قديسو اليوم: 9 تشرين الثاني 2016
وبعد ذلك رجعت الى القسطنطينية حيث تممت حياتها في النسك والعبادة. ورقدت بالرب سنة 570، ولها من العمر نحو مئة سنة.
اما ابنتها تاودوتا فسارت على خطوات والدتها، ممارسة الفضائل المسيحية والمشورات الانجيلية مدة حياتها ورقدت برائحة القداسة. صلاتهما معنا. آمين!
برفيريوس أسقف غزة (بحسب الكنيسة السريانية الكاثوليكية)
لله طرق يحار في إدراكها البشر. لقد كان برفيريوس شاباً غنياً فزهد في الدنيا ورغب في الخلوة مدة عشر سنوات. ورفعه الله الى درجة الكهنوت ثم الى الأسقفية وصار في الطليعة في المعارك بين المسيحية والوثنية.
ولد في تسالونيكي، من أبوين غنيين في المال والفضيلة، فنال تربية صالحة وابتسمت له الدنيا، لكنه أدار وجهه شطر السماء. فترك بيت أبيه وقصد الصحارى المصرية حيث قضى خمس سنوات، ثم ذهب الى زيارة الأماكن المقدسة في فلسطين. ومنها انحدر الى الأردن وتنسّك هناك في مغارة موحشة. حتى خارت قواه وأشرف على الموت فحُمل الى أورشليم للعناية به.
ارتسم كاهناً وتقلّد حراسة عود الصليب المقدس. وفي سنة 369 رقّاه يوحنا رئيس أساقفة قيصرية الى أسقفية مدينة غزة، وكان أكثر أهلها وثنيين. فثاروا عليه وأرادوا القضاء عليه فتوارى.
وكان القحط قد عمّ بلاد فلسطين، وكان الوثنيون في غزة يقولون إن برفيريوس هو السبب. وتضرّعوا الى آلهتهم فلم يكن لها آذان لتسمعهم. فأقام القديس صلوات حارة في الكنائس اتبعها بتطواف في الشوارع فجادت السماء بالأمطار وآمن كثيرون بالمسيح.
وكتب برفيريوس الى الذهبي الفم يتوسل اليه ليحصل على أمر من الملك اوكاديوس بهدم مذابح الأوثان في غزة. فاستصعب الذهبي الفم الأمر. فذهب برفيريوس بنفسه مع أسقف قيصرية وتوسّلا الى القيصرة التقيّة افذوكيا. ولم تمضِ سوى شهور قليلة حتى دكّت معابد الشمس والزهرة وأبولون وجوبتر.
وأغدقت القيصرة المال على برفيريوس، فبنى كنيسة في غزة وكانت أجمل الكنائس، دعاها "الأفذوكيا". ولم يكن يأكل إلا خبزاً يابساً وخضاراً مسلوقاً مع شيء من الزيت والجبن.
ودامت أسقفيته أربعاً وعشرين سنة، ورقد بالرب سنة 420.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : الشهيد أونيسيفورس
جاء ذكره في رسالة بولس الرسول "رَحِمَ الله بيت أونيسيفورس لأنه شجعني كثيراً وما خجل لقيودي، بل أخذ يبحث عني عند وصوله الى روما حتى وجدني. أنعم الرب عليه بأن ينال الرحمة من الرب يوم مجيئه وأنت تعرف جيداً كم خدمني وأنا في أفسس" (2تيمو 1 : 16 - 18).
وهذا جُلّ ما نعرف عن سيرة حياته الرسولية، فإنه كان يتحلّى بطيبة القلب وإنه سفك دمه مع الرسول برفيريوس من أجل المسيح الذي آمنا به على يد بولس الرسول. قبض عليهما أدريانس، ولما وجدهما ثابتين في الإيمان ربطهما الى أذناب الخيول ودفعها تجري بهما حتى تقطّعت أوصالهما وتكسّرت اعضاؤهما، ونالا إكليل الشهادة... وكان ذلك نحو نهاية القرن الأول.
القدّيسين الشهيدين أونيسيفوروس وبرفيريوس (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)
رغم أن ثمة مصادر تؤكد أن أونيسيفوروس الشهيد هو إياه أونيسيفوروس الوارد ذكره مرتين في رسائل القديس بولس الرسول(2تيمو1: 16و19:4) وان برفيريوس واحد من الرسل، فإن الرأي عندنا هو أنهما عاشا في غير زمن الرسول بولس، وأنهما استشهدا في زمن الإمبراطورين ديوكليسيانوس ومكسيميانوس. ويبدو أنهما مثلا لدى حكّام ذلك الزمان فاعترفا بالرب يسوع المسيح بكل جسارة، وأن لا إله إلاّه ولا ملك حقيقياً سواه، وقد كابدا على الأثر ألواناً شتى من التعذيب، فضربا ضرباً مبرحاً وشويا شيّاً. في كل ذلك كانا يسبّحان الله مبديين في آلامهما غبطة من غير هذا العالم. وقد أثار مشهدهما حفيظة معذّبيهما إذ بدا لهم وكأن الشهيدين يستهينان بتدابيرهم كما لو كانت على غير جسديهما. فما كان منهم سوى أن أوثقوهما بأرجلهما إلى خيول جامحة أطلقوها، فراحت تعدو مناطحة الريح، فيما انسحب جسدا القدّيسين سحبا، تارة فوق الأتربة وتارة بين الحجارة وتارة بين الأشواك. وقد أدى ذلك كله إلى تمزّق جسديهما تمزيقاً.
وبعدما أسدل الستار على الفصل الأخير من استشهادهما جاء بعض الأتقياء ورفعوا أشلاءهما وواروها الثرى. وثمة من يقول أن رفاتهما أودعت ناحية المدن الخمس الليبيّة.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : أمنا البارة مطرونة الحمصي
ولدت القدّيسة مطرونة في برجة في بمفيلية أسيا الصغرى أيام الإمبراطور البيزنطي مرقيان(450-457م). وقد عمد ذووها وهي في أوائل العقد الثاني من عمرها إلى إعطائها زوجة لرجل لامع اسمه ضومط. ويبدو أنها أنجبت منه بنتاً سميّاها ثيودوتي وانتقلت وإياه إلى مدينة القسطنطينية وهي في الخامسة عشرة من عمرها.
في القسطنطينية التقت مطرونة سيّدة مرفّهة راقية تدعى افجانيا فتحابا وتصادقا ولاسيما وأنه كان لهما فكر واحد وتوق واحد إلى القداسة، فكان كل منهما للآخر تعزية من الله وتشديداً.
ولاحظ ضومط أن زوجته تكثر من الخروج من البيت فساورته الشكوك بشأنها وحرّم عليها مغادرة المنزل إطلاقاً. وقد آلمها ظلم زوجها لها أشد الألم لكنها اعتصمت بالصبر ولازمت الصلاة سائلة المعلم التفاتة وأن يمن عليها بتحقيق منية قلبها أن تنصرف إلى وجهه تماماًُ.
وإن هي سوى أيام حتى أذن لها زوجها بالخروج إلى الكنيسة. وهناك التقت إحدى العذارى، المدعوة سوسنّة. هذه ارتضت أن تتعهّد لبنتها ثيودوتي. أما مطرونة فقامت إلى ثوب للرجال تزيّت به وغيّرت هيئة وجهها وفرّت من منزل زوجها متخذة بابيلا اسماً مستعاراً لها ومدعية أنها خصي.
وجهة مطرونة كانت دير القدّيس باسيان في المدينة العظمى. هناك انخرط بابيلا في مصاف طلاب الحياة الملائكية راهباً. وما لبث، بعد مدة يسيرة، أن أضحى نموذجاً يحتذى في الطاعة والاتضاع والصبر والصلاة وسائر أتعاب الرهبنة.
ولكن، ما كاد يمضي بعض الوقت حتى عرف باسيان، ربما بالكشف الإلهي، أن بابيلا ليس سوى امرأة، فخاف على الشركة. ولما كان يدّخر لها اعتباراً وتقديراً كبيرين، لم يشأ أن يخلّيها صفرة اليد فأشار إليها بالذهاب إلى دير للعذارى في مدينة حمص السورية.
في حمص استمرت مطرونة تنمو في النعمة والقامة. وكانت كلّما ترسّخت في حياة الفضيلة ازدادت حرصاً على إخفاء أمرها وفضائلها. لكن شهرتها ما لبثت أن ذاعت فقامت إلى أورشليم ومنها إلى بيروت هرباً.
وفي بيروت اتخذت مطرونة هيكلاً وثنياً مهجوراً ملاذاً لها. وقد أثار نزولها في المكان جنون الشياطين لأنهم اعتبروا الموضع خاصاً بهم. لكن، لم يتسلل الخوف، بنعمة الله، إلى نفس مطرونة، بل ثبتت صائمة مصلية وكأن هجمات الشياطين وزئيرهم عليها لا يعنيها. ولكي تتمكّن قوات الظلمة من خداعها عمدت في مرحلة لاحقة إلى إدعاء التقوى فكانت تشارك مطرونة التسابيح خلال الخدمة. غير أن العناية الإلهية كشفت لعيني هذه المجاهدة الكبيرة حيل الأبالسة ضدها. وهكذا نجت من فخاخ العدو ومجّدت الله.
ثم بعد حين بدأ بعض النسوة الوثنيات يأتينها مأخوذات بمثالها، يسألنها أن يعتمدن وينضوين تحت لوائها.
أقامت مطرونة في بيروت، هي وتسعة من التلميذات، أشهرا أو ربما بضعة سنوات. وقد ذكر البطريرك مكاريوس في مؤلفه" قدّيسون من بلادنا" أنها" استنبعت بصلاتها الماء العذب الموجود الآن في بيروت". والحديث هو من القرن السابع7 عشر.
ومن بيروت عادت مطرونة إلى القسطنطينية حيث أقامت في قلاية قريبة من دير القديس باسيان. ثم استدعت، بعد حين، راهباتها في بيروت. ويبدو أن صيتها ذاع، من جديد، في وقت قصير فأخذت النسوة التقيات، لاسيما طبقة النبلاء، يتدفقن عليها لينتفعن من ارشادها وينلن بركتها. وقد تركت عدة نبيلات العالم وأتين إليها مقتبلات حياة الفقر والطاعة تحت جناحيها. هؤلاء النسوة حملن معهن أموالاً وعطايا جزيلة استخدمتها القدّيسة في بناء دير ما لبث أن أضحى أهم الأديرة في المدينة.
عاشت مطرونة ما يقرب من مئة عام. ويبدو أنها حافظت على مستوى نسكها حتى الأخير. وقد عرفت بيوم وفاتها سلفاً فعزّت بناتها بأخبار الفردوس الذي منّ عليها الرب الإله بمشاهدته. ثم ودعتهن ورقدت بسلام.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : أبينا البار نكتاريوس، أسقف المدن الخمس، الصانع العجائب ومؤسس دير الثالوث القدّوس في جزيرة آيينا اليونانية
ولد القديس نكتاريوس في 1/10/1846م في قرية من قرى مقاطعة ثراقي الجنوبية، وهو الخامس من ستة أولاد ولدوا لزوجين فقيرين هما ذيموس ومريا كيفالاس. سمي في المعمودية أنستاسيوس، تربى نكتاريوس في جو ديني أرثوذوكسي وكان لجدته دوراً أساسياً في حياته الروحية، كان ومنذ صغره مواظباً على قراءة الأناجيل وسفر المزامير، وبصعوبة مالية استطاعت العائلة تأمين العلم لأبنائها، درس نكتاريوس في قريته حتى سن الثالثة عشر، وكانت نفسه تتوق إلى الدراسة في المدينة العظمى، القسطنطينية، ولكن من أين يأتي بالمال للسفر والدراسة.
في أحد الأيام صرّ ملابسه على ظهره ووقف عند المرفأ يتطلع على الباخرة المغادرة إلى القسطنطينية. وإذ للحظة، قبطان السفينة يمازحه دون أن يتعطف عليه. لكن السفينة أبت أن تغادر الرصيف كما لو أن عطلاً طرأ على محركها إلى أن أِشار القبطان إلى الصبي بالصعود. وما أن وطئت قدماه ظهر السفينة حتى زأر المحرك وأقلعت السفينة.
وصل الصبي المدينة العظمى، بحث عن عمل طويلاً فلم يوفق إلى أن قبله صاحب محل فظ لتسويق الدخان. هذا سخره في عمل شاق طول النهار لقاء بعض المأكول. تحمل نكتاريوس فظاظة وقساوة رب العمل فترة من الزمان، وأخيراً كتب رسالة جاء:
"يا ربي يسوع، تسألني لماذا أبكي. ثيابي اهترأت وحذائي تخرق، وأنا حافي القدمين موجوع متضايق. نحن في فصل الشتاء وأنا بردان. البارحة مساء أعلمت صاحب المحل بحالي فسبني وطردني. قال لي أن أكتب رسالة إلى القرية حتى يبعثوا لي بما أحتاج إليه. ولكني، يا ربي يسوع، منذ أن بدأت بالعمل لم أرسل لوالدتي قرشاً واحداً.. ماذا تريدني أن أعمل الآن؟ كيف أعيش بلا ثياب؟ ثيابي أرثيها فتعود وتتمزق من جديد. سامحني على إزعاجي. أسجد لك وأمجدك. خادمك أنستاسيوس."
ثم طوى الرسالة ووضعها في ظرف وكتب العنوان التالي: "إلى ربنا يسوع المسيح في السماوات".
وباكراً في اليوم التالي لبس ثيابه بسرعة وقصد مكتب البريد. كان صاحب المحل قد أعطاه خمس رسائل أخرى لإرسالها وكان الشارع مقفراً. وحده صاحب المحل المجاور شاء التدبير الإلهي أن يلتقيه. "إلى أين أنت ذاهب يا أنستاسيوس؟". "إلى مكتب البريد" "هات ما عندك وأنا أضعه لك". وأخذ الجار الرسائل، فرأى رسالة أنستاسيوس فقرأها. وبعد أيام قليله حمل إلى أنستاسيوس الصغير صرّة كما لو كانت من مكتب البريد، ثياباً وأحذية وشراشف ومالاً، وفوق الصرّة هذه الكتابة "من الرب يسوع إلى أنستاسيوس".
ثم انتقل الصبي إلى العمل لدى الجار النبيل وتمكن من إكمال دراسته إلى سن العشرين. وبذات الوقت كان يعلم في الكنيسة الأطفال الصغار أحرف الأبجدية وبعض الدروس. ثم انتقل إلى جزيرة خيوس معلماً. وبقي هناك مدة عشر سنوات. وفي خيوس اقتبل أنستاسيوس الحياة الرهبانية في الدير المعروف بـ"الدير الجديد". كان ذلك في خريف سنة 1876م. وسلك في النسك ثلاث سنوات ثم سيم شماساً وأعطاه أسقف الجزيرة اسم نكتاريوس. ثم غادر إلى أثينا لمتابعة دراسته اللاهوتية. وهناك تعرف على بطريرك الإسكندرية صفرونيوس، فسامه هذا الأخير كاهناً في العام 1886م. بقي نكتاريوس كاهناً وواعظاً ومعرّفاً بضعة أشهر إلى أن جعل أرشمندريتاً وعين واعظاً وسكرتيراً بطريركياً في القاهرة ثم مدبراً للمكتب البطريركي هناك.
وفي الخامس عشر من شهر كانون الثاني من العام 1889م سيم نكتاريوس أسقفاً برتبة متروبوليت على المدن الخمس (بندابوليوس) وهي الأبرشية القديمة المساوية لمنطقة ليبيا العليا اليوم.
تمحورت خدمته الأسقفية في القاهرة حول كنيسة القديس نيقولاوس وقد أحب الشعب حباً كبيراً لاسيما الفقراء. وفيما كانت تكبر محبة الناس له كان يكبر حسد كثيرين، كهنة وأساقفة، وأخذوا يدبرون له المؤامرات. وقد استطاع الحاسدون أن يقنعوا البطريرك صفرونيوس العجوز أن نكتاريوس يعمل على استمالة الشعب لإزاحته والاستيلاء على البطريركية. فكتب البطريرك رسالة إلى نكتاريوس جاء فيها: "يُعفى نكتاريوس، أسقف المدن الخمس، من مهامه كمدبر للمكتب البطريركي في القاهرة ومن الممثلية البطريركية ومن الإدارة الكنسية.. ولا يسمح له أن ينتقل بصفة رسمية أياً تكن المناسبة ومن دون ترخيص رسمي.." ثم بعد شهرين طلب منه أن يترك البطريركية نهائياً. هكذا وجد نكتاريوس نفسه مقطوعاً مُبعداً مشوه السمعة، ومنذ تلك اللحظة أضحت حياته سلسلة من المحن.
عاد نكتاريوس إلى أثينا وهناك حسبته السلطات المدنية والكنسية غريباً، عانى كثيراً حتى الخبز نقصه. وتعطفت عليه صاحبة البيت وعفته من تسديد الإيجار. وبعد مدة ارتضت السلطات تعيينه واعظاً بعيداً في بعض الجزر. وما أن وصل إلى الجزر حتى وأن الشائعات قد سبقته هناك، فأخذ الناس يسخرون منه ويهينوه، وتحمل بصبر، وبعد مدة أدرك الناس الحقيقة فأحبوه واحترموه. ومكث في الجزر واعظاً ثلاث سنوات إلى أن تمّ تعيينه مديراً عاماً لإكليريكية ريزاريز في أثينا. ودامت هذه المدة ما يقرب من اثني عشر عاماً، ولم تتوقف المؤامرات ضده. ولكن أحبه تلاميذه كثيراً.
وكانت المرحلة الأخيرة من حياة نكتاريوس مرحلة تأسيس دير الثالوث القدوس في جزيرة إجينا، ديراً نسائياً ضمّ خمس فتايات في البدء. كانت لنكتاريوس مواهب إلهية فشفى المرضى وطرد الشياطين وبصلاته أمطرت السماء بعد جفاف ثلاث سنوات ونصف السنة.
كان نكتاريوس أليف والدة الإله والقديسين وكثيراً ما كانوا يظهرون له أثناء الخدمة الإلهية وكان هو يرتفع عن الأرض. وقد كتب نشائد عديدة لوالدة الإله، ومن أشهرها نشيد "عذراء يا أم الإله" الذي لحنه الأب غريغوريوس من دير سيمونوبيترا في الجبل المقدس.
خلال ذلك كله كانت صحته في ترد مستمر. وقد أصيب بالتضخم في غدة البروستات، وقد أخبر أبناءه وبناته الروحيين بقرب مغادرته العالم الأرضي، وقد أسلم الروح في اليوم الثامن من شهر تشرين الثاني من العام 1920م.
بعد رقاده بقي جسده كما لم ينحل وتنبعث منه رائحة طيب زكية. وزعت لاحقاً رفاته في أكثر أنحاء العالم. وحتى يومنا هذا ما تزال تسجل عجائب جمّة تجري باسمه، وقد تمّ إعلان قداسته في العام 1961م.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : أبينا البار يوحنا القصير
عاش في برية الإسقيط في مصر وكان كبيراً عظيماً في الرهبان جداً. كان مطيعاً لأبيه بموا ملازماً له حتى موت معلمه. ينقل عنه أن معلمه دفع إليه مرة غصناً يابساً وأمره أن يغرسه ويسقيه كل يوم جرّة ماء. وكان موضع الماء بعيداً فكان يمضي في العشية ويعود غداة اليوم التالي. داوم على ذلك ثلاث سنوات إلى أن اخضر الغصن وأعطى ثمرة فجاء بها إلى الشيخ فأخذها الشيخ إلى الكنيسة، في الأحد التالي، ودعا الإخوة قائلاً: "هلم كلوا من ثمرة الطاعة.
عندما أشرف معلمه على الموت واجتمع حوله الشيوخ أمسك بيد تلميذه يوحنا وباركه وسلّمه إليهم قائلاً: "هذا ملاك لا إنسان".
وعُرف بتواضعه أيضاً حتى قال عنه أحد الآباء: "إنه بتواضعه علّق الإسقيط كله بأصبعه الصغير". وقد اعتاد الآباء أن يقولوا فيما بينهم: "حقاً أن يوحنا أعطى من الله أكثر منا لأنه بتول طاهر".
كانت له دالة عند الله فطلب منه مرة أن يرفع عنه الآلام فكان له ما أراد. فلما أعلم الشيخ بالأمر أنه قد استراح وليس ما يقاتله بعد، خاف عليه وقال له: "امض أسأله الله أن يرجع إليك القتال، لأنه بالقتال تنجح النفس وتفوز". فلما جاءه القتال لم يصل كي يرتفع عنه بل كان يقول: "أعطني يا رب صبراً على الاحتمال".
وكانت العادة في زمن الحصاد أن ما يجمعه الشيوخ يحتفظون بنصفه والنصف الآخر يوزعونه على المحتاجين. أما القديس يوحنا فكان يعطي الكل ولا يبقى لنفسه شيئاً.
وفي معرض الحديث عن التواضع وحبه للفقراء أن إخوة سألوه مرة: "ماذا تقول يا أبانا هل يجب أن تقرأ المزامير كثيراً؟ فرد قائلاً: إن الراهب لا تفيده القراءة والصلوات ما لم تكن متواضعاً محباً للفقراء والمساكين".
قيل عنه أنه متى أبصر إنساناً أخطأ كان يبكي بكاء شديداً ويقول: "إن هذا أخطأ اليوم ولكنه ربما يتوب. أما أنا فإني أخطئ غداً وربما لا أعطى مهلة كي أتوب. هكذا يجب أن نفكر ولا ندين أحداً". ولهذا كان يسافر إلى مسافات بعيدة لهداية الخطأة.
وقال عن نفسه: "أنا أشبه إنساناً جالساً تحت شجرة عظيمة، ينظر إلى الوحوش والذئاب وهي مقبلة نحوه. فإذا لم يستطع ملاقاتها يهرب صاعداً فوق الشجرة لينجو منها. هكذا أنا جالس في قلايتي أبصر الأفكار الخبيثة تأتي إلي، فإذا لم أستطع صدّها هربت إلى الله بالصلاة ونجوت".
قال في أهمية الصوم والجوع إنه إذا أراد ملك الاستيلاء على مدينة فإنه يمنع عنها الطعام والماء أولاً، فيستسلم له سكانها بسبب الجوع. هكذا هو حال أهواء الجسد. إذا عاش الإنسان بالصوم والجوع فإن أعداء النفس تمرض.
وقد ميّز الله صفيه يوحنا بمعرفة الخفايا. فعندما كان يقدّس الأسرار كان يعرف من يستحق التناول ومن لا يستحق. ولهذا فإن كثيرين تابوا ورجعوا إلى الله بكل قلوبهم.
ومن تعاليمه: "أريد الإنسان أن يأخذ قليلاً من جميع الفضائل. وبالتالي عندما تستيقظ كل صباح أبدأ من جديد، في كل فضيلة ووصية، وذلك بصبر عظيم وخوف وطول أناة ومحبة الله من كل الجسد والنفس، وبتواضع كبير وصبر على ضيقات القلب والسجن أيضاً، بصلاة كثيرة وشفاعات وتنهد وعفة في اللسان وحفظ للعين، محتملاً الإهانة وغير غضوب، مسالماً وغير مقابل الشر بالشر، غير مراقب لهفوات الآخرين ونقائصهم وغير معتبر نفسك ذا شأن كونك دون الخليقة كلها، في رفض للماديات والجسديات، في صليب وجهاد، في مسكنة الروح ونسك ونوح وصوم وتوبة، في جهاد في الحروب، في تمييز، في عفة نفس، في هدوء في العمل وشوق إلى عيش المحبة، في سهر الليل، في جوع وعطش وبرد وعري، في أتعاب، قافلاً قبرك كأنك متّ منذ الآن وكأنك تعتقد أن موتك بات وشيكاً في كل ساعة".
سأله أحد الآباء مرة: "ما الذي يجعل الراهب راهباً؟" أجاب: "التعب، لأن على الراهب أن يتعب في كل عمل...".
وعندما قربت ساعة انتقاله ظهر له الرب يسوع المسيح وأعلمه بذلك. وصباح الأحد التالي باكراً جاءت إليه رتب الملائكة وطغماتها. فلما رآها القديس فرح جداً ووقف يصلي باسطاً يديه صوب الشرق، وأثناء ذلك أسلم الروح. وقد كان له من العمر ثمانون سنة، ونال منزلة الملائكة الأطهار والرسل الأبرار. اقترن موته بشفاء المرضى وطرد الأرواح الشريرة إثر عبوره ببعض المضنوكين. واستمر ذلك بعد أن واروه التراب.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : تذكار أمنا البارة ثيوكتيستي
نشأت في جزيرة ليسبوس. نزل القراصنة الجزيرة مرة، على غرّة، فاستولوا على ما طالته أيديهم، كما استاقوا عدداً من سكان الجزيرة أسرى طمعاً في بيعهم رقيقاً. وفي طريق العودة شطّطوا في جزيرة باروس ليفحصوا الغنيمة. هناك خطر ببال ثيوكتيستي أن تهرب، فتغلغلت بين الأشجار الغضّة. بحث عنها القراصنة فلم يجدوها فقفلوا عائدين. أما ثيوكتيستي فلجأت إلى كنيسة مهجورة. عمرها يومها كان ثمانية عشر ربيعاً. ولما كان ما جرى بتدبير من الله لأن الفتاة كانت في قرارة نفسها تشتاق إلى حياة التوحّد، فقد انصرفت إلى الحياة الملائكية.عاشت على مثال القدّيسة مريم المصرية. وقد أمضت في الجزيرة ثلاثين سنة وخمساً لم تر فيها إنساناً البتة، ولا تحدّثت إلى غير ربها ووالدته وقديسيه. جهاداتها وأتعابها كانت خارقة. ولما التقاها صياد نزل الجزيرة بعد ذلك كانت قد استحالت شبه شبح: بيضاء الشعر، محروقة الوجه، سوداء من لهيب الشمس، وطبقة من الجلد المتموّج القاسي تغطي عظامها وأعضاءها. كل كثافة البدن كانت قد زالت. كانت عارية وتغطت برداء الصيّاد. سألته أن يأتيها بالقدسات، ثم بعد أيام رقدت بسلام في الرب. كان ذلك في العام 881 للميلاد.
تذكار القديسين الشهيدين أونسفورس وبرفيريوس (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)
جاء ذكر القديس أونسفورس غير مرّة في رسائل القديس بولس، يرافقه من جميل المديح وبديع الكلام ما هو كاف ليبيّن ما كان يتحلّى به ذاك الرجل الطيّب والقديس المجيد من الفضائل الحقة والأخلاق العالية: " ليرحم الرب بيت أونسفورس، فإنّه فرّج عنّي مرّاتٍ كثيرة، ولم يستحي بسلسلتي. بل حين صار في رومة جدّ في طلبي فوجدني. فليُنعم عليه الرب بأن يصيب رحمة من الرب في ذلك اليوم. وأنت أعلم من غيرك كم خدمني في أفسس".
ولا نعرف عن سيرة حياة هذا الرجل الرسولي الغيّور المحسن سوى ما ذكرناه. إلاّ أنّنا نعرف كيف سفك دمه، هو والرسول برفيريوس، في الهلَسْبُنطس، من أجل المسيح الذي آمنا به على يد القديس بولس رسول الأمم. فأن القنصل أدريانس قبض عليهما بتهمة إيمانهما بالمسيح. ولمّا وجدهما ثابتين في ذلك الإيمان ربطهما إلى أذناب الخيول ودفعها تجري بهما. فجمحت وجعلت تعدو بشدّة هوجاء، حتى تقطّعت أوصال ذينك الرسولين الشهيدين، وتكسّرت أعضاؤهما، فماتا ونالا إكليل الإستشهاد.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : البارة مطرونة
ولدت القديسة مطرونة في بلاد بمفيليا، في مدينة بَرجة، في أواخر القرن الخامس. وتربّت تربية مسيحيّة صالحة، شأن الكثيرات من رفيقاتها البنات المسيحيّات. فكانت ذات حشمةٍ وعفاف وتقوى ورصانة وأدب.
فلمّا بلغت أشدّها إقترنت بسرّ الزواج المقدّس برجل صالح فاضل نظيرها، ورُزقت منه إبنةً أضحت موضوع آمالها ومحور سعادتها في هذه الدنيا. ثم سافرت مع زوجها وإبنتها إلى القسطنطينية، وهناك توثّقت بينها وبين إحدى الراهبات البتولات عرى الصداقة، فمالت بكل جوارحها إلى إتّباع طريقتها. فصارت تكثر من الصوم والصلاة، وقهر النفس. والطاعة الكاملة لزوجها، والعناية الفائقة ببيتها وإبنتها، لأجل الله وحبّاً له. ثم لمّا لم تعد تُطيق صبراً على متابعة الحياة الزوجيّة رجت من زوجها أن يسمح لها بالزهد في الدنيا، لتتفرّغ بكاملها لعبادة الله. فرضي بذلك معها. فتركت بيتها، وارتدت بلباس الرجال وذهبت إلى دير للرهبان، حيث عاشت عيشة الأبرار وهي متنكّرة، ولا أحد يفطن لها.
ثم عُرفَ أمرها فأرسلت إلى أورشليم، حيث قضت سنين طويلة عائشة بالقداسة والبرارة. ومن هناك أتت حمص، حيث قضت بقيّة حياتها في أحد الأديار، مثابرة على الفضائل السامية والكمالات الإنجيليّة، إلى أن رقدت بالربّ رقود الأبرار.
ظهور رأس مارمرقس الانجيلي الرسولي وتكريس كنيسته سنة 360 ش. (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)
في مثل هذا اليوم تذكار تكريس كنيسة القديس البتول مار مرقس الإنجيلي كاروز الديار المصرية، وظهور رأسه المقدس بمدينة الإسكندرية.
وفيه أيضا تعيد الكنيسة بظهور رأس القديس مار مرقس الإنجيلي وتكريس الكنيسة التي بنيت عليها. ظل جسد القديس مار مرقس ورأسه معا في تابوت واحد حتى سنة 644 م. وكان هذا التابوت محفوظا في كنيسة بوكاليا أو دار البقر. وفي أحد الأيام من سنة 644 م. دخل أحد البحارة العرب إلى الكنيسة فوجد التابوت وتوهم أن فيه ذهبا ووضع يده في التابوت. فوقعت يده على الرأس فأخذها في الليل وأخفاها في أسفل المركب. ولما عزم القائد عمرو بن العاصي على المسير. أبحرت كل السفن وخرجت من ميناء الإسكندرية ما عدا تلك السفينة التي بها الرأس فلم تتحرك إطلاقا رغم محاولات البحارة في بذل جهودهم لإخراجها. عند ذلك علموا أن في الأمر سرا. فأمر عمرو بن العاص بتفتيش السفينة فوجدوا الرأس مخبأة فيها فأخرجوها من السفينة واحتفظ بها عمرو وبعدها تحركت السفينة حالا ففهم عمرو بن العاص ومن معه أن تأخر السفينة كان بسبب وجود الرأس المقدسة فيها. فأحضر البحار الذي خبأها فأعترف بجريمته فعاقبه. ثم سأل عمرو بن العاص عن بابا الأقباط وكان هو الأنبا بنيامين البطريرك الثامن والثلاثون وكان هاربا ومختبئا بأديرة الصعيد فكتب له عمرو بن العاص خطابا بخط يده يطمئنه ويعطيه الأمان ويطلب منه الحضور. فحضر البابا بنيآمين. وأستلم منه الرأس المقدسة. بعد ما قص عليه عمرو بن العاص المعجزة العظيمة التي حدثت منه. ثم أعطاه عشرة آلاف دينار ليبني بها كنيسة عظيمة على أسم صاحب هذه الرأس. فشكره البابا وأحتفظ بالرأس في قلايته بدير مطرا إلى أن يتم بناء الكنيسة. ثم بدأ في بناء الكنيسة التي عرفت باسم المعلقة بالإسكندرية الكائنة في شارع المسلة بالثغر ولكنه لم يستطع إكمالها فأتمها خليفته البابا أغاثون وكرسها في مثل هذا اليوم. ووضع فيها الرأس المقدسة وكان من طقس رسامة البطاركة أن يتوجه البابا ثاني يوم رسامته إلى رأس مار مرقس الإنجيلي الرسول وبصحبته الأساقفة والكهنة والشعب. فيضرب المطانية أمام الرأس المقدس ثم يرفع البخور أمام الرأس ويقرأ مقدمة إنجيل مرقس. ويختم الصلاة بالتحليل والبركة ثم يدخل إلى حجرة وحده. ويأخذ الرأس المقدسة ويضعها في حجرة ويعريها من الكسوة القديمة ويكسوها بكسوة جديدة من الحرير ويخيط عليها وبعد ذلك يظهر للناس وهي في حجرة ليقبلوها واحدا واحدا حسب رتبهم. ويتبارك هو من مؤسس الكرازة المرقسية وإذ يدعي البابا الأسكندري خليفة مار مرقس بركة صلوات القديس مار مرقس الإنجيلي الرسول فلتكن معنا ولربنا المجد دائمًا أبديا آمين".
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : نياحة القديس ابراهيم المتوحد
في مثل هذا اليوم تنيح الأب العظيم في القديسين العابد المجاهد إبراهيم المتوحد. كان هذا الآب من مدينة منوف ابنا لأبوين مسيحيين من ذوي الثراء. فلما كبر اشتاق إلى الرهبنة، فقصد أخميم، ومن هناك وصل إلى القديس باخوميوس حيث البسه ثياب الرهبنة، فاضني جسده بالنسك والعبادة، وأقام عنده ثلاثة وعشرين سنة ثم رغب الوحدة في بعض المغارات فسمح له القديس باخوميوس بذلك، وكان يصنع شباكا لصيد السمك. وكان أحد العلمانيين يأتي إليه ويأخذ عمل يديه ويبيعه ويشتري له فولا، ويتصدق عنه بالباقي. وأقام علي هذا الحال ست عشرة سنة، كانت مئونته في كل يوم منها عند المساء ربع قدح فول مبلول مملح. ولان اللباس الذي كان قد خرج به من الدير قد تهرأ، فانه ستر جسده بقطعة من الخيش. وكان يقصد الدير في كل سنتين أو ثلاث لتناول الأسرار المقدسة. وقد حورب كثيرا من الشياطين في أول سكنه هذا المغارة، حيث كانوا يزعجونه بأصوات غريبة، ويفزعونه بخيالات مخيفة. فكان يقوي عليهم ويطردهم. ولما دنت وفاته أرسل الأخ العلماني الذي كان يخدمه إلى الدير يستدعي الأب تادرس تلميذ القديس باخوميوس. فلما حضر إليه ضرب له مطانية وسأله إن يذكره في صلاته. ثم قام وصلي هو والقديس تادرس. ثم رقد متجها إلى الشرق واسلم روحه الطاهرة. ولما أرسل القديس تادرس الخبر إلى الدير حضر الرهبان وحملوه إلى هناك ثم صلوا جميعهم عليه وتباركوا منه ووضعوه مع أجساد القديسين.
صلاته تكون معنا ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين.