دينيّة
15 كانون الأول 2015, 07:15

يوبيل الرحمة : تاريخه، ثماره وشعاره

اليوبيل، تعبير باللغة العبريّة عند الشعب اليهودي في العهد القديم، يُقصد به: فرح الإعلان بالبوق أو قرن الخروف، عن بدء سنة الراحة للبشر، للأرض وللحيوانات بحسب شريعة الله، كما ورد في سفر الأحبار 25/9-12: "تنفخون بوق الهتاف...وقدّسوا سنة الخمسين ونادوا بإعتاقٍ في الأرض لجميع أهلها، فتكون لكم يوبيلاً." نفهم من هذا الكلام بأنّ اليوبيل هو أولاًّ بوق الإعلان وثانياً الإحتفال به كل خمسين سنة. وقول الرب: لتكن هذه السنة يوبيلاً، أي لتكن هذه السنة مميّزة وخاصة، يعيش فيها الناس بالفرح والتوبة والمصالحة وتُمنح الراحة لكل مخلوق على وجه الأرض. إنّها السنة التي تحمل في طيّاتها إمكانيّة أن يرجع كل شيء الى أصله، أي قبل السقوط في الخطيئة، حسب مخطط الله. سنة اليوبيل، هي عودة الأنسان الى الشركة التامة مع الله والآخرين.

في الكنيسة، احتُفل لأوّل مرّة  باليوبيل، في نهاية الجيل الثالث عشر. فدعا البابا بونيفسيوس الثامن المسيحيين، عام 1299، الى أن تكون سنة 1300، سنة يوبيل مقدسة، للإستعداد بطريقة روحية عميقة، بالتوبة والصلاة، للإنتقال من جيل الى جيل جديد. وهكذا توالت دعوات الباباوات للإحتفال بسنوات اليوبيل المقدسة كل خمس وعشرين سنة لليوبيل العادي، واستثنائيّاً عندما تدعو الحاجة. فكان أوّل يوبيل استثنائي مع البابا القديس يوحنا بولس الثاني، عندما دعى عام 1983 الى سنة يوبيل مقدسة اسثنائية، يوبيل سنة الفداء، لمرور 1950 عام على موت الرب وقيامته.

واليوبيل الحالي للرحمة هو الثاني الاستثنائي. بعد أن رأى قداسة البابا فرنسيس إنتشارالحروب بكثرة في أقطار العالم، وسيطرة أنانيات الإنسان على فعل الخير، وقهر مجتمعات لخدمة مجتمعات أخرى، دعانا الى يوبيل الرحمة. إنّه يوبيل الرجوع بالذات الى ينابيع الرحمة الأصليّة المتدفقة من قلب الله الى قلوبنا جميعاً وإعادة الإعتبار الصحيح لكل إنسان وكل الإنسان.

أما الباب المقدس، يدل الى الرب يسوع عندما يقول عن ذاته في إنجيل يوحنا 10/9: "أنا هو الباب، من دخل منّي يخلص". عندما ندخل الباب المقدس، كأنّا نعبر بالمسيح من حالة الخطيئة الى حالة النعمة، من الموت الى الحياة.

من ثمار يوبيل الرحمة، بعد التوبة والإعتراف والدخول من الباب المقدس، نيل الغفرانات العامة المتعلقة بإنعامات سنة اليوبيل. وقد أوصى البابا فرنسيس، وهي المرة الأولى في تاريخ الكنيسة، بتحديد باب مقدس في كل أبرشيّة، ليتسنّى لكل المؤمنين في العالم الدخول من الباب المقدس وعيش إختبار التوبة والتجديد وإداء الشكر لمراحم الرب اللامتناهية. لأنّ سمة يوبيل الرحمة هو الغفران. وأهمّ شيء في غفران اليوبيل، أن يعود الرب أولويّاً في حياتي وأن تكون علاقاتي البشرية على اختلافها وبكل المواقع مبنيّة على هذا الأسأس المتين. فيصبح التعاطي مع بعضنا البعض، نحن البشر، قائماً، ليس على المصالح الفتّاكة للنسيج الإجتماعي، بل على الرحمة الصادقة المثبتّة مداميك بنياننا الحياتيّ.

أما شعار اليوبيل، فقد صمّمه "الأب اليسوعيّ ماركو روبنيك"، حيث يجسّد "الخلاصة اللاهوتيّة" للرحمة. المسيح، الراعي الصالح، يحمل على كتفيه، آدم-الإنسان وكاتباً حول الشعار: "رحماء كالآب"، مستوحياً ذلك من إنجيل لوقا 6/36:" كونوا رحماء كما أنّ أباكم رحيم". والشعار هو بمثابة دعوة لكي نحذوَ مثال رحمة الآب، الذي يطلب منّا عدم الإدانة والحكم. بل أن نغفر، وأن نقدّم المغفرة والمحبة من دون حساب. والملفت في صورة الشعار، أنّ المسيح ينظر بعيون آدم، وآدم ينظر بعيون المسيح.

 في سنة يوبيل الرحمة، كل شخص منّا مدعو لأن يكتشف من خلال المسيح، آدم الجديد، إنسانيّته ودرب حياته. كما سيرسل البابا فرنسيس في كل العالم، خلال زمن الصوم، كهنة "رسل رحمة" ليحملوا الرحمة الإلهيّة الى كل البشر، هكذا نحن بدورنا، حيثما نحن، فلنجتهد لأن نكون رسل رحمة لبعضنا البعض، فيتغيّر وجه الكون.