البابا فرنسيس: إنّ الصّلاة الحقيقيّة تتمّ في القلب الّذي لا يراه أحد سوى الله
وعلى ضوء هذا النّصّ، قال البابا فرنسيس نقلاً عن "فاتيكان نيوز": "أيّها الأخوة والأخوات الأعزّاء دعونا نتابع مسيرتنا كي نتعلّم بشكل أفضل الصّلاة الّتي علّمنا إيّاها يسوع الّذي دعا تلاميذه للدّخول إلى مخدعهم والانزواء عن العالم والصّلاة إلى الله داعين إيّاه "أبانا". ولم يشأ يسوع أن يكون تلاميذه كالمراءين الّذين يصلّون وهم واقفون في السّاحات كي يراهم النّاس. إنّ الصّلاة الحقيقيّة هي الّتي تتمّ في سرّ الضّمير، في القلب الّذي لا يراه أحد سوى الله. إنّ الصّلاة تبتعد عمّا هو مزيّف لأنّه من المستحيل أن يخدع الإنسان الله. يكمن في جذور الصّلاة حوار صامت، كتقاطع النّظرات بين شخصين يحبّان بعضهما البعض: الله والإنسان. مع أنّ صلاة التّلميذ سرّيّة فهي لا تقتصر فقط على النّاحية الحميميّة للمؤمن. في سرّ الضّمير لا يترك المسيحيّ العالمَ خارج باب مخدعه، لكنّه يحمل في القلب مختلف الأشخاص والأوضاع.
هناك شيء ما تفتقر إليه صلاة الأبانا. إذ تنقص كلمة يوليها الجميع أهمّيّة كبيرة في زماننا الحاضر، كما في الأزمنة الغابرة. تنقص كلمة "أنا". لقد علّمنا يسوع أن نصلّي متفوّهين بكلمة "أنت" لأنّ الصّلاة المسيحيّة هي حوار. "ليتقدّس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك". بعدها تنتقل الصّلاة في جزئها الثّاني إلى صيغة الـ"نحن": أعطنا خبزنا اليوميّ، اغفر لنا ذنوبنا، لا تدخلنا في التّجارب، نجّنا من الشّرير. حتّى المطالب الأكثر بديهيّة للإنسان موجودة في هذه الصّلاة بصيغة الجمع، ومن بينها طلب الطّعام لسدّ الجوع. في الصّلاة المسيحيّة، لا أحد يطلب الخبز لنفسه: إنّه يطلبه من أجل فقراء العالم كافّة. لا توجد فسحة للفردانيّة في الحوار مع الله، لا يوجد عرض لمشاكلنا الخاصّة كما لو أنّنا نتألّم وحدنا في هذا العالم. لا توجد صلاة تُرفع إلى الله إن لم تكن صلاة جماعة من الأخوة والأخوات.
إنّ المسيحيّ، وفي الصّلاة، يحمل صعوبات كلّ الأشخاص المقيمين من حوله. عندما يحلّ المساء يُحدّث الله عن الآلام والمعاناة الّتي التقى بها في ذلك اليوم. يضع أمامه أوجه العديد من الأصدقاء وغير الأصدقاء، ولا يُبعدها عن ذهنه لأنّها تُلهيه عن الصّلاة. إن لم يشعر الإنسان بوجود أشخاص كثيرين يتألّمون من حوله، إن لم يحنّ قلبه أمام دموع الفقراء، إذا كان غير مبال أمام ما يحصل فهذا يعني أنّ قلبه صار حجرًا. في هذه الحالة ينبغي أن يتضرّع الإنسان إلى الله كي يلامسه بروحه ويليّن قلبه. إنّ المسيح لم يقف غير مبال أمام مآسي العالم: في كلّ مرّة كان يرى فيها الوحدة وألم الجسد والرّوح كان يشعر بالرّأفة، والشّعور بالرّأفة هو عبارة أساسيّة في الإنجيل: هذا ما دفع السّامريّ الصّالح إلى الاقتراب من الرّجل الجريح على قارعة الطّريق، خلافًا للآخرين الّذين كان قلبهم صلبًا. إسألوا أنفسكم ما إذا كنتم تنفتحون، وقت الصّلاة، أمام صراخ العديد من الأشخاص القريبين والبعيدين. أم أنّكم تفكّرون بالصّلاة كنوع من المخدّر يمنحكم الطّمأنينة. في هذه الحالة لا تكون الصّلاة مسيحيّة، لأنّ كلمة "نحن" الّتي علّمنا إيّاها يسوع تمنعني من العيش بسلام لوحدي، وتجعلني أشعر بالمسؤوليّة حيال الأخوة والأخوات.
هناك أشخاص لا يبحثون عن الله، ويدعونا يسوع للصّلاة من أجلهم، لأنّ الرّبّ لم يأت من أجل الأصحّاء بل من أجل المرضى والخطأة. لقد جاء من أجل الجميع. إذا عملنا من أجل العدالة يجب ألّا نشعر أنّنا أفضل من الآخرين: لأنّ الآب يشرق شمسه على الصّالحين والأشرار. دعونا نتعلّم من الله كيف نكون طيّبين مع الجميع."
وفي الختام، رحّب البابا فرنسيس بالحجّاج، وتوجّه إلى النّاطقين باللّغة العربيّة قائلاً: "أرحّب بالحجّاج النّاطقين باللّغة العربيّة، لاسيّما القادمين من سوريا ولبنان والشّرق الأوسط. إنّ الله أب للجميع وجعل منّا إخوة في البشريّة الواحدة. هناك اليوم الكثير من إخوتنا في العالم الّذين يعانون، وهم بحاجة لأن نعمل من أجلهم وأن نحملهم في صلاتنا".