البابا فرنسيس في المقابلة العامّة: عن فعل التّوبة
وتابع يقول، نقلاً عن "إذاعة الفاتيكان": "إنّ دعوة الكاهن في الواقع هي موجّهة للجماعة المصلّيّة بأسرها لأنّنا جميعًا خطأة. ماذا يمكن أن يعطيه الله لمن قد امتلأ قلبه من ذاته ومن نجاحاته؟ لا شيء لأنّ المتكبِّر هو غير قادر على نوال المغفرة لأنّه ممتلئ من عدالته المُفترضة. لنفكِّر بمثل الفرّيسيّ والعشّار، الّذي فيه يعود الثاّني وحده- أيّ العشّار- إلى بيته مَبرورًا، أيّ مغفورًا له. من يعرف بؤسه ويخفض عينيه بتواضع يشعر بنظرة الله الرّحيمة. تُعلِّمنا الخبرة أنّ من يعترف بخطاياه ويطلب السّماح ينال تفهُّم الآخرين ومغفرتهم.
إنَّ الإصغاء بصمت لصوت الضّمير يسمح لنا بالاعتراف بأنّ أفكارنا بعيدة عن الأفكار الإلهيّة، وأنَّ كلماتنا وأعمالنا غالبًا ما تكون دنيويّة تقودها خيارات مناقضة للإنجيل. لذلك وفي بداية القدّاس نقوم بفعل توبة جماعيّ من خلال صيغة اعتراف عامّ نقوم به بصيغة الأنا، فيعترف كلّ منّا لله والإخوة بأنّه خاطئ "كثيرًا بِالفكرِ والقولِ والفعلِ والإهمال"؛ نعم بالإهمال أيضًا أيّ بالتّغاضي عن الخير الّذي كان بإمكاني القيام به. غالبًا ما نشعر بأنّنا صالحين لأنّنا نقول "لم أؤذِ أحدًا"؛ في الواقع لا يكفي ألّا نؤذي القريب بل ينبغي علينا أن نختار فعل الخير ونستفيد من المناسبات لنقدّم شهادة صالحة بأنّنا تلاميذ يسوع. من الجيّد أن نؤكّد أنّنا نعترف لله والإخوة أنّنا خطأة: هذا الأمر يساعدنا على فهم بُعد الخطيئة الّتي وإذ تفصلنا عن الله تبعدنا أيضًا عن إخوتنا والعكس صحيح، لأنَّ الخطيئة تقطع: تقطع العلاقة مع الله والعلاقة مع الإخوة، العلاقة في العائلة والمجتمع والجماعة: الخطيئة تقطع على الدّوام وتفصل.
إنّ الكلمات الّتي نقولها بفمنا تترافق بحركة الضّرب على الصّدر معترفين أنّنا خطئنا بسبب خطيئتنا وليس بسبب آخرين. غالبًا ما نوجّه أصابع الاتِّهام نحو الآخرين بسبب الخوف أو الخجل، إذ يكلِّفنا أن نعترف بأنّنا مذنبون ولكن يساعدنا أن نعترف بهذا الأمر بصدق. وبالتّالي علينا أن نعترف بخطايانا؛ أذكر حكاية طريفة كان يُخبرها أحد المرسلين المُسنّين عن امرأة ذهبت لتعترف وبدأت بتعداد خطايا زوجها وانتقلت بعدها لتخبر عن خطايا حماتها والجيران، فقال لها المُعرِّف: "قولي لي يا سيّدتي هل انتهيتي؟" فأجابت نعم، فقال لها جيد جدًّا لقد انتهيتي من خطايا الآخرين فابدئي الآن بخطاياك. بعد الاعتراف بالخطيئة نطلب من القدّيسة مريم العذراء الدّائمة البتوليّة وجميع الملائكة والقدّيسين أن يصلّوا إلى الرّبّ من أجلنا. في شراكة القدّيسين القيّمة هذه تعضدنا شفاعة هؤلاء "الأصدقاء وأمثلة الحياة" في المسيرة نحو ملء الشّركة مع الله عندما ستُدمّر الخطيئة بشكل نهائيّ.
أضاف البابا فرنسيس يقول بالإضافة إلى هذه الصّيغة يمكننا استعمال صيغًا أخرى من فعل التّوبة، على سبيل المثال: "رُحماك يا ربّ/ إنّا قد خطئنا إليك/ أرنا يا ربّ رحمتك/ وهَب لنا خلاصك". ويوم الأحد، بشكل خاصّ، يمكننا القيام برتبة تبريك ورشّ المياه تذكارًا للمعموديّة الّتي تمحو جميع الخطايا. من الممكن أيضًا، وكجزء من فعل التّوبة، أن ننشد الـ"كيرياليسون": من خلال عبارة يونانيّة قديمة نعلن الرّبّ - Kyrios - ونطلب رحمته.
يقدّم لنا الكتاب المقدّس أمثلة منيرة لشخصيّات تائبة عادت إلى نفسها بعد أن ارتكبت خطيئة ووجدت الشّجاعة لتنزع القناع وتنفتح على النّعمة الّتي تجدّد القلب. لنفكّر بالملك داود وبالكلمات المنسوبة إليه في المزمور: "إرحمني يا الله كعظيم رحمتك، وكمثل كثرة رأفتك، أمحُ مآثمي"، لنفكّر بالابن الضّال الّذي يعود إلى أبيه وبصلاة العشّار: "الَّلهُمَّ ارحَمني أَنا الخاطئ!". لنفكّر بالقدّيس بطرس وبزكّا والمرأة السّامريّة. أن نقيس ذواتنا بهشاشة الطّين الّذي جُبلنا منه هي خبرة تقوّينا: ففيما تجعلنا نتواجه مع ضعفنا تفتح قلبنا على طلب الرّحمة الإلهيّة الّتي تحوّل وتغيِّر".