دينيّة
06 نيسان 2025, 13:00

مريم المصريّة... قدّيسة التّوبة!

تيلي لوميار/ نورسات
في اليوم المخصّص للقدّيسة مريم المصريّة، يضيء خادم وكاهن عائلة كنيسة الصّليب للرّوم الأرثوذكس في النّبعة الأب باسيليوس محفوض على الأسباب الّتي تجعل الكنيسة تحتفل بهذا العيد في الأحد الخامس من الصّوم الكبير، ويكتب:

"يُصادف اليوم الأحد الخامس من الصّوم الكبير الأحد الأخير قبل بدء الأسبوع العظيم وهو يوم مُخصّص للقدّيسة مريم المصريّة. تحتفل الكنيسة بها لعدّة أسباب:  أوّلًا، إنّها المثال الأمثل للتّوبة المسيحيّة، التي ابتعدت عن حياة الزّنا لتعيش حياة تائبة من النّسك الشّديد والصّلاة من أجل محبّة المسيح في صحراء الأردن. الصّوم الكبير نفسه هو موسم للتّوبة، وخلال المرحلة الأخيرة من الصّوم المرهق تُرفع كمثال للمثابرة. ثانيًا، تكشف حياة القدّيسة مريم أنّ القدّيس زوسيما الكاهن اكتشفها خلال فترة عزلته التي وقعت خلال فترة الصّوم الكبير. ونظرًا لأنّ الكثير من قصّتها تدور خلال الصّوم الكبير، ونُخبر أيضًا أنّها تلقّت آخر قدّاس لها يوم خميس الأسرار وتوفّيت في نفس اليوم، فقد وجدت الكنيسة أنّه من المناسب إقامة احتفال خاصّ لأعظم الخطاة التّائبين. قيل لنا أنّه من اليوم الذي دخلت فيه القدّيسة مريم برّية الأردن حتّى اكتشفها القدّيس زوسيما، مرّت 47 عامًا. الرّقم "47" له دلالة في موسم الصّوم، إذ يُشجَّع جميع المسيحيّين على الاقتداء بحياة القدّيسة مريم خلال هذا الوقت من خلال بذل جهود إضافيّة في صلواتنا وصيامنا، والتي تستمر 40 يومًا خلال فترة الصّوم الكبير و7 أيّام أخرى خلال الأسبوع العظيم. وكأن الآباء القدّيسين يسألوننا: "إذا استطاعت القدّيسة مريم المصريّة أن تعيش حياة كهذه لمدّة 47 عامًا، ألا يمكننا جميعًا أن نحاول على الأقل أن نحياها لمدة 47 يومًا فقط؟".

كانت مهنتها، التي كانت تجني منها المال، هي التّسوّل وغزل الكتّان. المرّة الوحيدة التي قيل لنا إنّها ربّما أخذت فيها مالًا مقابل الجنس كانت عندما كانت في طريقها إلى القدس، عندما تلاعبت بالرّجال لدفع ثمن رحلتها. في الواقع، إنّ اضطرارها إلى القيام بذلك يُثبت أنّها كانت امرأة فقيرة، دخلها زهيد. تخيّلوا كم كانت ستُصبح ثريّة لو أنّها حصلت على أجر مقابل الجنس!

كانت في القدس بعيد تكريم الصّليب المحيي، وأرادت بدافع الفضول دخول الكنيسة. ولكن عندما اقتربت من المدخل، لم تستطع الدّخول، كما لو كان هناك جدار غير مرئيّ يمنعها. حاولت مرارًا، لكن ذلك كان مستحيلًا. عندما رأت آخرين يمرّون بجانبها ويدخلون، استنار عقلها وفهمت. توسلت إلى العذراء مريم أن تسمح لها بالدّخول، ووعدت في الوقت نفسه بأنّها ستغيّر حياتها. وبالفعل، وفيت بوعدها وذهبت إلى صحراء الأردن حيث عاشت في كثير من الحرمان واعتدال كبير. وظلّت تعاني من الشّيطان وتمرّد الجسد. ثم توقّفت هذه الحرب، وبدأت تصعد روحيًّا. وبعد أن وصلت إلى حالة من اللّامبالاة، بدأ وجهها يتألّق. صُدم القدّيس زوسيما، الذي ذهب لتناولها في أواخر حياتها، من المنظر. رأى وجهًا مُشرقًا وملائكيًّا. رأى شخصًا اختبر النّصر على الموت وقيامته الشّخصيّة. التّوبة الحقيقيّة، المرتبطة بالسّعي للتّحرّر من الأهواء، هي صليب. 

في الأسبوع الخامس، نواجه صورةً عجيبةً لامرأةٍ كانت في السّابق هاويةً للخطيئة والنّجاسة، ثمّ صارت ملاكًا في الجسد، صورة القدّيسة مريم المصريّة. فجأةً، حوّلها الله من درب الحياة الفاسدة والمبذرة إلى درب الخلاص، فأصبحت لنا جميعًا قدوةً في التّوبة. لم تكن تعرف الكتاب المقدّس، ولم تقرأه قط، ودخلت الصّحراء بلا كتب، ومع ذلك، كما يخبرنا الشّيخ زوسيما، أُعجب بمعرفتها العميقة بالكتاب المقدّس. علّمها الله بنفسه، لأنّها سمعت في قلبها كلمات الكتاب المقدّس. منحها الله بصيرةً لا يملكها عامّة النّاس: عرفت اسم القدّيس زوسيما الذي جاء إليها، وعرفت أنّه قسيس. أرتنا أروع أمثلة التّوبة على الإطلاق، داعيةً إيّانا إلى هذا الطّريق. فعندما نسمع عنها، عن حياتها المؤلمة في البرّية، يجب أن نخجل إن لم نتب من أيّ شيء، إن لم نسعَ لتطهير قلوبنا.

ولأنّها أحبّت المسيح حبًّا لا يوصف، استطاعت أن تصبر سبعة وأربعين عامًا في هذا النّسك العظيم في الصّحراء لهذا السّبب تُبرزها الكنيسة اليوم. امرأة - كما تقول طروباريّات الكنيسة - تغلّبت على ضعف الطّبيعة الأنثويّة والبشريّة. يا لها من روح شجاعة! من يستطيع أن يفعل هذا الزّهد؟ ومع ذلك، فقد فعلت هذه الزّانية السّابقة هذا الزّهد العظيم بدافع حب الله. اليوم نُعجب، ونتساءل، ونقف في رهبة، ونندهش من هذا النّسك العظيم وحبّها للمسيح، وننظر أيضًا إلى حبّنا للمسيح كم هو فقير. كم هو غير مثمر، ونشعر بالأسف على أنفسنا. ونطلب من القدّيسة مريم أن تتشفع لدى الرّبّ اليوم، ليساعدنا، ويساعد المسيح على أن يمنحنا على الأقلّ القليل من توبتها، والقليل من دموعها، ولكن قبل كلّ شيء أن يمنحنا الحبّ الإلهيّ، الحبّ الذي يجب أن نحمله كتلاميذ للمسيح تجاهه، ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح، كشعب مُفتدى بدمه المقدّس والمُكرّم.

تقودنا قصّة القدّيسة مريم المصريّة إلى استنتاج أنّه لا ينبغي لأحد أن ييأس من حالته الرّوحيّة، مهما كانت سيّئة. فجميعنا، نحن الضّعفاء والخطاة، نملك رجاءً ومحبّة الله. ولا تُحصى الطّرق التي رسمها الله لنا في حياتنا اليوميّة، والتي تقودنا إلى طريق التّوبة. لأنّه "وإذ كنّا بعد خطاة، مات المسيح من أجلنا" (رومية ٥: ٨)."