الفاتيكان
02 تشرين الأول 2025, 05:55

البابا: المحبّة قادرة أن تنهض بعد هزيمة كبيرة لتواصل مسيرتها

تيلي لوميار/ نورسات
"قيامة المسيح من بين الأموات"، كان محور تعليم البابا لاون الرّابع عشر، خلال المقابلة العامّة الأربعاء، شدّد فيها على أنّ "محور إيماننا وقلب رجائنا متجذّران في قيامة المسيح."

وغاص البابا في هذا الموضوع وقال بحسب "فاتيكان نيوز": "عندما نقرأ الأناجيل بتمعّن، نكتشف أنَّ هذا السّرّ مدهش، لا فقط لأنَّ إنسانًا- ابن الله- قد قام من بين الأموات، وإنّما أيضًا للطّريقة الّتي اختار أن يقوم بها. فالقيامة لم تكن انتصارًا صاخبًا، ولا انتقامًا أو ثأرًا من أعدائه، بل شهادة عجيبة على أنَّ المحبّة قادرة أن تنهض بعد هزيمة كبيرة لتواصل مسيرتها الّتي لا يمكن إيقافها.
عندما ننهض نحن بعد صدمة سبّبها الآخرون، غالبًا ما تكون ردّة فعلنا الأولى الغضب، والرّغبة في أن يدفع أحدهم ثمن ما أصابنا. أمّا القائم من بين الأموات فلا يتصرّف هكذا. فبعد أن خرج من جحيم الموت، لم يسعَ يسوع إلى أيّ انتقام. لم يعد بأفعال قوّة، بل بالوداعة أظهر فرح محبّةٍ أعظم من كلّ جرح وأقوى من كلّ خيانة.
إنّ القائم من الموت لا يشعر بالحاجة إلى تأكيد تفوّقه. بل يَظهر لأصدقائه- التّلاميذ- ويقوم بذلك بأسلوب لطيف، بدون أن يجبرهم على قبوله قبل أن يكونوا مستعدّين لذلك. لقد كانت رغبته الوحيدة أن يعود إلى الشّركة معهم، ويساعدهم على التّغلّب على شعورهم بالذّنب. ونراه بوضوح في العلّيّة، حيث يظهر الرّبّ لأصدقائه الّذين كانوا قد حبسوا أنفسهم خوفًا. إنّها لحظة تعبِّر عن قوّة عظيمة: فبعد أن نزل إلى أعماق الموت ليحرّر الأسرى، دخل يسوع إلى الغرفة المغلقة على الّذين شلّهم الخوف، وحمل لهم عطيّة ما كان أحد يجرؤ أن يرجوها: السّلام.
إنّ تحيّته بسيطة، وشبه عاديّة: "السّلام لكم". لكنّها مرفقة بتصرّف مدهش إلى حدٍّ قد يبدو غير لائق: لقد أظهر يسوع للتّلاميذ يديه وجنبه مع آثار الآلام. فلماذا أظهر جراحه بالذّات أمام الّذين أنكروه وتخلّوا عنه في تلك السّاعات العصيبة؟ لماذا لم يخفِ هذه العلامات وتجنّب أن يفتح مجدّدًا جرح العار؟
ومع ذلك يقول الإنجيل إنّ التّلاميذ فرحوا إذ رأوا الرّبّ. والسّبب عميق: إنَّ يسوع قد تصالح كلّيًّا مع ما عاناه. ولا أثر فيه للمرارة. فجراحه ليست لكي يوبِّخ، وإنّما لكي يؤكِّد محبّة أقوى من كلّ خيانة. إنّها البرهان على أنّ الله، في لحظة ضعفنا، لم يتراجع ولم يتخلَّ عنّا. هكذا يظهر الرّبّ عاريًا، أعزلًا، بلا ادّعاء ولا ابتزاز. ومحبّته هي محبّة لا تُذِلّ، إنّها سلام من تألّم حبًّا، وبات قادرًا أن يقول أخيرًا: لقد كان الأمر يستحقّ العناء.
أمّا نحن فكثيرًا ما نُخفي جراحنا بسبب الكبرياء أو خوفًا من أن نبدو ضعفاء. ونقول: "لا بأس"، "لقد مضى كلّ شيء"، لكنّنا لسنا في سلام حقيقيّ مع الخيانات الّتي جرحتنا. وأحيانًا نفضّل أن نخفي صعوبتنا في الغفران لئلّا نبدو هشّين أو نعرّض أنفسنا لجراح جديدة. أمّا يسوع فليس هكذا. هو يقدّم جراحه كضمانة للمغفرة، ويُظهر أنّ القيامة ليست إلغاءً للماضي، بل تحويله إلى رجاء مفعم بالرّحمة.
ثمّ كرّر الرّبّ: "السّلام لكم". وأضاف: "كما أرسلني الآب، أرسلكم أنا أيضًا". وبهذه الكلمات سلّم الرّسل مهمّة ليست سلطة بقدر ما هي مسؤوليّة: أن يكونوا أدوات مصالحة في العالم. وكأنّه يقول: "من يمكنه أن يعلن وجه الآب الرّحيم غيركم أنتم الّذين اختبرتم السّقوط والغفران؟". ثمّ نفخ فيهم وقال: "خذوا الرّوح القدس". إنّه الرّوح عينه الّذي عضده في الطّاعة للآب وفي المحبّة حتّى الصّليب. ومنذ تلك اللّحظة لم يعد الرّسل قادرين على الصّمت عمّا رأوه وسمعوه: أنّ الله يغفر، ويُنهض، ويعيد الثّقة. هذا هو قلب رسالة الكنيسة: لا أن تدير سلطة على الآخرين، بل أن تنقل فرح من كان محبوبًا في اللّحظة الّتي لم يكن يستحقّ فيها الحبّ. وهذه هي القوّة الّتي ولَّدت الجماعة المسيحيّة ونمَتها: رجال ونساء اكتشفوا جمال العودة إلى الحياة لكي يتمكّنوا بدورهم من أن يمنحوها للآخرين.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، نحن أيضًا مُرسَلون. والرّبّ يُظهر لنا أيضًا جراحه ويقول: السّلام لكم. فلا تخافوا من أن تُظهروا جراحكم الّتي شُفيت بالرّحمة. ولا تخشوا من أن تقتربوا من الّذي انغلق في الخوف أو أثقلَه الشّعور بالذّنب. ليجعلنا الرّوح القدس شهودًا لهذا السّلام، ولهذا الحبّ الأقوى من كلّ هزيمة."

في نهاية مقابلته العامّة، حيّا الأب الأقدس الحجّاج والمؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس، ووجّه نداء قال فيه: "تحزنني الأخبار الّتي تصل من مدغشقر بشأن الاشتباكات العنيفة بين قوّات الأمن والشّباب المتظاهرين، والّتي أسفرت عن مقتل بعضهم وإصابة المئات بجروح. لنصلِّ إلى الرّبّ لكي يتمّ دائمًا تجنّب جميع أشكال العنف، ويتمَّ باستمرار تشجيع مسيرة البحث عن الانسجام الاجتماعيّ من خلال تعزيز العدالة والخير العامّ."