البابا فرنسيس إلى المجتمعين في مدريد: البيت المشترك لا يتحمّل جدرانًا تفصل وتفرّق بين الّذين يقيمون فيه
"إنّه دافع فرح أن أرى حجّ السّلام هذا– الّذي بدأ بعد اليوم العالميّ للصّلاة من أجل السّلام الّذي دعا إليه القدّيس يوحنّا بولس الثّاني إلى أسيزي في تشرين الأوّل من عام 1986– لم ينقطع أبدًا بل لا زال يستمرّ وينمو من حيث عدد المشاركين فيه وثمار الخير الّتي يحملها. إنّه حجّ قد عبر شعوبًا ومدنًا لكي يشهد في كلِّ مكان على قوّة "روح أسيزي" الّتي هي صلاة إلى الله وتعزيز للسّلام بين الشّعوب؛ وهذا العامّ يتوقّف هذا الحجّ في مدريد تحت عنوان: "سلام بلا حدود".
في هذه السّنوات العشرين الأولى من القرن الحادي والعشرين شهدنا للأسف وبحزن كبير على تبديد عطيّة الله تلك الّتي هي السّلام الّذي فرّطت فيه الحروب الجديدة وبناء جدران وحواجز جديدة. كذلك نعلم أنّه علينا أن ننمّي السّلام من جيل إلى جيل بواسطة الحوار واللّقاء والمفاوضات. إنّ البيت المشترك لا يتحمّل جدرانًا تفصل وتفرّق بين الّذين يقيمون فيه، بل هو بحاجة لأبواب مفتوحة تساعد على التّواصل واللّقاء والتّعاون لكي نعيش معًا بسلام محترمين الاختلافات وممتّنين روابط المسؤوليّة. إنّ السّلام هو كبيت متعدّد الغرف دُعينا جميعًا للسّكن فيه. السّلام هو بلا حدود.
يا ممثّلي الكنائس والجماعات المسيحيّة والدّيانات العالميّة الكبيرة الكرام، بتحيّتي هذه أرغب في أن أقول لكم إنّني بقربكم خلال هذه الأيّام ومعكم أسأل السّلام من الّذي وحده بإمكانه أن يعطيه. في تقليد هذه اللّقاءات العالميّة للصّلاة من أجل السّلام، تحتلّ الصّلاة الّتي ترتفع إلى الله المكان الأساسيّ والقاطع. إذ تجمعنا جميعًا في شعور مشترك. إنّ الّذي يصلّي هو صديق الله، كما كان إبراهيم، مثال رجل الإيمان والرّجاء. إنّ الصّلاة من أجل السّلام، في هذا الزّمن المطبوع بالنّزاعات والعنف، توحّدنا جميعًا بشكل أكبر، بالرّغم من اختلافاتنا، في الالتزام المشترك من أجل عالم أكثر أخوّة. نعرف جيّدًا أنَّ الأخوّة بين المؤمنين، بالإضافة إلى كونها حصنًا ضدّ العداوة والحروب، هي أيضًا خميرة أخوّة بين الشّعوب. وفي هذا الإطار وقّعتُ في شهر شباط الماضي في أبو ظبي مع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر "وثيقة الأخوّة الإنسانيّة من أجل السّلام العالميّ والتّعايش المشترك".
نعيش مرحلة خطيرة بالنّسبة للعالم؛ وعلينا جميعًا أن نتشابك الأيدي لكي نصرخ معًا أنّ السّلام هو بلا حدود. صرخة ترتفع من القلب؛ لأنّه علينا في الواقع أن نقتلع من القلوب الحواجز الّتي تفصلنا وتفرّقنا، ولأنّه في القلوب أيضًا تُزرع مشاعر السّلام والأخوّة. يا ممثّلي الكنائس والجماعات المسيحيّة والدّيانات العالميّة الكبيرة الكرام، ويا أيّها الرّجال والنّساء ذوي الإرادة الصّالحة الّذين تشاركون في هذا اللّقاء إنّ مهمّة السّلام موكلة أيضًا إلى أيديكم. ليمنحكم إله السّلام وفرة الحكمة والشّجاعة والسّخاء والمثابرة."