الفاتيكان
26 كانون الأول 2024, 06:55

البابا فرنسيس افتتح اليوبيل "لكي يعطى الجميع رجاء الإنجيل، رجاء المحبّة، ورجاء الغفران"

تيلي لوميار/ نورسات
إفنتح البابا فرنسيس، في قدّاس ليلة عيد الميلاد، سنة اليوبيل المقدّسة للرّجاء، وفتح الباب المقدّس خلال قدّاس ليلة العيد في بازيليك القدّيس بطرس في الفاتيكان، داعيًا الجيمع "أن يدخل في سرّ إعلان النّعمة هذه".

وللمناسبة، كانت للبابا فرنسيس عظة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "إنَّ ملاك الرّبّ المتّشح بالنّور يضيء اللّيل ويسلّم البشرى السّارّة إلى الرّعاة: "ها إِنِّي أُبَشِّرُكُم بِفَرحٍ عَظيمٍ يَكونُ فَرحَ الشَّعبِ كُلِّه: وُلِدَ لَكُمُ اليَومَ مُخَلِّصٌ في مَدينَةِ داود، وهو الـمَسيحُ الرَّبّ". ووسط دهشة الفقراء وترنيم الملائكة، انفتحت السّماء على الأرض: لقد صار الله واحدًا منّا لكي يجعلنا مثله، ونزل بيننا لكي يرفعنا ويعيدنا إلى حضن الآب. هذا هو رجاؤنا. الله هو العمانوئيل، هو الله معنا. لقد صار العظيم اللّامتناهي صغيرًا؛ لقد أشرق النّور الإلهيّ في ظلمة العالم؛ لقد ظهر مجد السّماء على الأرض، في صِغر طفل. وإذا كان الله يأتي، حتّى وإن كانت قلوبنا تشبه مذودًا فقيرًا، فيمكننا أن نقول: إنّ الرّجاء لم يمت، بل إنّ الرّجاء حيّ ويغمر حياتنا إلى الأبد!

أيّها الإخوة والأخوات، مع فتح الباب المقدّس، بدأنا يوبيلًا جديدًا: يمكن لكلّ واحد منّا أن يدخل في سرّ إعلان النّعمة هذا. هذه هي اللّيلة الّتي فُتح فيها باب الرّجاء على مصراعيه على العالم؛ هذه هي اللّيلة الّتي يقول فيها الله لكلّ واحد منّا: هناك رجاء لك أنت أيضًا! لكي نقبل هذه العطيّة، نحن مدعوّون لكي ننطلق بدهشة رعاة بيت لحم. يقول الإنجيل إنّهم بعد أن نالوا بشارة الملاك "جاؤوا مُسرعين". هذه هي الإشارة لكي نجد مجدّدًا الرّجاء الّذي فقدناه، ونجدّده في داخلنا، ونزرعه في يأس زمننا وعالمنا: بسرعة. بدون أن نتأخرّ وبدون أن نتباطأ وإنّما من خلال السّماح للبشرى السّارّة بأن تجذبنا.

لنذهب مسرعين، لكي نرى الرّبّ الّذي وُلد من أجلنا، بقلب خفيف ويقظ، مستعدّ للّقاء، لكي نكون قادرين على أن نترجم الرّجاء في أوضاع حياتنا. لأنّ الرّجاء المسيحيّ ليس نهاية سعيدة ننتظرها مكتوفي الأيدي: إنّه وعد الرّبّ الّذي علينا أن نقبله هنا والآن، في هذه الأرض الّتي تتألّم وتئنّ. وبالتّالي فهو يطلب منّا ألّا نتباطأ، وألّا ننجرّ في العادات، وألّا نرتاح في الوضاعة والكسل؛ هو يطلب منّا- كما يقول القدّيس أوغسطينوس- أن نرفض الأمور الخاطئة وأن نتحلّى بالشّجاعة لكي نغيِّرها؛ يطلب منّا أن نجعل من أنفسنا حجّاجًا يبحثون عن الحقيقة، ويحلمون بدون أن يتعبوا أبدًا، نساء ورجال يسمحون بأن يقلقهم حلم الله، حلم عالم جديد، يسود فيه السّلام والعدالة.

لنتعلّم من مثال الرّعاة: إنّ الرّجاء الّذي يولد في هذه اللّيلة لا يتحمّل تراخي المتقاعسين وكسل الّذين استقروا في راحتهم؛ لا يقبل التّعقّل الكاذب للّذين لا يجازفون خوفًا من المساومة على أنفسهم وحسابات الّذين لا يفكّرون إلّا بأنفسهم؛ هو لا يتوافق مع الحياة الهادئة للّذين لا يرفعون صوتهم ضدّ الشّرّ وضدّ الظّلم الّذي ينهش أجساد الأشدّ فقرًا. بل على العكس، إنَّ الرّجاء المسيحيّ، فيما يدعونا لكي ننتظر بصبر الملكوت الّذي يزهر وينمو، هو يطلب منّا الجرأة لكي نستبق اليوم هذا الوعد من خلال مسؤوليّتنا وشفقتنا.

وإذ نرى كيف أنّنا غالبًا ما نستقرّ في هذا العالم ونتكيّف مع عقليّته، يصلّي أحد الكهنة الكتّاب الصّالحين في عيد الميلاد المقدّس بهذه الطّريقة: "يا ربّ، أطلب منك بعض العذابات، بعض القلق، وبعض الشّعور بالذّنب. في عيد الميلاد، أودّ أن أجد نفسي غير راضٍ. سعيد ولكن غير راضٍ أيضًا. سعيد لما تفعله، وغير راضٍ عن ردودي الّتي لم تكن كافية. إنزع منّا، من فضلك، سلامنا الزّائف، وضع في "مذودنا"، الّذي يكون ممتلئًا على الدّوام بشكل مفرط، حفنة من الأشواك. وازرع في نفوسنا الرّغبة في شيء آخر".

إنَّ الرّجاء المسيحيّ هو بالتّحديد هذا الـ"شيء الآخر" الّذي يطلب منّا أن نتحرّك "بسرعة". في الواقع، يُطلب منّا نحن تلاميذ الرّبّ أن نجد مجدّدًا رجاءنا الأكبر فيه، لكي نحمله بعدها بدون تأخير، كحجّاج نور في ظلمات العالم. أيّها الإخوة والأخوات، هذا هو اليوبيل، هذا هو زمن الرّجاء! هو يدعونا لكي نكتشف مجدّدًا فرح اللّقاء مع الرّبّ، ويدعونا إلى تجديد روحيّ ويلزمنا في تحويل العالم لكي يصبح هذا الزّمن حقًّا زمن يوبيل: لكي يصبح كذلك لأمّنا الأرض الّتي شوّهها منطق الرّبح؛ لكي يصبح كذلك للبلدان الأكثر فقرًا الّتي تُثقِّلها الدّيون الجائرة؛ لكي يصبح كذلك لجميع الّذين هم أسرى أشكال العبوديّة القديمة والجديدة. لنا جميعًا، العطيّة والالتزام بأن نحمل الرّجاء حيث ضاع: في الحياة الّتي جُرِحت، وفي الانتظارات الّتي خُذِلَت، في الأحلام الّتي تحطّمت، وفي الإخفاقات الّتي تحطّم القلوب؛ في تعب من لم يعد يقوى على المواصلة، في الوحدة المريرة لمن يشعر بالهزيمة، في المعاناة الّتي تحفر في الرّوح؛ في الأيّام الطّويلة والفارغة للمساجين، وفي الغرف الضّيّقة والباردة للفقراء، وفي الأماكن الّتي دنّستها الحرب والعنف.

يُفتتح اليوبيل لكي يُعطى الجميع رجاء الإنجيل، رجاء المحبّة، ورجاء الغفران. وإذ نعود إلى المغارة، لننظر إلى حنان الله المتجلّي في وجه الطّفل يسوع، ولنسأل أنفسنا: "هل يوجد في قلبنا هذا الانتظار؟ هل يوجد في قلبنا هذا الرّجاء؟ [...] وإذ نتأمّل في حنان الله المحبّ الّذي يتغلّب على عدم ثقتنا ومخاوفنا، لنتأمّل أيضًا في عظمة الرّجاء الّذي ينتظرنا. [...] لتُنر رؤية الرّجاء هذه مسيرتنا اليوميّة". أيّتها الأخت، أيّها الأخ، في هذه اللّيلة يفتح لك "الباب المقدّس" لقلب الله. إنّ يسوع، الله معنا، وُلد من أجلك، ومن أجلنا، ومن أجل كلّ رجل وامرأة. ومعه يزهر الفرح، وتتغيّر الحياة، والرّجاء لا يخيِّب."