دينيّة
05 كانون الأول 2016, 06:30

قديسو اليوم: 5 كانون الأول 2016

تذكار مار سابا (بحسب الكنيسة المارونية)ولد في مدينة مولاتا في اقليم الكبادوك. وكان ابواه يوحنا وصوفيا يجمعان الى ثروة المال غنى التقوى الصحيحة. فنشأ سابا على حب الفضيلة وما شبَّ حتى عاف الدنيا وضوضاءها وانحاز الى احد الاديار، حيث انكبَّ على ممارسة الصلاة والتأمل، متسامياً بالفضائل.

 

ثم جاء الى اورشليم، وزار الاماكن المقدسة، ودخل دير القديس افتيموس، فقبله بملء الرضا، فسار في طريق الكمال المسيحي بخطىً جبارة متفوقاً على الجميع، ولا سيما بتواضعه العميق.

ثم طلب الانفراد في منسك قام فيه يبالغ بانواع التقشف، مثابراً على التأمل وتلاوة المزامير ويُحيك السلال ليعيش من ثمنها وما زاد عنه يتصدق به على الفقراء. فأقبل عليه الرهبان والنساك يسترشدونه، فأنشأ لهم المناسك. وبلغ عدد تلاميذه مئة وخمسين ناسكاً. ولما تكاثر عدد النساك شيَّد لهم ديراً وتولى ادارتهم، مشدداً بحفظ القوانين والنظام وسار امامهم في جميع الواجبات. فرسمه سالسُتوس بطريرك اورشليم كاهناً واقامه عليهم رئيساً.

وفي هذه الاثناء اتته أمه، بعد وفاة أبيه، تحمل اليه اموالاً كثيرة، فقبلها وبنى لها ديراً حيث قضيت ايامها وماتت بنسمة القداسة. وانشأ بتلك الاموال مستشفى للمرضى ومضافةً للزوَّار قرب الدير.

وقد ارسله البطريرك الى الملك انسطاسيوس على رأس وفد وزوَّده رسائل الاستغاثة. فلمَّا قرأها الملك ونظر الى ما كان عليه الراهب القديس من مهابة ووقار، رغم ظاهره الحقير، بالغ في اكرامه ورضي عن البكريرك ورفع الجور والاضطهاد.

وعند انحباس المطر في فلسطين، نحو خمس سنوات، جمع سابا رهبانه وصلوا الى الله فجادت السماء بمطر غزير.

وقد كلفه البكريرك الذهاب مرة ثانية الى القسطنطينية، عند الملك يوستينياس للدفاع عن المسيحيين. فاوقف الملك على الحقيقة، فهدأ غضبه وجاد بالمال عليه فوزعه على الفقراء. ثم عاد الى ديره، وما لبث ان رقد بالرب سنة 532، بين رهبانه بعد ان اوصاهم بالمحبة وحفظ القوانين. صلاته معنا. آمين.

 

سابا الناسك  (بحسب الكنيسة السريانية الكاثوليكية)

ولد سابا في كبادوكية في جوار قيصرية في قرية متلسكا سنة 439 من أبوين هما يوحنا وصوفيا، ونشأ على حبّ الفضيلة في بيت غني وشريف. تركه والداه عند سفرهما إلى الإسكندرية بعهدة خاله، لكن امرأة خاله الشرّيرة نغصت حياته فاحتمى بعمّه، فخاصمته على أمواله، فعاف سابا الدنبا وترك بيت عمّه وخاله يتخاصمان على ريع أمواله وهرب إلى البرّية في دير قريب من هناك.

وبعد أن قضى عشر سنوات هناك، تاقت نفسه إلى الوحدة، فاستأذن الرؤساء ليسمحوا له بالذهاب إلى القفار الأردنية، فزار الأماكن المقدسة، ثمّ طرق طرق باب دير افتيموس الكبير وطلب أن يقبله في عداد نسّاكه، ففرح افتيموس به لمّا عرف حياته الماضية. لكنّه نظراً إلى حداثة سنّه أرسله إلى ديلر ثاوكتستس حيث يستعد المبتدئون لمناسك القدّيس افتيموس المنفردة.

وعاش في ذلك الدير حتّى الثلاثين من سنّه مواظباً على أنواع الإماتات الرهبانية. وإذ إستصحبه يوماً أحد رؤسائه إلى الإسكندرية إلتقى هناك بوالديه فعملا على إقناعه بالعودة فلم يرض. وإذ رقد القدّيس ثاوكتستس بالربّ، سمح لسابا بأن يسكن في مغارة مقفرة. وكان يقضي خمسة أيام من الأسبوع في الوحدة التامة مثابراً على الـتأمّل وتلاوة المزامير ويعيش من ثمن السلال التي كان يبيعها ويتصدّق على الفقراء بما يفضل لديه. وكان يذهب في يومي السبت والأحد إلى الكنيسة فيجتمع بالنسّاك والرهبان هناك لحضور الذبيحة الإلهية وتناول القربان المقدّس وسماع الإرشاد. واستمر على هذا المنوال خمس عشرة سنة. ولرصانته دعاه القدّيس افتيموس (الشاب الشيخ). واجتمع لديه نحو مئة وخمسين من النسّاك المتوحّدين وهب أكبر مجموعة عرفتها براري فلسطين، فأنشأ لهم المناسك وأرشدهم وتولّى إدارتهم. وجمع سابا التلاميذ الأرمن في دير خاص وكانوا يتلون الصلوات بلغتهم. وجاءت أمّه بعد ترمّلها ومعها أموال كثيرة قدمّتها له ورغبت في أن تقضي ما تبقّى من عمرها تحت رعايته. فشيّد بتلك الأموال مستشفى للمرضى بجوار الدير وآخر في أريحا للزوّار والغرباء ومضافة للزوّار بقرب الدير.

وفي أوائل القرن السادس إضطهد الملك أنستازيوس الموالين للمجمع الرابع الخلقيدوني المسكوني 451. وأرسل البطريرك سابا إلى الملك انسطاسيوس على رأس وفد وزوّده برسائل، ولمّا قرأها الملك بالغ في إكرامه ورفع الجور والإضطهاد.

وعند انحباس المطر في فلسطين نحو خمس سنوات، جمع سابا رهبانه وصلّوا إلى الله فجادت السماء بمطر غزير.

وقام بعد استاسيوس المضطهد سنة 518 الملك يوستينس وأمر بأن يكون إيمان المجمع الخلقيدوني للكنيسة عموماً وأعاد الأساقفة المنفيين، أخذ سابا، وعمره ثمانون سنة، يطوف في فلسطين مبشّراً بالمرسوم، وذهب إلى القسطنطنية وهو إبن إحدى وتسعين سنة، وإذ ناهز الإثنين والتسعين من عمره، ودّع أولاده الرهبان وأقام عليهم تلميذه ملاتيوس رئيساً عاماً وأوصاهم بالطاعة له والمحافظة على الفرائض الرهبانية، ثمّ رقد بالربّ سنة 532. وبقيت أديار سابا تسطع في الشرق أنوار الفضائل حتّى القرن العاشر. وخرج منها أعلام عظام وبقي إلى يومنا دير قائم بيد الارثوذكس في وادٍ موحش بين أورشليم والأردن.

 

أبينا البار المتوشح بالله سابا المتقدّس (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)

وُلد القديس سابا في إقليم الكبادوك سنة "439م"، من أبوين مسيحيّين و كانا من أغنياء تلك البلاد وأشرافها، نشأ على حب الفضيلة منذ نعومة أظفاره.

هرب إلي البرية و دخل ديراً هناك ليعبد الله بالهدوء والسكينة فبدأ بالمحافظة على الصلوات و الطاعة والقيام بفرائضه بكل أمانة و نشاط حتى أنّه فاق رهبان الدير بتواضعه و طاعته و تجرده و أصبح مثالاً للجميع.

عاش في الدير عشر سنوات في جهاد متواصل و تاقت نفسه إلى الوحدة و العيشة المنفردة، فاستأذن رؤساءه ليسمحوا له بالذهاب إلى القفار الفلسطينيّة ليعيش عيشة النسك فسمحوا له بالسفر فأتى أورشليم وزار الأماكن المقدسة ثم نزل إلي البراري و أتى إلى دير القديس أفثيميوس الكبير وطلب أن يقبل في عداد النساك ففرح به أفثيميوس و لكنّه نظراً لحداثة سنه أرسله إلي دير القديس ثاوكتستس حيث كان المبتدئون يستعدون للحياة النسكيّة المفردة التي يديرها القديس أفثيميوس نفسه، فعاش هنالك مواظباً على الإماتات الرهبانيّة و سائراً في طريق الكمالات الإنجيليّة.

و في هذه الأثناء رقد القديس ثاوكتستس بالرب فطلب سابا إلى خلفه أن يسمح له بحياة الإنفراد. وكان له ذلك. فذهب وسكن في مغارة يمارس فيها أعمال النسك الشديدة. كان يقضي خمسة أيّام من الأسبوع ي الوحدة التامة مثابراً على التأمل و الصلاة ، يشتغل بعمل السلال ويبيعها لينفق على نفسه و يتصدّق على الفقراء . كان يذهب يومي السبت و الأحد إلى الكنيسة ليسمع الإرشادات الروحيّة وحضور الذبيحة الإلهية وتناول الأسرار المقدّسة و يعود إلى خلوته.

دعاه القديس أفثيميوس بالشاب الشيخ لرصانته في حياته و جميل فضائله و طباعه، وأقبل النساك والرهبان إلى سابا يطلبون إرشاده و أخذ الكثيرون يتتلمذون له. فأنشأ لهم المناسك وقام يرشدهم، و لما تكاثر عددهم شيد لهم ديراً أقاموا فيه . انتشر صيت قداسة سابا و فضائله وعمّت كلّ البلاد، فسامه البطريرك سالستس كاهناً رغم تذلله و ممانعته و أسند إليه الرئاسة العامة على المناسك في فلسطين. و أتته أمّه حاملة إليه أموالاً كثيرة من إرث أسرته و طلبت منه السماح لها بالإقامة تحت كنفه ما بقي لها من العمر، فسمح لها وعنى بوالدته في أيّامها الأخيرة، و لمّا رقدت أنشأ بالأموال التي حملتها إليه مستشفى للمرضى بجوار الدير، و مستشفى آخر في أريحا و مضافة للزوّار بقرب الدير وذهبت الأموال في سبيل خدمة القريب.

استحوذ الحسد على بعض الرهبان فنالوا من كرامته و التظاهر ضدّ سلطته فآثر الإبتعاد عن الدير على أن يقاوم الشرّ بالشرّ وتوغّل في الصحراء حيث وجد مغارة دخلها. وما أن أقام فيها حتى رأى أسداً هائلاً يدخل عليه لأن تلك المغارة كانت عريناً له، فلم يضطرب سابا لرؤيته و قال للأسد "لا تغضب فالمحلّ يتّسع لي ولك" فحدّق فيه الأسد و لوّح بذيله و غادر المغارة و ترك القديس سابا في عرينه و مضى . لكنّ الرهبان أشاعوا بأن الأسد قد إفترسه و طلبوا إلى البطريرك تعيين آخر مكانه.

ولمّا كان عيد تجديد هيكل القيامة جاء سابا كعادته إلي أورشليم ليحضر العيد فرآه البطريرك و تمسّك به وأعاده إلي ديره و عمله بالرغم من إعتذار سابا عن ذلك و إدّعائه بقلّة الدراية في تدبير أمور رهبانه، أمّا هو فلوداعته و تواضعه و حبّه للسلام فسكت عن عصيانهم  وبقى يسهر عليهم.

ترأّس القديس سابا وفداً من رؤساء الأديار للسفر إلى القسطنينيّة للمثول أمام الملك و تقديم رسائل له من إيليّا بطريرك أورشليم لكي رفع الشدّة عن فلسطين. فلم يسمح له الحرس بالدخول إلى القصر لأنهم ظنوه أحد الخدم لِما كان عليه من التواضع. ولمّا قرأ الملك الرسائل سأل عن سابا فأخبروه بالأمر فاستدعاه وبالغ في إكرامه و أرسل إلى عمّاله لتخفيف الوطأة عن البلاد ورضي عن البطريرك إيليّا و منح سابا ألف دينار ذهباً مساعدة لأدياره.

إمتاز سابا في حياته بالوداعة و التواضع و الفطنة وكان شفوقاً على القريب، خادماً للضعيف و الغريب، كثير الإماتات و الأصوام و لذلك منحه الله صنع العجائب.

رقد بالرب بين أولاده و قد ناهز الثانية و التسعين من عمره. و بقيت أديرة القديس سابا ورهبانه تسطع في الشرق حتى أواخر القرن العاشر حيث بقي منها إلى يومنا هذا دير واحد قائم على إسمه. وإلى القديس سابا يعود أقدم تيبيكون جمع القواعد التي تضبط الخدم الليتورجيّة في العبادة.

 

تذكار أبينا البار المتوشّح بالله سابا المتقدّس (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)

ولد سابا في أقليم الكباذوك، في جوار مدينة قيصريّة، في قرية تدعى مِتلَسكا، سنة 439، وكان أبوه يدعى يوحنّا، وأمّه صوفيّا وكانا من أغنياء تلك البلاد. إلاّ أن التقوى كانت زينة ذلك البيت، أكثر من الأموال والخيرات. فنشأ سابا على حب الفضيلة منذ نعومة أظفاره. وزاد الرب فضيلته ثباتاً ورسوخاً، إذ طبعها منذ الأيام الأولى بطابع الصليب، فتأصّلت ونمت وأزهرت، وفاح عطرها في الأرجاء.

دعت ضرورة الأحوال والدي سابا إلى السفر إلى مدينة الإسكندريّة، فأقلعا إليها، وخلّفاه عند خاله، وتركا له أموالاً كثيرةً. لكن إمرأة خاله كانت شريرة، فملأت حياته مرارة. فهرب إلى عمّه واحتمى في بيته. فنشأ بين الأسرتين خصام كبير بسببه. فنغّص ذلك عليه عيشه. فترك بيت عمّه وبيت خاله يتخاصمون على ربع أمواله، وهرب إلى البريّة ليعبد الله بالهدوء والسكينة والطاعة والفقر، في ديرٍ قريب من هناك.

فبدأ سابا بالمحافظة التامة على الطاعة، وإماتة الحواس، والقيام بفرائضه بكل دقّة وأمانة ونشاط. ويروى عنه أنّه كان يعمل يوماً في حديقة الدير. فرأى تفاحة جميلة المنظر، بهيّة الألوان، فمدّ يده زقطفها. ولكن ما هي إلاّ لحظة مرّت عليه حتى شعر بأنّه إنقاذ في ذلك لرذيلة الشره. فرمى التفاحة على الأرض، وداسها برجله، واستغفر الله عن ذنبه. وهكذا انتصر إنتصاراً عظيماً على ذاته وعلى أمياله. فصارت أفعال الفضيلة تهون عليه، وصار يكثر من كبح أهوائه. ففاق رهبان الدير بتواضعه وطاعته وصبره وتقشّفه وتجرّده، حتى أضحى مثالاً للجميع وحبيب الجميع.

وقضى في ذلك الدير عشر سنوات، كانت له جهاداً متواصلاً ونعيماً معاً. إلاّ أن نفسه كانت تتوق إلى الوحدة والعيشة المنفردة في البراري. فاستأذن رؤساءه ليسمحوا له بالذهاب إلى القفار الأردنيّة، ليعيش هناك عيشة النسّاك المتوحّدين. فشقّت عليهم مغادرته لهم. لكنّهم رأوا في ذلك دعوة إلهيّة، فسمحوا له بالسفر. فسافر وأتى أورشليم وزار الأماكن المقدّسة. فتشدّدت عزائمه أمام الصليب على قمّة الجلجلة. ثم نزل الى البراربي الشرقيّة، وأتى وطرق باب دير أفثيميوس الكبير، وطلب إليه أن يقبله في عداد نسّاكه. ففرح أفثيميوس به لمّا عرف ما كان من ماضيه. ولكنّه، نظراً إلى حداثة سنّه، أرسله إلى دير القديس ثاوكتستس، حيث كان المبتدئون يستعدّون لخوض غمار الحياة النسكيّة المنفردة، في المناسك التي يديرها القدّيس أفثيميوس نفسه.

فعاش في ذلك الدير إلى السن الثلاثين، مواظباً على أنواع الإماتات الرهبانيّة، سائراً بخطى واسعة في طريق الكمالات الإنجيليّة. واستصحبه يوماً أحد رؤسائه إلى مدينة الإسكندريّة فالتقى هناك بوالديه، بعد أن كانا قد علما بفراره وذرفا دموعاً غزيرة على فقده. ففرحا به فرحاً عظيماً، وعملا كثيراً ليقنعاه بالعودة إليهما وبترك تلك الحياة الرهبانيّة الشاقة.

ورقد القديس ثاوكتستس بالرب. فطلب سابا إلى خلفه أن يسمح له بحياة الإنفراد. فسمح له بذلك. فذهب وقطن في مغارة مقفرة، وقام يمارس فيها بحرارة أعمال النسك الشديدة. فكان يقضي خمسة أيام من الأسبوع في الوحدة التامة، مثابراً على التأمّل وتلاوة المزامير. وكان يخصّص أوقت الفراغ لشغل السلال التي كان يبيعها ويعيش من ثمنها ويتصدّق بما يزيد عنه على الفقراء. وكان يذهب في يومي السبت والأحد إلى الكنيسة، فيجتمع هناك مع النسّاك والرهبان لحضور الذبيحة الإلهيّة، وتناول الأسرار المقدّسة، وسماع الإرشاد الروحي. وكان غذاؤه قليلاً من التمر وبعض الأعشاب. وكان العرب المتجوّلون في تلك الفيافي يأتونه أحياناً بشيء من الخبز.

وعاش تلك العيشة الشديدة المنفردة خمس عشرة سنة، حتى صار إبن خمسٍ وأربعين وكان الرئيس القديس أفثيميوس يدعوه الشاب الشيخ، لرصانته في حياته، ورغبته في الصمت الدائم، وميله إلى الوحدة والإنفراد.

وأقبل النسّاك والرهبان على سابا يطلبون إرشاده. وأخذ الكثيرون يتتلمذون له. فأشأ لهم المناسك، وقام يرشدهم في سبل الكمالات الإنجيليّة. فاجتمع لديه نحو مئةٍ وخمسين من النسّاك المنفردين المتوحّدين. وهي أكبر مجموعة عرفتها البراري الفلسطينيّة.

ولم يكن سابا يسمح للنسّك بقبول الدرجات الكهنوتيّة، ليصون في قلوبهم فضيلة التواضع. ولمّا تكاثر عدد التلاميذ لديه شيّد لهم بقرب الصوامع ديراً وأقامهم فيه. فكان طالب النسك يقضي بعض السنين في هذا الدير، ثم ينتقل إلى أحد المناسك، إذا سمح له بذلك رؤساؤه، ويعيش عيشة الخلوة والإنفراد.

وما لبث سابا أن أضحى آية دهره وأعجوبة عصره، ولاسيّما بعد أن كان ثاوكتستس وأفثيميوس قد رقدا بالرب. فطار صيت قداسته وانتشر عبير فضيلته في البلاد كلّها. إلاّ أنّه رغم ذلك لم ينجُ من الحسد، ومن الأخوة الكذبة، ومن رجال المطامع الذين يندّسون حتى في الأديار والمعابد والمناسك ويُفسدون عمل الله. وذهب أولئك المشاغبون المتكبّرون إلى سالُستس بطريرك أورشليم وشكوا إليه أمرهم، وشرحوا له أن سابا رجل بسيط، قليل الدراية، ناقص الرأي لا يصلح للرئاسة العليا، بل يقف حجر عثرة في سبيل تقدّم ونموّ الدير والمناسك. فأصغى البطريرك إليهم بإنتباه. ثم وعدهم بأن ينظر في الغد في أمرهم، وصرفهم. فخرجوا من عنده فرحين، ظنّاً منهم أن البطريرك قد مال إلى رأيهم وأنّه ولا بدّ منصفهم. لكن البطريرك سالُستس لم يكن ذاك الرئيس الذي يسرع إلى قبول الوشايات وتصديقها. وقرأ الحسد والدسيسة في عيون أولئك الرهبان. فأرسل لساعته وطلب سابا إليه.

فلمّا كان الغد، حضر أولئك الرهبان، وهم يعلّلون النفس بالقضاء على رئيسهم. فأحضر البطريرك سابا بينهم، وتكلّم أمامهم على جمال الفضائل النسكيّة، وعلى التواضع والتجرّد والطاعة. ثم قام لساعته ورسم سابا كاهناً عليهم، رغم تذلّله وممانعته. وعلى أثر ذلك ركب البطريرك وحاشيته، ورافق سابا إلى مناسكه وديره، وكرّس كنيسة الدير، وقدّم لها هدايا نفيسة، وأجلس سابا على كرسي الرئاسة، وأسكت الأفواه المشاغبة. فعمّت الأفراح وتهلّلت القلوب، وباء بالخجل أولئك المتكبّرون المعترضون.

وتوثّقت بين سابا والقديس ثاوذوسيوس الكبير أبي الرهبان عرى صداقة أخويّة ثابتة صادقة. فأسند البطريرك سالُستس الرئاسة العامة على المناسك في فلسطين إلى القديس سابا، وأقام القديس ثاوذوسيوس رئيساً عامّاً على جميع الأديار.

وجاء سابا تلاميذ عديدون من بلاد أرمينيا. فبنى لهم ديراً، وشيّد لهم معبداً خاصاً بهم. فكانوا يتلون الصلوات ويرتّلون المزامير كلّهم معاً بلغة آبائهم وأجدادهم.

وأتته أمّه بعد أن ترمّلت، حاملةً إليه أموالاً كثيرة من إرث أسرته، وتضرّعت إليه أن يسمح لها فتقضي تحت كنفه ما بقيَ لها من أيام العمر. فرضي سابا بذلك، وعُني بوالدته في أيامها الأخيرة. وما لبثت أن رقدت بين يديه رقاد الأمّهات التقيّات الصالحات. وأنشأ سابا بالأموال التي حملتها إليه أمّه مستشفى للمرضى بجوار الدير، ومستشفى آخر للزوّار الغرباء في أريحا. وهكذا ذهبت تلك الأموال في سبيل خدمة القريب.

وكان سابا يعظم يوماً فيوماً في عيون الرهبان والنسّاك. والزوار العديدين الذين كانوا يأتونه من جميع أطراف البلاد، ليشاهدوا القداسة المتجلّية في شخصه، ويسمعوا نصائحه، ويعاينوا المئات من النسّاك والرهبان يسيرون بإرشاداته.

لكنَّ شيطان الحسد، الذي كان قد استحوذ على قلب بعض الرهبان، عاد يثير أولئك المشاغبين المتكبّرين على أبيهم ورئيسهم. فعادوا إلى النيل من كرامته، ليرغموه على مغادرة ديره ورهبانه.

وذهب فتوغّل في صحراءقاحلة، حيث وجد مغارة على سفح جبل، فدخلها وأقام فيها. فما أن سجد ليشكر الله ما أنعم به عليه من تلك الخلوة والسكينة، حتى رأى أسداً هائلاً يدخل عليه، وكانت تلك المغارة عريناً له: فلم يضطرب سابا لرؤيته ولم ترتعد فرائصه، لأن رجال الله يضعون ثقتهم كلّها بالله. فبادر الأسد بالكلام وقال له: لا تغضب، فالمحل يتّسع لي ولكَ. فحدّق فيه الأسد بعينيه الكبيرتين، ولوّح بذنبه، ثم أدار رأسه وترك القديس في عرينه ومضى.

وأسف الرهبان لفراق أبيهم، فانتشروا في كل صقع ووادٍ يطلبونه، فوجدوه. فأخذوا يتضرّعون إليه لكي يعود إليهم. فلمّا علم أولئك المشاغبون بذلك، أسرعوا وذهبوا إلى البطريرك يوحنّا خليفة البطريرك سالُستس وقاولوا له: يا سيّدنا، لقد علمنا أن سابا رئيسنا ذهب فتوغّل في البريّة ودخل مغارة فيها أسد. فانقضّ عليه ذلك الأسد وافترسه. فتضرّع إليك أن تقيم لنا رئيساً بدلاً منه. لكن البطريرك يوحنّا كان رجلاً حكيماً، فشعر أن وراء ذلك الكلام أمراً غامضاً. فردّهم وأوصاهم أن يذهبوا ويبحثوا عن أبيهم ورئيسهم. فعادوا أدراجهم خائبين.

فلمّا كان عيد تجديد هيكل القيامة، جاء سابا كعادته إلى أورشليم ليحضر العيد. فمسكه البطريرك وسأله عن حاله، وفهم من سياق كلامه أن الحسد وروح الكبرياء هما اللذان دفعا بعض الرهبان إلى الخروج عليه. فأوعز إليه أن يعود إلى ديره وعمله. فاعتذر سابا عن ذلك، وادّعى قلّة درايته في تدبير أمور رهبانه. لكن البطريرك ألحَّ عليه وأمره بأن يعود إلى ديره. وكتب رسالةً إلى الرهبان قال لهم فيها: "أيّها الأخوة بالرب يسوع، أبشّركم بأن الوحوش لم تفترس أباكم سابا، كما كان قد وصل خطأ إلى مسامعكم. فأقبلوه بالرب، وقدّموا له الطاعة الواجبة والإكرام. وكل من يرفض  الخضوع له فعليه أن يخرج من الدير".

فلمّا سمع العصا ذلك غضبوا، وأخذوا في الصياح والجلبة. وحملوا ما وصلت إليه أيديهم من أثاث وفرش وثياب ومال وخرجوا. وأتوا وادي تاون، حيث كانت مناسك  قديمة متهدّمة فرموها، وبنوا غيرها وأقاموا هناك فيها. ودعوا ذلك المكان "الدير الجديد" أو "اللافرا الجديدة"

أمّا سابا الوديع المتواضع المحب السلام فسكت عن عصيانهم وعمّا حملوه معهم، وبقي يسهر عليهم، ويسعفهم بصلواته وإرشاداته، ويحوّل إليهم مبالغ كبيرة من المال كان المحسنون يرسلونها إليه فيبعث بها إليهم. ولمّا رأى تضعضهم واضطراب أحوالهم ذهب إليهم وجمعهم وألّف بين قلوبهم وأقام لهم رئيساً ليجمع كلمتهم. وبذلك ظهر الراهب الحقيقي القديس الذي يسعى للخير، ويحافظ على واجبات المحبّة الأخوية.

وفي أوائل القرن السادس قام الملك أنستاسيوس يضطهد الكنيسة والأساقفة الموالين للمجمع المسكوني الرابع الخلقيدوني (451)، الذي كان قد حرم أوطيخا والقائلين بالطبيعة الواحدة في المسيح. فكانت تلك الأيام أيام إضطراب وبلبلة وإضطهاد.وكان الملك قد غضب على إيليّا بطريرك أورشليم، وعلى بلاد فلسطين التي بقيت على إيمان المجامع المسكونيّة الأربعة، وكان قد أمر بنفي البطريرك وبإستعمال الشدّة في تلك البلاد، ولاسيّما في جباية الأعشار. فاضطربت البلاد من ذلك الجور وذلك الإضطهاد. ودعا البطريرك إيليّا سابا إليه، مع بعض من رؤساء الأديار، وكلّفهم أن يذهبوا إلى القسطنطينيّة ويمثّلوا بحضرة الملك ويفاوضوه في شأنه وفي رفع الشدّة عن بلاد فلسطين.

فرضي سابا بأن يكون على رأس ذلك الوفد، ولم يرهب من عناء سفر شاسع، ولم تقعده السنون عن إقتحام المصاعب، ما دامت في ذلك خدمة للبلاد وللعباد. ومع أنّه كان قد بلغ السن السبعين، لم يؤثّر راحته وطمأنينته وحياته الهادئة في ديره بين رهبانه على منفعة قريبه، بل أقدم بشجاعة على الأتعاب والمشقّات، وسلّم أمره إلى الله وسافر.

وكان سابا أقل جميع أعضاء الوفد هيأةً وثياباً وظهوراً. فلمّا وصلوا إلى البلاط، لم يسمح الحرّاس بدخول سابا مع سائر أعضاء الوفد، لأنّهم ظنّوه أحد الخدم، لما كان عليه من الحقارة. فلمّا قرأ الملك رسائل البطريرك سأل عن سابا، فأخبروه بأمره. فاستدعاه وأدناه إليه وبالغ في إكرامه. وأرسل في الحال أوامره في تخفيف وطأة عمّاله عن بلاد فلسطين. ورضيَ عن البطريرك إيليّا، ومنح سابا ألف دينار ذهباً، مساعدةً لأدياره السبعة. فخرج من حضرته شاكراً حامداً.

وأحوز هذا الرئيس القديس مكانةً عالية لا توصف في تلك العاصمة العظيمة، حتى أن أميرات كنَّ يذهبن إليه لكي يسترشدونه في أمورهنَّ الروحيّة. وقضى سابا في العاصمة ردحاً من الزمان، وخدم المؤمنين فيها خدماً جلّى، ثم قفل راجعاً إلى أدياره وبنيه.

وضرب الله بلاد فلسطين بالقحط مدّة خمس سنوات متوالية. فمات الناس والبهائم من الجوع والضيق والأمراض. فأضحت الديورة ملجأ للجياع والسقماء. وجاء يوم لم يكن في دير القديس سابا قطعة من الخبز لأجل التقديس. فجمع سابا رؤساء أدياره وجموع رهبانه، وأخذ في الصلاة والتضرّع إلى الله لكي يرأف بعبيده. وما كادت تضرّعات أولئك الرهبان القديسين تتصاعد كالبخور أمام عرش رب السماوات والأرض، حتى طرق باب الدير رجال يقودون ثلاثين بغلاً محمّلةً قمحاً وخمراً وزيتاً. فأنزلوا تلك الأثقال والخيرات، وقالوا أن أحد المحسنين أرسلها إلى القديس سابا وأدياره. فطابت نفوس الجياع، وعمّ السرور وكثر الخير. ثم أرسل الله مطراً فارتوت الأرض وعاشت الناس والبهائم.

ومات الملك أنسطاسيوس المضطهد سنة 815. وقام مكانه يوستينس الملك الكاثوليكي العادل. فأعاد الأساقفة المنفيّين إلى كراسيهم، وأمر بأن يكون إيمان المجمع الخلقيدوني دستوراً للكنائس كلّها جمعاء. وكان سابا قد صار له من العمر ثمانون سنة. فقام مع شيخوخته وحمل عصاه، وجعل يطوف بلاد فلسطين مبشّراً بذلك المرسوم، وعاملاً على رجوع الهراطقة إلى حظيرة الكنيسة المقدّسة.

ومات الملك يوستينس، فخلفه على سرير الملك يوستنيانس العظيم. فثار السامريون على رجال الحكومة، وأحرقوا قراهم وكنائسهم، واتّهموا المسيحيّين بتلك الفظائع. فاستشاط الملك غضباً على بلاد فلسطين، وأمر بأن يُقتصّ بشدّة من المذنبين. فاضطربت البلاد وساد الهلع وعظم البلاء. وكان سابا قد صار إبن إحدى وتسعين سنة. ورأى أن شخوصه من جديد إلى القسطنطينيّة لا بد منه، رحمة بالبلاد والعباد. فحمل عصاه وقام يطوي الفيافي والأمصار في طريقه إلى العاصمة.

فلمّا علم يوستنياس الملك بقدوم ذلك الشيخ الجليل والرئيس الكبير، أرسل البطريرك والأساقفة لإستقباله مع رجال بلاطه.ولمّا قدم ومثل في حضرته بالغ في إكرامه. وشاهد هالةً من نور تحيط برأسه، فتأكّد له عظم قداسته. ومنحه كل ما طلبه في سبيل بلاد فلسطين، عفا عن السامريّين، وأمر لهم بمال لتعمير قراهم، وأمر ببناء مستشفى لإيواء المرضى الغرباء.

وكان سابا، كلّما زاد الملك والبلاط والعظماء والشعب في إكرامه إزداد هو تواضعاً ولنفسه إحتقاراً. وكان ينسب ذلك الإكرام إلى شيخوخته، لا إلى فضيلته وأهليته.

ثم عاد سابا إلى أدياره بسلام. وعاش من بعد ذلك أيضاً سنتين بسوس أبناءه بإرشاداته وحكمته وقداسته.

وامتاز سابا طول حياته بوداعته وتواضعه وسهولة معاطاته مع جميع الناس، ولاسيّما مع رهبانه. وكان كثير الشفقة على القريب، خدوماً للضعيف وللغريب، كثير الإماتات صبوراً على الضيم، متوكّلاً على الله في جميع أمور الحياة، مهما اشتدّت عليه وطأتها. وفتح الله أمام عينيه أبواب المستقبل، وأراه أسرار الأيام المقبلة، ومنحه مراراً صنع العجائب ومات سابا بين أولاده. وكان قد ناهز الثانية والتسعين من عمره. فأقام تلميذه ملاتيوس ليخلفه في الرئاسة العامة. وودّع بنيه، وعانقهم، وأوصاهم بالمحافظة على الفرائض الرهبانيّة، وبحسن القيام بواجبات دعوتهم المقدّسة. ثم رقد بالرب بسلام، وطارت نفسه النقيّة إلى الأخدار العلوية، ترافقها طغمات النسّاك والرهبان، الذين كانوا قد تقدّسوا بإرشاداته وسبقوه إلى الأخدار النيّرة الأبديّة.

 

استشهاد القديس بالاريانوس وأخيه تيبودنيوس في القرن الثالث الميلادى (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)

في مثل هذا اليوم استشهد القديسان بالاريانوس وأخوه ثيبورينوس، أهل رومية، وكانا ابنين لوالدين وثنيين، وقد خطب بالاريانوس ابنة رجل من أكابر المدينة اسمها كيليكية بارعة الجمال، وكانت مسيحية تعبد المسيح في السر، فلما تزوجها شرعت تقص عليه حياة السيد المسيح، وكيفية الإيمان به، شيئا فشيئا، حتى أمن علي يديها واعتمد، ولما استنار بالنعمة علم أخوه فآمن هو أيضًا واعتمد، وسار في الفضيلة سيراُ أهَّلهُ أن تناجيه الملائكة، وتخبره بما سيكون من الأسرار، ولما ملك دقلديانوسوأثار الاضطهاد علي المسيحيين، كان هذان القديسان يطوفان المدينة ويحملان جسد الشهداء ويكفناها ويدفناها، فسعي بهما بعض الأشرار لدي طوسيوس حاجب الملك، فاستحضرهما وسألهما عن معتقدهما، فأقرا أنهما مسيحيان، فوعدهما بوعود جزيلة إن كفرا بالمسيح وذبحا للأوثان، فلم ينخدعا بوعوده، فهددهما كثيرا ذاكرا لهما أنواع العذاب، فلم يروعهما ذلك، ولما رأي ثباتهما وصبرهما أمر بقطع رأسيهما، فرأي الحاجب ملائكة يحملون نفسيهما إلى السماء، فآمن في الحال بالسيد المسيح، فحبسوه ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع أخرجوه وقطعوا رأسه مع رأس كيليكية زوجة بالاريانوس، فنال الجميع إكليل الشهادة، صلاتهم تكون معنا آمين.

وفي هذا اليوم أيضاً : نياحة القديس غريغوريوس النيصى أسقف نيصص

في مثل هذا اليوم تذكار نياحة القديس غريغوريوس أسقف نيسس. وقد ولد في كبدوكية سنة 330 ميلادية وعين أسقفًا من يد أخيه القديس باسيليوس سنة 372، ونفي في عهد الملك والس ثم عاد سنة 378 بأمر الملك ثاؤدسيوس الكبير، وقد وضع كتبا دينية كثيرة. وتنيح بسلام سنة 396 م. صلاته تكون معنا ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين.