دينيّة
29 حزيران 2024, 08:00

قدّيسٌ وقداسة

تيلي لوميار/ نورسات
بقلم الأب جاورجيوس متني، خادم رعية كفرعقاب

 

كلّ من يجاهد في هذه الحياة من أجل الملكوت السماويّ، يحيا على رجاء أن ينال الإكليل في الدهر الآتي، فالاتّحاد بالله. هذا هو هدف[1] الإنسان الأوّل والأخير. نسمّيه في لغّتنا الروحيّة: "القدّيس".

كلّ من يحيا بالإيمان بكلام الله يتبرّر. وكلّ من علّم هذا الكلام شاهدًا به في حياته، تقدّس وقدّس من اقتناه قانونًا في مسيرته نحو الحياة الحقّانيّة، بعد أن يزهد بمغريات هذا العالم ويطرد من حياته كلّ سيّدٍ وإله، ليتعلّق قلبه بالله وحده. وحين يطفئ في نفسه نيران الشهوات بندى الروح القدس، الذي إذا اقتناه، يفرزه[2] من جوف الدنيا خليلًا للعليّ، وابنًا حبيبًا للآب.

القدّيس هو الذي لا يتوانى في أن يحمل صليبه كلّ يومٍ ويتبع المعلّم. يحمله بصبرٍ ورجاء، بألمٍ وفرح، بصلاةٍ ودموع. ويضع نصب عينيه كلّ حينٍ ما أوصانا به الربّ يسوع المسيح حين قال: "من لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقّني." [3]. فكما أنّ الصليب هو أداةٌ لموت من صلب عليه، كذلك هو سلاحٌ به يقتل المصلوب عليه العالم في قلبه، ويرتضي في الوقت نفسه بأن يموت هو عن العالم[4].  

من يضع في قلبه محبّة الله أوّلًا، من دون أن يهمل "إخوته الصغار"[5]، بل يضحّي بحياته من أجلهم، يستحق لقب "القدّيس". لأنّه حينئذٍ يتشبّه بالله "القدّوس" الذي ضحّى بحياته على الصليب من أجل كلّ العالم. هذا ما تعلّمناه منه حين قال: "ليس لأحدٍ حبٌّ أعظم من هذا: أن يضع أحدٌ نفسه لأجل أحبّائه."[6]

يهب الله القداسة عفوًا لمن امتلأ قلبه من الحبّ الذي نقش حروفه بدمه على صليب التضحية والبذل، وجعل قلبه عرشًا لله مزيّنًا بالطهارة والتواضع والطاعة لوصاياه أبدًا.


 

[1]يَقولُ القِدّيسُ سيرافيم ساروفْسْكي: "إِنَّ هَدَفَ حَياتِنا المَسيحِيَّة أَنْ نَمْتَلِئَ مِنَ الروحِ القُدُس."

[2]كَلِمَةُ "قِدّيس" تَعْني "مَفْروز".

[3](مَتّى 10: 38)

[4](غَلاطِيَة 6: 14)

[5](مَتّى 25: 40)

[6](يوحَنّا 15: 13)