"سيّدة السلام"... إلى أحضانِ ابنِها!
بدأت السّيدة العذراء بهذه الجملة رسالتها للرائية ميريانا في ٧ تموز/ يوليو، في مديغوريه. لكنّها ما اكتفت يومًا بالظّهورات، بل تجلّت على جبالٍ وتِلال، في أوديةٍ وهِضاب... وصولًا إلى أعماقِ المحيطات. أمّا في هذا الشهر، زمن عيد الصليب، أحبّت أن تتجسّد في أحضان ابنها... في أرضٍ قدّسها صليبُه، وباركتها صلاة أبنائه المؤمنين، فأُطلِق عليها إسم "سيّدة السلام" كي يعمّ السلام في قلوب الناس والوطن.
"سيّدة السلام" أطلّت على أبناء بلدة قرطبا، فباركتهم مِن أعلى تِلالها في "جِوار الرمل"، واجتمعت بابنها الحبيب المتجسّد في الصليب على بعد أمتارٍ مِنها. تمثالٌ يبلغ ٥ أمتار و٧٠ سنتيمترًا، يَزِن ٤٥٠ كيلوغرامًا مِن الريزين الّذي يقاوم الهواء والثّلج والشّتاء لمدّة ٢٠ سنة. وفي حديثٍ خاصّ لموقع "نورنيوز" مَع الأستاذ إيلي الخوري، صاحب المشروع والمشرف عليه، أشارَ إلى مدّة تصميم التمثال وهندسته، الّتي تراوحت بين ٤ و٥ أشهر، تخلّلتها بعض التعديلات مثل زيادة الحديد للحدّ من تأثيرات العواصف والمناخ القاسي. أمّا بَعد الإجتماع بالجمعيّة الخيريّة القرطباويّة، بالتعاون مع الرئيس السابق للجمهوريّة ميشال سليمان ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، اتُّفِق على وضعِه على هذه التلّة المطلّة على كلّ البلدة والقرى المجاورة.
أمّا الداعم الأكبر لهذا المشروع فهي وزارة الدفاع- قيادة الجيش عمومًا، وقيادة حامات الجوّيّة خصوصًا، على رأسها العماد زياد هيكل، يعاونه طاقم مؤلّف من ١٢ عسكريًّا. بدأت الأعمال التحضيريّة قبل أسبوعٍ مِن الموعَد المحدَّد لوضع التمثال، فباشَرت القيادة بالكشف على الأرض وتجهيزها لتفادي سوء الأحوال الجوّيّة والضّباب. جُهّزت قاعدة حديديّة لضمان الثّبات عِند وضعه، وقُسّمَت مهام الطاقم؛ منهم في الطوّافة الّتي حملَت التمثال، والبعض الآخر كان في انتظار إنزاله فثبّتوه في مكانِه.
الصلاة عند "سيّدة السّلام"، جاءت عقب قدّاس الإحتفال بِذكرى عيد الصّليب وعِند الصليب، على التلّة المقابِلة. فانتقَلَ الجمع من الصّليب إلى موضع التمثال، حيث تَلوا الصلاة عِند المزار الّذي أضحى مكرّسًا بعد أن صلّى عليه كاهن رعيّة قرطبا الأب شربل شلّيطا. وشدّد خلال حوارنا، على تاريخ التكريس الرسميّ الّذي سيَكون في أوائل شهر أيار/ مايو المقبل، شاكرًا الله والعذراء مريم على مساعدتهم وحمايتهم خلال إتمام هذا الحدث بخيرٍ وسلامة وفَرَح.
كانَت تبكي تَحت الصّليب، في لوعَةٍ ولكن مرفوعة الرأس، لوعة فراق ابنها الحبيب، الّذي افتدانا بِدَمهِ وخلّصنا بآلامه وعذاباتِهِ، ووَهبَنا الحياة. "سيّدة السّلام" تَبكي اليوم، لكنّها تذرف دموع الفرح... فرحٌ بأبنائها المؤمنين الّذين اجتمعوا ووقَفوا يدًا بِيَدٍ، لِيُصلّوا ويَعملوا بِرسائل العذراء؛ فيتبارَكوا من صليبِها ويحتموا تحتَ أجنحتها الّتي تُرفرِف وتنشُر، دائمًا وأبدا... حبًّا، حنانًا وسلام!