دينيّة
05 أيار 2014, 21:00

الاعداد للزواج

(الخوري طوني بو عسّاف) إنّ الزواج القائم على الشركة العميقة بين الزوجين في الحبّ والحياة، هو مؤسسة تثبتها الشريعة الإلهيّة وتنبثق من العمل البشري الذي به يعطي كلّ من الزوجين ذاته للآخر ويقبل الآخر وهذا ما أكدّه المجمع الفاتيكاني الثاني في دستوره الرعوي حول الكنيسة في عالم اليوم، مشدّدا على أنّ الله نفسه وضع سرّ الزواج وجعله صورة لإتحاده بالكنيسة.
يقول البابا الراحل يوحنّا بولس الثاني إنّ " الكسوف في معنى الله قد أدّى الى كسوف في معنى الإنسان" وهذا الكسوف أصاب شبيبتنا وعائلتنا وبدّل في مفهوم الحبّ والزواج والعائلة، وحوّل في الأسس التي يقوم عليها سرّ الزواج
في غمرة هذه التحديّات كان لا بدّ من الإعداد للزواج روحيّا، نفسيّا، اجتماعيا، وعلائقيا، لكي يقوم الميثاق الزوجي على أسس بشريّة ومسيحيّة راسخة ودائمة. وبالتالي كيف يستعّد الخطّاب الى الدخول في هذه الشركة التي تجعلهم " جسدا واحدا" ؟ وما هي الأسس التي نبني عليها زواجنا لكي يكون سدّا منيعا في وجه التحوّلات والعواصف التي نتعرّض لها؟ وما هي أهميّة الإعداد للزواج ؟ 
 
إنّ التحوّل في سلّم القيم، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي الذي يتخبّط به مجتمعنا ينعكس سلبا على حياة الشريكين وبالتالي على العائلة التي يريدان تأسيسها. وهذا ما لاحظناه في لقاءنا مع الخطّاب الذين يستعدّون للزواج. فالاستعداد للزواج في زمننا الحاضر، وللأسف، يعيش حالا من الفراغ وكأنّ الفراغ الرئاسي انسحب على ميادين الحياة كافة، فمن الفراغ العاطفي إلى الفراغ النفسي، والفراغ الروحي وهذا هو الأخطر. فالفراغ الروحي الذي يعيشه الشريكان يُفرغ سرّ الزواج من قدسيّته وجوهره. فعندما تسأل الشريكين كيف تستعدّان لهذا السرّ الذي فيه ستدخلان في عهد مبنيّ على الرضى المتبادل وعلى كلمة الله وإنجيله وعلى بركة الصليب والأمانة والانفتاح على الحياة ( المجمع الماروني ) لا يكون الجواب إلاّ إشارة إلى الاستعداد الآني والزائل. فمن بطاقة الدعوة، إلى الزهور والفساتين والمصوّرين والإضاءة، ناهيك عن الزفّة والضيافة والمزيّن والسهرة التي تلي الإكليل. وكأنّ الزواج انحصر معناه ونجاحه في هذه الأمور الدنيويّة والتي لا تمتّ إلى الجوهر بصِلة.
وكلّ هذه الاستعدادات، على أهميّتها، تبعد الشريكين عن المعنى الجوهري لسرّ الزواج. فيضحيان أسيرا الأضواء والموضة والبروتوكولات، ويصرفان من الوقت والمال ما يجعلهم منهكين ومتعبين يوم الفرحة الكبرى وبعدها. وبدل أن يعيشان السرّ بمعناه الجوهري وينهلان من مفاعيله، يتحوّلان إلى ممثلين يلعبان أدوارهما في مسرحيّة تنتهي فصولها في نهاية السهرة ويبتعدان عن الجوهر ويصبّان اهتمامهما على القشور. " مرتا مرتا تهتمّين بأمور كثيرة والمطلوب واحد" ( لو 10/42). أهكذا نستعدّ إلى عيش سرّ الزواج بملئه ونحافظ على إستمراريتّه؟ 
من هنا تأتي أهميّة الإعداد للزواج على الصعيد العائلي من خلال الوالدين. وأكثر ما يهمله الوالدان هو تهيئة أولادهم للزواج. إنّهم يعلّمون أولادهم قواعد التهذيب والقيم ويحرصون على ثقافتهم الرياضيّة والفنيّة والموسيقيّة واللغويّة ولكنّهم يهملون الأهم: انفتاحهم على الحبّ من خلال سرّ الزواج.
وعلى الصعيد الكنسي من خلال مراكز الإعداد للزواج التي تنشئ الخطّاب وترشدهم على أهميّة الزواج المسيحي وأبعاده النفسيّة والعاطفيّة والجنسيّة ومفاعيله القانونيّة والاحتفال به في الكنيسة. 
وإذا كان الزواج هو" سرّ محبّة وعطاء وهو صورة تقدمة الربّ يسوع على الصليب وفي القربان فوق المذبح "، فالخطّاب مدعوّون اليوم أن يدركوا " أنّ اتحادهما هو في سبيل شخص آخر أعظم منهما وأنّ اتحادهما هو اتحاد بحبّ مقدّس هو أقوى من حبّهما". لنستعدّ إذا ونتهيأ للدخول في 
" َنعَم" أبديّة تدوم نِعَمها وثمارها طوال أيّام حياتنا الزوجيّة فلا شيء يفرّق بيننا سوى الموت. 
نستعدّ في وضع لائحة المدعّوين كافة إلى عرسنا وفرحتنا وربّ الدعوة الأساسية والمبادر الأول إلى حبّنا والذي بذل نفسه من أجلنا معلّقا على الصليب، يسوع المسيح،  يبقى خارجا يقرع الباب. فهلاّ فتحنا له ليبارك زواجنا ويجعله سعيدا ومقدّسا؟ 
" الله لم يِعِدنَا بسفر هادىء بل بوصول أكيد" . فلنستعّد ...