورَ حياةِ المسيحيّ، وتدور حوله سائرُ الأحداث الأخرى. وبإمكاننا أن نقول، بدون أيّ عاطفة أو مثاليّة سطحيّة، إنّ كلّ يوم هو فصحٌ جديد. كيف يكون ذلك؟

إنّنا نختبر ساعة بعد ساعة خبرات مختلفة: ألمًا، أو معاناةً، أو حزنًا، وكلّها متشابكةً مع الفرح، والدّهشة، والطّمأنينة. لكنَّ قلبَ الإنسان، في كلِّ موقف، يتوقُ إلى الكمال، وإلى سعادةٍ غامرة. الفيلسوفةُ الكبيرة في القرن العشرين، القدّيسة تريزا بنديكتا للصّليب (Santa Teresa Benedetta della Croce)، إدِت شتاين (اسمها قبل الرّهبنة)، الّتي تعمّقت كثيرًا في سرِّ الإنسان، تذكِّرنا بديناميّة البحث المستمرّ عن الكمال. تقول: "الإنسانُ يَتَوقُ دائمًا إلى عطيّة الوجود منجديد، لكي يستفيد مِمَّا تمنحه إيّاه اللّحظة، وفي نفس الوقت تَسلبه منه" (الوجود المحدود والوجود الأزليّ: سموّ إلى معنى الوجود، روما 1988، 387). نحنُ غارقون في حدودنا، لكنّنا أيضًا نتطلّع إلى تجاوزها.

الإعلان الفصحيّ هو أجملُ وأبهجُ وأروعُ خبرٍ دوّى في التّاريخ. هو ”الإنجيل“ بامتياز، إنّه يشهد على انتصار الحبّ على الخطيئة، والحياة على الموت، ولذلك فهو وحده القادر على أن يروي عطش البحث عن المعنى الّذي يُقلق عقلنا وقلبنا. في الإنسان قوّةٌ داخليّة تدفعه إلى ما هو أبعد منه، وتجذبه دائمًا. فلا يمكن لأيّ واقع عَرَضي أن يملأُ قلبه أو يُرضيه. نحنُ نسعى إلى اللّانهايّة وإلى الأبديّة. وهذا يتعارض مع خبرة الموت الّتي تسبقها الآلام والخسائر والفشل. ومن الموت، كما أنشد القدّيس فرنسيس: "لا يَسْتَطيعُ أيّ إنسان حيّ أن يهرب" (راجع نشيد أختنا الشّمس).

كلّ شيءٍ تغيّر بفضل ذلك الصّباح الّذي ذهبت فيه النّساء إلى القبر ليُطيِّبن جسد الرّبّ يسوع، فوجدنّ القبر فارغًا. والسّؤال الّذي وجّهه المجوس القادمون من المشرق إلى أورشليم: "أَينَ مَلِكُ اليهودِ الَّذي وُلِد؟" (متّى 2، 2)، يجدُ جوابه بصورة نهائيّة في كلام الشّابّ الغريب المرتدي حُلَّة بَيضاء والّذي كلّم النّساء عند فجر الفصح وقال لهنّ: "أَنْتُنَّ تَطلُبْنَ يسوعَ النَّاصريَّ المَصْلوب. إِنَّه قامَ وليسَ ههُنا" (مرقس 16، 6).

ومن صباح ذلك اليوم وحتّى اليوم، وكلّ يوم، سيكون ليسوع هذا اللّقب أيضًا: الحَيّ، كما عَرَّفَ هو بنفسه في سفر الرّؤيا: "أَنا الأَوَّلُ والآخِر، أَنا الحَيّ. كُنتُ مَيتًا وهاءَنَذا حَيٌّ أَبَدَ الدُّهور" (رؤيا 1، 17-18). وفيه نحن أكيدون أنّنا نستطيع دائمًا أن نهتدي بالنّجم القطبيّ وإليه نوجّه حياتنا ولو ظهرت فيها الفوضى، وهي مليئة بأحداثٍ تبدو مرارًا لنا مربكة وغير مقبولة وغير مفهومة: الشّرّ بأوجهه المتعدّدة، الألم، والموت، هي أحداث تطال الجميع. إن تأمّلنا في سرّ قيامة الرّبّ يسوع، وجدنا الجواب على عطشنا إلى معنى حياتنا.

أمام إنسانيّتنا الضّعيفة، يصير الإعلان الفصحيّ دواءً وشفاءً، ويغذّي فينا الرّجاء أمام التّحدّيات المخيفة الّتي تضعها الحياة في طريقنا كلّ يوم، على الصّعيد الشّخصيّ والعالميّ. من منظور الفصح، يتحوّل درب الصّليب إلى درب النّور. نحن بحاجةٍ إلى أن نتذوّق الفرح بعد الألم ونتأمّل فيه، وإلى أن نَعبُرَ من جديد كلّ المراحل الّتي سبقت القيامة في نورٍ جديد.

الفصح لا يُلغي الصّليب، بل ينتصر عليه في المبارزة العجيبة الّتي غيّرت تاريخ الإنسان. زَمنُنا أيضًا، الّذي يتّسم بصلبانٍ كثيرة، يتطلّع إلى فجر الرّجاء الفصحيّ. قيامة المسيح من بين الأموات ليست فكرةً ولا نظريّة، بل هي حدثُ الإيمان الجوهريّ. ويسوع المسيح، القائم من بين الأموات، يذكّرنا بذلك دائمًا، بواسطة الرّوح القدس، لكي نكون شهودًا له حتّى في الأماكن الّتي لا يرى فيها التّاريخُ البشريّ بصيص نورٍ في الأفق. فالرّجاءُ الفصحيّ لا يُخَيِّب. والإيمان الحقيقيّ بالفصح، من خلال مسيرة حياتنا اليوميّة، يعني أن نُحدث ثورةً في حياتنا، وأن نتبدلّ نحن لنُحَوِّل العالم ونُغَيِّره بقوّة الرّجاء المسيحيّ الوديعة والشّجاعة."