دينيّة
30 أيار 2016, 10:56

"سيّدة المنطرة" إلى العالميّة

ريتا كرم
لبست مغدوشة بالأمس حلّة جديدة وباتت أنظار كلّ العالم عليها مصوّبة. فمن جنوب لبنان سطعت بشارة جديدة مع مريم "سيّدة المنطرة"، بشارة إعلان المزار على خارطة السّياحة الدّينيّة العالميّة. فرحة جديدة عمّت قلوب اللّبنانيّين حلّت كهديّة مباركة في ختام الشّهر المريميّ، فرحة تعكس دور لبنان وأهمّيّته في مسيرة الخلاص، ويشهد عليه مقام سيّدة مغدوشة التّاريخيّ الّذي يعود وجوده إلى أكثر من ألفي عام.

 

فالبعودة إلى تلك الحقبة، كانت أرض مغدوشة موطئ قدمي يسوع المسيح، فهو أتى إلى ساحل صور وصيدا مع أمّه مريم الّتي كانت تنتظره في مغارة البلدة بينما كان هو يبشّر في المدن السّاحليّة. من هنا نالت المغارة اسمها "المنطرة" أيّ "محلّ الانتظار" بالعامّيّة.

تمتدّ جذور المقام إلى فجر المسيحيّة الأوّل. فهناك إلى جانب المغارة الصّغيرة، برج عالٍ يصل ارتفاعه إلى ثمانين متراً تتربّع عليه عذراء مغدوشة ملتحفة باللّون البرونزي حاملة الطّفل يسوع بين يديها، وفي أسفله كابيلا، وبجانبه كاتدرائيّة واسعة ودرب للمشاة يبرز على مساحة 300 متر الحقبات الّتي يتحدّث عنها الكتاب المقدّس ويورد ذكر لبنان.

مقام يحملنا إلى ذاك العصر، ويجعلنا نتخيّل أثر اللّقاء في نفوس معاصريه. فبمرور يسوع وأمّه بأرضنا، لبس لبنان ثوب القداسة، إذ تبارك وأعطى كهنة ورهباناً وراهبات نسّاكاً وشعباً شاهد ابن الله وسمعه وآمن به. فهؤلاء تهافتوا ليلتقوا يسوع يوم حلّ في أرضنا مبشّراً، واصطفّوا في السّاحات ليستمعوا بشغف إلى ما نطقت به شفتاه، وتدافعوا ليروا بأمّ العين آيات اجترحتها يداه فيؤمنون. هؤلاء شاهدوا أمّ يسوع راكعة تصلّي منتظرة عودة وحيدها فتمنّوا لو يحصلون على حبّة من إيمانها، منها تعلّموا كيف تكون الأمّ مؤازرة لأبنائها ومشجّعة لرسالتهم. فيها رأوا أمّاً متواضعة، صبورة وهادئة. إنّ يسوع ومريم ألهما بلا شكّ سكّان هذه الأرض قبل ألفي عام، وهما لا يزالان اليوم يطبعان بَصمَتهما في قلب اللّبنانيّين المسلّمين أمرهم لله بشفاعة العذراء.

واليوم مع إعلان سيّدة مغدوشة على خارطة السّياحة الدّينيّة العالميّة، في احتفال مهيب نظّمته وزارة السّياحة ومنظّمة السّياحة العالميّة بالاشتراك مع جمعيّة "على خطى المسيح في جنوب لبنان"، ضمن نشاطات إطلاق برنامج السّياحة الدّينيّة في دول المشرق وبرنامج "المنتدى السّياحيّ اللّبنانيّ الدّوليّ" الذي انطلق بالأمس في مقام سيّدة المنطرة ويكمل اليوم أعماله ويختتمها في مجمّع البيال في وسط بيروت؛ تهمس السّماء رسالة في أذن سكّان هذه الأرض، وتحديداً أهل هذا الشّرق مهد المسيحيّة؛ رسالة تثبّت المسيحيّين في موطنهم وتشجّعهم على البقاء ومواجهة كلّ التّحدّيات، وتدعوا المسلمين كي يهتموّا بالوديعة الّتي ائتمنهم الله عليها والحفاظ على لبنان وطناً واحداً للجميع يباركة الله واحد.

فلبنان أرض مقدّسة، لا خوف عليه لأنّ الله معه، وقدّيسوه حماته. فهنيئاً لنا سماؤنا على الأرض وهنيئاً للبنان إنجازه الدّينيّ الوطنيّ الجديد، وهنيئاً لنا بأمّنا مريم شفيعتنا سيّدة المنطرة!