دينيّة
20 شباط 2018, 08:00

مار يعقوب النّاسك.. تلميذ مار مارون

ريتا كرم
بارّ تنسّك في جبل قورش القريب من أنطاكيا. تحت السّماء، صلّى معرَّضًا للرّياح من كلّ جانب ومثقِّلاً جسمه بالحديد، مقتاتًا من الحبوب والأعشاب. هو يعقوب النّاسك تلميذ مار مارون الّذي صنع الآيات باسم الله.

 

عنه يُخبر المؤرّخ أسقف قورش تاودوريطس، عبر كتابه "في النّسّاك"، أنّ "الشّيطان حاول مرّة أن يطرده من الجبل فأباده بصلاته، ثمّ تمثَّل الشّيطان بصورة هذا القدّيس وكان يأخذ الماء عمّن يحمله إليه ويصبُّه على الأرض، نحو خمسة عشر يومًا، حتّى كاد يميته عطشًا"، ولكن ما أن كشف يعقوب حيلته حتّى طرده وارتاح من شرّه ليرقد بالرّبّ في القرن الخامس.

اليوم، وفيما تحيي الكنيسة المارونيّة عيد هذا القدّيس، نتأمّل بعمق في فعل الإماتة الّتي قدّمها يعقوب القورشيّ لله. هو اختار أن يترك كلّ شيء وكلّ ما يضجّ فيه هذا العالم ليختلي بالرّبّ وحده، ويصغي إلى همسه تحت سمائه، متحدّيًا كلّ العوامل الطّبيعيّة، مكتفيًا بطعام قليل يبقيه على قيد الحياة من أجل أن يتمّم رسالته بين البشر.

هو ظاهرة نادرة في عصرنا وإنّما حالة تكرّرت في القرون الأولى. فكم من قدّيس ترك العالم الفاني بحثًا عن ملكوت الله في منسكة باردة لا تُدفئها إلّا كلمة الله الحيّة؟

كم تشتاق أرضنا إلى عطر قداسة هؤلاء في زمن الإلحاد والفساد هذا!

كم تحتاج قلوبنا إلى لمسة شفاء تمحو منها ما تراكم من آثام لوّثت داخلنا!

ولعلّ أنجع علاج اليوم هو بالصّوم والصّلاة. فلنستثمر إذًا هذه الأسابيع فنعيش خلوتنا من وحي سيرة القدّيس يعقوب النّاسك تلميذ مار مارون، ويكون صومنا مميّزًا وحقيقيًّا.

ليكن الصّوم فرصة للعودة إلى الذّات فيقول كلّ منّا مع الأمّ تريزا دو كالكوتا:

"هذه السّنة سأصوم لا لأنّ الكنيسة تطلب منّي، فالكنيسة ليست مصدرًا للقوانين. 
هذه السّنة سأصوم لا ليرضى الله عنّي، فالله لا يرضى بامتناع الإنسان عن الأكل.

هذه السّنة سأصوم لا لكي ينعم عليّ الله، فالله ينعم عليّ كلّ يوم قبل أن أطلب.

هذه السّنة سأصوم لا لكي يحبّني الله، فالله هو آب ويحبّ أولاده مجانًا ومن دون مقابل.

هذه السّنة سأصوم لا لكي يغفر الله خطاياي، فالله بواسطة ابنه الوحيد غفر جميع خطاياي على الصّليب وهو يغفر لي كلّ يوم بمجرّد أن أطلب منه.

هذه السّنة سيكون صومي مميّزًا وحقيقيًّا، سأصوم لكي يكون طعامي في الصّباح ليس خبزًا بل كلام الرّبّ، سأصوم لا لأروي عطشي بالماء بل بالتّسبيح للرّبّ، سأصوم لأنّني أريد من الرّبّ أن يرفع نفسي، سأصوم لكي يكون جسدي خاضعًا للرّوح، سأصوم لأنّ معلّمي صام، سأصوم لأنّه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان".