دينيّة
13 حزيران 2017, 05:32

قدّيسو اليوم: 13 حزيران 2017

تذكار القديس انطونيوس البدواني (بحسب الكنيسة المارونية) ولد هذا القديس في مدينة لسبونه، عاصمة مملكة البرتوغال سنة 1195، من اسرة غنية، تقية. ولما كبر دخل رهبانية القديس اغوسطينوس وصار قدوة للفضيلة والعلم فيها لا بل عَلَماً من اعلامها. غير ان اهله عارضوه في دعوته فنقل الى دير آخر.

 

وفي ديره الجديد، زاد تفرغاً لعبادة الله واقتباس العلوم. ثم نقل الى رهبانية مار فرنسيس. وحضر مجمع رهبانيته الذي عقده القديس فرنسيس. وفي سنة 1222 رقي الى درجة الكهنوت وخطب الخطبة المعتادة، اطاعة لرئيسه، وكان لخطابه وقع شديد، فأمره القديس فرنسيس بالقاء الوعظ. فتهافت الناس لسماعه فارعوى بكلامه كثيرون من الخطأة والكفرة الىالتوبة.

وانتُدب الى علم اللاهوت في مدن كثيرة من ايطاليا، وفرنسا، فطارت شهرته بعلم اللاهوت كما بالوعظ، وقد اجرى الله على يده آيات باهرة.

ثم سار الى بادوا وعكف على القاء المواعظ. واذ كانت الكنائس تضيق بالسامعين، كان يعظ في الساحات والحقول. ومع كثرة اعماله هذه الرسولية، لم يكن ينفك عن ممارسة انواع الاماتات والاصوام والصلوات، فسقط كالجندي في ساحة الوغى، واسلم روحه بيد الله في 13 حزيران سنة 1231 وهو في السادسة والثلاثين من عمره. وانتشرت عبادته، فعمت الدنيا. وهو الشفيع للملايين. والناس يلتجئون اليه، خاصة، في اخطار الغرق وضياع الاشياء.

وقد احصاه الكرسي الرسولي، بعد وفاته بسنة، في مصاف القديسين في عهد البابا غريغوريوس التاسع. صلاته معنا. آمين.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً: تذكار الشهيدة أكويلينا الجبيلية

عاشت اكويلينا في اواخر القرن الثالث 281. وقد تلقنت مبادئ الديانة المسيحية وتعمدت من يد اوتاليوس اسقف مدينتها بيبلوس، حتى اضطرم قلبها بمحبة الطفل الالهي وهي ابنة اثنتي عشرة سنة. فأخذت تسعى في نشر عبادته بين مواطنيها فآمن منهم عدد وافر. فسمع بها الحاكم فولوسيانس، فاستحضرها وسألها عن ايمانها، فأجابت" انها مسيحية" فحنق الحاكم واخذ يتهددها ليحملها على الكفر بالمسيح فلم تأبه له. فأمر الجند فصفعوها على وجهها، ثم جلدوها جلداً قاسياً حتى سالت دماؤها. فسألوها وهي في بحر من الدم، ان تكفر بالمسيح، فتحيا. فلم تجب بغير دمائها المسفوكة من اجل المسيح.

واذ رآها الحاكم ثانية في ايمانها، امر فأدخلوا في جسمها النحيف سياخاً حديدية محمية فوقعت على الارض مغمياً عليها. فظنوا ضحيتهم قد ماتت، فحملوها ورموها خارج المدينة. فجاء ملاك الرب وضمد جراحها وشفاها وقادها الى دار الولاية.

فما وقع نظر الحاكم عليها حتى دهش وظن انه في منام، فأمر بطرحها في السجن. وفي صباح الغد امر بقطع رأسها، فدخل اليها السياف فوجدها قد ماتت.

وهكذا نالت اكليل الشهادة سنة 293. وقد اجرى الله على قبرها معجزانت كثيرة. ثم نقلت ذخائرها المقدسة الى القسطنطينية. صلاتها معنا. آمين.

 

القديسة الشهيدة أكّلينا الجبيلية (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)

هي ابنة أحد أعيان جبيل الفينيقية، المدعو أفتولميوس. عمّدها في سنّ الخامسة الأسقف أفتاليوس. شرعت ، منذ سنّ العاشرة، تعلّم أقرأنّها كيف يتحوّلون عن الأوثان ليلتصقوا بالمسيح الربّ. بلغ خبرها أذني رجل اسمه نيقوديموس، أحد الغيارى على الوثنية. نقل هذا خبرها إلى الوالي فولوسيانوس وأقنعه بأنّها، رقم صغر سنّها، تشكّل خطراً على عبادة الأوثان في المدينة. جرى القبض عليها وأخضعت للاستجواب. اعترفت باسم الرّب يسوع المسيح المخلّص. موقفها وجسارتها أغاظا الوالي فأمر بضربها بالسياط وأدخل في أذنيها مخارز محمّاة بالنار. أُغمي عليها فظُنّ كأنّها على وشك أن تلفظ أنفاسها. أُخرجت وأُلقيت في موضع القمامة. جاء ملاك من عند الربّ وأعأنّها. قامت على رجليها صحيحةً معافاة. دخلت خلسةً دار الولاية رغم تزنيره بالحرّاس. بلغت خدر فولوسيانوس. صحا من نومه، فجأةً، فألفها أمامه. أصابه الذعر واستدعى الحرّاس ظنّ أن في الأمر سحراً. ألقاها في السجن. في اليوم التالي جرى قطع رأسها. قيل رقدت بالرّب قبل ذلك.

نُقلت رفاتها فيما بعد إلى القسطنطينية حيث أُحيطت بإكرامٍ جزيل. ورد أنّ عجائب جمّة جرت برفاتها. كان استشهادها بين أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع للميلاد.

 

تذكار القديسة الشهيدة أكيلينا (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)

كانت أكيلينا إبنة إثنتي عشرة سنة، حديثة السن، ناعمة الجسم سليمة الطوية. وكانت مسيحيّة، أي ملاكاً أرضيّاً نظير أترابها من البنات الصغيرات، اللواتي لا يعرفن من الدنيا ومن مطامعها ومن سياستها ومن شرورها سوى زهرةٍ يتزيّن بها، أو فراشةٍ يركضن وراءها أو تسبحةٍ ملائكيّة يقمن بإنشادها.

فقُبض عليها بتهمة أنّها مسيحيّة. يا للجناية الكبرى! فقادها الجند أمام الحاكم فولوسيانس في بلدة ببليس في فلسطين. فسألها الحاكم عن إيمانها، فاعترفت بالمسيح وأجابت بوداعة الطفولة، كما لو كانت أمام معلّمتها تجيبها عن أسئلة درسها. فتظاهر الحاكم بالغضب، وأرعد وأزبد، لكي يخيف تلك الفتاة الصغيرة فيحملها على الكفر بالمسيح. ولكن كيف تكفر بطفل المغارة الوديع الحبيب، الذي عشقته منذ كانت مثله؟ كيف تكفر بإله القربان وهو بهجة حداثتها وحارس طهارتها وغذاء قلبها؟ لا، لا يمكن أن تكفر به، وأن غضب الحاكم، وأن رفع صوته، وأن زمجر كوَحش ضارٍ.

فما كان من ذلك الذئب إلاّ أن انقضَّ على تلك النعجة الصغيرة البريئة الساذجة وأخذ يمزّقها بأنيابه. فأمر بها الجند، فصفعوها على وجهها، ثم جلدوها بقساوةٍ وشراسةٍ حتى أسالوا دماءَها. ولمّا أصبحت مخضّبة بدمها سألوها هل تكفر بالمسيح. ولكن أنّى لها أن تكفر بمن تحبّه وتسجد له في صباحها ومسائها، وتناجيه في خلوتها حتى في أحلامها. ثم أنّها لم تستطع أن تدرك لماذا يطلبون منها أن تكفر به، بل كان عجبها عظيماً كيف الحاكم نفسه لا يحبّه ، وكيف أولئك الجلاّدون البرابرة لا يعترفون به كما تحبّه هي وتعترف به.

فلمّا رآها الحاكم ثابتة على إيمانها أمر أن يحمّوا السياخ الحديديّة ويدخلوها في جسمها النحيف الغض، حتى يظفر برضاها وباستسلامها لأوامره. ففعلوا. فوقعت تلك الطفلة الناعمة على الأرض وغابت عن الحواس. فظنّوها قد ماتت أو أوشكت أن تموت، فحملوها ورموها خارج البلدة مع الأقذار.

وكان الرب يسوع، الذي قال "دعوا الأطفال يأتون إليَّ"، ينظر إلى تلك الدماء الجارية وذلك الجسم المهشّم حبّاً له ولأجله، وقلبه يتهلّل طرباً. وكان ذلك المنظر وذاك الملاك الطاهر المطروح على الأرض قد أنساه كل آثام الدنيا ومعاصيها. فأرسل ملاكه من السماء وأنهض تلك الفتاة من سباتها، وشفاها وأمسك بيده وقادها من جديد إلى دار الولاية. وما كاد الوحش فولوسيانس يراها حتى بُهت وظنَّ نفسه في منام. فأمر أن يطرحوها في السجن. وفي صباح اليوم الثاني، بدل أن يطلق سبيلها ويدعها تنعم بالحياة ويتركها وشأنها تعبد من تشاء وتقف قلبها لمن تهوى أمر أن تقطع هامتها. فدخل إليها السيّاف ليجزّ عنقها فوجدها قد ماتت، وطارت، حمامةً صغيرة نقيّة، إلى الأعشاش العلوية، لتنعم مع الملائكة بمحبّة المسيح إلى الأبد. إلاّ أن الجلاّد، رغم ذلك، رمى عنقها، فسال منه بدل الدم لبن أبيض صافٍ، دلالة على نقاوتها وبتولتها.

فمن ذا لا يمجدّ الآب والإبن والروح القدس، الذي يزيّن الأرض بأزهار كهذه بهيّة فوّاحة. أن هذه الفتاة الشهيدة أكيلينا ستبقى على مدى الدهر زينة الإنسانيّة، وفخر الكنيسة، وبهجة الملائكة، ونعيم قلب الفادي الإلهي زعيم الحب والتضحية.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً: القديس أنطونيوس البادوي العجائبي

ولد أنطونيوس في مدينة لسبونة، عاصمة مملكة البرتغال، سنة 1195. وكان أبواه من أشراف تلك البلاد ومن أغنيائها. ويقال ان أباه مرتينس دي بويون هو من عشيرة قائد الحملة الصليبيّة، وكنت أمّه ماريّا تيريزا دي تافيرا سليلة أشرف أشراف بلاد أسبانيا والبرتغال. ومن أسرتها خرج أساقفة وكرادلة وقوّاد وحكّام.

وكانت التقوى زينة ذلك البيت.

 فنشأ الولد على التقوى، وتعشّق منذ الطفوليّة كل ما هو إلهي ، فكان يجد نعيمه أمام الهياكل، يخدم في الحفلات كصموئيل النبي، ويصلّي بخشوع كأنّه ملاك هبط من الأعالي.

وكبر أنطونيوس وبرع في علوم عصره، وأقبل بكل قواه على تعلّم الفلسفة. وجمع هذه الثقافة العالية والميزات الكبرى طلعةً مشرقةً، فتعشّقه الناس، وباتوا يعلّقون عليه أعظم الآمال.

وامتاز أنطونيوس منذ حداثته بعواطف رقيقة، وشفقة على شدائد القريب صادقة. ويقول  فيه أحد كتبة سيرة حياته: "كان أنطونيوس يتمنّى لو يُعلّق على الصليب بدل فاديه الإلهي. وكان يشتهي أن يتألّم ويجوع ويعرّى عوضاً عن قريبه، وكان يقدّس شرائع بلاده ووصايا والديه. وكان وقوراً مع الأساقفة والكهنة، شغوفاً بطهارة قلبه وجسده، محبّاً للصمت، وديعاً متواضعاً، دائباً على الأماتة والاصوام. وكان يكره الكذب، ويأنف من المزاح. ولم يكن يُعجب بنفسه، ولا يتعالى على قريبه.

فشمل الرب بأنظاره هذا الفتى المزيّن بأجمل الكمالات، واختاره  ليكون رسول قدرته ورحمته على الأرض. فرغب أنطونيوس في الحياة الرهبانيّة، ودخل في دير لرهبان القديس أوغسطينس، وقام يجدّ في طريق الفضائل.

فوجد أنطونيوس نعيمه في هذا الدير العظيم. وكان إبن ست عشرة سنة لمّا لبس ثوب المبتدئين، وعزم أن يكون راهباً بكل ما في هذه الكلمة من المعاني السامية، بالصلاة والإماتة، حتى أضحت حياته حياة الملائكة في السماء. وما لبث أن صار مثالاً لجميع الرهبان، وقدوةً  رائعةً للشبّان. فأخذ الناس في لسبونة يتحدّثون بإعجاب عن هذا الشاب الشريف الغني المثقّف الذي زهد في الدنيا وخيراتها، ليلبس ثوب الفقر والتواضع والطاعة والبتوليّة. فكان بعضهم يعجبون به وبشهامته، وبعضهم يأسفون على ما كانوا يدعونه ضياع شبابه وعلمه وثروته.

وكثر الإلحاح عليه من أقاربه وأصحابه إلى حدّ المضايقة والإضطهاد. فصمّم على الرحيل من ذلك الدير، والإبتعاد عن هذا المحيط المزعج.

وجاء مدينة كوئنبر ودخل في دير للرهبان الأوغسطينيين هناك. فقبلوه على الرحب والسعة. فوجد أنطونيوس في خلوته الجديدة السلام وراحة الفكر والطمأنينة. ولم يمضِ عليه زمن وجيز حتى فاق الجميع بفضائله وعقله، فأحبّوه وتعلّقوا به.

فنظر الرب بعطف إلى هذه الفضيلة الصادقة، وبدأ ينثر العجائب الباهرة بين يديه. أمّا أنطونيوس فصار كلّما أكثر له الله النعم إزداد هو تواضعاً وإماتة وتجرّداً. فكان يوماً يخدم أحد الرهبان المرضى، وكان هذا يتألّم كثيراً، ويصرخ صراخاً متواصلاً منكراً. فعلم أنطونيوس بروح الرب أن هذا الداء من فعل الشيطان. فنزع عنه رداءه وألقاه على المريض، فشفي للحال وزال عنه الألم، وعاد إلى الهدوء والسكينة.

وقضى أنطونيوس في هذا الدير نحو عشر سنوات، أضحى فيها علَماً من أعلام القداسة، وأستاذاً بارعاً في العلوم اللاهوتيّة، ومرشداً أميناً في إدارة النفوس والسير بها في الطرق الروحيّة الصحيحة النيّرة. إلاّ أن الرب كان في أسراره الغامضة قد أعدّه ليكون رسولاً كبيراً في رهبانيّة غير الرهبانيّة الأوغسطينيّة. كان يريده لا لحياة الدير الصامتة الروحيّة فحسب، بل لحياة الجهاد والعمل والمواعظ والأسفار.

كان القديس فرنسيس الأسيزي السيرافي قد أنشأ في تلك الأيام رهبانيّة جديدة، فأرسل القديس فرنسيس هذا بعضاً من رهبانه إلى مملكة البرتغال ليبدأوا هناك بنشر الرهبانيّة الفرنسيسيّة، ويكونوا رسلاً لتلك البلاد المسيحيّة. فأتيا وأنشآ ديراً لهم في مدينة كوئنبر، على مقربة من دير الآباء الأوغسطينيين، حيث كان أنطونيوس يذهل الجميع بفضائله وعجائبه. فشاد هذا القديس يوماً في رؤيا سماويّة نفس الأب غوتييه الفرنسيسي تصعد إلى السماء، طائرة بأجنحة كبيرة إلى الأعالي. فأثّر هذا المشهد في قلبه تأثيراً عميقاً. ثم رأى أولئك الآباء الفرنسيين يأتون حيناً بعد حين إلى الدير الذي هو فيه يطلبون صدقة، ورأى ما هم عليه من الفقر والوداعة والتواضع، فراقت له حياتهم وطريقتهم ومسكنتهم.

وبعد زمان قليل إستقبلت بلاد البرتغال بإحتفال مهيب ذخائر الآباء الفرنسيسيين الخمسة الذين سفكوا دماءهم في مراكش من أجل المسيح، ونالوا إكليل الإستشهاد. فأضطرمت في قلب أنطونيوس نار المحبّة الإلهيّة، وتاقت نفسه هو أيضاً ليجود بدمه وحياته من أجل الفادي الإلهي. ورأى أن خير وسيلة لذلك هي أن يدخل في رهبانيّة القديس فرنسيس، فظهر له القديس فرنسيس الأسيزي نفسه، وقال له أن الله يأمره بأن يدخل في رهبانيته لأنّه تعالى يدعوه إلى التفاني في خدمة النفوس المشتراة بدم إبنه.

فلم يتردد أنطونيوس لحظة في إتّباع أوامر الرب. فدخل أنطونيوس في هذه الرهبانيّة الجديدة الجليلة، وقلبه يشتعل بنار الحب للسيّد المسيح معلّمه الإلهي، وبالشوق إلى سفك دمه في سبيله. فقضى أيام الإبتداء في أعمال الصلاة والتأمّل والطاعة والتواضع، وإعداد نفسه للرسالة المجيدة.

ولمّا أبرز نذوره طلب إلى رؤسائه أن يأذنوا له في الذهاب إلى بلاد المغرب ليبشّر هناك بالمسيح، آملاً أن ينال في تلك البلاد إكليل الإستشهاد. فسمحوا له بذلك، وأقلع إلى بلاد مراكش. لكن الله كان قد دبّر له غير هذا التدبير. كان يريده رسولاً في الممالك والإمارات المسيحيّة، ليحمل جماهير المؤمنين الخطأة على الرجوع إلى الله بالتوبة. فابتلاه بمرض شديد إضطرّه  أن يعود من حيث أتى. إلاّ أن زوبعة هائلة ثارت على سفينته، فحطّتها على شواطىء جزيرة صقليّة. ومن هناك أرسله رؤساؤه إلى أحد ديورة إقليم بولونيا، حيث كان انفرد جمهور من الأخوة الرهبان النسّاك، ليخدمهم في روحياتهم، ويقوم بتوزيع الأسرار الإلهيّة عليهم.

وأن أنطونيوس، رغم ما كان يصبو إليه من خدمة النفوس، وما كان عليه من علمٍ واسع وفصاحة نادرة، لم يأنف من دفن مواهبه على تلك الرابية الموحشة، ما بين جماعة قليلة من النسّاك، بل انتهز تلك الفرصة الثمينة ليستزيد من الفضائل الرهبانيّة، ومن أعمال الصلاة العقليّة، ولكي يتعمّق في درس الكتاب المقدّس وسائر العلوم اللاهوتيّة والروحيّة. فقضى سنة كاملة في تلك الخلوة، يمارس أسمى الفضائل النسكيّة.

وقدّر الله لأنطونيوس أن يدعوه يوماً رؤساؤه ليخطب في احتفال عظيم، في مدينة فورلي. فظهرت مواهبه وأشرقت أنواره فخلب المسامع بفصاحته وطلاقة لسانه، وسديد علمه وقوّة إيمانه.

ومنذ ذلك اليوم بدأ أنطونيوس حياته الرسوليّة العظيمة التي أدهشت الدنيا، وقادت الملوك والشعوب، والأغنياء والفقراء حتى القتلة واللصوص، إلى أقدام المخلّص، صاغرين تائبين.

وفي سنة 1223 وكّل إليه القديس فرنسيس، علاوةً على الوعظ والإرشاد، مهمّة تعليم اللاهوت للأخوة الفرنسيسيين. فقام أنطونيوس بهذه المهمّة قيام الراهب الذي يقدّس الطاعة، وأخذ يعلّم اللاهوت بكل مقدرة وجدارة. فطار صيته في الآفاق، كما أن المؤمنين كانوا يزدحمون حول منبرة ليلتقطوا درر مواعظه.

وقام أنطونيوس بمهام التعليم والوعظ في معظم مدن إيطاليا الشماليّة وفرنسا الجنوبيّة. إلاّ أنّه كان كلّما ازداد شهرة ازداد تواضعاً وإماتة وأصواماً وصلاةً، واتّحاداً بالله، وازدراء بالدنيا.

لقد كان سرّ نجاح هذا الرسول الناري والواعظ العظيم في قداسته. لأنّه مارس طوال حياته أسمى الفضائل المسيحيّة، وتحلّى بأكمل الكمالات الإنجيليّة. فبارك الله رسالته، حتى أضحت حياته أعجوبة من عجائب الدنيا.

وكانت له عبادة بنويّة صميمة للبتول مريم. فكان يشيد في مواعظه بمدائحها، ويبالغ في إكرامها، ويدعو الناس إلى عبادتها وطلب شفاعتها.

وكان أنطونيوس شديد الغيرة على خلاص النفوس، ينظر إلى دم المخلّص الذي سُفك من أجلها، ويتفانى في خدمتها. لذلك منحه الله صنع العجائب، مكافأة له على محبّته وغيرته، وعوناً على نجاح رسالته. فكان يعرف الضمائر ويتنبّأ عمّا سوف يحدث للكثيرين في مستقبل حياتهم.

وفي سنة 1231 كان أنطونيوس قد بلغ السادسة والثلاثين من عمره. لكن المتاعب والأصوام والأسهار والمواعظ كانت قد نهكت قواه، حتى صار هيكلاً عظيماً واقفاً، لا حياة فيه سوى النور الذي كان يشع من عينيه ومن فمه. فدعاه الكردنال رينال ليعود إلى مدينة بادوا لإلقاء مواعظ الصوم والقيام بتعليم اللاهوت كعادته.

فقام بإلقاء المواعظ بفصاحته المعهودة وغيرته المألوفة، فكانت تلك المواعظ الأخيرة خير ما خرج من فمه ومن قلبه.

وبقي هذا البطل يعظ ويرشد ويعلّم ويطوف المدن والقرى ويصنع العجائب الكثيرة، ويمارس أنواع الإماتات والأصوام، ويسهر في الصلاة، حتى خانته يوماً قواه، فسقط على الأرض ولم يعد يستطيع أن يمشي. فحُمل, أُلقي على سريره. وما هي أيام معدودة حتى كان على أبواب الموت. فقبل الأسرار الإلهيّة بتقوى ملائكيّة، ثم رقد بالرب بسلام في 13 حزيران سنة 1231، وهو في السادسة والثلاثين من عمره. 

 

استشهاد ثاؤذورس الراهب (بحسب الكنيسة القبطية)

في مثل هذا اليوم استشهد القديس ثاؤذورس الراهب. وقد ولد بمدينة الإسكندرية وترهب بأحد الأديرة القريبة منها فاشتهر بالسيرة الطاهرة والنسك الزائد، ولما مال قسطنديوس ابن الملك البار قسطنطين الكبير إلى الأريوسين أرسل بطريركا أريوسيًا إلى الإسكندرية يسمي جورجيوس مصحوبا بعدد من الجنود. فنفي القديس أثناسيوس بابا الإسكندرية وجلس مكانه بعد أن قتل كثيرين من المؤمنين فغار هذا القديس غيرة مسيحية وأخذ يجادل الأريوسين ويكشف ضلالهم. فقبض عليه البطريرك الدخيل وعذبه كثيرا ثم أمر بربطه في أرجل حصان جموح وإطلاقه في الميدان فتقطعت أعضاؤه وتهشم رأسه وأسلم روحه في يدي الرب ونال إكليل الشهادة، فجمع المؤمنون أعضاءه المقدسة ووضعوها في تابوت ورتبوا له عيدا في مثل هذا اليوم.

صلاته تكون معنا. ولربنا المجد دائما. آمين.

وفي مثل هذا اليوم ايضاً : استشهاد أربعة أراخنة من أسنا

في مثل هذا اليوم استشهاد أربعة أراخنة من أسنا (اوسافيوس وباخوش وهرواج وسامان).صلاتهم تكون معنا ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين.