الاستعانة بالحطّابين والمهندسين المعماريين والنجارين لمكافحة التغيّر المناخي
وقد أعدّت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) مطبوعة بعنوان "الحراجة لمستقبل منخفض الكربون: دمج الغابات ومنتجات الأخشاب في استراتيجيات التغيّر المناخي". وتقدم المطبوعة معلومات حول كيفية استخدام "حلقة حميدة" تستغل دورة حياة منتجات الأخشاب – والتي تتراوح ما بين أثاث المنازل ونشارة الخشب التي تستخدم وقوداً عند حرقها - لتعزيز ومضاعفة قدرة الغابات على التخلص من الكربون في الجو وتخزينه.
وتعليقاً على ذلك قال رينيه كاسترو-سالازار المدير العام المساعد لمنظمة الفاو لشؤون الغابات: "إن الغابات هي في صلب عملية الانتقال الى اقتصادات اقل انتاجاً للكربون، ليس فقط بسبب دورها المزدوج في امتصاص الكربون ومصدر للانبعاثات، ولكن كذلك من خلال الاستخدام الواسع لمنتجات الخشب لتحل محل منتجات الوقود الاحفوري الأخرى".
وتقوم الغابات بعمل جبار في امتصاص ثاني أكسيد الكربون في أوراقها وفروعها وتربتها، فيما تسهم إزالة الغابات وتقليصها فيما يصل إلى 20 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري في العالم. وتعتبر السرعة النسبية والتكلفة المنخفضة التي يظهر فيه تأثير ظهور أو غياب الغابات، سبباً رئيسياً لاحتلال الغابات مكانة رئيسية في الخطط التي تضعها الدول للوفاء بالتزاماتها بموجب معاهدة باريس حول التغيّر المناخي.
وتقرير الفاو هو ثمرة تعاون مبتكر شارك فيه أكثر من 100 خبير، ويستهدف بشكل أساسي صانعي السياسات والخبراء ولكن يمكن أن يهم كذلك المهندسين المعماريين وقطاع الطاقة. ويبحث التقرير في كيفية الاستفادة من الغابات لمواجهة تحدي التغيّر المناخي.
والرسالة الرئيسية في التقرير هي أن الهندسة المثالية لدورة حياة الكربون في لأشجار ومنتجات الأخشاب تسمح على المدى الطويل للغابات التي يتم استخدام اخشابها بشكل مستدام، لإكمال بل وتعزيز فوائد تخفيف التغيّر المناخي التي توفرها الغابات المحافظ عليها.
استخدام الغابات لتقليص بصمة الكربون
بفضل تقدم التكنولوجيات والطرق الأنظف والأفضل للبيئة في المعالجة، فإن الاستخدام الصناعي للخشب يمكن أن يسهم في تقليل بصمة الكربون مقارنة مع استخدام الوقود الاحفوري. والخشب هو الوقود العضوي الصلب الرئيسي حيث أنه يشكل 69 في المائة من امدادات الطاقة المتجددة في العالم، ويشكّل الوقود الرئيسي في المنازل لنحو 2.4 مليار شخص حول العالم. ولذلك فإن الاستخدام الأكثر كفاءة لمواقد الطبخ يمكن أن يخفض ما يصل إلى ملياري طن من الانبعاثات السنوية العالمية من ثاني أكسيد الكربون الناجم عن الاستخدامات لإعداد الطعام ومياه الشرب.
من ناحية أخرى فإنه في الغابات التي تتم إدارتها بشكل مستدام وذات الوفرة النسبية، فإن الكتلة الحيوية الخشبية والتي عادة ما تكون على شكل نشارة الخشب التي تصنع غالباً من المنتجات المعاد تدويرها أو من المخلفات، يمكن استخدامها كمصدر للطاقة على نطاق واسع. وقد يبدو التشجيع على استخدام الخشب كمصدر للطاقة المتجددة مخالف للمنطق البديهي للوهلة الأولى، إلا أن 1.86 مليار متر مكعب من الخشب – أي أكثر من نصف إنتاج العالم من الخشب – يستخدم بالفعل لهذا الغرض، وهو ما يظهر المكاسب التي يمكن تحقيقها من الإدارة الأكثر استدامة.
وبشكل أكثر مباشرة فإنه عندما يتم تحويل الخشب إلى قطع أثاث وأرضيات وأبواب أو أعمدة لاستخدامها في عملية البناء، فإنه لا يتأكسد فوراً، بل إنه يواصل تخزينه للكربون. وطبقا لحسابات منظمة (الفاو) فإن تخزين منتجات الخشب مثل هذه للكربون يعوض تقريباً عن جميع انبعاثات الدفيئة التي تسبب فيها تصنيع هذه القطع.
إن صافي بصمة انبعاثات مكتب خشبي، خاصة إذا كان تحفة قديمة، هو أقل من انبعاثات أثاث مكتب حديث مصنوع من الفولاذ أو مشتقات البلاستيك، كما أن خيارات التخلص منه عند انتهاء مدة حياته أوسع.
إن تعزيز الوصول إلى خيارات "الكتلة الحيوية التعاقبية" واعتمادها – على سبيل المثال إعادة تدوير الخشب المستخدم في البناء لاستخدامه في صنع الأثاث أو التغليف وبعد ذلك استخدامه مرة أخرى كمصدر للطاقة – يمكن أن يقود إلى خفض انبعاثات الكربون بما يصل إلى 135 مليون طن كما أنه يخفف الحاجة الى مكبات النفايات.
واليوم تتزايد الأدلة على أن المنتجات التي يستخدم فيها الخشب تتنافس بشكل كبير مع مواد البناء البديلة. ومعدل الكربون في مبنى مصنوع من إطار خشبي يشكل فقط نصف معدله في مبنى هيكله من الاسمنت.
ورغم أن للخشب تاريخ طويل في استخدامه كمادة بناء صديقة للبيئة في دول فيها غابات شمالية – أكثر من 80 في المائة من المنازل في الولايات المتحدة والدول الاسكندنافية تصنع بأطر خشبية مقابل 4 في المائة فقط في فرنسا – إلا أن قبول الخشب في البناء قد يزداد بسرعة أكبر في حال وجدت الحوافز الصحيحة لتبني سياسات بهذا الشأن. وتعتبر اليات تسعير الكربون والمناهج الجامعية وسياسات الشراء العامة وحتى قوانين التأمين عوامل مهمة لتخفيف "الهيمنة التكنولوجية" للأنظمة التقليدية التي تعتمد على الطوب والاسمنت والفولاذ، بحسب ما يقول التقرير.