(جريدة النهار) كثف المسؤولون الامنيون اخيرا اطلالاتهم وتحذيراتهم، على ما فعل قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي زار طرابلس عشية بدء العد العكسي لاستقبال البابا بنديكتوس السادس عشر في ما يعكس الاستنفار السياسي والعسكري استعدادا لهذا الحدث. كما ازدادت نسبة التعاون الامني مع الخارج ومع كل القوى الامنية في الداخل من اجل توفير العناصر اللازمة لاتمام الزيارة في ظروف ملائمة، بموازاة استجماع الحكومة نفسها بعد مرحلة انفراط وهلهلة نتيجة لخلافات لا تزال قائمة وبدأ سعي الى وضعها على الرف انسجاما مع الزيارة الحبرية. فليس سهلا على لبنان الذي يعاني تداعيات الثورة السورية عليه وفق اعتراف الداخل والخارج معا بحوادث متفرقة واشتباكات بين وقت واخر ان يأخذ على عاتقه هذا الاستقبال وفي هذا التوقيت على رغم الاهمية الكبرى التي يكتسبها الحدث وانعكاسه ايجابا على لبنان عموما والمسيحيين خصوصا.
وكانت الدوائر المعنية ولا تزال حذرة حيال الاحتمالات التي فتحت عليها التطورات في لبنان اخيرا على رغم التأكيدات المقابلة ان زيارة البابا قائمة في موعدها ولا تعديل عليها، علما ان الارجاء او الالغاء يبقى احتمالا قائما حتى قبل ايام فقط ليس خوفا على البابا شخصيا نظرا الى توافر امكان حمايته ولانه يقصد عادة بلدانا تحتاج الى زياراته معنويا وعملانيا ويتهددها خطر حقيقي كلبنان الذي يخشى كثر من مسيحييه نتائج ما يجري في المنطقة. ومنبع الخشية هو امكان ما يلحق بالمحتفلين اللبنانيين في مرحلة دقيقة داخليا وخارجيا. فهل يكون لبنان على قدر التحدي الامني خصوصا اذا كان ثمة عوامل اقليمية خارجة على ارادته او تحاول ان تنقل ما يحصل في سوريا اليه؟
تقول مصادر معنية ان ابراز قدرة لبنان على تأمين زيارة البابا في المرحلة الفاصلة عن الزيارة واثناء حصولها ينعكس عليه ايجابا نتيجة لاعتبارات متعددة، قد يكون ابرزها ان تلاقي الارادات الداخلية على منع حصول اي مشاكل سيعطي صدقية كبرى للافرقاء وقدرتهم على لجم اي انجرافات امنية في اي اتجاه متى ارادوا، بمعنى ان تحركات كثيرة تحصل على الارجح بالريموت كونترول او ما شابه. واذا ثبت ان لبنان يستطيع تأمين "هدنة" امنية خالية من الحوادث المهمة خلال هذه المرحلة فيعني ذلك ان توافر الارادات المحلية يمكن ان يساعد في تجنب انزلاق البلاد الى تطورات مأسوية، على رغم ان الافرقاء الداخليين اثبتوا ذلك الى حد كبير خلال سنة ونصف سنة من عمر الثورة السورية. ومن شأن ذلك ان يعطي ثقة اكبر بان لبنان يستطيع تجاوز قطوعات امنية مهمة حتى لو بدا في احيان كثيرة واقفا على شفير الهاوية ولا ينقص سوى القليل من اجل سقوطه فيها، فضلا عن ان الانفلات الامني ساهم ولا يزال في يأس اللبنانيين واحباطهم من الحال التي آلت اليها الدولة اللبنانية والاهتراء الذي اصابها، مما عمم الخشية حيال زيارة البابا. وثمة من يسأل في هذا الاطار ليس عن رغبة لبنان او قدرته على ضمان الزيارة وما يحوطها خصوصا انه عاش تجربة مماثلة مع زيارة البابا يوحنا بولس الثاني قبل اعوام، بل اذا كان ممكنا لمتضررين محتملين النفاذ الى لبنان امنيا في هذه المرحلة من اجل توجيه رسائل معينة بعد حادث توقيف الوزير السابق ميشال سماحه لتورطه في قضية امنية كانت ستسبب باضرار فادحة للمسيحيين. وقد لفت مسؤولين كثر استهداف الجيش السوري النظامي في الايام الاخيرة قرى مسيحية حدودية في الشمال اللبناني لا صلة لها بما يشاع عن عمليات تهريب وما شابه من امور يتهم النظام السوري افرقاء لبنانيين بالضلوع فيها، مما يرسم علامات استفهام على اسباب الاستهداف الذي بدا انه يتعدى مجرد الخطأ الذي تم الاعتذار عنه كونه تكرر بعد يومين.
مصادر متابعة تبدي تفاؤلا نسبيا على قاعدة ان كل تداعيات الوضع السوري تم استيعابها حتى اليوم وحصرها على رغم الاضرار التي مني بها لبنان من اشتباكات وحوادث كتلك التي وقعت في طرابلس. ويعزز ذلك الاقتناع بان ثمة تيقظا كبيرا فضلا عن قدرة على استيعاب التداعيات تترك هامشا كبيرا للاعتقاد بان الوضع سيظل ممسوكا الى حد كبير. وتعتقد المصادر ان كشف تورط الوزير السابق سماحة في قضية امنية لا يزال حديثا مما يلجم اي محاولات مماثلة، وان كان لا يمكن استبعاد اي احتمال كليا، نظرا الى ان الامور باتت مكشوفة اكثر من اي وقت مضى والمسؤوليات واضحة ولن يسهل رمي التبعات جزافا كما كان يحصل من قبل. وفي اي حال فإن تأكيد هذا المنحى يبرز عبر تثبيت موعد الزيارة ولو كان هناك اي شك في تعرضها لأي خطر لكانــت ارجئت او الغيت.