20 أيار 2014, 21:00
قصة حياة القديسة ريتا دي كاسيا
(تيلي لوميار) ولدت القديسة ريتا في روكابيرينا من مقاطعة أومبيريا في اواسط ايطاليا شمال روما. والداها تقيان فاضلان تسامت فيهما قداسة الأخلاق وحرارة التقوى والمحبة الكريمة :هما انطوان لوتـي وإيـميه فيـري. مضى زمن طويل على زواجهما وطعنا في السن دون ان يرزقهما الله ولداً.
وفيما كانت أمها يوما غارقة في تأملاتها رأت ملاكاً أكد لها وصول صلاتها إلى عرش العلي فسوف يرزقها أبنة تكون عظيمة أمام الرب. وظهر لها الملاك ثانية وطلب منها ان تدعو الأبنة مرغريتا اختصرت بإسم ريتا والذى يعنى "اللؤلؤة".
أبصرت ريتا النور في 22 أيار 1381 وقبلت سر العماد في النهار ذاته.
ذهبت والدتها ذات يوم لتعمل كعادتها فى الحقول فوضعت الطفلة تحت ظل شجرة ثم مضت لعملها ولدى عودتها كادت الأم تصعق من الذعر حيث شاهدت مجموعة من النحل تدخل فى فم طفلتها ثم تخرج منه بصورة مستمرة فخافت الأم أن تأتى بحركة ما لطرد النحل فيزداد هياجه فتمهّلت، وهنا شاهدت منظراً فريداً إذ شاهدت ان النحل كان يدخل فى هدوء ليدهن حلق الطفلة بالعسل ويخرج كما دخل وكانت الطفلة تتذوق ذلك الرحيق فى فرح.
ولقد قيل أن أحد الفلاحين وكانت يده مصابـة مرَّ بجوار الطفلـة وعندما شاهد النحل حاول أن يبعده بيده الـمصابـة وهنـا تـماثلت يده بالشفاء بطريقـة عجائبية.
ولقد قيل أيضاً أن النحل الذى كان بقريـة "كاشيـا" ظلّ لأكثـر من خمسمائة عام يأتـى لنفس الـمكان خاصـة فـى عيد القديسة ريتـا حتى أن أحد الباباوات فى القرن السابع عشر (Pope Urban VIII) قد تأكد من ذلك وإعتبـر هذا بـمثابـة إعلان إلهـي دائـم عن عظمـة تلك القديسة .
وما كادت تبلغ ريتا سن التميز حتى بانت عليها أشعة الفضيلة وقد امتازت بخضوعها وطاعتها السريعة وبعاطفة حشمة رقيقة وبعطش لايروى إلى معرفة الله وسيدنا يسوع المسيح.
ولـما بلغت الثانية عشرة من عمرها رغبت الإلتحاق بالرهبنة، غير ان والديها عارضاها لأنها سندهما الوحيد فى شيخوختهما وراحا يتوسلان بالدموع اليها لكى ترجع عن رغبتها فوقعت ريتا فى حيرة شديدة ولكنها التجأت الى الله وجثت أمام الصليب طالبة منه الحكمة فألهمها الرب بأن تطيع والديها فقامت ولسانها يردد مع السيد الـمسيح "لتكن مشيئتك لا مشيئتي".
اما والداها فخوفا من ان تعدل عن فكرها قررا فى الحال تزويجها وإختارا لها عريساً هو "بول فريناند مانسيني" وكان يعـمل عسكريـا. ولم يكن اختيارهما موفقا لأن عريسها كان حاد الطباع ويثور عليها دائما بالشتائم والضرب العنيف وكانت تتحمل كل ذلك فى إستسلام ملائكي وتصلي لله من أجله.
رزقت منه بولدين هما جان جاك وبول ماري، ولكنهـما للأسف كانا قد ورثا عن أبيهما شراسة الطبع وكان قلب الأم يعاني من الآلام والهموم بسبب ميولهما الـمنحرفة علـماً بأنهـا كانت تلجأ لكل الوسائل لكي يظل ولداها سائرين فى خوف الله. ولقد قضت القديسة ريتا السنين الطوال فى قلق متواصل لأجل خلاص ولديها. وذات يوم فوجئت بجثة زوجها بعد أن قتل وقد قيل أنـه قُتل بأيدي أعدائـه أو نتيجة خطأ، وأخذت تصلي من أجل خلاص نفسه وقد غَفَرت للقتلة ولكن ولديها أصرّا على الأخذ بالثأر والإنتقـام، فأخذت تتوسل اليهما ان يتركا هذا الأمر فلم توفّق، فصرخت للرب أن يأخذهما اليه ولا يسمح لهما بإقتراف هذه الجريـمة. ولم يـمض على ذلك أيـامٌ حتى مرض ولداها وماتـا بعد ان تزودا بالأسرار الـمقدسة ولم يتمكنا من الأخذ بالثأر. وعلى أثر ذلك الإنقلاب غير الـمنتظر وجدت القديسة ريتا نفسها وحيدة ولازمت منزلها تواصل صلاتها وحّن قلبها ثانيـة للإلتحاق بالرهبنة ودخول الدير.
وكان بالقرب من كاشيا دير لراهبات القديس اغسطينوس، إشتهر فى تلك الـمنطقة بكمال الحياة الرهبانية، فقصدته القديسة ريتا ولكن يـا لخيبة أملها رُفِضَ طلبهُا لأن قانون الرهبنة يـمنع دخول الـمتزوجات أو الأرامل، ولكنها كررت طلبها هذا ثلاث مرات ولكن دون فائدة.
حياة القديسةريتافيالدير
لكن الله القدير دبر لها أمر دخولها الى الدير بصورة خارقة، إذ نقلها الى الدير ليلاً، ووجدتها الراهبات صباحاً في قاعة الدير بطريقة مدهشة. فلم يسع الراهبات إلا الرضوخ لإرادة الله، وقبلن ريتا في الدير سنة 1406.
لقد تحققت امنية ريتا، وبعد سنة الابتداء، أبرزت نذورها الرهبانية.
ذات يوم، قصدت الرئيسة أن تمتحن طاعتها فأمرتها أن تسقي عوداً يابسا كل صباح و مساء وكان غصن كرمة معداً للنار فامتثلت لأمر الرئيسة و جعلت تسقيه صباحاً ومساءً ببساطة مدهشة وظلت على هذه الحالة سنة كاملة والراهبات ينظرن إليها مبتسمات وقد يكون ذلك تخشعاً أو تهكماً. وفي أحد الأيام نظرت الراهبات باندهاش و حيرة عندما رأين الحياة تدب في العود اليابس الذي نما كرمة عجيبة أعطيت في حينها عناقيد يانعة لذيذة ولاتزال إلى الأن في بستان دير كاسيا شاهداً على طاعة الأخت ريتا فيبارك الكهنة أوراقها وعيدانها المطحونة ويستعملها المؤمنون مع الصلاة أكراما للقديسة فينالون نعماً كبيرة وخصوصاً شفاءات عجيبة.
ان ريتا كانت منذ نعومة أظفارها تشعر بميل قوي إلى الآم المخلص بل كانت الآلام دائماً موضوع تأملاتها. فكانت تحب أن تختم بصليب المخلص على مثال القديس فرنسيس الاسيزي لكنها لم تعتبر ذاتها أهلا لهذه النعمة الفريدة فاكتفت أن تتاملها تأملا كان يفقدها الشعور وكانت الراهبات يحسبن أنها ماتت وكانت مرة جاثية أمام صورة المصلوب توسلت بحرارة الى المعلم الإلهي لكي يشركها في أوجاعه و للحال طارت شوكة من أكليل المصلوب وانغرست في جبينها، اذاقتها ألما شديداً حتى أغمي عليها وكادت تموت.
تحول جرح ريتا إلى قائح منتن، فلكي لا تزعج الراهبات برائحتها الكريهة التزمت أن تتزوى في غرفة بعيدة حيث كانت راهبة تأتيها بالقوت الضروري. وحملت الجرح الشديد مدة خمس عشرة سنة ولم تشعر بخفة الوجع حتى في نومها فقاست كل ذلك ليس بصبر فقط بل بالشكر الجزيل للذي أهلها لأن تشاركه في ألامه الفدائية.
بعد ان نذرت ريتا نذورها الاحتفالية شاهدت وهي غارقة في التأمل سلما يصعد من الأرض إلى السماء وفي أعلاه سيدنا يسوع المسيح وهو يدعوها لتصعد السلم.
انتشرت أخبار وساطتها لدى الله ومقدرتها على قلبه تعالى فأسرع إليها القاصي والداني وكانت بصلواتها تنال عجائب الأهتداءات والشفاءات العجيبة.
ولم يهادنهـا الألـم إلا فى سنة 1450 وهى سنة اليوبيل الـمقدسة حيث يتم كان يتم الإحتفال به فى ذلك الوقت كل خمسون عامـا بزيارة رومـا للصلاة وطلب الـمغفـرة من الله. وكان هذا فى عهد البابا نيقولا الخامس، إذ توسّلت القديسة ريتا إلى رئيستها أن تأذن لها بالسفر مع إخواتها الراهبـات الى روما لحضور حفلات اليوبيل، فكان جواب الرئيسة "أطلبي الشفاء من جرحك فإن تحقق يـمكنك الـمجئ"، فرضخت القديسة لهذا الأمر وراحت تصلي للرب يسوع أن يـمنحها هذه الفرصة، وفى الحال وبـمعجزة إلهية إلتأم الجرح فى الحال وهكذا تسنّى للقديسة أن تذهب إلى رومـا، غير أنـها لدى عودتها لم تكد تغلق ورائها باب الدير حتى عاد الجرح للظهور ثانية وبصورة أشنع مـما كان قبلا.
ولـما بلغت القديسة ريتا الثانية والسبعين من العمر سـمحت العناية الإلهية أن تبقيها لأربع سنوات أخرى راقـدة على فراش الـمرض تعانى مرضاً مؤلـماً للغايـة، لم تستطع معه أن تبتلع طعاماً أيـّا كان حتى أصبح القربان الـمقدس هو غذاءها الوحيد طوال هذه الـمدة ومع هذا كان فرحهـا عظيـماً بكل هذه الآلام.
وذات يوم زارتها أثناء مرضها، إحدى قريـباتها