قديسو اليوم: 28 تشرين الثاني 2016
ثم اقيم رئيساً على الدير وما عتم ان اعتزل الرئاسة وسكن مغارة ضيِّقة، عاكفاً على اعمال النسك والصلاة، الى ان قام الملك قسطنطين محارب الايقونات. فذاق اسطفانوس في دفاعه عن المعتقد الكاثوليكي أمرَّ العذابات وأُلصقت به أشنع التُّهم، لكن الله اعلن براءته وقوَّاه على الاحتمال بايمانٍ حي.
حاول الملك ان يستميله الى رأيه الفاسد. فأخذ اسطفانوس درهماً، وطبع عليه رسم الملك، ورماه في الارض وداسه برجله، فانقضَّ الملك عليه بصواعق غضبه وكاد يمزقه تمزيقاً، فقال له القديس بكل لطف: اذا كنت، ايها الملك، تغضب هكذا لاهانة صورتك المرسومة على هذا الدرهم، فكيف لا يغضب السيد المسيح ووالدته وقديسوه، عندما تأمر بتمزيق صورهم وطرحها في الازقَّة ليدوسها الناس بارجلهم؟ فخجل الملك ولم يجب، بل أمر بان يُلقى القديس بالسجن، مكبَّلاً بالقيود.
فدخل ورأى ثلاثمئة واربعين راهباً مسجونين لاجل ثباتهم في ايمانهم، ففرحوا به، فأخذ يشجعهم، وحوَّل ذلك السجن الى معبد يُقيم فيه معهم الصلاة كأنهم في دير. فعرف الملك واراد ان يتخلَّص من ذلك الراهب، فأمر الجند بالقبض عليه وبتشهيره في شوارع المدينة. وبينما جثا يصلي، فاجأه جندي بضربة عصا على رأسه، فتكلل بالشهادة سنة 766. صلاته معنا. آمين.
القديس الشهيد في الأبرار استيفانوس الجديد (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)
أبصر القديس استيفانوس الجديد النور في مدينة القسطنطينية في العام 713 للميلاد. كان أبواه تقيين، من العامة. أنجبته أمه، حنّة، بعد عقر. ويبدو أنها فعلت نظير حنّة، أم صموئيل النبي، التي نذرته لله قبل ولادته إذا منّ عليها بابن، وقد استجاب الله دعاءها. فلما وضعته أحاطته بعناية خاصة لأنها حسبت نفسها مؤتمنة عليه وأنه لله. وقد عمّده القديس جرمانوس، بطريرك القسطنطينية (12 أيار) وأعطاه اسم الشهيد استيفانوس. كبر الولد ونما في الفضيلة بنعمة الله وعناية والديه. وقد برع في العلوم وشغف بقراءة الكتب الروحية والأسفار المقدسة.
في ذلك الزمان باشر الإمبراطور لاون الثالث الأيصوري (717-741 م) حملة إزالة الأيقونات وإبطال إكرامها. وقد رأى والدا استيفانوس أنه من الحرص الابتعاد عن المدينة، فأخذا ابنهما وأودعاه رهبان جبل القديس افكسنديوس (14 شباط) القريب من مدينة نيقوميذية، المعروفة اليوم بأزميت، في الجزء الشمالي الغربي من تركيا الحالية. عمره كان قد ناهز السادسة عشرة. وقد قبله الرهبان على الفور، واهتم بأمره أب روحي مختبر، حسن البصيرة اسمه يوحنا. والحق أن الرهبان في تلك البقعة كانوا مجموعة من النسّاك بأب روحي واحد. وقد ألبسوه الثوب الملائكي المقدس منذ اليوم الأول لقدومه إليهم.
أبدى استيفانوس كراهب طاعة كاملة وغيرة إزاء كل ما يطلبونه منه. كان قدوة في الجهاد والفضيلة.
ثم أن والده في الجسد رقد فذهب هو إلى القسطنطينية لتصفية تركة أبيه. وبعدما وزّع ما جمعه على الفقراء عاد إلى جبله برفقة أمه وأخته اللتين انضمتا إلى دير نسائي في جوار ديره، وترك أختاً ثانية في دير من ديورة القسطنطينية.
ولم يمض وقت طويل على ذلك حتى رقد أبوه الروحي، رئيس المناسك، فاختاره الجميع رئيساً عليهم رغم صغر سنه. يومها كان قد بلغ الحادية والثلاثين.
اهتم استيفانوس بتحويل القلالي إلى دير مشترك. وبعدما نجح في تنظيم شؤونه غادره طالباً العزلة والهدوء. وقد استقر في قلاّية ضيقة بلا سقف، عرضة لقسوة الطقس، حراً وبرداً. لم يكن يغطي بدنه غير ثوب رقيق لكل الأوقات. وقد أحاط نفسه بسلاسل حديدية واكتفى من الطعام والشراب بأقله.
هكذا انصرف استيفانوس إلى الهذيذ بالله ليل نهار، يقاوم تجارب إبليس وعناصر الطبيعة.
وشيئاً فشيئاً بدأت رائحة قداسته تفوح في الرجاء فاخذ التلاميذ والزائرون يتدفقون عليه.
ثم أن الإمبراطور لاون الثالث مات في العام 741 للميلاد فخلفه ابنه قسطنطين الخامس المكنى بالزبلي الاسم. هذا استهل عهده كما لو كانت مسألة الأيقونات لا تعنيه. ولكن ما أن استتب له الأمر في الداخل وعلى الحدود، بعد صعوبات سياسية وعسكرية، لاسيما حيال التهديد العربي في المشرق، حتى فتح ملف الأيقونات من جديد، فالتزم خط أبيه على أشرس ما يكون. وقد عمد على إتلاف كنائس وتدنيس الأواني المقدسة المزينة بالرسوم، كما طلى بالكلس جدران الكنائس لطمس معالم الأيقونات الحائطية وأحرق الكثير من الأيقونات الخشبية. وكل الذين وقفوا في وجهه عاقبهم بقسوة. أكثر الأساقفة، فيما يبدو، روّعهم أو استمالهم إليه بالهدايا والامتيازات والخدمات حتى جعل ثلاثمئة منهم يوقّعون في مجمع قصر هياريا المزعوم (754 م) على قرار بإبطال إكرام الأيقونات. أكثر من قاومه كان الرهبان، لذلك اضطهدهم بعنف، فأقفل أديرة وأحرق أخرى وحوّل بعضاً إلى ثكنات عسكرية أو إدارات عامة. أما الرهبان فسعى إلى فرض لباس العامة عليهم وإجبارهم على الزواج تحت طائلة المسؤولية، ووضع على تحركّاتهم قيوداً خانقة حتى تفرق شملهم. أما الذين صمدوا وقاوموا فكان نصيبهم قطع الأنف أو اللسان ثم السجن أو النفي.
في هذا الجو القاتم بدا استيفانوس أبرز وجوه المقاومة والصمود، فأوفد الإمبراطور إليه أحد كبار رجال بلاطه مزوداً بهدايا نفيسة وسأله أن يوقّع على الوثيقة الصادرة عن المجمع المزعوم، فكان جواب استيفانوس أن ردّ الرسول والهدايا قائلاً: "ليس الإيمان سلعة تباع وتشرى! لقد علّمت الكنيسة في كل العصور أن إكرام الأيقونات شيء حسن مقدس وهو ما ينبغي أن نتبعه ونقدسه". وفي قولة غيورة أعلن بعدما مدّ يده صوب الرسول: "حتى ولو بقي فيّ قبضة واحدة من الدم لبذلتها من أجل أيقونة المسيح!".
وثار سخط الإمبراطور على استيفانوس فعمد إلى وسائل ضغط مختلفة. حاول أن يشيع بشأنه فضيحة مؤداها أنه على علاقة مشينة براهبة اسمها حنّة كان قديسنا قد أثر في نفسها، وهي الفتاة الغنية، بنت القسطنطينية، فعافت الدنيا ووزعت غناها على الفقراء ثم ذهبت فانضمت إلى دير للعذارى. وعندما جيء بحنّة لاستجوابها تبيّن أن التهمة اختلاق محض. وعبثاً حاولت السلطة إرغامها على تبني قولة الكذب فأبت بشدة، فجلدوها بعنف حتى سالت دماؤها فلم يُجدهم ضربها نفعاً. وقد أحصتها الكنيسة في عداد قديسيها.
ولما باءت محاولة الإمبراطور بالفشل، عمد إلى اتهام القديس بالفعل الشنيع مع بعض الأحداث، ولكن هنا أيضاً بان بطلان التهمة سريعاً.
أخيراً أرسل فأحرق الدير وبدّد رهبانه ونفى استيفانوس إلى إحدى الجزر في بحر مرمرة فتهافت الرهبان والزوار عليه وجرت على يده عجائب كثيرة. ثم بعد ثلاث سنوات نقله الإمبراطور إلى القسطنطينية وأوقفه أمامه. وخلال استجوابه له، أخذ استيفانوس قطعة نقدية وسأل لمن هذه الصورة والكتابة فقيل للإمبراطور، فأخذها وداسها بقدمه فاغتاظ الإمبراطور، فقال له استيفانوس: إذا كنت أنت تشعر بالمهانة وتغضب إذا ما داس أحد صورتك، أفما تظن أنك تهين الله والله غاضب عليك لأنك تدوس أيقوناته وتحقرها؟! فسكت الإمبراطور لكنه لم يرعو.
بعد ذلك ألقوا استيفانوس في سجن من سجون القسطنطينية. وفي السجن اكتشف وجود عدد كبير من الرهبان المعترفين، ثلاثمئة واثنين وأربعين، كان قسطنطين الملك قد نكّل بهم وقطع لبعضهم أذنه ولبعضهم أنفه ولبعضهم لسانه. ولم يمض وقت طويل حتى تحوّل السجن إلى دير كان استيفانوس فيه أباً للجميع ومرشداً ومعزياً.
أخيراً، بعد أحد عشر شهراً من ذلك، عيل صبر السلطة فأخرجته من سجنه وعرّضته للهزء والسخرية في الساحات العامة. ولما أهاجت الرعاع رجموه كما فعلوا بسميّه استيفانوس، أول الشهداء. ثم عمد أحدهم إلى ضربه بعصى غليظة على رأسه حطّمت جمجمته وأدّت إلى استشهاده. كان ذلك في اليوم الثامن والعشرين من شهر تشرين الثاني من العام 766 للميلاد. وكان القديس قد بلغ من العمر الثالثة والخمسين.
وفي هذا اليوم أيضاً : القديس الشهيد ايرينرخوس والذين معه
كان ايرينرخوس جلاداً في زمن الإمبراطور ذيوكلسيانوس (245 -313م)، في مدينة سباسطيا الأرمنية. سيق مرة كاهن اسمه أكاكيوس وسبع نساء تقيات إلى التعذيب. فلما أبدوا جرأة فائقة وصبراً عظيماً تعجّب ايرينرخوس لإيمانهم كيف أنهم يصمدون وهم الآنية الضعيفة. وإذ خجل من نفسه لتقسّيه مع من لا حول لهم ولا قوة، أنارت النعمة الإلهية قلبه فأعلن إيمانه بالمسيح. وانتهى الأمر بأن قطع الجنود رؤوس الجميع، وكان من بينهم ولدان لإحدى النساء السبع.
تذكار القديس الشهيد في الأبرار أستفانس الجديد (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)
ولد أستفانس في مدينة القسطنطينيّة، سنة 713، في بيت عادي من بيوت الشعب البسيط. وكانت أمّه تدعة حنّة، وكانت كثيرة العبادة لوالدة الإله. ولمّا لم يكن لها ولد كانت قد تضرّعت كثيراً إلى البتول مريم لكي يمن الله عليها بشفاعتها بولدٍ تقفه لخدمتها في الأديار. فسمع الرب صلاتها ورزقها ولداً. فدعته أستفانس وحوّطته بعنايتها، وطبعت في قلبه منذ الصغر عواطف العبادة البنويّة للبتول مريم.وقد بقي حياته كلّها يمتاز بتلك العبادة لمريم أم الله.
وعني والد أستفانس بتثقيفه، فبرع في العلوم وصار من أظهر شبّان عصره. لكنّه كان ولوعاً بقراءة الكتب الروحيّة والأسفار المقدّسة، وعنها أخذ روح التقوى والرصانة والتأمّل والإزدراء بالدنيا. فكان يعيش في بيته عيشة الرهبان، يمارس أنواع الإماتات ويقوم بكل تدقيق بفروض الصلاة.
وما كاد أستفانس يبلغ أشدّه، حتى هجر العالم وذهب إلى مناسك القديس أفكسَنديوس، يطلب الكمال المسيحي في الحياة الرهبانيّة. وكانت تلك المناسك على قمّة جبل بقرب القسطنطينيّة.فبدأ هناك حياة نسكٍ شديد، وما لبث أن أضحى مثالاً لغيره، بطاعته وكثرة إماتاته وتجرّده وصلاته واتّحاده الدائم بالله. فوصل في زمن وجيز إلى درجة سامية من القداسة والكمال. وبقي ينعم بحياة الهدوء والسكينة، مقسّماً أوقاته بين الصلاة والمطالعة والشغل، حتى صار إبن إحدى وثلاثين سنة. وكان قد صار قدوة لأخوانه، بل مرشداً للكثيرين منهم، ومعلّماً طرق الكمال الإنجيلي للمبتدئين في سبل الحياة النسكيّة. وكان يقضي أوقات الفراغ في نسخ الكتب المقدّسة ومؤلفات الأباء القديسين، لأنه كان حسن الحظ بارعاً في فن الرسم.
وفي سنة 744، مات يوحنّا رئيس المناسك، فاختار النسّاك بإجماع الآراء الأخ إستفانس، على حداثة سنّه، ليخلفه في تلك الوظيفة العالية. لأنّهم لم ينظروا فيه إلى عدد السنين، بل إلى الكمال والقداسة والتفوّق الصحيح في العلوم الروحيّة. أمّا هو، فكانت له تلك الوظيفة الكبرى وسيلةً للتعمّق في التواضع والإكثار من أعمال الإماتة. فكان مع سلطته وسيره بأخوته في سبيل الفضائل الرهبانيّة، يعدّ نفسه أحقر الكل وأجهل الكل، وأقل الكلّ فضيلة وكمالاً. فطار صيت قداسته في كل مكان، وأضحى منارةً وضّاءةً،تسير جماهير النسّاك والرهبان والمؤمنين على أنوارها الساطعة المنتشرة في الأقاليم والبلدان.
وكثر عدد التلاميذ الذين جاؤوا إليهطالبين إرشاداته. فشيّد لهم ديراً عظيماً. وسلّم إدارتهم إلى رئيس يدير أمورهم، وقام هو يشرف على حياتهم ويقودهم في روحيّاتهم. فلمّا رأى رهبانه ونسّاكه يسيرون بخطى واسعة في طريق الكمال، تركهم وتوغّل في الجبل واختار لسكناه في تلك الفيافي الموحشة مغارة حقيرة، وقام يمارس فيها أعمال النسك والعبادة. ولمّا كانت ضيّقة وقليلة الإرتفاع، كان يُضطر أن يبقى على الدوام فيها ساجداً إلى الأرض، حتى أن رجليه لم تعودا تساعادانه على الوقوف.
وما زال أستفانس ورهبانه مغتبطين بحياتهم وبنعيم نسكهم وعباداتهم، حتى ثارت عليه وعليهم موجة الإضطهاد الذي طلع به على الكنيسة الملك قسطنطين، إبن الملك لاون الأيصوري (740 – 775)، الهرطوقي محارب الأيقونات المقدّسة. ولمّا كان الرهبان، في كل عضر ومكان، سور الكنيسة الحصين وحملة علَم الإيمان القويم، كان لا بد للملك أن يحسب لهم ألف حساب. فرأى أن الحكمة وحسن السياسة يقضيان عليه بأن يحمل أستفانس على الإنحياز إلى حزبه، فيربح به جيشاً عظيماً من الرهبان ومن المؤمنين. ولكن أنّى لذلك الملك الغِرّ أن يظفر برجل كان قد أضحى ملاكاً، وكانت الدنيا وكنوزها وأمجادها قد أضحت لديه لا شيء، وهو رجل المغارة والصوم والعبادة.
وفي سنة 761، جمع الملك قسطنطين في بلدة إياريا مجمعاً من الأساقفة صنائعه، وحرّم إكرام الأيقونات، ووضع قانوناً جديداً للإيمان يؤيّد تلك البدعة النفاقية، وأمر أولئك الأساقفة أن يوقعّوه. فوقّعوه طمعاً في رضاه وهباته. وراح ذلك الملك الجاهل يُرغم سائر الأساقفةورؤساء الأديار على قبول ذلك الإيمان، ويأمرهم بأن يوقّعوا ذلك الصك النفاقي، وإلاّ عرّضوا أنفسهم لغضبه وانتقامه.
وكان أسنفانس عَلماً خفّاقاً في سماء الأديار، فحرص الملك على استمالته إليه. فأوفد إليه كالستُس أحد رجال بلاطه وأرسل إليه معه هدايا نفيسة، ورغب إليه أن يوقّع على صك الإيمان، فيكون المقبول عنده والمقرّب لديه. لكن الرئيس أستفانس ردّ الرسول، وردّ معه هداياه، وقال: أن الإيمان ليس سلعة تباع وتُشرى، وأن الكنيسة علّمت قي كل العصور أن إكرام الأيقونات شيء حسن ومقدّس، وأن تعليم الكنيسة هو الصحيح والقويم، وهو الذي ينبغي أن نتبعه ونقدّسه. فحمل الرسول إلى الملك ذلك الجواب الجريء. فاستشاط الملك غضباً، وعزم على الإنتقام من ذلك الراهب الحقير، الذي يجسر على رد هداياه ومقاومة أوامره. ومنذ تلك الساعة بدأ أستفانس حياة الإستشهاد الأليمة التي دامت سنين طويلة، عذّبوا فيها جسده، وأبعدوه إلى المنافي القاسية، وعملوا على ثلم صيته، وأجهدوا النفس في هدم عمله.
فبدأ الملك وسجنه في دير منفرد، ومنع عنه كل إتّصال بأحد. وأمر بأن يضيّقوا عليه في طعامه وفي شرابه، فتُرك أسبوعاً كاملاً بلا غذاء. أمّا هو فكان في نعيم، لأنّه كلن يقضي الأيام والليالي في مناجاة الله، وترتيل المزامير، من غير أن يعوقه عائق.
وأراد كالستس رجل البلاط أن يرضي الملك، فسخَّر رهباناً أثمة كذّابين ليفتروا عليه في صيته. فاتّهموه بالزنى مع تلك الراهبة الشابة حنّة، التي كان أستفانس قد حملها على انتحال العيشة الرهبانيّة في دير للعذارى البتولات، واشهدوا عليه بعض الخوَنة، وأثبتوا عليه تلك الجريمة المنكرة. أمّا هو فتألّم كثيراً في قلبه من عمل أخوته، لكنّه بقيَ صامتاً، فلم يعترض، ولم يقاوم، بل سلّم أمره إلى الله، وتركه بين يديه مصيره.
فأسرع الملك إلى تصديق تلك التهمة الشائنة، وكم كان ميّالاً إلى تصديقها. فجاء بحنّة الراهبة البتول، وحقّق معها، وشدّد في التنكيل بها، لكي تعترف بعشرتهاالأثيمة مع الراهب أستفانس. لكنّها ردّت بإباء وشجاعة تلك التهمة الباطلة عنها وعن أبيها ومرشدها. فجُلدت جلداً عنيفاً حتى سالت دماؤها، فبقيت تجاهر، تحت الضرب والعذاب الشديد، بأن أستفانس بريء منتلك التهم الكاذبة، وأنّه رجل الله الصادق الأمين القديس. فلمّا رأى المعذّبون أن لا فائدة ترجى من تلك الفتاة، أعادوها إلى ديرها، وهي على آخر رمق. فماتت بعد بضعة أيام شهيدة الإخلاص والواجب.
ثم اتّهموا البار بالفعل الشنيع مع أحدث الأحداث. ولكن ظهر كذبهم، ولمعت براءته أمام الملأ. فحاروا في أمرهم، ولم يدروا ما هو السبيل إلى الظفر به وإرغامه على توقيع صك الإيمان النفاقي الذي وضعه الملك. فلمّا رأى قسطنطين أنّه لم ينتفع شيئاً أرسل فأحرق دير القديس أستفانس، وبدّد رهبانه، بعد أن أوسعهم الجند إهانةً وشتماً وضرباً. وربطوا القديس بالحبال وضربوه، ثم قادوه إلى جزيرة خريسوبولي البعيدة، وسجنوه هناك. أمّا هو، فكان يحتمل تلك الإهانات والآلام بنفس هادئة، وقلب كبير، وتسليم كامل لمشيئة الرب. وحوّل منفاه إلى منسك مبارك، وقام يتعبّد فيه الله بكل محبّة وحرارة.
ثم عاد الملك وأرسل إليه بعضاً من أولئك الأساقفة المستعبدين لإرادته وعطاياه.فأفرغوا كنانة جهدهم ليحملوا على الإنضمام إلى صفوفهم، فذهبت أتعابهم أدراج الرياح. ولمّا كانوا يكلّمونه ويجهدون النفس في إقناعه، كان هو جالساً أمامهم على الأرض، لإنّه لم يكن يستطيع الوقوف على رجليه. فغضب أحدهم عليه، ورفسه برجله على وجهه فأدماه. فتذكّر القديس كيف لُطم يسوع على وجهه في بيت قيافا، فسكت وقبل تلك الإهانة بكل هدوء وسكينة.
فأمر الملك بأن ينقلوه من جزيرة خريسوبولي إلى جزيرة مقفرة تُدعى بروكونيزس، ويتركوه هناك. فحُمل إليها. فاختار له هناك مغارة صغيرة، وأقام فيها، وأخذ يمارس كجاري عادته أعمال النسك والعبادة. وعلّم الرهبان تلاميذه بمكانه، فذهبوا إليه، وحوّلوا تلك القفار الموحشة إلى مناسك حيّة كانت تتصاعد منها، كل صباح وكل مساء، أصوات التسابيح ونغمات النشائد الكنسية الجميلة. فلمّا وصل إلى مسامع الملك أن تلك الجزيرة الجرداء قد أضحت لإستفانس ورهبانه دار نعيم وهناء، أمر بنقله منها وإحضاره إليه.
فمثل أستفانس بين يدي الملك، وقد أضنت جسمه الأصوام والأسهار والأسفار. فازدراه الملك، وأخذ يوبّخه بمرارة على عناده، ويشتمه على تصلبّه. فلم يجيبه أستفانس بكلمة، بل أخذ درهماً طُبع عليه رسم الملك، ورمى به إلى الأرض، وجعل يدوسه برجليه. فثار غضب اللمك، لظنّه أن أستفانس إنّما أراد تحقيره بحضرته، إنتقاماً لنفسه ممّا لحقه من الإهانة والعذاب من صنائعه ورجاله. فاندفع يشتمه، وكاد يهجم عليه ويمزّقه بيديه. إلاّ أن الراهب القديس النبيه أجابه بكل وداعة وثبات: إذا كنت، أيّها الملك المعظّم، تغضب لإهانة صورتك المرسومة على هذا الدرهم، فكيف لا يغضب السيّد المسيح ووالدته الطاهرة وملائكته وقدّيسوه، عندما تأمر بتمزيق صورهم وطرحها في الأزقّة، لكي يدوسها الناس بأرجلهم؟ فخجل الملك ولم يجب. بل أمر بأن يكبّل أستفانس بالأغلال، ويُجعل في سجن العاصمة العام مع اللصوص والقتلة.
فلمّا دخل أستفانس ذلك السجن دهش، إذ وجد فيه ثلاث مئة وأربعين راهباً من الرهبان المعترفين المسجونين لثباتهم في الإيمان وإكرامهم للأيقونات. فاستقبلوه بمظاهر الفرح والإحترام، واختاروه رئيساً عليهم، وقاموا يمارسون تحت نظره وإرشاداته العبادات والفضائل الرهبانيّة. فتحوّل ذلك السجن إلى دير، أزهرت فيه الكمالات النسكيّة بكل بهائها، وأخذت تتصاعد منه التسابيح الكنسيّة بإنتظام في أوقاتها. ولبث أستفانس سنة كاملة في ذلك السجن، كأنّ في ديره بين رهبانه، ينعم بقربهم وبفضائلهم. وجعل الناس يفدون إلى ذلك السجن ليتبرّكوا من القديس أستفانس وينالوا منه كلمة إرشاد وتعزية.
وعلم الملك بما كان، فاحتدم غيظاً، وأراد أن يتخلّص من ذلك الراهب العنيد المقاوم، الذي نغصّ عليه عيشه وأقضّ مضجعه. فأمر أن يقتل في سجنه ضرباً بالعصيّ. لكن الجند الذين أرسلوا لإتمام ذلك العمل الوحشي تهيّبوا رجل الله، ولم يجسروا أن يمدّوا إليه يداً أثيمة. فطار لبّ الملك غضباً، وعدَّ تقصير جنده في تنفيذ أوامره خيانة، وجعل يصبح كالمجنون في من حوله من عبيده وحرسه، لكي يسرعوا ويريحوه من ذلك الشيخ الهرم المجرم. فهرع بعضهم إلى السجن، وقبضوا على استفانس، وجرّوه بشراسة وعنف في أزقّة القسطنطينيّة وشوارعها. ومرّوا به أمام كنيسة القديس ثاوذورس الشهيد، فرسم أستفانس على نفسه إشارة الصليب، إكراماً لبيت الله وطلباً لمعونة صاحب الكنيسة الشهيد العظيم. ففاجأه واحد من الجند بضربة عصا على رأسه فشجّعه. ففاضت روحه بين يدي خالقه، وذهبت تشكو من ظلم الظالمين، وتنعم إلى الأبد بنعيم القديسين. وكان ذلك سنة 756.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً: القديس الشهيد إيرنرخس
كان الإضطهاد الذي أثاره الملك ذيوكلسيانس في أشدّه، سنة 303، في بلاد أرمينيا. وكان الولاة قد قبضوا على الكاهن أكاكيوس، وعلى سبع من النساء المسيحيّات التقيّات، وأخذوا في تعذيبهم والتنكيل بهم. فأظهرت النساء من الشجاعة والصبر على الآلام ما حمل إيرنرخس على الإنذهال والإعجاب. فآمن بالمسيح وجاهر بإيمانه. فأمر به الوالي، فضُربت عنقه، وطارت نفسه إلى الأخدار الأبرارالقديسين، مع الكاهن أكاكيوس والنسوة السبع الشهيدات.
تذكار تكريس كنيسة القديس سرجيوس وواخس بالرصافة (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)
في مثل هذا اليوم كرست كنيسة القديسين سرجيوس وواخس بمدينة الرصافة. وذلك انه لما استشهد القديس سرجيوس بهذه المدينة، اخذ قوم من المؤمنين جسده وكفنوه وأخفوه عندهم، وكانوا يوقدون أمامه القناديل والشموع حتى انقضي زمن الاضطهاد، فأظهروه، وبنيت باسمه كنيسة. وقد حضر تكريسها خمسة عشر أسقفا وجمع كثير من الشعب، ثم احضروا جسد القديس إليها، فسال منه دهن شفي الذين تناولوه بإيمان. شفاعته تكون معنا آمين.
وفي هذا اليوم أيضاً: استشهاد القديس أبيبوس
تذكار استشهاد القديس أبيبوس. صلواته تكون معنا ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين.