روحانيّة المرسَل
"يُظهر إنجيل القدّيس متّى (12: 14-21)، ملامح "روحانية المرسَل"، حيث تصاعد قرار الفريسيّين بـ"إهلاكه"، لكنّ يسوع لم يردّ بالمواجهة، بل انسحب بهدوء. هذا الانسحاب لم يكن هروبًا، بل إعلانًا لنهج إلهيّ جديد: النّعمة بدل الانتقام، الصّمت بدل الضّجيج، الرّحمة بدل الإدانة.
"لا يُخاصم ولا يصيح"، لأنّ مجده لا يُبنى على الضّجيج، بل على حضور الوداعة. المسيح هو العبد الذي اختاره الآب (أشعيا 42)، حمل رجاء الشّعوب لا بالهيبة الأرضيّة، بل بحنان لا يطفئ الفتائل المَدخنة، بل يُشعلها.
هذا النّصّ هو نقيضٌ لما حدث في بابل (تك 11): فبينما كانت الأصوات ترتفع لتُشيّد مجد الإنسان، في يسوع، الكلمة تنخفض لتُحيي الإنسان المكسور.
يقول الأب أدريان فان كايم: "من لا يعرف أن ينسحب بصمت، لا يعرف أن يُصغي للرّوح". أمّا القدّيس شارل دو فوكو، فكتب: "الله لا يمرّ في العاصفة، بل في همسة نسيم رقيق". وهذا تمامًا ما فعله يسوع.
الرّوحانيّة هنا ليست بطوليّة سطحيّة، بل تبنٍّ لصمت الله الخلاصيّ. فالمسيح يُعلن حضوره لا بالسّيطرة، بل بالانحناء أمام الكسور البشريّة.
دعوتنا إذًا، ليست أن نردّ جرحًا بجرح، بل أن نكون تلاميذ ذلك "العبد الوديع" الذي يُجري الحقّ لا بالسّوط، بل باللّمسة. فينا، يريد أن يتجسّد الرّجاء من جديد، لا كقوّة تُفرض، بل كحنان يُحرّر."