دينيّة
06 شباط 2017, 06:30

قديسو اليوم: 6 شباط 2017

تذكار القديس بروكلّس اسقف أزمير (بحسب الكنيسة المارونية) كان هذا القديس معاصراً للرسل فآمن على يدهم. رغب في الفضيلة وسار سيرة مسيحية حسنة. عرف به القديس يوحنا الحبيب، فاتخذه تلميذاً وشماساً. ثم رقّاه درجة الكهنوت وأقامه اسقفاً على مدينة ازمير ليكون راعياً لها تحت تدبيره. فأخذ هذا القديس يتفانى غيرة على التبشير بالانجيل حتى ردّ كثيرين من الوثنيين الى الايمان بالمسيح. وبنصائحه وارشاداته ثبّت المسيحيين في ايمانهم وشجعّهم على اكليل الشهادة والمجد الابدي. ولكثرة ما اجراه الله على يده من الآيات والعجائب، لقّبه الكاتب نيقورس " صانع الآيات". ومن أشهر تلاميذه القديس بوليكربوس الذي رقّاه شماساً ثم كاهناً وصار اسقفاً على ازمير خلفاً له. وبعد ان جاهد الجهاد الحسن في اسقفيته مدة عشر سنوات، رقد بالرب سنة 99. صلاته معنا. آمين.

 

وفي هذا اليوم ايضاً : تذكار الشهيدة فوسطا

كانت فوسطا من بسيزيكا في آسيا الصغرى بعهد الملك مكسيميانوس، راسخة الايمان بالمسيح. فاستحضرها والي المدينة وكلفها أن تكفر بايمانها، فلم تذعن له. فاسلمها لاحد كهنة الاصنام واسمه افلاسيوس. فاجرى عليها عذابات متنوعة. فجزّ شعرها وعلّقها بشجرة وهي ثابتة في ايمانها تشكر الله فأمر بأن تنشر وتشق شطرين واذ حاول الجلادون، جمدت سواعدهم وما تمكنوا من الحركة، فدهشوا لهذه الآية كما دهش افلاسيوس كاهن الاصنام نفسه، فآمنوا بالمسيح جهراً. عندئذ استشاط الوالي غيظاً وأمر فثقبوا رأس الشهيدة وهشموا جميع اعضائها والقوها في مقلاة وافلاسيوس معها فنالا اكليل الشهادة سنة 303. صلاتهما معنا. آمين.

 

القديس الشهيد إيليان الحمصي‎ ‎‏(بحسب الكنيسة الارثوذكسية)‏

وُلد القديس إيليان في مدينة حمص، في عائلة تدين بالوثنية، وتُعدُّ من أشراف السكان القاطنين في حمص. زمن ولادته كان في القرن الثالث الميلادي. وليس معروفاً بالتحديد.

نشأ إيليان على إيمان قويم، وعبادة حسنة. كان صوّاماً قوَّماً، متصدِّقاً ورؤوفاً، راحماً للمساكين. وكان جميلاً في خلقته وزيِّه. هذه النشأة في الإيمان للقديس إيليانكانت سرَّاً عن أبيه، فهو قد تلقّنها سِرَّاً من أمِّهِ. كان يوزِّع على الفقراء ما تصل إلى يده من عطايا والده ويعالج المرضى بالمجان. يشفيهم باسم يسوع علانيةً. وإذ جاهر إيليان بمسيحيَّتِهِ ذاع صيتُهُ في حمص وسواها حتى صار الناس يأتونَهُ من أمكنة بعيدة. اقترن طبُّ إيليان بالبركة السماوية للرَّب يسوع طبيب النفوس والأجساد، وهذا ما جعل من إيليان الطبيب البشري طبيباً معروفاً لا للجسد فقط وإنَّما للأرواح أيضاً، وخاصَّةً أن الله منَّ عليه بنعمة طرد الأرواح الشريرة.

هذه الضجة التي أثارها إيليان بلغت أسماع الأطباء وأثارت حفيظتهم. وإذ امتلأوا حسداً، قام بعضهم إلى أبيه واشين منذرين. وقالوا لهُ ابنك يكرز باسم إلهالمسيحيين ويهزأ بالآلهة، وأنت رجل شريف ولك عند الملك صوت مسموع وكذلك عند أهل المدينة. وقد أتتك وصية من الملك أن تساعد والي المدينة بملاحقة المسيحيين. أما نحنُ فقد ثبت لدينا أن ابنك ساحر وقد ضلَّل أكثر أهل المدينة.

ساء والد إيليان أن يسمع ما قيل له عن ابنه. كان لا بدَّ له أن يقوم بعمل ما يثبت من خلاله ولاءه للملك وغيرته على الآلهة. أول ردّ فعل كان لديه، الغضب الشديدعلى ابنه، بل على الذين يمكن أن يكونوا قد أفسدوا عقله. لذلك اتجه ذهنه شطر رئيس المسيحيين في حمص، أسقفها، سلوان، الذي استطلع خبره فعرف أنه يكرز بالمسيح علانيةً في المدينة، هو واثنان من تلاميذه، لوقا الشماس وموكيوس القارئ (أو مكسمس). فأرسل عمَّالهُ وألقوا القبض عليهم وشقوا ثيابهم وأوثقوهم وضربوهم، وجرّوهم في المدينة جزاءً لهم ليكونوا عبرةً لكل من يدين بالمسيحية. ثمَّ سلموهم للوالي ليضعهم في السجن. بقوا في السجن أربعين يوماً، ثمَّ أخرجوا للعذاب من جديد.

تعذَّب الثلاثة بالرَّجم والضرب والتجريح فيما أخذوا يسبحون الله ويسألونه القوة والصبر، وقد ذُكِر أنَّ الرَّب أيَّدهم بآيات من عنده جعلت الحاضرين يضجون تعجباً واستغراباً. وإذ بلغ إيليان خبرهم أسرع إليهم وقبَّل رباطاتهم وتوجَّع لهم. فقبض عليه عسكر الوالي وأخذوه إلى أبيه وأخبروه بما فعل.

وكان خسطارس أبيه في حضرة جلساء عديدين فخشي على نفسه وسمعته وأمر بسوق ابنه إلى الوالي بعد ما زوَّد الجند برسالة إليه قال فيها: وجَّهتُ إليك ابني بكري ووحيدي إيليان وقد لحق بالمسيح المصلوب ورفض أمر الملك. وقد أطلتُ روحي عليه ليرتدَّ فعاند وكفر فاحكم عليه بما يستوجب. فلّما قرأ الوالي الرسالة ردَّ إيليان إلى أبيه قائلاً: ابنك عزيز عندي فاحكم أنت عليه بما تشتهي. وقد وجَّهتُ لك صحبته سلوان الأسقف وتلميذيه، فأظهر فيهم حدَّ الشريعة لتنال من الآلهة الجزاء والسلام.

عامل خسطارس  سلوان ورفيقيه كسحرة فيما أودع ابنه السجن. وبعدما عرَّضهم للضرب أمر أن يُلقوا للسباع، شرقي المدينة. هناك وقبل أن يتمِّم الآثمون فعلهم، رفع القديسون الصلاة لله. فلما فتح الجلادون الباب للسباع حدث ما لم يكن في الحسبان ظلَّلت الموضع سحابة من نار وعجَّ الهواء وسقط البرد فهربت السباع وسرى الفزع بين الناس. وقد قيل أنَّ عدداً كبيراً منهم آمنوا بالمسيح على الأثر. أما إيليان فتمكن من الخروج من السجن وانضمَّ إلى القديسين عساه يحظى معهم بنصيب من الشهادة. فلما حصل اضطراب ليس بقليل جاء الوالي بجند كثير وفتك بكل الذين جاهروا بإيمانهم إلا إيليان وهو واقف يصلي.

عيل صبر خسطارس في هداية ابنه إيليان إلى عبادة الآلهة الوثنية. فأمر بعد تعذيبه وسجنه وضربه، وإنزال أقسى أنواع العذاب فيه بصنع مسامير أراد أن يغرسها في رأسه. وهذا ما فعله عندما أتاه الحداد بالمسامير. حيث غرزها في رأسه، ثم أمر الجند أن يطلقوا سراحه ليموت موتاً بطيئاً عبرةً لمن اعتبر. فخرج إيليان بالجهد، إلى مغارة شرقي المدينة يُصنع فيها الفخار. هناك صلَّى وأسلم الروح.

فلما كان الغد حضر الفاخوري، صاحب المكان، وكان مسيحياً في السر، فطالعه منظر إيليان ففرح لكنّه خشي أن يكون الوثنيّون قد نصبوا فخاً للمؤمنين بوضعهم الجسد هناك. فانتظر إلى اليوم التالي. فجاءه إيليان في الحلم ليلاً وطلب منهُ أن يحمله إلى كنيسة الأرشايا حيثُ يجتمع خراف المسيح بالسر. والأرشايا هي أول كنيسة تُعزى إلى الرسولين يوحنَّا  وبطرس. والكنيسة أيضاً على اسم القديسة بربارة، وقد جُعلت في قصر امرأة آمنت بالمسيح بعد ما شُفي ابنها بيد الأسقف جراسيموس الذي أقامه الرسولان متلمِذاً لمدينة حمص وأعمالها أولاً. إلى هذه الكنيسة جاء الفاخوري حاملاً جسد القديس إيليان، فاستقبله المؤمنون بفرح، ولما أخذوا الجسد جعلوه "شرقي المذبح على سرير وصاروا يتبَّركون به".

كذلك ورد أنه كان في زمن ثيودوسيوس الكبير (379- 395م) أسقف على مدينة حمص اسمُهُ بولس. هذا بنى كنيسة للقديس كانت عبارة عن هيكل واسع جميل مزيَّن مكمَّل بالرخام والأعمدة والفضَّة وفي داخله كنيسة صغيرة فيها قبر القديس وتحت المذبح ناووس مليح وله مدخلان من اليمين واليسار. فلمَّا اكتمل البناء نُقل جسد القديس بالقراءات والصلوات والكرامات وقد أظهر الله بجسده قوات وأشفية جرت بيد الأسقف المذكور بينها حادثة شفاء ابنة رجل يهودي من السرطان.

ليس واضحاً تماماً متى كانت شهادة القديس. البعض يقول في القرن الثالث، أيام الإمبراطور داكيوس قيصر، والبعض يقول لا بل في زمن مكسيمينوس قيصر في القرن الرابع.

إن كنيسة القديس إيليان قائمة إلى اليوم، وكذلك ضريحه الرخامي. الكنيسة قديمة العهد جداً وفيها بقية أيقونات حائطية ماثلة للعيان بوضوح والكنيسة الكبرى التي تحتضن الكنيسة الصغرى والضريح مرسومة بالأيقونات الحائطية منذ السبعينات من هذا القرن.  

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : القديس بوكولوس أسقف إزمير

هو الذي جعله القدّيس يوحنّا اللاهوتي أسقفًا على إزمير، في آسيا الصغرى، بعدما اسّسها. كان إناءً لروح الربّ. كرز للوثنيّين وطرد الشياطين. سام القدّيس المعروف بوليكربوس  (23 شباط ) أسقفًا محلّه لما شعر بدنو أجله. أنبت الربّ الإله عند قبره شجرة تناقل الناس انّها كانت تشفي المرضى إن قصدوها بإيمان. 

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : القديس فوتيوس المعترف بطريرك القسطنطينية

ولد القدّيس فوتيوس المعترف سنة 820م لعائلة مميّزة. أبوه سرجيوس وأمه إيريني معترفان في الكنيسة. يُعيَّد لهما في السنكسار البيزنطي في 13 أيار. قاوما الإمبراطور ثيوفيلوس (829 – 842م) لسياسته الكنسية المعادية لإكرام الإيقونات فتعرّضا للنفي. وقد ذكر فوتيوس نفسه في رسالة له، فيما بعد، أن عائلته بكاملها بمن فيها عمّه، البطريرك القدّيس تراسيوس (+806م)، أبسلهم أحد المجامع المعادية للإيقونات. ويبدو أن أملاك العائلة، وهي كثيرة، قد صودرت. العائلة كانت تنتمي إلى طبقة النبلاء. وقد كان لفوتيوس أخوان، سرجيوس وتراسيوس. سرجيوس، كما ورد، اقترن بإيريني، أخت الإمبراطورة ثيودورة، المدافعة عن الإيقونات. مصادر أخرى ذكرت أن من تزوّج من أخت الإمبراطورة كان خاله لا شقيقه. في جوٍ مشبعٍ بالاهتمامات الكنسية، إذن، نشأ فوتيوس. الدفاع عن الإيمان القويم كان إرثاً عائلياً درج عليه قدّيسنا طيلة حياته.

إلى ذلك تسنّى لفوتيوس أن يحصّل ثقافة واسعة في مختلف ميادين العلم الكنسي والدنيوي في آن. لم يترك مجالاً من مجالات المعرفة في زمانه إلا سبر غوره حتى أضحى أكثر أهل زمانه علماً وأبرز وجوه النهضة الفكرية في بيزنطية بعد مرحلة اضطهاد الإيقونات.

في إحدى رسائل القدّيس فوتيوس إلى البطاركة ذكر أنه مال في شبابه إلى الحياة الرهبانية لكنه التزم التعليم، استاذاً في الجامعة الملكية في قصر مغنورة، بعدما عيّنه فيها ثيوكنيستوس، رئيس وزراء الإمبراطورة ثيودورة، معلماً للفلسفة الأرسطوطاليسية واللاهوت. وما لبث، بعد حين، أن جرى تعيينه مديراً للمحفوظات الملكية وعضواً في مجلي الشيوخ. في العام 855م ترأس سفارة إلى حاضرة الخليفة العباسي، المتوكل، في بغداد. هناك، فيما يبدو، وبناء لطلب أخيه، وضع ما يُعرف بالميريوبيبلوس أو "المكتبة" وهو مؤلّف ضمّنه فوتيوس خلاصات مئتين وثمانين من أعمال القدامى وتعليقات عنها. فعل ذلك بالاعتماد على ذاكرته وحسب. يذكر أن عدداً من الذين كتب فوتيوس عنهم ضاعت أعمالهم ولم يبق لنا غير "المكتبة" شاهدة لها. مثل هؤلاء ستاسياس وممنون وكونون وديودوروس سيكولوس.

كان القدّيس فوتيوس خارج مدينة القسطنطينية عندما جرت فيها أحداث سياسية غيّرت مجرى الأمور وحملت فوتيوس إلى رأس سلّم الإدارة الكنسية. فلقد نجح برداس، شقيق الإمراطورة ثيودورة، بتشجيع من الإمبراطور الحديث ميخائيل الثالث، في إنهاء ولاية شقيقته بالوصاية على ابنها بعدما فتك برئيس وزرائها ثيوكنيستوس، ونصّب نفسه وصيّاً محلها. أوساط الليبراليين والمفكّرين ساندته فيما وقف المحافظون بجانب ثيودورة. القدّيس أغناطيوس، بطريرك المدينة المتملكة الذي سبق للإمبراطورة المخلوعة أن عيّنته، كان من المحافظين، لذا فقد حظوته لدى الحكومة الجديدة. ويبدو أن أتباعه أطلقوا للسانهم العنان في إذاعة أخبار مشينة طعنت بحياة برداس الشخصية. فلما جرت محاولة فاشلة لإعادة ثيودورة إلى الحكم، أُلزمت وبناتها بأخذ النذور الرهبانية. أغناطيوس، من ناحيته، رفض أن يبارك ثوبهن الرهباني دلالة على عدم رضاه وانصياعه لتدبير برداس. وإذ بدا كأن أزمة في العلاقة بين الدولة والكنيسة على الأبواب، نصح بعض الأساقفة أغناطيوس بالاستقالة للحؤول دون ذلك فنزل عند رغبتهم وطلب من مناصريه أن يختاروا لهم بطريركاً آخر غيره. فلما التأم مجمع محلّي للنظر في الأمر، برز الصراع واضحاً وحاداً بين فريقين من الأساقفة. وإذ غلب، في نهاية المطاف، الاتجاه التوفيقي بعدم اختيار بطريرك من بين الأساقفة المتناحرين، استقر رأي الجميع على اختيار رجل من العامة هو فوتيوس، ورفعوا توصيتهم إلى الإمبراطور. حتى أكثر مناصري أغناطيوس ولاء له وافقوا على الرأي المقترح. استصوب برداس التوصية وعيّن فوتيوس بطريركاً. فوتيوس، على مل قيل، لما بلغه الخبر استفظعه وحاول التملّص بكل الطرق الممكنة. الوقت صعب والمهمة دقيقة وليس سهلاً على من التزم الدرس والتدريس، أستاذاً ومفكّراً، أن يتخلى عن عالم نعم فيه بهدوء لا شك فيه، ليخوض غمار عالم صاخب مضطرب محفوف بالمخاطر كبطريركية القسطنطينية. لذا قال في رسالة إعلان إيمانه إلى نيقولاوس، بابا رومية، بعد ذلك بزمن، أنه رُفّع إلى البطريركية بغير إرادته وهو يشعر بأنه يقيم فيها بمثابة سجين.

أنى يكن الأمر فإنه جرى ترفيع فوتيوس في سلم الرتب الكهنوتية في خلال أسبوع لأن الوقت كان قريباً من عيد الميلاد وكانت على البطريرك مهام تجدر ممارستها في أقرب وقت ممكن. على هذا جرى تنصيبه بطريركاً يوم الخامس والعشرين من كانون الأول عام 858م.

لم يتح لفوتيوس أن ينعم بالسلام طويلاً لأن المتطرفين من أنصار أغناطيوس ما لبثوا أن رصّوا صفوفهم وأعلنوا رفضهم للبطريرك الجديد رغم الضمانات التي سبق له أن أعطاها بشأن منزلة البطريرك المستقيل. هكذا بدأت متاعب فوتيوس التي فرضت عليه مواقف حرجة أملت عليه قرارات صعبة فأثارت بشأنه تساؤلات جمّة وجعلت منه رجل الملمّات عنوة. والحق أنه جمع، في أدائه، بين الوداعة والمواجهة والدقّة والرحابة والإحجام والإقدام والفضيلة والمسؤولية.

ما أن مضى شهران على تنصيب فوتيوس بطريركاً حتى بدأت القلاقل. جماعة أغناطيوس المتطرّفة تداعت إلى اجتماع في كنيسة القدّيسة إيريني وأعلنت رفضها للبطريرك الجديد وتمسّكها بأغناطيوس بطريركاً شرعياً. السبب المباشر للعصيان ليس واضحاً. ربما نشب خلاف بشأن الضمانات الأنف ذكرها للبطريرك المستقيل. أنى يكن الأمر فإن واحدة من حجج الجماعة كانت عدم جواز ترفيع فوتيوس إلى الدرجة البطريركية بالسرعة التي تمّ فيها.

حاول فوتيوس اجتناب الصدام وتهدئة الخواطر وأخذ الأمور بالرويّة فلم يُفلح. فدعا إلى مجمع في كنيسة الرسل القدّيسين للبحث في الأمر واتخاذ القرار المناسب بشأنه. ولكن قبل أن يلفظ المجمع حكمه تدهور الوضع ووقعت حوادث شغب أثارها المتطرِّفون. وإذ أخذت المسألة بعداً سياسياً تصدّى العسكر الملكي للمتظاهرين وقمعهم بقوة السلاح فسالت الدماء وتفاقمت الأزمة. فوتيوس، من ناحيته، ندّد باستعمال القوة وهدّد بالاستقالة. ولكن، أمام إصرار المعارضة على موقفها، من ناحية، وعدم استعداد السلطة المدنية للرضوخ، من ناحية أخرى، طالب برداس الكنيسة بحسم الأمر، فاضطر فوتيوس إلى دعوة المجمع من جديد وإلى اتخاذ قرارات مؤلمة بحق أغناطيوس (859م). فبناء لطلب برداس، أعلن المجمع أن بطريركية أغناطيوس باطلة من أساسها لأن أغناطيوس لم ينتخبه المجمع بل عيّنته ثيودورة. البطريرك المستقيل كان، خلال حوادث الشغب، قد تعرّض للسجن وبعض من أنصاره. فلما أبطل المجمع بطريركيته تم نفيه إلى ميتيلين ثم إلى جزيرة ترابنتوس. ولكن تبيّن، بعد حين، أنه لم تكن لأغناطيوس علاقة بحوادث الشغب وهو براء مما أثاره المتطرّفون من أتباعه باسمه فسُمح له بالإقامة في قصر بوسيس في القسطنطينية.

لم تهدا الحال، رغم التدابير المتخذة، ولا استكان المتطرّفون. فدعا فوتيوس والإمبراطور ميخائيل الثالث إلى مجمع جديد (861م) وطلبا من البابا نيقولاوس الأول، بابا رومية، (858 – 868)، إيفاد مبعوثين عنه. الموضوع الأساس كان دحض محاربة الإيقونات وتثبيت القرارات المتّخذة في حينه (843م) برعاية الإمبراطورة ثيودورة. نيقولاوس، في رسالته الجوابية، اعترض على ترفيع عاميّ إلى درجة البطريركية، لكنه أوفد رادوالد أسقف بورتو وزخريا أسقف أناغني، لاستطلاع الوضع في القسطنطينية تاركاً لنفسه أمر البتّ في شرعية فوتيوس بطريركاً. نيقولاوس كان يتصرّف كمن له سلطان على الكنيسة في كل مكان. هذا لم يكن في حساب فوتيوس ولا كنيسة القسطنطينية. اطلّع المندوبان على الوضع القائم واستجوبا أغناطيوس. فلما بانت لهما الصورة في القسطنطينية على حقيقتها ثبّتا، باسم بابا رومية، قرارات مجمع 859 بشأن لا شرعية بطريركية أغناطيوس. ويبدو أن أغناطيوس رضخ. فظن المبعوثان أنهما، بما فعلا، أكدا سلطة البابا كحكم. لكن سير الأمور بيّن، بعد حين، أن البابا نيقولاوس لم يكن مستعداً للاكتفاء بما جرى وأن صورته عن نفسه، فيما خصّ سلطته في الكنيسة، كانت غير صورة الآخرين عنه.

في تلك الأثناء، وصل إلى رومية عدد من متطرّفي حزب البطريرك أغناطيوس وعلى رأسهم ثيوغنوسطوس الراهب. هؤلاء نقلوا صورة عن الأوضاع في القسطنطينية لم تكن مطابقة لواقع الحال، حتى إنهم ناشدوا البابا، باسم أغناطيوس زوراً، التدخل لإحقاق الحق ووضع الأمور في نصابها. وإذ بدا كأن نيقولاوس كان مهيّئاً لقبول شهادة من النوع الذي وصل إليه لأنها تناسب رؤيته وتزكّي نزعته إلى الهيمنة، بادر إلى الطعن بالموقف الذي اتخذه مبعوثاه، كما أعلن أن قرارات مجمع 861م باطلة. كذلك أعلن تنحيته لفوتيوس كبطريرك للمدينة المتملكة وادّعى أن لباباوات رومية سلطاناً أن يحكموا في شرعية أو لا شرعية المجامع المحلّية. وفي العام 863 جمع نيقولاوس أساقفة من الغرب في رومية أدانوا فوتيوس وأبسلوه هو والأساقفة والكهنة الذين سيموا بيده، وأعلنوا أن أغناطيوس هو البطريرك الشرعي للقسطنطينية. وقد جرى إبلاغ فوتيوس والإمبراطور ميخائيل الثالث بذلك. لم تأخذ القسطنطينية القرارات البابوية في الاعتبار واحتجّ الإمبراطور على تدخّل رومية في الشؤون الداخلية للكنيسة في القسطنطينية، فصرّح نيقولاوس سنة 865 أنه يستمدّ سلطته على الكنيسة الجامعة من المسيح نفسه وله حق التدخّل في الشؤون الداخلية للكنائس المحلية ساعة يشاء.

على صعيد آخر، وجّه فوتيوس طرفه ناحية الشعوب السلافية راغباً في تبشيرها. وقد وقع اختياره، لهذه الغاية، على أحد أصدقائه، قسطنطين، الذي كان عالماً فذّاً. هذا نعرفه في الكنيسة باسم القدّيس كيرللس. وكذلك استدعى فوتيوس شقيق هذا الأخير، وهو ناسك في جبل الأوليمبوس، يدعى مثوديوس. هذان شرعا بمهمة رسولية لدى الخازار في روسيا الجنوبية، ثم انتقلا إلى مورافيا بناء لطلب أميرها. هذا كان إيذاناً بالبدء بهداية الشعوب السلافية إلى المسيح. وقد جرت، بعد حين، معمودية بوريس (ميخائيل) أمير بلغاريا. هذا عمّده فوتيوس وكان الإمبراطور عرّابه. بمعمودية بوريس، أنشدّت بلغاريا إلى المسيحية. لكن بوريس ما لبث أن دخل في خلاف مع القسطنطينية. السبب أنه طمح في أن يكون للبلغار بطريرك خاص بهم. فلما لم يستجب فوتيوس والإمبراطور لرغبته حوّل نظره شطر رومية. كان ذلك عام 866م. فاغتنم البابا نيقولاوس الفرصة وبعث بمرسلين لاتين أخذوا يبثون بين البلغار اللاهوت الغربي والعادات اللاتينية. وقد ورد أن من جملة ما أخذ يشيع، آنئذ، التعليم الخاص بانبثاق الروح القدس من الآب والابن معاً (الفيليوكوي). وكان طبيعياً أن يصطدم الروم واللاتين هناك. الروم كانوا موجودين على الأرض. الصراع بدا مكشوفاً. الروم اعتبروا الخطوة اللاتينية اقتحاماً لنطاق خاص بهم واللاتين مجالاً لتأكيد سلطة البابا ونشر عادات الكنيسة اللاتينية وفكرها اللاهوتي في مقابل الفكر البيزنطي المشبوه والعادات البيزنطية الفاسدة. فلم يلبث فوتيوس، رداً على الهجمة اللاتينية، أن بعث برسالة إلى أساقفة الشرق بيّن فيها ضلالات اللاتين، لاسيما لجهة مسألة الانبثاق. ثم دعا إلى مجمع كبير في القسطنطينية، عام 867، أكّد الإيمان القويم وأبسل البابا ومرسليه في بلغاريا. وعليه طلب الإمبراطور البيزنطي من الإمبراطور الجرماني لويس الثاني الإطاحة بنيقولاوس. ولكن قبل أن تصل إلى نيقولاوس قرارات مجمع القسطنطينية رقد.

في أيلول 867 فتك باسيليوس الأول الذي سبق أن عيّنه ميخائيل الثالث إمبراطوراً مشاركاً، أقول فتك بميخائيل بعدما كان أن فتك بعمّه برداس. ولكي يكسب ودّ المحافظين عمد إلى إقالة فوتيوس وإعادة أغناطيوس إلى سدّة البطريركية. وإذ دخل إكليروس القسطنطينية في صراع فيما بينهم وساد البلبال، رأى الإمبراطور أن يستعين برومية لوضع الأمور في نصابها. فدعا البابا أدريانوس الثاني إلى مجمع انعقد في القسطنطينية عام 869م. هذا اعتبره اللاتين بمثابة مجمع مسكوني ثامن. في هذا المجمع الذي ضمّ مائة وعشر أساقفة وحسب جرت إدانة فوتيوس وإبطال مجمع 867. كما جرت إقالة مائتي أسقفاً وتجريد العديد من الكهنة ممن سامهم فوتيوس أو كانوا من مناصريه. أما فوتيوس فأوقف أمام المجمع ليجيب عن التهم الموجهة إليه فلزم الصمت مكتفياً بالقول: "الله يسمع صوت الصامت... تبريري ليس من هذا العالم". ثلاث سنوات بقي في الإقامة الجبريّة مقطوعاً عن أصحابه ومحروماً من كتبه. لا اشتكى ولا تذمر. ولا حمل على أحد. عانى المرض. صبر صبراً عجيباً. واكتفى بتوجيه رسائل تشجيع وتشديد للذين كانوا يتألّمون من أصدقائه.

لم يكن عمل أغناطيوس في الفترة الجديدة من بطريركيته سهلاً. وما لبث أن وجد نفسه في صراع مع البابا يوحنا الثامن. لكنه احتضن بوريس (ميخائيل) البلغاري بعدما ارتدّ عن رومية إلى القسطنطينية. وإذ ازدادت القناعة في المدينة المتملكة أن الدور الذي أُتيح لرومية لعبه عظيم شأنها على حساب القسطنطينية نصح الأساقفة باسيليوس الملك، توحيداً للكنيسة فيها ورفعاً لشأنها، بإبطال قرارات مجمع 870 وإطلاق سراح فوتيوس. فعمد الإمبراطور إلى استعادة فوتيوس بإكرام بالغ وأسماه مربّياً لأولاده. وكانت أول بادرة فوتيوس أتاها أنه التقى وأغناطيوس وتصالحا وأعلن دعمه له ووقوفه بجانبه. أغناطيوس كان مريضاً فصار فوتيوس يزوره بانتظام. فلما رقد أغناطيوس بالرب، عاد فوتيوس إلى السدّة البطريركية بمباركة الجميع. وإلى فوتيوس يعود التدبير بشأن إعلان الكنيسة لقداسة أغناطيوس في 23 تشرين الأول من كل عام. فوتيوس وأغناطيوس، كما تبيّن، كانا ضحية الخلافات التي زكّاها الآخرون باسمهما.

ثم أن مجمعاً عُقد في القسطنطينية عام 879 – 880 ضمّ 383 أسقفاً وعرف بمجمع الوحدة رأب الصدع بين رومية والقسطنطينية وأعاد الاعتبار لفوتيوس رسمياً، كما أكّد الإيمان الأرثوذكسي وكفّر الزيادة على دستور الإيمان لجهة انبثاق الروح القدس. مبعوثو البابا يوحنا الثامن كانوا موجودين. ومجمع 869 اعتُبر لاغياً. فلما بلغ بابا رومية خبر المجمع وافق على مقرّراته. وهذا ما يفسّر أن مجمع 869، الذي سُمّي في الغرب بالمجمع السكوني الثامن، لم يُحسب كذلك في رومية إلى القرن الحادي عشر حين أدّت تغيرات إلى إعادة الاعتبار لمجمع 869 وإهمال مجمع الوحدة، مما ولّد الاعتقاد الشائع في الغرب الذي اتّهم فوتيوس ظلماً بأنه أبو الانشقاق وعدو الوحدة. هذه الحقيقة يُقرّ بها حتى العديد من علماء الكثلكة اليوم، أمثال الأب فرنسيس دفورنيك.

ومرة أخرى تغيّرت الأوضاع العامة وانعكست سلباً على فوتيوس. في العام 886 خلف لاون السادس أباه باسليوس إمبراطوراً. وإذ كان على عداء وأسقف أوخاييطا، غريغوريوس، وهو أحد أتباع فوتيوس، أقال البطريرك القدّيس وحجزه كفاعل سوء في دير الأرمن جاعلاً أخاه استفانوس بطريركاً محلّه. بقي فوتيوس في الإقامة الجبرية خمس سنوات محروماً من كل عزاء بشري. كأنما الرب الإله أراد تمحيصه كالذهب في الكور إلى المنتهى. في هذه الفترة من حياته كتب "ميستاغوجية الروح القدس" الذي دحض فيه مسألة انبثاق الروح القدس من الآب والابن (الفيليوكوي). رقد في الرب مكمّلاً بالفضائل في 6 شباط 891. وقد جرت بجسده للتوّ عجائب جمّة.

 

البار فوكولس أسقف ازمير (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)

إنّ هذا الأسقف القدّيس كان معاصراً للرسول يوحنّا الحبيب، وكان تلميذاً له. ولمّا كان من أولئك الرجال الرسوليين الأولين المكمّلين بالفضيلة، الشديدي الغيرة على نشر الإنجيل بين الأمم، فإنّ الرسول حبيب الرب أقامه أسقفاً على مدينة ازمير. وقد خلفه على ذلك الكرسي القدّيس بولكريس، الشهير بين الأساقفة العلماء الشهداء. ولمّا توفي فوكولس نبتت على قبره شجرة كانت ينبوع عجائب للمرضى وللمؤمنين، الذين كانوا يذهبون إلى قبر ذلك الأسقف البار ويلتمسون شفاعته.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : القدّيس الشهيد الطبيب إيليان الحمصي

إنّ هذا الطبيب كان من أولئك الرجال الأتقياء الصالحين الذين يتفانون في خدمة الربّ بإيمان نيّر وعلم ثابت، موقنين أن من زهد في أموال هذه الدنيا وصبا بعقله وعواطفه الى الكنوز الأبدية هو الحكيم الحقيقي والفيلسوف البصير في أمور الحياة. لأنّ رب الفلسفة والحكمة قال في إنجيله الطاهرة: أن من ترك أباً او حقولاً او اموالاً من أجل اسمي يأخذ مئة ضعف وينال حياة الأبدية.

ولم تعد الكنيسة المقدّسة في جميع أجيالها، وهي منبت القدّيسين وحديقة النفوس العالية الباسقة، أطبّاء أمثال إيليان يجعلون علمهم وفنّهم وأوقاتهم وقفاً على خدمة الطبيب يسوع الفادي في شخص أعضائه المتألّمة، لكي تكون لهم خدمة الجسد طريقاً الى النفس، فيحيون فيها عاطفة الإيمان، وينعشون قوّة الرجاء، ويملأونها آمالاً في الحياة الخالدة السعيدة المنزهة عن الألم.

هكذا قضى إيليان حياته خادماً للربّ في شخص المرضى. فكان نوراً وهدىً للوثنيين، وكان المرشد الأمين للمؤمنين في مدينة حمص العظيمة الزاهرة. فكان الأوّلون يعجبون به وبفضيلته وبكلامه فيؤمن