البابا أصدر رسالته لليوم العالميّ للمهاجر واللّاجئ، ومضمونها؟
وبحسب "فاتيكان نيوز"، "استهلّ الحبر الأعظم الرّسالة مذكّرًا بأنّ سلفه البابا فرنسيس أراد أن يتزامن الاحتفال بهذا اليوم مع يوبيل المهاجرين والعالم الإرساليّ ما يقدّم لنا فرصة للتّأمّل في الرّباط القائم بين الرّجاء والهجرة والرّسالة. هذا ثمّ لفت لاون الرّابع عشر إلى أنّ عالمنا اليوم مطبوع بالحروب والعنف والظّلم وظواهر مناخيّة قاسية ما يحمل ملايين الأشخاص على ترك أرضهم والبحث عن مكان آخر يلجأون إليه.
واعتبر البابا أنّ الميل إلى حماية مصالح الجماعة المحلّيّة وحسب يعرّض للخطر مقاسمة المسؤوليّات والتّعاون المتعدّد الأطراف وتحقيق الخير العامّ والتّضامن العالميّ بشكل يصبّ في صالح العائلة البشريّة برمّتها. وما يزيد من صعوبات التّحدّيات المطروحة اليوم أمامنا تجدّد سباق التّسلّح، وتطوير أسلحة جديدة، بما في ذلك النّوويّة، وعدم الاهتمام بالنّتائج الخطيرة للأزمة المناخيّة الرّاهنة فضلًا عن انعدام المساواة بين الأشخاص على الصّعيد الاقتصاديّ.
بعدها أكّد لاون الرّابع عشر أنّه إزاء هذه السّيناريوهات المخيفة، لا بدّ أن تنمو في القلوب الرّغبة في الأمل بمستقبل مطبوع بالكرامة والسّلام لجميع البشر. وهذا المستقبل هو جزء لا يتجزّأ من مخطّط الله للبشريّة ولباقي الخليقة. إنّه المستقبل المسيحانيّ الّذي تحدّث عنه الأنبياء، وقد بدأ يتحقّق مع يسوع المسيح، ونحن نأمل في أن يُنجز بالكامل لأنّ الرّبّ يحفظ وعوده دائمًا.
هذا ثمّ انتقل البابا إلى الحديث عن التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة الّذي يعلّمنا أنّ فضيلة الرّجاء تتجاوب مع التّطلّع إلى السّعادة، الّذي وضعه الله في قلوب جميع البشر، من هذا المنطلق فإنّ البحث عن هذه السّعادة هو من بين الدّوافع الرّئيسة لتنقل البشر في الزّمن المعاصر. وأكّد الحبر الأعظم أنّ هذا الرّباط القائم بين الهجرة والرّجاء يتجلّى في العديد من الخبرات الّتي يعيشها أشخاص كثيرون في أيّامنا هذه، موضحًا أنّ العديد من المهاجرين واللّاجئين والمهجّرين يشهدون اليوم على الرّجاء المعاش في الحياة اليوميّة من خلال توكّلهم على الله وتحمّلهم للمصاعب أملًا بمستقبل يوفّر لهم شيئًا من السّعادة والنّموّ البشريّ المتكامل. ورأى البابا أنّه في هؤلاء الأشخاص تتجدّد خبرة التّنقّل الّتي عاشها شعب إسرائيل.
تابع الحبر الأعظم رسالته مشيرًا إلى أنّه في عالم يسوده الظّلم والحرب، وحتّى في الأوضاع حيث يبدو أنّ كلّ شيء قد ضاع، يبرز المهاجرون واللّاجئون كرسلٍ للرّجاء، مضيفًا أنّ شجاعتهم ومثابرتهم هما شهادة بطوليّة للإيمان الّذي يرى أبعد ممّا تراه العين والّذي يمنحهم قوّة تحدّي الموت خلال مسارات الهجرة الّتي يجتازونها. وهنا يمكن أيضًا أن نرى تشابهًا مع خبرة شعب إسرائيل في البرّيّة، الّذي واجه كلّ المخاطر واضعًا ثقته في حماية الرّبّ له.
مضى البابا إلى القول إنّ المهاجرين واللّاجئين يذكّرون الكنيسة بكونها حاجة، تتوق إلى موطنها النّهائيّ، يعضدها الرّجاء الّذي هو فضيلة لاهوتيّة. وأكّد لاون الرّابع عشر أنّه في كلّ مرّة تستسلم فيها الكنيسة لتجربة التّوقّف في مسيرة الحجّ نحو الموطن السّماويّ لا تعود "في هذا العالم" وتصبح "من هذا العالم"، وقال إنّ هذه التّجربة عاشتها أيضًا جماعات المسيحيّين الأولى، ما حمل القدّيس بولس على أن يذكّر كنيسة أهل فيليبّي بأنّ موطننا هو في السّماء حيث ننتظر مخلّصنا الرّبّ يسوع المسيح، الّذي سيبدّل جسدنا البائس ليصبح مشابهًا لجسده المجيد، بفضل السّلطان المعطى له ليُخضع جميع الأشياء.
لم تخل رسالة البابا من الحديث عن المهاجرين واللّاجئين الكاثوليك مشيرًا إلى أنّ هؤلاء يمكنهم أن يصيروا اليوم رسلًا للرّجاء في البلدان الّتي تستضيفهم، متمّمين مسارات جديدة من الإيمان حيث لم تصل بعد رسالة يسوع المسيح، أو مطلقين حوارات بين الأديان قوامها الحياة اليوميّة والبحث عن القيم المشتركة. وأضاف أنّ هؤلاء الأشخاص، وبفضل حماستهم الرّوحيّة وحيويّتهم، يمكنهم أن يساهموا في إعادة إحياء جماعات كنسيّة تعيش جفافًا روحيًّا. من هذا المنطلق لا بدّ من الإقرار بحضورهم وتثمين هذا الحضور لكونه بركة إلهيّة، ومناسبة للانفتاح على نعمة الله الّتي تهب كنيسته طاقة جديدة وأملًا.
هذا ثم ذكّر لاون الرّابع عشر بأنّ العنصر الأوّل للكرازة بالإنجيل، كما كان يقول البابا بولس السّادس، هو الشّهادة، لأنّ جميع المسيحيّين مدعوّون لأن يكونوا مبشّرين بالإنجيل، وهي مسؤوليّة ملقاة أيضًا على عاتق المهاجرين في البلدان الّتي تستضيفهم. وقال البابا بريفوست إنّها فعلًا رسالة يقوم بها المهاجرون، ولا بدّ أن يكونوا قد جُهّزوا من أجلها، وأن يحصلوا على الدّعم المطلوب، يكون ثمرة تعاون بين الكنائس. كما أنّ الجماعات المضيفة تستطيع أن تقدّم شهادة حيّة لهذا الرّجاء في مستقبل يُعترف فيه بكرامة الجميع كأبناء لله الواحد، وبهذه الطّريقة يُنظر إلى المهاجرين واللّاجئين كأخوة وأخوات في عائلة بشريّة واحدة.
في الختام كتب البابا أنّه يودّ أن يوكل المهاجرين واللّاجئين ومن يرافقونهم إلى حماية العذراء الوالديّة، كي يحتفظوا دومًا في قلوبهم بالرّجاء وكي تساعدهم في بناء عالم يشبه ملكوت الله، الموطن الحقيقيّ الّذي ينتظرنا في نهاية رحلتنا الأرضيّة."