البابا فرنسيٍس: بِما تَكيلونَ يُكالُ لَكُم وَتُزادون
"علينا جميعًا أن نؤدّي حساباتنا مع الحياة، نحن نقوم بذلك في الحاضر ولكنّنا وبشكل خاصّ سنؤدّي حساباتنا في نهاية حياتنا، وهذه الجملة الّتي يقولها لنا يسوع تقول لنا كيف ستكون تلك اللّحظة، أو بالأحرى كيف ستكون الدّينونة. لأنّه إن كان إنجيل التّطويبات والفصل الخامس والعشرين من إنجيل القدّيس مرقس يُظهران لنا الأمور الّتي ينبغي علينا القيام بها وكيف علينا القيام بها وأسلوب الحياة الّذي ينبغي علينا أن نتحلّى به، فالكيل هو ما يقوله لنا الرّبّ هنا.
ما هو الكيل الّذي أكيل به للآخرين؟ وما هو الكيل الّذي أكيل به لنفسي؟ هل هو كيل سخيّ، مفعم بالحب تجاه الله أم أنّه كيل على المستوى الأرضيّ؟ لكن بالكيل الّذي أكيل به سيُكال لي، ولن يكون هناك كيل آخر: الكيل الّذي استعملته مع الآخرين. فما هو إذًا المعيار الّذي قد وضعته لنفسي؟ هل هو معيار عال؟ علينا أن نفكّر في هذا الأمر؛ وهذا الأمر لا نراه فقط في العديد من الأمور الصّالحة الّتي نقوم بها أو في الأمور السّيّئة الّتي نقوم بها لا، وإنّما في أسلوب حياتنا اليوميّ والدّائم.
لكلٍّ منّا في الواقع أسلوبه، أسلوب يقيس به نفسه والأمور والآخرين، وهذا الأسلوب عينه هو الّذي سيستعمله الرّبّ معنا. وبالتّالي من يكيل بأنانيّة سيُكال له هكذا أيضًا، ومن لا يرحم غيره ولكي يصل إلى مراكز أعلى في حياته هو قادر على دعس الآخرين وسحقهم سيُدان بالأسلوب نفسه أيّ بلا رحمة.
كمسيحيّ أسأل نفسي ما هو المرجع وما هو المقياس لكي أعرف إن كنت أعيش على مستوى مسيحيّ وعلى المستوى الّذي يريده يسوع؟ إنّه القدرة على التّواضع والقدرة على تحمّل الإهانات. لأنّ المسيحيّ الّذي لا يستطيع أن يحمل معه ذلّ الحياة وإهاناتها هو ينقصه شيء ما، ويكون مجرّد مسيحيّ مظاهر ومصالح. قد يسألني أحدكم: "ولكن يا أبتي لمَ الأمور هي هكذا؟"، لأنّ هذا ما فعله يسوع، لقد واضع نفسه وأخلى ذاته كما يقول القدّيس بولس: "تَجرَّدَ مِن ذاتِه مُتَّخِذًا صُورةَ العَبْد وصارَ على مِثالِ البَشَر وظَهَرَ في هَيئَةِ إِنْسان فَوضَعَ نَفْسَه وأَطاعَ حَتَّى المَوت مَوتِ الصَّليب"؛ هو الّذي كان إلهًا لم يتمسّك بألوهيّته بل واضع نفسه وأخلى ذاته، وهذا هو الأسلوب المسيحيّ".
أمّا عن أسلوب الحياة الدّنيويّ الّذي لا يمكنه اتّباع مثال يسوع، فأعطى البابا مثلاً عن تذمّر الأساقفة عندما يواجهون صعوبة في نقل الكهنة من الرّعايا لأنّهم يعتبرونها من فئة متدنّية ولا تتطابق مع طموحاتهم وانتظاراتهم فيعيشون الانتقال كنوع من القصاص؛ وشرح: "هكذا إذًا يمكنني أن أتعرّف على أسلوبي في الحكم، من الموقف الّذي أتّخذه إزاء الإهانات: أسلوب حكمٍ دنيويّ، أسلوب حكمِ خاطئٍ، أسلوب حكم رجل أعمال، وإمّا أسلوب حكم مسيحيّ.
"بِما تَكيلونَ يُكالُ لَكُم وَتُزادون"، بالكيل عينه. إذا كان كيل مسيحيّ يتبع يسوع في طريقه فبالكيل نفسه سأُحاكم، بالكثير من الشّفقة والرّحمة. ولكن إذا كان كيلي دنيويّ فقط، فيما أستعمل الإيمان المسيحيّ أيّ أذهب إلى الكنيسة ومن ثمَّ أعيش بأسلوب دنيويّ، فسيُكال لي بذلك الكيل أيضًا. لنطلب من الرّبّ نعمة العيش المسيحيّ ولاسيّما ألّا نخاف من الصّليب والإهانات لأنّ هذا هو الطّريق الّذي اختاره هو ليخلّصنا وهذا هو الضّمانة بأنّ الكيل الّذي أكيل به هو مسيحيّ: القدرة على حمل الصّليب والقدرة على تحمّل الإهانات والذّلّ".