دينيّة
12 حزيران 2017, 05:30

قدّيسو اليوم: 12 حزيران 2017

تذكار البار أبوفوريوس (بحسب الكنيسة المارونية) قد كتب سيرة هذا الناسك القديس بفنوتيوس، تلميذ القديس انطونيوس الكبير، فقال:" خرجت يوماً الى برية تيبايس، مفتقداً ومسترشداً نساكها. فسرت اياماً الى ان ظهر امامي شيخ لا ستر عليه سوى شعره يغطي جسمه، ولخوفي منه، صعدت الى تل هناك. فتبعني، لكنه لم يتمكن من الصعود الى التل لانهزاله. فناداني:" لا تخف فأنا انسان نظيرك، انزل". فنزلت وسألته من هو وما شأنه؟ فقال:" ان عناية الله ارسلتك الي. اسمي انوفوريوس ولي في هذه البرية سبعون سنة. وقد كنت راهباً في تيبايس. استأذنت الرئيس وجئت هذه البرية فقادني الرب الى ناسك شيخ آواني في قليِّته. ثم قادني الى مغارة هناك، بجانبها شجرة بلح، وقال لي: هذا هو المنزل الذي اعده الله لك، فعشت هناك اتحمل الضيقات والمشاق من حر وبرد وعري وجوع وعطش. اقتات من ثمار النخلة وعشب الارض".

 

ثم قضيا ليلتهما بمناجاة الله وفي الغد اخذ بالصلاة والتسبيح وخرّ بوَجهه على الارض واسلم روحه بيد الله سنة 402. صلاته معنا. آمين.

 

القديس البار أونوفريوس المصري (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)

هو ابن ملك الفرس. إثر ولادته التي حصلت بعد سنين طويلة من الصلاة، تلقّى والده إعلاناً إلهياً أن يعمّده باسم أونوفريوس وإن يقتاده، على الأثر، إلى دير في مصر مكرّساً لخدمة الله. في الطريق، أرضعته ظبية واستمرّت تُرضعه إلى سنّ الثالثة. في هذه الشركة المثالية نشأ الولد على مخافة الله ومحبّة الوصايا كُلَّها. كان يحلم بالاقتداء بإيليا النبي ويوحنا المعمدان. أرشده ملاكه الحارس إلى مغارة كان يعيش فيها ناسك من أصل يهودي اسمه هرمياس. هذا أطلعه، خلال أيّام، على طريقة عيش النساك ثمّ أخذه إلى موضع جهاده، بقرب نخلة وينبوع ماء صافية. مذ ذاك جعل يفتقده مرّة في السنة إلى أن رقد.

في هذا المكان خاض القدّيس أونوفوريوس، على امتداد سبعين سنة، حرباً لا هوادة فيها ضدّ الطبيعة وضعف الجسد والشياطين. كابد الحرّ اللاهب وصقيع الليل والشتاء والجوع والأمراض ليحظى بالخيرات الموعود بها من الله للذين يحبّونه.

بعد هذه الحياة الملائكية التي عاشها قديس الله، رقد بالرّب بسلام، بعد أن صلّى وتمدّد على الأرض حيث منّ الله عليه بمعرفة ساعة انتقاله. فقد أضاء وجهه وفاح الطيب في المكان. إثر انتقاله، جاء أسدان وحفرا خندقاً لجسده، حيث وضعه فيه كاتب سيرته القدّيس البار بفنوتيوس الذي كان وحيداً مع القدّيس أونوفريوس وعاين ساعة رُقادهِ المهيبة.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : القديس البار بطرس الآثوسي

كان جندياً في الفرقة الخاصة في الجيش البيزنطي. خلال حملة عسكرية وقع أسيراً بيد العرب في سوريا وألقي في سجن سامراء في العراق. عاد إلى نفسه وتذكر أنه نذر، يوماً، أن يصير راهباً. تاب ورجا القديس نيقولاوس أن يعينه واعداً أن يترهب في رومية إذا ما أطلق سراحه. وبعد أسبوع قضاه في الصوم والصلاة المتواترة ظهر له القديس نيقولاوس، في مناسبتين، وحثه على المثابرة بالصلاة لكي يحظى بمراحم الله غلاباً.في المرة الثالثة، ظهر له برفقة أحد القديسين وأعلن له أنهما باتحاد صلاتهما من أجله حظيا له بالعتق. وبالفعل لمسا قيوده فانحلت فاقتاداه إلى خارج السجن. وقيل أبان له القديس نيقولاوس السبيل إلى رومية حيث ترهب وأُعطي اسم بطرس. أمضى هناك بعض الوقت تلقن خلاله مبادئ الحياة الرهبانية ثم عاد إلى الشرق.

خلال رحلة العودة اكتفى بطرس بالقليل من الخبز وشرب ماء البحر. شططت السفينة في مرفأ في كريت للتزود بالمؤن. هناك شفى بطرس بصلاته عائلة أصابها وباء قاتل. وذات ليلة، إذ كانت السفينة راسية في مياه هادئة، عاين والدة الإله في المجد ومعها القديس نيقولاوس يرجوها أن تكشف لمحميه مكاناً موافقاً يسلك فيه في حياة مرضية لله. فأجابته: "لن يجد راحة سوى في جبل آثوس، على حدود الشرق والغرب. هذا ما وهبني إياه ابني وإلهي حتى كل من يعتزل العالم وهمومه يقدر أن يخدم الله بلا تشتت. ومن الآن فصاعداً سوف يدعى هذا الجبل "الجبل المقدس" و"حديقتي" وسيعمر يوماً بالرهبان. ولكل الذين يصمدون، بصبر، في وجه التجارب والضيقات ويمجدون اسم ابني، سوف أكون معينة وحليفة في الجهادات وطبيبة وعزاء في هذا العالم، وسأدافع عنهم في اليوم الأخير لينالوا غفران الخطايا.

وما أن وصلت السفينة إلى قبالة رأس آثوس الجنوبي حتى تسمرت في موضعها وأبت أن تتحرك رغم كون الأهوية مؤاتية. وإذ استعلم القديس عن اسم ذلك الجبل كشف لرفاقه أن عليه أن يغادرهم ليستقر فيه. وبشق النفس والدموع تركوه يذهب لأنهم كانوا قد أحبوه. فلما وقف على الشاطئ، رسم على المركب علامة الصليب ثلاثاً فتحرك المركب وانطلق. تسلق بطرس المنحدر بصعوبة بالغة ثم تقدم إلى أن جاء إلى موضع منبسط. هناك وجد مغارة معتمة أحاطت بها النباتات بكثافة حتى أضحت ملاذاً للزحافات وعريناً للأبالسة. في تلك المغارة استقر بطرس جاعلاً ثقته بالله.

في اليوم التالي، إذ لم يطق الشيطان بخور صلاة بطرس المتواترة، سلط عليه أبالسته الذين حاولوا إرهابه بصياحهم وجلبتهم وسهامهم والحجارة التي أخذوا يلقونه عليه. أما بطرس فكان مستعداً لأن يبذل نفسه شهيداً، فثبت ولم يتزعزع. وما إن دعا باسم والدة الإله، حتى تبددت الظهورات الابليسية.

بعدما مضى عليه خمسون يوماً إذ بأرواح الظلمة تجيش عليه الأفاعي والحيوانات البرية في الجبل، فدفعها عنه بإشارة الصليب والدعاء باسم الله. وهكذا بدل أن ترعبه هجمات الأبالسة ثبتته بالأكثر فجعل يتقدم في مراقي الفضيلة يوماً فيوماً. وإذ وُجد خالياً من كل هم وتشتت، أمكنه أن يجمع في قلبه قوى نفسه ويقدم ذهنه، أصم أخرس، بإزاء الله، في صلاة نقية. هكذا أضحى قلبه سماء تتلألأ فيها أشعة النعمة الإلهية التي ما لبثت أن شملت جسده أيضاً. هذا الترقي في سلم الفضائل أغاظ إبليس فلم يشأ أن يذعن ولجأ إلى الحيلة. تقدم من الناسك المحد وعليه سيماء الفتية الخدام وحاول إقناعه بترك الجبل رأفة بوالديه المفجوعين وواعداً إياه بأديرة أخرى هادئة ولو في المدينة. تحركت نفس القديس لكنه أجاب: "ألا أعلم أنه لا ملاك ولا إنسان أتى بي إلى ههنا بل الله ووالدته الكلية القداسة وليس في وسعي من دون أمرهما، أن أغادر هذا المعتزل. فحالما تناهى اسم والدة الإله إلى مسمعي إبليس حتى توارى. ثم بعد سبع سنوات ظهر له من جديد، بهيئة ملاك نور، وفي سيره سيف مسلول، أمام مدخل المغارة وأعلن أنه آت بإكليل المجد لأن القديس تفوق على الأنبياء والقديسين بجهاداته وصلواته. وأضاف أن عليه من الآن فصاعداً أن يعود إلى العالم ليساهم في بناء الكثيرين وخلاصهم. جواب بطرس كان: "من تراني أكون، أنا الكلب، ليأتي إلي ملاك الله؟" وهكذا، مرة أخرى، انهزم إبليس وفارقه كمن أحرقه تواضع رجل الله. في الليلة التالية، تراءت له والدة الإله مع القديس نيقولاوس وقالت له: " من الآن فصاعداً، لا تعد تخشى شيئاً!" ثم وعدته بملاك يأتيه، كل أربعين يوماً، بمن سماوي طعاماً. هكذا إذ بلغ القديس بجهاداته ينابيع الأهواء واتشح بمعطف اللاهوى بنعمة الله، أمضى ثلاثة وخمسين عاماً في الهزيخيا أي السكون المبارك. تحمل، دونما مشقة، قسوة الطقس والعزلة لأن الهذيذ بالله كان يعوض عليه الطعام واللباس والعزاء.

فلما شاء الرب الإله أن يكشف نمط الحياة الملائكية هذا للعالم، حدث أن صياداً مغامراً وفد إلى الغابات الكثيفة في جنوب آثوس وهو يطارد أيلاً كبيراً. فلما رأى أمامه شيخاً ليس عليه سوى بعض أوراق الشجر، طويل اللحية، أبيض الشعر كالثلج ينزل حتى زناره، اضطرب واستبدت به القشعريرة. أما القديس بطرس فهدأ من روعه وأطلعه، بوداعة، على سيرة حياته وجهاداته والنعم التي أسبغها الله عليه.

فاندهش الصياد ومجد الله إذ حسبه أهلاً لمثل هذا اللقاء وسأل القديس أن يسمح له بالعيش معه. لكن بطرس أمره بالعودة إلى بيته وتوزيع مقتنياته على الفقراء، ثم أن يتمرس على الحياة النسكية لمدة سنة، وبعد ذلك يودع ذويه ليلتحق به. فلما كانت السنة التالية، عاد الصياد إلى آثوس برفقة راهبين وأخيه في الجسد. هذا الأخير كان معذباً من الشيطان. لكنهم وجدوا المغبوط وقد دخل في الراحة الأبدية، ويداه متقاطعتان وعيناه مغمضتان. وحدث العجب، إذ ما إن مس أخوه الجسد حتى أخذته تشنجات عنيفة غادره إبليس على أثرها وهو يلعن بطرس الذي لم يكف منذ أكثر من خمسين سنة عن السخرية منه.

أخذ الصياد ومن معه جسد القديس في مركبهم واتجهوا نحو الشمال. وما إن وصلوا مقابل دير كليمنضوس حتى توقف المركب عن المسير. دير كليمنضوس هو ما أضحى، فيما بعد، لافرا العذراء، أو لافرا الجيورجيين، الإيفيرون. كان الرهبان منذ أن استقر بطرس في الجبل، قد أخذوا يتكاثرون، وجرى، مذ ذاك، تأسيس العديد من الأديرة. فبادر رهبان دير كليمنضوس إلى مساعدة المركب. ومع أن الصياد ورفاقه كانوا يرغبون في حفظ أمر بطرس سراً فإنهم وجدوا أنفسهم مجبرين على كشف أمر الكنز الذي كان في حوزتهم. على الأثر جرى نقل الرفات المقدسة إلى الكنيسة. للحال جرت بها عجائب جمة اجتذبت لا الرهبان من كل شبه الجزيرة وحسب بل جماً من السكان من الجوار. بعد ذلك جرى نقل الجسد إلى كنيسة والدة الإله، أغلب الظن إلى كنيسة البروتاتون في كارياس، التي كانت على اسم الرقاد. هناك كان الرهبان يلتقون كل سنة. أما الصياد وأخوه فعادا إلى وطنهما فيما بقي الراهبان وادعيا الرغبة في تمضية بقية أيامهما بحمى القديس، فاستقرا في الجوار، لكنهما اختلسا الجسد في الليل،بعد بضعة أيام، وفرا به بحراً في زورق. فلما دنيا من قرية photokomi في تراقيا، خرج السكان للقائهما، ليكرما القديس الذي جاء يخلصهم من الأبالسة أتيه  المقيمة في خزانات المياه عندهم. فلما فتحوا الكيس الذي كان الجسد فيه، للحال خرج منه عطر سماوي وحصلت شفاءات عدة. هذه العجائب اجتذبت جمهوراً كبيراً من الناس حتى إن أسقف الناحية، لما أخطر بالأمر، جاء هو وكل جماعة الإكليروس وأجبروا الراهبين على التخلي عن الغنيمة الثمينة التي كانت معهما. ورغم محاولة الشيطان أن يأتي برجل حاول إحراق الجسد، أودعت الرفات في كنيسة الأبرشية وأضحت مصدراً لعجائب وتعزيات عديدة لسكان المكان.

 

تذكار أبينا البار أنوفريوس (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)

إنّ الذي وضع سيرة حياة هذا القديس الملائكية هو القديس بفنوتيوس، تلميذ القديس انطونيوس الكبير واحد رهبان مصر العليا.

راح بفنوتيوس يوماً يجوب الصحاري المصرية الموحشة في الصعيد الأعلى، علّه يعثر على بعض النساك المتوحّدين فيتبرك منهم ويأخذ عنهم. فتوغّل في الجبل وسار أياماً كثيرة وحدث له حوادث، وصادف يوماً ملاكاً بهيأة بشرية فشجّعه وقوّاه.

وبينما هو يجدّ في المسير، إذا به يرى من بعيد هيأةً غريبة لم يستطع أم يتميّزها. فاقترب قليلاً فشاهد شبحاً أسود أبيض مفزعاً يتحرك، فظنّه وحشاً غريباً فارتاع وولّى الأديار، وصعد على أكمة لينجو بنفسه. أمّا ذلك الشبح الغريب  فكان الناسك القديس أنوفريوس نفسه. كان قد شاخ في تلك البرية، وكان الشعر الطويل يكسر جسمه. وكان يستر عورته بشىء من أغصان الشجر على عريه. وكانت الشموس والرياح والصحراء قد سوّدت جسمه، وكان شعره الكثيف قد ابيضّ من الشيخوخة وطول الأيام.

وشعر أنوفريوس أن ذاك الزائر قد استغرب واستوحشته وفرّ هارباً منه، فرئف به وأخذ يعدو وراءه ويناديه بأعلى صوته. فلمّا سمعه بفنوتيوس وعرف أنّه صوت إنسان، أنس به وأتى إليه. فوجد أمامه شيخاً قد حنت ظهره الأيام وافنت جسمه الأصوام. فعلم أنّه به قدماء النسّاك، وإنّه إيليّا الثاني أو يوحنا المعمدان. فسلّم بفنوتيوس عليه وأخذ يتضرّع إليه أن يعلمه من هو، وكيف أتى إلى ذاك المكان، وكم له فيه من الزمان، وكيف يقيم في تلك الصحراء المقفرة الموحشة التي لا تطأها قدم إنسان. وما زال حتى حكى له أنوفريوس سيرة حياته وقال له: ما دام الله يشاء هذا الأمر، فأنا لا أكتمك شيئاً من أمري.

إنّني أدعى أنوفريوس، وقد صار لي سبعون سنة وأنا في هذا القفر. كنت قبلاً راهباً في دير تيبائيس،حيث كنّا نحو مئة من الأخوة، وكنّا قلباً واحداً ونفساً واحدة، وكنّا نحافظ على الصمت وعلى عبادة الله بحرارة. ولمّا كنت أسمعهم مراراً يتحدثون عن جمال الحياة النسكية المنفردة، كما مارسها أبونا وسلفنا إيليّا النبي ومن بعده يوحنا المعمدان، ولمّا كانوا يفضلونها على الحياة المشترك في الديورة لأنّها تحمل النفس على روح التجرّد عن كل شيء في الدنيا، عزمت على اتّباعها. وشعرت بنفسي ان الله يدعوني إلى ذلك وأنّه أبدلني برجل آخر.فأخذت خبزاً يكفيني أربعة أيام لأو خمسة، وتركت الدير ليلاً، وسلكت طريق هذه الصحراء، وجعلت أبتهل إلى الرب ليكون هو دليلي. فأبصرت نوراً يسير أمامي، فاضطربت وخفت وأوشكت أن أعود على أعقابي إلى ديري. وما أبطأ أن ظهر لي وقادني وسار معي مسافة سبعة أميال، وأقامني له كل الظواهر الرهبانية. ثم أقام معي ثلاثين يوماً وزوّدني بإرشاداته السماوية. وبعد ذلك تركني وأقلع راجعاً إلى مقر سكناه. ومنذ ذلك الحين لم يعد يرى أحدنا الآخر إلاّ مرةً واحدةً في كل سنة.

وكان بفنوتيوس صامتاً يسمع له، مأخوذاً بهيأته وهيبته وعذوبة كلامه. فلمّا سكت انوفريوس سأله بفنوتيوس ان يتكلّم ويحكي له كيف قضى أيامه الأولى. وما هي الشدائد التي قاساها في حياةٍ تختلف إختلافاً غريباً عن حياة سائر الناس.

فأجاب أنوفريوس: لا يستطيع عقل بشري أن يتصوّر المشقاّت التي كابدتها. ولقد ثقلت عليّ وطأتها حتى إنّني أوشكت مراراً ان أستسلم لليأس.وأضناني الجوع والعطش حت دنوت من الموت. وكانت الشمس تحرقني في النهار، والبرد يلسعني في الليل، وليس لي غطاء يقيني منه. فلمّا امتحنني الربّ طويلاً ورأى صبري وجهادي، أرسل إليّ ملاكه، فأخذ يُعنى بي وبغذائي وبما يلزم حياتي. وفي هذه الصحراء وجدت بعض الأعشاب، فقمت أقتات بها. وهكذا كنت أجد لا غذائي فحسب  بل لذّتي وسروري.

فقال له بفنوتيوس ان ما شعر به لديه من تعزية القلب أنساه كل ما تحمله من المشقّات للوصول إليه. وبارك الله الذي لا يهمل أحداً من خلائقه ولا ينساه. ثم سارا معاً إلى الكهف، ولبثا يتحدّثا ن إلى المساء عن حنان الله ورأفته وعنايته بمخلوقاته. ولمّا غربت الشمس، فأكلا معاً من ذلك الخبز العجيب، وشربا من الماء الذي أرسله الرب، وقضيا الليل كلّه في الصلاة. فلمّا لاح الفجر، إذ بأنوفروس تخونه قواه. فارتاع بفنوتيوس لرؤيته يتلاشى بين يديه. فقال له بأنوفريوس: " لا تخف يا أخي، أن الله أرسلك إليّ لتوري جسدي في التراب. إنّني في هذا النهار أتمم شوطي وأنهي إيامي، وأرحل إلى مكان الراحة الدائمة.

فأجاب بفنوتيوس: أنّه عزم على أن يكمّل بقية حياته في ذلك الكهف، سائراً على أثاره. فقال له أنوفريوس: أن الله يدعوه الى ذلك، بل إنّما أتى إليه ليقوم بدفنه، ثم يعود فيذيع ما ما رأى من عظائم الله. فانطرح بفنوتيوس على قدميه وقال: هكذا يريد الرب، إليه تعالى ليعطيني أن أمتّع به يوماً بصحبتك في السماء. فباركه أنوفريوس ووعده أن الله سوف يغمره بنعمه، وأنّه يفتح عينيه فيعرف ألوهيّته، ويثبّته في المحبّة ويسير معه في طرقه، ويقوده إلى حياة النعيم. وبعد أن شجّعه وعزّى قلبه بدأ بالصلاة، وجعل يبكي ويتضرّع ويتنهّد. ثم جثا على ركيتيه  وأكبّ على الأرض، وفاضت روحه بين يدي خالقه، وطارت حمامةً نقيّةً بهيّة إلى الأعشاش السماوية.

وما كادت نفس ذلك البار تطير إلى الأعالي حتى سمع بفنوتيوس أجواق الملائكة تترنّم بمدائحه. فبدل أن يتلو لأجل راحة نفسه صلوات الراقدين، أخذ يتضرّع إليه لكي يشفع فيه. ثم شقّ رداءه شطرين واستبقى النصف الواحد له ولفّ بالثاني جسد أنوفريوس وحمله الى شقٍّ في صخرةٍ، ووضع حجراً كبيراً عليه فواراه. وأراد أن يقيم في الكهف نظير أنوفريوس، لكن الكهف سقط والبلحة وقعت، فتأكّد ليفنوتيوس ان الله لا يرضى ببقائه هناك. فقام وعاد الى ديره. فظهر له الملاك من جديد، وقاده في طريق غير التي سلكها أولاً.

 

استشهاد القديس يعقوب المشرقى (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)

في مثل هذا اليوم تنيح القديس يعقوب المشرقي المعترف. كان يتعبد في أحد ديارات المشرق وقد عاصر قسطينوس بن قسطنطين الكبير ويوليانس المعاند ويوبيانوس المؤمن الذي لما قتل تملك أخوه فالنز وكان أريوسي المذهب فأذن للاريوسيين بفتح كنائسهم وإغلاق كنائس الأرثوذكسيين فتحرك هذا القديس بالنعمة الإلهية وأتي إلى القسطنطينية فالتقي بالملك وهو خارج للحرب فوقف أمامه وقال له أنا أسألك أن تفتح كنائس المؤمنين للصلاة عنك لينصرك الله علي أعدائك وان لم تفعل ذلك فان الله سيتخلى عنك فتهزم أمام أعدائك فغضب الملك من ذلك وأمر بضربه وحبسه. فقال له القديس اعلم أنك ستهزم أمام أعدائك وتموت حرقا. فازداد الملك غضبا وأمر باعتقاله إلى أن يعود من الحرب فقال له القديس ان عدت سالما فلا يكون الرب قد تكلم علي فمي وسار الملك لمحاربة أعدائه ولما التقي الجيشان تخلي الرب عنه فانهزم أمام أعدائه وتتبعوه إلى أن دخل إحدى القرى فأشعلوا النيران حولها فهرب أهلها وبقي هو وبعض خاصته فأحرقوهم وعاد من بقي حيا من جنده إلى مدينة القسطنطينيةوأخبروا المؤمنين بما حدث ز وبذلك تمت نبوة القديس فاجتمع المؤمنون وأخرجوه من السجن بإكرام جزيل وتحقق الأريوسيون بأن روح الله كانت عليه كما صدقوا صحة إيمانه فرجعوا عن ضلالهم معترفين بمساواة ابن الله مع أبيه في الجوهر وقضي هذا القديس بقية أيامه مجاهدا ناسكا حتى تنيح بسلام.

صلاته تكون معنا. آمين.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : استشهاد القديسين الأنبا بشاي والأنبا بطرس

في مثل هذا اليوم استشهد القديسان العظيمان الأنبا بشاي والأنبا بطرس وأعضاؤهما موجودة بصدفا محافظة أسيوط. صلاته تكون معنا. آمين.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : تذكار تكريس كنيسة القديس بقطر بناحية شو

في مثل هذا اليوم تذكار تكريس كنيسة القديس العظيم الأنبا بقطر بناحية شو شرق الخصوص مكان مولده.

صلاته تكون معنا. ولربنا المجد دائما. آمين.