دينيّة
07 أيار 2020, 07:00

ما مصير احتفالات المناولة الأولى؟

ريتا كرم
كان هذا الشّهر المريميّ الرّبيعيّ ليكون أكثر زهوًا وفرحًا لولا موجة كورونا وتدابير التّعبئة العامّة الصّحّيّة في لبنان والعالم. لولا هذا الوباء التّاجيّ لكانت الكنائس تفرح اليوم وتتهلّل في زمن الفصح هذا باستعدادات أطفالها لتقبّل قربانتهم الأولى.

نعم لولاه لكانت صدى التّراتيل الّتي ما أن نكاد نقرأ كلماتها ونسمع ألحانها حتّى يبدأ القلب يتمايل على أنغام ردّدناها جميعًا عندما تقدّمنا للمرّة الأولى من أحد أعظم الأسرار: سرّ الإفخارستيّا، ويترنّح الوجدان ويأخذنا إلى يوم أعطِيَ للإنسان شرف الاتّحاد مع رأس الكنيسة ونيل عربون الحياة الأبديّة.

يومها لبسنا الثّوب الأبيض النّقيّ، وحملنا الصّليب افتخارًا بانتمائنا وضممنا أيدينا متوجّهين نحو المذبح بفرح لا يوصف وحماسة عظيمة لتقبّل القربانة الأولى من يد الكاهن، بعد مسيرة طويلة من التّنشئة الرّوحيّة، فالتقينا مع يسوع، وعدنا إلى بيوتنا مع "كلمة الله" المرسّخة في الإنجيل المقدّس كهديّة لنا، محمّلين بالتّذكارات الدّينيّة المتواضعة من الرّفاق، لينتهي النّهار بعد الاحتفال الدّينيّ بآخر اجتماعيّ صغير تعلن فيه العائلة فرحها بحصول ولدهم على يسوع الحيّ في القربان المقدّس.

اليوم وفيما قلوب المؤمنين مشتاقة إلى تناول القربان في القدّاس الإلهيّ، تمامًا كما اشتاقت في عمر التّاسعة إلى هذا السّرّ المقدّس، تشتاق الرّوح أيضًا إلى ضحكات هذه البراعم وإلى صلواتهم الصّادقة الصّارخة في الكنائس في يوم منحهم السّرّ الرّابع من أسرار الكنيسة السّبعة بعد العماد والتّثبيت والاعتراف.

إنّها توّاقة إلى هذا السّرّ الّذي يقوم على تثبيت كلّ مسيحيّ في المسيح من خلال "الخبز" و"الخمر" العنصرين الأساسيّين فيه، تطبيقًا لوعد الرّبّ الّذي أطلقه في العشاء السّرّيّ: "من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه"، وعلى تنمية الاتّحاد بيسوع والكنيسة وصون تجدّد حياة النّعمة الممنوحة في المعموديّة والتّثبيت، وتقوية المحبّة ومحو الخطايا العرضيّة والحفظ من الخطايا المميتة. فالإفخارستيّا "عربون المجد الآتي" تغمر المؤمن بالنّعم السّماويّة ليسير بثقة بالخالق على درب هذه الحياة.

إذًا وفيما نحن محرومين من هذه العطيّة الإلهيّة الأثمن، وبينما لا تزال التّساؤلات تعلو حول مصير القربانة الأولى لهذا العام، عسانا لا نجعل هذه المناسبة فارغة من جوهرها الأساسيّ حاجبين إيّاه بالمظاهر والاحتفالات الفانية، بل لنكتسٍ بثوب الطّفولة ونهيّء قلوبنا لاستقبال ملكها، لندعّمها بالتزامنا ومواظبتنا، وبالاعتراف والمصالحة فنستحقّ هذه "الشّركة" متذكّرين دائمًا وأبدًا موت المسيح وقيامته، ولتكن مناولة كلّ ملائكة الكنيسة وعائلاتنا مباركة!