لمسة يسوع .. حرّرت الأبرص!
وفي تفسيره لهذه الآية، طرح الخوري بو عسّاف ثلاثة أفكار؛ ففي الفكرة الأولى تجاوب مع مبادرة يسوع وكسر حواجز: "فبحسب الشّريعة اليهوديّة، إنّ مرض البرص هو نتيجة محتّمة للخطيئة التي تتحكّم بالإنسان، فتجعله خارج الجماعة. وبالتّالي، الإنسان الأبرص لا يمكنه أن يخالط المجتمع لأنّ مرضه يمكن أن ينجّس الذين يدنون منه، لذلك وجب أن يوضع خارج المدينة في مكان مقفر بعيدًا عن عائلته ومجتمعه. ولكنّ حضور يسوع إلى منطقة الجليل، والمبادرة التي قام بها من خلال قربه من الأبرص جعلت هذا الأخير يتجاوب مع مبادرة يسوع ويأتي ويتوسّل إليه طالبًا الطّهارة والشّفاء. لم يأبه الأبرص للعادات والتّقاليد التي أبعدته عن مجتمعه، لم ينظر إلى مرضه كإعاقة للوصول إلى يسوع الشّافي، لم يترك الخوف ينتابه ولو للحظة ليقف عند محدوديّة وضعها المجتمع اليهوديّ. بل على العكس، تجاوب مع المبادرة وكسّر الحواجز، مستسلمًا لإرادة المعلّم، مردّدًا "إن شئت فأنت قادر أن تبرئَني" (مر 1: 40)، وهذا يدلّ على الإيمان بالطّبيب الحقيقيّ يسوع المسيح. إيمان جعله يتخطّى ضعفه ومرضه ومفاهيم النّاس". وهنا تساءل الخوري بو عسّاف "وأنت اليوم هل تقف عاجزًا أمام ضعفك وخطيئتك، قابعًا في ظلّ حكم النّاس والمجتمع؟ أم تتجاوب مع المبادرة، وتنطلق بإيمان راسخ متخطيًّا كلّ الحواجز والعوائق لتصل إلى الشّفاء الذي تريد؟"
ثمّ انتقل الخوري بو عسّاف إلى الفكرة الثّانية، وهي لمسة الشّفاء، شارحًا: "إن لمسة يسوع للأبرص لم تكن مجرّد حركة عاديّة قام بها، بل هي أعمق بكثير. فلمسة يسوع تعانق الخارج لتصل إلى الدّاخل، وتحرّره من مرض يفتك الجسد والقلب معًا. لمسة تحرّره من الخوف والنّجاسة لتدخله في مشروع القداسة، وتطهّره من عقدة ذنب ومن حكم النّاس عليه. لمسة تعيده إلى الجماعة التي تركته يعيش وحيدًا منبوذًا. لمسة يسوع هي لمسة معلّم تُعيد إلى المؤمن الحياة والطّمأنينة والعيش بكرامة في وسط مجتمع ينبذ الضّعيف والخاطىء. لمسة يسوع تحوّل النّقمة إلى نعمة، والموت إلى قيامة جديدة. ونحن اليوم وفي خضمّ الوجع والألم الذي نتخبّط فيه، وفي مرضنا الجسديّ والنّفسيّ، نحتاج إلى يد يسوع لتمتد وتنتشلنا من وهدة الخطيئة وتعيدنا إلى الحياة. نريد أن تشفي لمسة يسوع جراحنا وتضمّد أوجاعنا، وتطهّرنا من خوفنا ومحدوديّتنا."
وكان إعلان البشرى الفكرة الثّالثة التي أضاء عليها خادم رعيّة شحتول مستطردًا: "إنصرف وأخذ ينادي بأعلى صوته ويُذيع الخبر" (مر 1: 45). إن لمسة يسوع التي حرّرت الأبرص وأعادته إلى الجماعة، جعلته يعلن بشرى الخلاص إلى جماعة تحتاج بدورها إلى البشرى الجديدة. لقد أضحى الأبرص شهادة حيّة أمام من رفَضَه وألقى عليه وزر الشّريعة الجامدة. وهو لم يكتفِ بما ناله من شفاء، بل أصبح الرّسول الذي يُذيع الخبر وينشره في كلّ مكان. ونحن الذين نختبر في حياتنا اليوميّة لمسة يسوع، هل نشهد أمام الآخرين بما سمعنا ولمسنا ورأينا؟ لنجعل من تلك الاختبارات إنطلاقة جديدة في حياتنا، نعلن من خلالها فرح الإنجيل إلى أناس يشتاقون للفرح وينشدونه في حياتهم."
وختم الخوري بو عسّاف كلمته مطمئنًا ومشجّعًا إيانا قائلًا: "لا تخف أيّها الإنسان أن تبادر إلى لقاء يسوع في كلّ زمان ومكان متخطّيًا كلّ العوائق والحواجز، واترك يسوع ينتشلك بيده ويلمس قلبك وحياتك، فتنطلق من جديد حاملًا الرّجاء الصّالح لجميع الناس. آمين."