دينيّة
01 تشرين الثاني 2024, 10:00

نعمة القداسة

تيلي لوميار/ نورسات
بقلم الأب أنطونيوس مقار إبراهيم راعي الأقباط الكاثوليك في لبنان

 

حياة القداسة التى يعيشها الانسان المؤمن هي موت المسيح وقيامته، ينقلها إلينا الروح القدس من طبيعة المسيح ويغرسها في طبيعتنا في سرٍّ لا يُنطق به، عَبْرَ الإيمان، والتوبة، والمعموديّة، والافخارستيّا، حتّى نتغيَّر عن شكلنا كلِّيّة، ويصير "المسيح حياتنا" (في 1: 21)، و"يحل بالإيمان في قلوبنا" (أف 3: 17).

إذًا الــقــداســة هـــــــــــي:

1-هبة المسيح العظمى هبة كاملة.

2- سُكنى المسيح في القلب بالإيمان وتشمل كيان الإنسان كلّه جسدًا ونفسًا وروحًا.

3- موت المسيح الذي يميت فينا حياة الرجاسة والنجاسة.

4- حياة المسيح التي تُجدِّد فينا إنساننا العتيق لأن ْفيه صرنا خليقة جديدة.

5- فعل داخليّ عميق وعمل إلهيّ كامل يصل بنا إلى حياة كاملة أمام الله بلا لوم.

القداسة هي أن نكون في استعداد دائم لأن نقبل عمل الله في حياتنا. وبقدر ما نبتعد عن الخطيئة والشر، وبقدر ما نلتصق بالله، بقدر ذلك نزداد نموًّا في القداسة.

بمجيء الربّ يسوع إلى "بيتنا" وبعمل الروح القدس وتقديسه لنا، نشترك في قداسة الله ونبلغ كمالها فى المجد.  

الدعوة إلى القداسة مُوجّهة إلى الجميع من دون استثناء: "كونوا قدّيسين، لأنّي أنا الربّ إلهكم قدّوس" (أحبار19\2).  

القداسة عطيّة مجّانيّة توهب لنا من الله، يفيضها في قلوب الجميع، يفيضها في الكنيسة وهي جسد المسيح، وهو رأسها. الكلّ فيها مدعوّ ليعمل إرادة الرأس، يسوع المسيح ليكون قدّيسًا على مثال القدّوس. كلّنا قدّيسون لأنّه ينادينا في كلّ مرة نشترك في سرّ الإفخارستيّا "الأقداس للقدّيسين، تُعطى بالكمال والنقاوة والقداسة".

لذا، ينبغي بنا أن نبتعد عن العالم وشهواته وعن كلّ مجد عالميّ، فلا نبحث عن مناصب أو ألقاب أو مكانات صدارة، بل نعيش في سلام وهدوء، نُصلّي، نخدم، نعمل مشيئة الله، نحبّه، نحبّ الآخرين. بالنظر إلى الكتاب المقدّس، نجد دائمًا أنّ الله هو القدّوس وحده. ولفظة "قدّوس" تعني "الذي ليس كمثله شيء".  

أُعطيَ شعبُ الله أن يعاينوا مجد الله في ظهوراته المتعدّدة، كما حصل مع موسى في "العلّيقة المشتعلة": اخلع حذاءك من رجليك فإنّ المكان الذي أنت قائم فيه أرض مقدّسة"، والأنبياء مثل أشعيا النبيّ الذي رأى الملائكة ينشدون: "قدّوس قدّوس قدّوس ربّ الجنود..." والكنيسة اليوم تُنشد في صلواتها كافّة نشيد التقديسات...

إذَا، نحن مدعوّون لعيش الحكمة والقداسة ومخافة الله لنكون قدّيسين فيه. "أنا الربّ إلهكم، فتقدّسوا وكونوا قدّيسين فإنّي أنا قدّوس". المسيح، بالروح القدس الذي يعمل فينا بأنّات لا توصف، هو الذي يحقّق فينا عيشنا للقداسة، "لأنّ الله اختاركم منذ البدء ليخلّصكم بالروح الذي يقدِّسكم والإيمان بالحقّ" (2 ت 2: 13). الروح القدس هو "منبع التقديس الذي لا ينضب"، ثمرته القداسة "أمّا ثمر الروح فهو المحبّة والفرح والسلام والصبر واللطف وكرم الأخلاق والإيمان والوداعة والعفاف" (غلا 5: 22).

فلنطهّرْ ذواتنا من كلّ دنس الجسد والروح مكمّلين القداسة في خوف الله فإنّ أرادتَه قداستُنا. نحيا القداسة ونسلك في دربها بوجودنا الدائم فى حضرة الله وشركتنا بالروح القدس كي نتمكّن أن نكون نظير القدّوس الذي دعانا بتكريس ذواتنا وأعمالنا وأفكارنا واستعدادنا الدائم لأن يعمل فينا.