قديسو اليوم: 25 كانون الثاني 2017
وفيما هو منطلق، وقد قرُب من دمشق، أبرق حوله بغتةً نورٌ من السماء. فسقط على الارض وسمع صوتاً يقول له: شاول شاول، لِمَ تضطهدُني؟ - فقال مَن انت يا رب، فقال: انا يسوع الذي انت تضطهده. انه لصعب عليك ان ترفس المهماز. فقال وهو مرتعدٌ منذهل: يا رب، ماذا تريد ان اصنع؟ فقال له الرب: قمّ وادخل المدينة وهناك يقال لك ماذا ينبغي ان تصنع.
أمَّا الرجال المسافرون معه فوقفوا مبهوتين، يسمعون الصوت ولا يرون احداً. فنهض شاول عن الارض ولم يكن يُبصر شيئاً، وعيناه مفتوحتان. فاقتادوه بيده وادخلوه الى دمشق. فلبث ثلاثة ايام لا يُبصر ولا يأكل ولا يشرب. وكان في دمشق تلميذٌ اسمه حنَنّيا. فقال له الرب: قم فانطلق الى الزقاق الذي يسمى القويم والتمس في بيت يهوذا، رجلاً من طرطوس اسمه شاول فهوذا يصلِّي".
... فنهض حننيا ودخل البيت ووضع يديه عليه قائلاً:" يا شاول اخي، ان الرب يسوع الذي ترأىء لك في الطريق وانت آت فيها، ارسلني لكي نبصر وتمتلىء من الروح القدس". فللوقت وقع من عينيه شيء كأنه قشرٌ، فعاد بصره فقام واعتمد. واخذ طعاماً فتغذَّى ومكث اياماً مع التلاميذ الذين بدمشق. وللوقت اخذ يكرُز في المجامع بيسوع انه هو ابنُ الله. فدَهِش كل الذين سمعوه وقالوا أليس هذا هو الذي كان يُبيد في اورشليم الداعين بهذا الاسم، وانما جاء الى هنا ليسوقهم موثَقين الى رؤساء الكهنة؟ وكان شاول يزداد قوة ويُخجِل اليهودَ القاطنين بدمشق، مبرهناً أنَّ هذا هو المسيح" (اعمال 9: 1- 22). وكان يبشر به في دمشق.
ان ايمان بولس لأهم حادث تاريخي في صدر النصرانية. وهو الدليل الساطع على مفعول النعمة التي جعلت من شاول المضطهِد اعظم رسول جن في محبة المسيح، حتى سفك دمه من أجله، كما جاهر بذلك، اذ قال:" لأني انا احقر الرسل ولست اهلا لان أسمى رسولاً لاني اضطهدتُ كنيسة الله، لكني بنعمته صرت على ما انا عليه ونعمته التي فيَّ لم تكن باطلة، بل تعبت اكثر من جميعهم ولكن لا انا، بل نعمة الله معي". (1كور15: 9 و10). صلاته معنا. آمين.
تذكار إهتداء بولس الرسول (بحسب الكنيسة السريانيّة الكاثوليكية)
قال لوقا البشير في كتاب أعمال الرسل: "كان شاول لا يزال يقذف تهديداً وقتلاً على تلاميذ الرب، فأقبل إلى رئيس الكهنة وطلب منه رسائل إلى دمشق، إلى المجامع، حتى إذا وجد أناساً من هذه الطريقة، رجالاً أونساءً، يسوقهم موثقين إلى أورشليم... وفيما هو منطلق، وقد قرب من دمشق، أبرق حوله بغتة نور من السماء. فسقط على الأرض وسمع صوتاً يقول له: "شاول شاول، لِمَ تضطهدني؟ "فقال: "من أنت يا رب؟" فقال: "أنا يسوع الذي أنت تضطهده. إنّه لصعب عليك أن ترفس المهماز" فقال وهو مرتعد منذهل: "يا رب، ماذا تريد أن أصنع؟" فقال له الرب: "قم وادخل المدينة وهناك يقال لك ماذا ينبغي أن تصنع".
أمّا الرجال المسافرون معه فوقفوا مبهوتين، يسمعون الصوت ولا يرون احداً. فنهض شاول على الأرض ولم يكن يُبصر شيئاً، وعيناه مفتوحتان. فاقتادوه بيده وأدخلوه إلى دمشق. فلبث ثلاثة أيام لا يبصر ولا يأكل ولا يشرب. وكان في دمشق تلميذ إسمه حننيا، فقال له الرب: "قم فانطلق إلى الزقاق الذي يسمّى القويم والتمس في بيت يهوذا، رجلاً من طرطوس إسمه شاول فهوذا يصليّ:.
فنهض حننيا ودخل البيت ووضع يديه عليه قائلاً: "يا شاول أخي، أنّ الرب يسوع الذي تراءى لك في الطريق وأنت آت فيها أرسلني لكي تبصر وتمتلىء من الروح القدس". فللوقت وقع من عينيه شيء كأنّه قشر فعاد بصره فقام واعتمد. وأخذ طعاماً فتغذّى ومكث أياماً مع التلاميذ الذين بدمشق. وللوقت أخذ يكرّز في المجامع بيسوع المسيح، إبن الله، فدهش كل الذين سمعوا وقالوا: "أليس هذا هو الذي كان يبيد في أورشليم الداعين بهذا الإسم، وإنّما جاء إلى هنا ليسوقهم موثقين إلى رؤساء الكهنة؟". وكان شاول يزداد قوّة ويُخجل اليهود القاطنين بدمشق، مبرهناً أن هذا هوالمسيح" (أعمال 1:9-22). وكان يبشّر به في دمشق.
أنّ إيمان بولس لأهمّ حدث تاريخي في صدر المسيحيّة. وهو الدليل الساطع على مفعول النعمة التي جعلت من شاول المضطهد أعظم رسول للمسيح والكنيسة، حتى سفك دمه من أجله، كما جاهر بذلك، إذ قال: "لأنّي أنا أصغر الرسل ولست أهلاً لأن أسمى رسولاً لأنّي إضطهدت كنيسة الله، لكني بنعمته صرت على ما أنا عليه ونعمته التي فيَّ لم تكن باطلة، بل تعبت أكثر من جميعهم ولكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي".
وفي مثل هذا اليوم أيضاً: تذكار غريغوريوس الأول الكبير
ولد في روما نحو سنة 540. أبو غرديانوس من أعضاء مجلس الشيوخ كان ذا نفس مولعة بالفضيلة وعمر الصلاح، أمّا أمّه سيلفيا فقد كرّست أيامها الأخيرة لعبادة الله في أحد الأديار.
ترعرع غريغوريوس في حضن البرارة والقداسة. وتثقّف بالعلوم. فأقامه الملك بوستينوس الثاني والياً على مدينته روما وهو في الثلاثين من عمره. ولمّا توفي والده، ترك العالم وما فيه وأخذ ينفق أمواله الطائلة على الفقراء وتشييد الأديار. فأنشأ في صقليّة ستة أديرة، وديراً في بلاطه بروما. ثم انضمّ إلى رهبان القديس مبارك. رسمه البابا بندكتس الأول كاهناً، فذهب إلى إنكلترا ليبشّر أهلها، ثم عاد بأمر البابا ورُفع إلى مقام الكرديناليّة، وأرسل سفيراً رسولياً لدى البلاط البيزنطي، فلبث سبع سنين في القسطنطينيّة. رجع إلى روما ونفسه تتوق إلى الحياة الرهبانيّة، فآب إلى ديره، فاختاره الرهبان رئيساً، فأخذ يشدّد على حفظ القوانين. وفي سنة 590 أجمع الأساقفة والأكليروس والشعب على انتخابه خلفاً للبابا بيلاجيوس رغماً عنه.
وقد عني هذا البابا القدّيس بإصلاح الليتورجيا وتنطيمها، ورتّب في الكنيسة بكتابه المسمّى"الطقس الغريغوري"، كما اهتمّ إهتماماً خاصاً في الكنيسة التي كان مولعاً بها، وهي تعرف بإسمه.
وبعد هذه الأعمال الرسوليّة والأمجاد الباهرة، حقّ لهذا البابا غريغوريوس الأول أن يُلقّب بالكبير، لأنّه كان كبيراً في جميع مراحل حياته. ورقد بالربّ في الثاني عشر من آذار سنة 604 بعد أن أغنى الكنيسة بتآليفه العديدة، وهو من ملافنتها.
أبينا الجليل في القديسين غريغوريوس اللاهوتي (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)
هو المعروف أيضاً بلقب النزينزي نسبة إلى مدينة صغيرة اسمها نزينزة قريبة من قيصرية في بلاد الكبّادوك. في هذه المدينة نشأ قدّيسنا وترعرع. ويبدو أن ولادته كانت في مزرعة قريبة من المدينة تدعى أرينزة ملكتها العائلة. تاريخ ولادته غير محدّد تماماّ. يظنّ أنه قريب من السنة 329 / 330م.
أبوه هو القدّيس غريغوريوس الشيخ المعيّد له في أول كانون الثاني. انتمى والده منذ الصغر إلى نحلة تعرف بـ "عبّاد العليّ" أو "الهيبسيستاري" جمعت بعض الوثنية إلى بعض اليهودية وأكرمت النور والنار. لكنه كان رجل استقامة بحسب الناموس الطبيعي. اهتدى واعتمد بتأثير زوجته المؤمنة وسلك في الفضيلة. لوحظ لفضله وحكمته وغيرته على الكنيسة فاختير أسقفاً على نزينزة. أحبّ الفقير حباً كبيراً وعاش إلى مئة عام.
أما أمّه فهي القديسة نونّة المعيد لها في 5آب . كانت زينة النساء المسيحيات، تقيّة، مصلّية، فاضلة، صلبة، حكيمة، صبورة. أكثر ما في تنشئة غريغوريوس على حب الله والسير في الفضيلة مردّه نونّة. هي نحتت اسم الله في قلبه أولاً. بفضل صلاتها ودموعها ارتدّ غريغوريوس الشيخ عن غيّه. ولمّا يأت قدّيسنا إلى الحياة إلاّ بعد الصلوات الحارّة لنونّة ونذرها إيّاه لله حتى قبل أن يبصر النور. فلما أنجبته جعلت يديه كلتيهما على الإنجيل علامة تكريسها إيّاه لخدمة الله.
وإلى غريغوريوس أنجب الزوجان الفاضلان بنتاً وصبياً، وكلاهما قديس: غرغونية، يعيّد لها في 23شباط، وقيصاريوس ويعيد له في 25شباط.
وإذ تمتّعت العائلة برفعة الشأن وبحبوحة العيش تسنّى لغريغوريوس، إلى التقوى، أن يحصّل من العلم والثقافة القدر الوافر، مما يسّر له أن يؤدي لربّه شهادة مميّزة وخدمة مباركة من حيث تطويعه علوم عصره وسوق كل فكر إلى طاعة المسيح على حسب قول الرسول المصطفى: "هادمين ظنوناً وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح" (2كور5:10).
هذا وقد نقل غريغوريوس في وقت متأخر من حياته إنه حين كان فتى أتاه حلم انطبع في نفسه أن عذراوين جاءتا إليه مجلّلتين بالبياض، اسم إحداهما "طهارة"، واسم الثانية "عفة" وأخبرتاه إنهما ترافقان الرب يسوع على الدوام وكذا الذين يلتمسون الحياة السماوية. كما دعتاه إلى توحيد قلبه وروحه بهما حتى إذا ما امتلأ من بهاء البتولية قدّمتاه إلى نور الثالوث القدّوس.
بقي غريغوريوس في نزينزة إلى حدود الثالثة عشرة من العمر حصّل خلالها ما أمكنه من العلم والمعرفة. ثم انتقل إلى قيصرية الكبّادوك حيث التقى <1793>القدّيس باسيليوس الكبير الذي أضحى، فيما بعد، ربيب عمره وأليف نفسه. ثم ترك إلى قيصرية فلسطين فإلى الإسكندرية، إلى سن السابعة عشرة تقريباً، ومن هناك ارتحل إلى أثينا ليدرس البلاغة والشعر والأدب والفلسفة على أشهر معلّمي ذاك الزمان. أثينا كانت يومها أبرز مواطن العلوم والآداب قاطبة. هناك التقى غريغوريوس وباسيليوس من جديد ونمت الصداقة بينهما إلى أبعد الحدود. وقد تابعا الدراسة سويّة سنوات.
في الطريق من الإسكندرية إلى أثينا، وتحديداً في مياه جزيرة قبرص، تعرّض المركب الذي استقلّه غريغوريوس لمتاعب جمّة. ضربته العواصف واستبدّت به الأهواء وتلهّت به الرياح عشرين يوماً ويزيد. نفذ ماء الشرب ولاح شبح الموت ثقيلاً كل يوم. ارتعب غريغوريوس وارتجّت نفسه حتى العظم. السبب إنه لم يكن، إلى ذلك الوقت، قد اعتمد. المعمودية، يومذاك، كانت، تتأخر، أحياناً كثيرة، إلى سن الثلاثين، وهو العمر الذي اعتمد فيه السيّد في الأردن. وإذ خشي غريغوريوس أن يُقضى عليه من دون أن يعتمد ركع وصلّى بدموع وعاهد ربّه على خدمته ما حيي لو قُيّد له أن ينجو من هذا الخطر الجسيم. للحال استكانت العاصفة فسار المركب إلى رودس ومنها إلى أثينا بسلام.
جمع الصديقين في أثينا همّ واحد مشترك: محبّة الله ثم محبّة البلاغة والأدب والفلسفة. لذا اجتنبا معاً عشرة المعلّمين ذوي السيرة المتفلّتة واقتصرا على التعاطي مع ذوي الحرص والفضيلة. لم يكن لهما في التسليات البطّالة والمجون نصيب، ولا عرفا في إقامتهما سوى طريقين: ذاك الذي يفضي إلى الكنيسة وذاك الذي يؤدّي إلى المدرسة. نبذا الغنى وحسباه أشواكاً. اكتفيا من مخصّصاتهما بما يسدّ ضرورات الجسد والباقي درجا على توزيعه للفقراء. لم يكن للحسد مكان فيهما. الحب الخالص جعل كلا منهما يحسب كرامة صاحبه ومنفعته ككرامته ومنفعته هو. كل واحد كان لأخيه منخساً للصلاح، وكل واحد اقتدى بأخيه في إتمام الصوم والصلاة وكل فضيلة.
بقي غريغرريوس في أثينا إلى سن الثلاثين تقريباً (359م) ثم عاد إلى نزينزة. أول ما فعله أن اقتبل المعمودية من يد أبيه مكرِّساً نفسه بالكلّية لله. قال: "قد أعطيتُ كل ما هو لي ذاك الذي أعطاني إيّاه فأضحى هو لي كلّ ما أملك. كرّست له خيراتي واعتباري وصحّتي ولساني ومواهبي. والثمرة التي جنيتها من كل هذه الامتيازات هي الغبطة التي أشعر بها من جرّا اعتباري لها جميعاً كلا شي، من أجل المسيح". من تلك اللحظة، وبتصميم لا هوادة فيه، مات غريغوريوس عن الطموحات العالمية والغنى والشهرة ومتع الحياة الدنيا. وحده الله أضحى له الكل ووحده اللاهوت أضحى المتعة. بات طعامه الخبز القاسي مع الملح والماء. أخذ ينام على الأرض ولا يلبس إلاّ الخشن والحقير. صار يعمل النهار بطوله ويصرف سحابة هامة من ليله في تمجيد الله والتأمل في الإلهيات. وإلى الغنى أعرض غريغوريوس عن الآداب العالمية، تلك التي أنفق الكثير من الوقت والجهد في تحصيلها. قدّم نفسه قرباناً لله، فيما هجر المؤلفات الكلاسيكية اليونانية وكُتب الشعر والبلاغة "طعماً للدود والعثّ" على حدّ تعبيره. باتت أعظم الكرامات العالمية لعينيه أحلاماً خاوية ينخدع بها الناس. لم يعد شيء، في نظره، يداني حياة الإنسان الذي مات عن نفسه وعن أمياله الحسيّة وصار يعيش كما لو كان خارج العالم، ولا حديث له يستهويه إلاّ إلى ربّه (الخطبة 29). اهتمّ، لبعض الوقت، بإدارة شؤون بيت أبيه، لكنه مرض مرّات بسبب نسكه المتشدّد وبكائه وقلّة خلوده إلى النوم. وإذ اعتاد في فتوّته القهقهة استعاض عنها الآن بالبكاء. لم يعد للغضب سلطان عليه وخلدت نفسه إلى الهدوء. سخاؤه في العطاء للفقير جعله خلواً من خيرات الأرض كأفقر الناس، فيما استحال بيته وأرضه إلى ما يشبه الميناء للمسافرين في البحر. حبّه للخلوة والصمت كان كبيراً. وكان يرثي للمبالغات المتأتية من إقبال الناس على كثرة الكلام، وللّهف الشقي الذي يستبدّ بالناس لأن يصبحوا معلّمين لغيرهم.
لم تدم إقامة غريغوريوس في نزينزة طويلاً. كان يتوق إلى حياة التوحّد. في تلك الأثناء كانت بين الصديقين، باسيليوس و غريغوريوس، مراسلات. فلما عرض باسيليوس تأسيس منسك لاقى عرضه صدى طيّباً في نفس صديقه. لكن، وببراءة أخّاذة، اختلف الرأي في أي مكان يكون الأوفق. اقترح غريغوريوس أن يكونا في تيبيرينة على نهر أرينزة، وهي من ممتلكات أبيه، فيما تمسّك باسيليوس بإيبوره مقابل مختلى والدته في أنّيسي، وهي أيضاً من ممتلكات عائلته. كل شدّ الحبل إلى صدره. عن تيبيرينة قال باسيليوس إنها موحلة، قذرة ولا شيء فيها يُشتهى. وعن إيبوره التي لم يكن غريغوريوس قد شاهدها بعد ولكن كانت له فكرة عنها، قال إن جبالها شديدة الانحدار والوعورة، مشوكة، ولا زهور فيها. الهواء فيها مقطوع والشمس بالكاد تنفذ إليها لأن الصخور هناك أدنى إلى الستائر الثقيلة، والمرء بحاجة لأن يكون بهلواناً ليصل إلى المكان، فيما النهر يزأر زئيراً وفيه حجارة أكثر مما فيه سمك ويضرب الصخور ضرباً يصمّ الآذان.
رغم ذلك كله ربح باسيليوس الجولة. فلما زار غريغوريوس المكان راق له مع إنه لم يشأ أن يقرّ لصديقه بجمالية الموضع. والحق إن الموضوع كان أبعد من موضوع مكان. غريغوريوس كان متعلقاً بباسيليوس. فعن أيام أثينا قال: "في أثينا بحثت عن البلاغة فوجدت السعادة لأني وجدت باسيليوس"! كما كتب إليه مرة يقول له: "أنت نفَسي أكثر من الهواء وعلى قدر ما أكون برفقتك أشعر بالحياة".
في إيبوره، أقام غريغوريوس قرابة السنتين. سهر وصام وصلّى ودرس الكتب المقدّسة ورنّم المزامير وعمل بيديه واشتغل وصديقه في جمع مختارات من كتابات أوريجنيس المعلّم أسمياها الفيلوكاليا وتساعدا في وضع قانون الحياة الرهبانية للشركة الناشئة.
ثم قبل ميلاد العام 361م اضطر غريغوريوس للعودة إلى نزينزة.
والد القدّيس غريغوريوس كان قد جاوز الثمانين وكان بحاجة إلى ابنه معيناً له في تدبير شؤون الرعية في نزينزة. لهذا السبب عاد قدّيسنا ليكون بجانب أبيه. لكن الأجواء في نزينزة كانت مشدودة لأن غريغوريوس الشيخ وقّع، من دون انتباه، بياناً توفيقياً لا يخلو من الآراء الآريوسية. نتيجة ذلك تصدّى له العديدون، لاسيما الرهبان، وأرادوا التخلّص منه. فلما وصل قدّيسنا أصلح الحال وهدّأ النفوس، فعاد السلام إلى نزينزة وأكبر المؤمنون عمل غريغوريوس إكباراً عظيماً.
ثم في ميلاد العام 361 حدث ما شكّل لغريغوريوس صدمة. فجأة أمسكوه وحملوه إلى الكنيسة حملاً وألزموه أن يصير كاهناً. لم يكن بإمكانه لا أن يرفض ولا أن يهرب فسلّم أمره لله ورضخ للأمر الواقع الذي أسماه، فيما بعد، "عمل استبداد روحي". لكنه لم يثبت أكثر من اثني عشر يوماً هرب بعدها إلى صديقه في إيبوره، فأقنعه صديقه بضرورة العودة فعاد صاغراً في عيد الفصح من السنة التالية 362م. وقد دافع عن نفسه في خطبة تعتبر من أجلّ ما قيل في الكهنوت ومنها استقى القدّيس يوحنا الذهبي الفم مقالته في الموضوع نفسه. كيف دافع غريغوريوس عن موقفه؟ تحدّث عن رفعة الكهنوت وواجباته ومخاطر الخدمة الكهنوتية. القداسة شرط الدنو من الهيكل والمثول أمام الله، سيّد الطهارة. ليس أقسى من أن يسوس المرء ضمائر الناس ويعالج أدواء النفوس. لا بد من الفضيلة والعلم للقيام بهذه الأعباء المقدّسة وتلبية حاجات المؤمنين ودحض المفاسد. فمن حق غريغوريوس أن يضطرب إزاء جسامة المسؤولية وأن يسعى إلى إعداد نفسه لخدمة الهيكل بالصلاة والنسك والتأمل. "لا بد للمرء أن ينقّي نفسه قبل أن ينقّي غيره، وأن يصبح حكيماً قبل أن يحمل الآخرين إلى الحكمة، وأن يصير نوراً قبل أن يعطي النور، وأن يدنو من الله قبل أن يحملهم إليه وأن يتقدّس قبل أن يقدّس الآخرين، وأن تكون له يدان قبل أن يقود الآخرين باليد وأن تكون له حكمة قبل أن يتكلم بحكمة". وقد أفصح غريغوريوس أن شعوره بعدم الاستحقاق هو السبب الأول لفراره وإنه إذ يعود ليقبل الكهنوت، لا يعود لشعوره بأنه بات مستحقاً بل لاشتياقه إلى شعب نزينزة ولوالديه المسنّين ولأنه لا يجوز أن يقاوم أحد دعوة الله له. فها قد عاد كيونان راجياً أن تشدّده الطاعة وتزوِّده بالنعمة اللازمة لإتمام خدمته.
بقي غريغوريوس في نزينزة ما يقرب من السنوات العشر يعمل بصمت مكتفياً بممارسة نسكه على طريقته.
سنة 370م أضحى باسيليوس رئيس أساقفة على قيصرية الكبّادوك. أحد الذين لعبوا دوراً بارزاً في حمله إلى سدّة رئاسة الكهنوت كان غريغوريوس الشيخ. أما قدّيسنا فعمل من بعيد وسعى لأن يبقى خارج صورة الاحتفالات وتحرّكات أنصار باسيليوس. خلوته من ناحية وحرصه على الابتعاد عن الأضواء من ناحية أخرى أبقياه بعيداً عن باسيليوس. عرض عليه صديقه بعد حين أن يكون متقدّماً في كهنة قيصرية فرفض العرض. ومرّت أشهر فإذا بمشكلة كأداء تطرأ. فالنس، الإمبراطور ذو الأميال الآريوسية، أراد إضعاف سلطة باسيليوس وإيهان شأنه، فأصدر مرسوماً قضى بتقسيم ولاية الكبّادوك إلى مقاطعتين، الأولى عاصمتها قيصرية والثانية عاصمتها تيانا. وحيث إن التقسيم الكنسي كان يتبع التقسيم الإداري المدني، فقد خسر باسيليوس أكثر من نصف أبرشيته. وحتى لا تضعف سلطته في مواجهة فالنس ورئيس أساقفة الأبرشية الجديدة أنثيموس، فقد سعى، وبسرعة، إلى تحويل عدد من القرى المغمورة إلى أسقفيات جعل عليها أساقفة من أنصاره. أحد الذين شملتهم التدابير الجديدة كان غريغوريوس. أراده باسيليوس على زاسيما المتاخمة لحدود أبرشية تيانا. زاسيما كانت محطة للخيل على ملتقى ثلاث طرق، وصفها غريغوريوس بأنها مكان صغير كريه لا ماء فيه ولا عشب ولا شيء من معالم الحضارة. وأضاف: لا يوجد هنا غير الغبار والضجيج والصراخ والأنين والموظفين الأشقياء والسلاسل وأدوات التعذيب، والسكان جلّهم من التجار المسافرين والغرباء.
لم يشأ غريغوريوس أول الأمر أن يستجيب. شعر بأن صديقه خانه واختار للأسقفية الجديدة أشقى موضع في الأرض. الصداقة بين الرجلين كانت على المحك. أخيراً، وكالعادة، لم يكن أمام غريغوريوس إلاّ الرضوخ فسيم أسقفاً على زاسيما في نزينزة. كان ذلك سنة 372م. في المقابل رأى غريغوريوس نفسه أنه كالعظم يلقى للكلاب. وقد عزم على التوجّه إلى زاسيما والبقاء فيها طالما كان ذلك نافعاً. لكنه لما ذهب إلى هناك، والبعض يقول إنه لم يذهب إليها البتّة، أدرك أنه لا شيء يُرتجى من إقامته فيها فعاد أدراجه إلى نزينزة، مساعداً لأبيه. كانت زاسيما على بعد أربعة وعشرين ميلاً من نزينزة. مذ ذاك أصاب علاقته بباسيليوس الفتور.
بقي غريغوريوس في نزينزة إلى حوالي العام 375م، حلّت به خلالها محن قاسية، لاسيما لرهافة حسّه. أبوه وأمه وأخوه وأخته كلّهم رقدوا في غضون سنوات قليلة، فيما مرض هو وقرب من الموت. كما حلّت النكبات الطبيعية بنزينزة، الطاعون أصاب البقر والبرد خرّب المحاصيل. الفلاّحون تضايقوا وعمّال الضرائب ضغطوا فكانت شبه ثورة أخمدها العسكر وخلّفت مآس وضيقات. انحطّت نزينزة كمدينة وهدّد الحاكم بهدمها بالكامل. أجواء القلق والخوف سيطرت. غريغوريوس وعظ وشدّد كما فعل الذهبي الفم حين ساد الخوف أنطاكية إثر تحطيم التماثيل الملكية. هنا أيضاً لم ينفّذ الحاكم تهديده، لكن النفوس أقامت مشوّشة مضطربة متضايقة سنوات.
وكما ضغطت الأحداث على غريغوريوس من الخارج، ضغطت عليه أحزانه من الداخل، فلم يجد لنفسه مهرباً إلاّ الخلوة والهدوء، فغادر إلى سلفكية إيصفرية حيث بقي ما يقرب من السنوات الأربع كما لو كان في مقبرة منعزلاً عن العالم.
وكان يمكن لغريغوريوس أن ينهي حياته في سلفكية على هذا المنوال. لكن كان لربه في شأنه تدبير آخر.
سنة 378م قُتل الإمبراطور الآريوسي فالنس ولاحت في سماء الكنيسة تباشير فجر جديد. وسنة 379م رقد في الرب عمود الأرثوذكسية، في ذلك الزمان، القديس باسيليوس الكبير.
كلا الحدثين حملا غريغوريوس على العودة إلى أرينزة.
لما وصله خبر وفاة باسيليوس انصدم ومرض. كتب لصديق له يدعى أفدوكسيوس يقول: "تسأل عن حالي فأخبرك. أنا كأس تفيض مرارة. خسرت باسيليوس. خسرت قيصاريوس الذي كان أخي في الجسد وأخي في الروح. صحتي ضعيفة. الشيخوخة تحوم حولي وتكدّني الهموم. أصدقائي لا أمانة فيهم والكنيسة بلا رعاة. كل الكرامة بادت. الإثم يربض سافراً أمام العيون. نسافر في الظلمة ولا منارة بعد. المسيح راقد! ماذا سيحدث لنا؟ لست أتطلّع إلى النياح من هذه النكبات إلا بالموت. وإذا كان لي أن أحكم باعتبار ما هو قائم هنا فإني أرتعد من الآتي بعد القبر!"
إثر وفاة فالنس الإمبراطور تلحلح الرضع الكنسي وتنفّس الفريق الأرثوذكسي الصعداء. الأرثوذكس في القسطنطينية كانوا قلّة مبعثرة. مائة كنيسة في المدينة كانت في يد الآريوسيين. ولا واحدة كانت للأرثوذكس. لقد أقامت المدينة في السبي الآريوسي أربعين سنة كاملة. والآن بعد أن أطلّ فجر جديد جالت العيون في من تُرى يجمع شمل الرعية المتبدّدة ويشدّ أزرها. وكان غريغوريوس الخيار فاستجاب بعزم وحميّة لم يعهدهما أحد فيه من قبل. كيف لا والقضية قضية الثالوث القدّوس! الأمانة والغيرة أخرجاه مرارة نفسه إلى حلاوات النور، ومن الانكفاء إلى طليعة خراف المسيح. فجأة وُجد في القسطنطينية. لا نعرف كيف ولا الظروف. كان قد صلع وانحنى وارتسمت على محيّاه معالم النسك واحتفرت في وجهه مجاري الدموع. كان فقير الثوب، فقير الروح، لا هيأة له ولا جمال. لكن روح الرب كان فيه قوياً أخّاذاً والكلمة في فمه خلاّبة.
لم يجد غريغوريوس في القسطنطينية كنيسة واحدة يلتقي فيها المؤمنين أحد أقربائه فتح له داره فحوّل أحدى القاعات فيها كنيسة "دعيت "كنيسة القيامة". في هذا المكان بالذات، فيما يبدو، تفوّه قدّيسنا بخطبه اللاهوتية الخمسة الشهيرة، تلك التي أهّلته للقب اللاهوتي". لم يكن أحد، إلى ذلك الزمان، قد لُقب بـ "اللاهوتي" إلاّ القدّيس يوحنا كاتب الإنجيل الرابع. وغيّرت مواعظه الموازين. انقلب الشعب إليه وانقلب الهراطقة عليه. الآريوسيون والأبوليناريون سعوا جهدهم للتخلّص منه. ألقوا عليه الحجارة. حاولوا تدنيس مقامه. رهبان هراطقة ونساء مولولات كمنوا له وهاجموه بالعصي وجمر النار. لكنه صمد وثبت. حقّق في أقل من سنتين ما لم يحقّقه في مجمل حياته إلى ذلك الحين. ولما أقام مشبوهون رجلاً يعكّر عليه ويغتصب القسطنطينية من يديه، اسمه مكسيموس الكلبي سيم أسقفاً على المدينة زوراً، ودّ غريغوريوس لو يعود إلى خلوته وهدوئه فطالعه الشعب المؤمن قائلاً: إذا غادرتنا غادرت الثالوث القدّوس فبقي ولم يتزحزح! الثالوث كما قال كان غاية القصد والنيّة والزينة.
أخيراً في 24كانون الأول سنة 380م دخل ثيودوسيوس المدينة قيصراً. وإذ كان أرثوذكسياً، طرد الآريوسيين وأسقفهم ديموفيلوس من القسطنطينية في أيام. أخيراً سادت الأرثوذكسية ولم تقم للآريوسية من بعد قائمة. بعد يومين رافق ثيودوسيوس غريغوريوس إلى كنيسة آجيا صوفيا، فيما ارتفعت أصوات المؤمنين، عشرة آلاف، تنادي: غريغوريوس أسقفاً! ثيودوسيوس بارك. لكن الأمر كان بحاجة إلى مجمع قانوني يصدّق. في أيار 381م التأم مجمع عام في القسطنطينية برئاسة ملاتيوس الأنطاكي صادق على التعيين.
ولكن في غضون أيام تغيّرت المعطيات من جديد.
ما إن جرى افتتاح المجمع المسكوني الثاني حتى رقد رئيسه ملاتيوس بالرب فاختير غريغوريوس رئيساً محلّه. كان على المجمع أن يعالج موضوع خلافة ملاتيوس على أنطا كية. وكان هناك حزبان أنطاكيان: حزب ملاتيوس وحزب بولينوس. غريغوريوس دعا إلى القبول ببولينوس أسقفاً بعدما رقد ملاتيوس.لم يرق العرض للعديدين من أساقفة الشرق. اضطرب حبل الوفاق. وصل أساقفة الإسكندرية ومقدونية بعد أيام. دخلوا في الصراع. لم يتمكّن غريغوريوس من ضبط الأمور. شبّه الأساقفة بسرب من القوق الهاذر وبعاصف من الدبابير اللاسعة. حلّت الخيبة بغريغوريوس كبيرة. لم تعد المشكلة مع الهراطقة بل بين أفراد الأسرة الواحدة. الحسد وحب السلطة بانا أشد خطراً على الكنيسة وإيلاماً من الهرطقات. وارتفعت الأصوات، لاسيما من جماعة الإسكندرية ومقدونية، إن أسقفية غريغوريوس على القسطنطينية مخالفة للقوانين لأنه سيم على زاسيما. غريغوريوس بان مستهدفاً وكأن القوم أرادوه كبش محرقة. لم ترق رفعته لكثيرين، لاسيما لهذا المظهر الفقير الحقير الذي كان عليه. رئيس الأساقفة يعامل في نظرهم كالملوك ويسلُك كالملوك وله عزّ وجاه. لا يليق أن يكون على كرسي العاصمة رجل مريض، أصلع، رثّ الثياب كهذا الرجل لذا تحوّل الموضوع فجأة من موضوع معالجة قضية الكرسي الإنطاكي إلى معالجة قضية الكرسي القسطنطيني. وقد دفع الحسّاد أحد الرجال إلى محاولة قتل غريغوريوس، فلما كان على وشك تنفيذ جريمته انهار واعترف تائباً.
لم يدافع غريغوريوس عن نفسه وعن مركزه. نفسه توّاقة، في كل حال، إلى الخلوة والهدوء ولا يجد سلاماً لنفسه في فوهة وكر الدبابير هذا. لذا اعتبر أنها بركة من عند الله أن يُعفى من مهامه ولو استقرت المرارة في نفسه على رتاتة نفوس من استودعوا أمانة رعاية خراف المسيح. فعرض التنحّي والمغادرة واستجيب طلبه.
ألقى القدّيس غريغرريوس خطبة وداعية طويلة. دونك بعض ما جاء فيها نسوقه تعبيراً عما كان يجول في نفسه وعما كان عليه الواقع آنذاك: "... إن هذا الحقل كان وقتاً ما قليلاً وفقيراً... هذا الشعب أصبح عديدا بعد أن كان زهيداً، ومجموعاً بعد أن كان متبدّداً، ونشيطاً بعد أن كان خاملاً وهو محسود الآن بعد حال يرثى لها... أيها الرعاة الزملاء الأحباء! ها أنذا والأولاد الذين أعطانيهم الله، بهم أتحفكم... أمام الملائكة والبشر... لتعرفوا أننا فقراء ونغني كثيرين... إذا كان عملي يستحق المديح فشكراً لله... ما طمعت في شيء من هذا الشعب... ولا أحزنت الكنيسة في أمر ما... حفظت الكهنوت نقياً بغير دنس... إن كنت قد شُغِفتُ بالسلطة والمركز، أو بسمو العروش والكراسي... أو غرّني توطّؤ أعتاب الملوك فلأُحرَم من كل مجد في الآخرة... فإذا كانت لي غاية من خدمتي، وإذا كان لي حق في المكافأة على أتعابي فكافئوني مشكورين جداً بإعفائي وإراحتي من تعبي الطويل... أكرموا غربتي ورحيلي. نصِّبوا غيري في مكاني. نصّبوا من عنده الاستعداد لأن يُضطهد من أجلكم ويداه طاهرتان وكلامه متزن... أما أنا فعاينوا جسدي ووفاضي وما أنا فيه من الوهن والضعف والانحلال... أعييت وتعبت مقاوماً كلام الحسّاد الأعداء والأخصّاء. فبعضهم يقرع الصدر ويصرف الأسنان، وهو أقلّ خطراً لأن اتقاء العدو الظاهر غير عسير. وأما العدو غير الظاهر فأضرّ وأفتك... الشرق والغرب انقسما جهتين متعارضتين... محبة الخصام تقذف بنا على التوالي من حال إلى حال... اليوم نتحزّب ونتعصّب لهذه الجهة حسب تلقين زعمائنا، وغداً تهبّ ريح معارضة فتبدّل الأهواء والاتجاهات... كم من مسيء إلينا محسوب علينا؟!... أية مصائب لم نكابد... على يد الآريوسيين... ألم نشهد الإهانات والتهديدات والطرد... وإحراق الكهنة على البحر... ألم نرّ الهياكل ملطّخة بدم القدّيسين، وبعضها تحوّل إلى مقابر... ألم نرى الجمهور يذبح الكهنة والأساقفة... ألم يكن التجوّل ممنوعاً على الأرثوذكسيين وحدهم... ألم نُطرد من الكنائس... ونلاحق حتى في البراري... وماذا كان بعد ذلك؟ صرنا أقوياء والظالمون انهزموا! لكن الحسد ضدّنا ظهر أفظع من هذا وأنفذ والكنيسة تضطرب من الداخل. فإذا كنت أنا يونان المسبّب هيجان البحر والعاصفة والمهدِّد بخطر الغرق فاطرحوني في قلب اليم ونجّوا السفينة من الغرق وأعيدوا السكينة والراحة إلى الكنيسة...
ربما أُلام أن ليس عندي مائدة غنيّة بالمآكل ولا ثياب لائقة بالرتبة ولا أبّهة الظهور ولا عظمة الوجاهة والتصرّف. لم أكن أعلم إنه يلزمني أن أعاشر القناصل والولاة... وكل أولئك الذين لا يدرون أين يبذّرون غناهم. لم أعلم إنه كان ينبغي لي أن أعيش الترف من مقتنى المساكين وأتخم معدتي بالمآكل. لم أعلم إنه يجب أن أركب العربات المذهّبة تجرّها الجياد المطهّمة، وأن أُلاقى واُستقبل بخضوع وخنوع... فإذا كنتم قد استثقلتم شيئاً من هذا... فنصّبوا عليكم آخر يرضى الشعب عنه. أما أنا فأعيدوا لي حرّيتي وبرّيتي وربّي... الوداع أيها الشرق والغرب... حبذا لو اقتفى أثري وابتعد ابتعادي ولو قليل من الرؤساء... المبتعدون عن الكراسي لهم الله وما يعد به من عروش عالية أعلى بكثير من عروش العالم وأسلم من الخطر...
أيها الأبناء تمسكوا بالعادات الشريفة والتقاليد التي تسلمناها.
نعمة ربّنا يسوع المسيح معكم أجمعين.
سنوات قدّيسنا الأخيرة من حياته قضاها في أرينزة يكتب الرسائل والشعر ويدافع عن الإيمان من وقت لآخر، ويتابع، بأمانة، الصلاة والممارسات النسكية قدر طاقته. كان أحياناً يغور في أحد الكهوف ينام على المسوح ويصادق الحيوانات. وقد أوصى بكل ما بقي له للفقراء. أما وفاته فكانت في السنة 389 أو 390م عن عمر ناهز الستين.
كان حيوياً قصير القامة، أصلع، ذا لحية ورموش حمراء، متجعّداً، يعاني من الأوجاع بصورة شبه متواصلة، مضنى من الأسهار والأصوام، فقيراً، رثّ الثياب. يتكلّم بعفوية. قاطعاً في كلامه. لا يخشى أحداً. ساخراً بشكل غير منضبط. هو الوحيد الذي كان يسخر من باسيليوس أحياناً. وكان حاد الطبع متجهّم الوجه لا تسرّه صحبة أكثر الناس. يميل إلى الابتعاد عن العالم بشكل حاد. وكان شاحب الوجه، له ندب فوق عينه اليمنى. بقي يقرأ ويكتب طيلة أيامه. هو أول شاعر مسيحي بمعنى الكلمة وكان يكتب النثر ملائكياً. أحبّ الله أولاً، ثم البلاغة، ثم الناس، بهذا الترتيب.
نُقلت رفاته، بعد قليل من موته، إلى القسطنطينية حيث بقيت إلى زمن الصليبيين الذين سرقوها إلى رومية سنة 1204م. وهي اليوم في الفاتيكان، في كنيسة القديس غريغوريوس التي صمّمها مايكل أنجلو.
تذكار أبينا الجليل في القديسين غريغوريوس النزينزي رئيس أساقفة القسطنطينيّة (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)
ولد غريغوريوس نحو سنة 312، بالقرب من مدينة نزينز، من أعمال كباذوكيا الغنيّة بمشاهير الرجال وكبار الآباء القديسين، أمثال باسيليوس الكبير، وغريغوريوس نيصص، وبطرس أخيه، وأمفلوخيوس. وقد عُنيت أمّه نونا بتربيته تربية مسيحيّة صالحة. فترعرع الولد وشب على مبادىء التقوى والأخلاق الرضيّة. وكان أبوه يدعى أيضاً غريغوريوس، وكان الحاكم الأول في مدينة نزينز، وكان إذ ذاك وثنيّاً، إلاّ أنّه كان رجلاً فاضلاً مستقيماً. لكن أمّه نونا كانت من النساء المسيحيّات الكبيرات بعقلهنّ وتقواهنّ وحسن إدارة بيتهنّ. وكانت مشهورة بالأعمال الصالحة والصدقات. فتفتّحت عينا الطفل على أجمل ما يراه المرء في البيوتات المسيحيّة الكبيرة، من التهذيب وحسن المعاملة بين الزوجين، مع الحب الصادق وتبادل الإحترام والإكرام.
وما كاد الولد غريغوريوس يبلغ أشدّه حتى أرسله والده إلى أشهر المدارس في ذلك العهد. فمكث مدّة في قيصريّة، ثم في الإسكندريّة. وأتى أخيراً إلى أثينا، حيث اجتمع بإبن بلاده، باسيليوس، فتوثّقت منذ ذلك الحين عرى الصداقة الصادقة بينهما، وبقيت كذلك إلى الممات.
وأتمّ الصديقان دراستهما، واضطرّا أن يفترقا. فعاد باسيليوس إلى وطنه، وبقي غريغوريوس في أثينا يعلّم الفصاحة، وينال تصفيق وإعجاب أساتذته وتلامذته ولفيف سامعيه.
لكن حياة الضوضاء في أثينا ما كانت لتملأ قلب ذلك الشاب الكثير التفكير، الميّال بفطرته إلى حبّ الصمت والدرس والمطالعة.
وقد بقيت تلك الأميال والنزعات ميزة حياته كلّها. فسوف نراه دائماً كثير التفكير، كثير الصمت، يؤثر حياة العزلة على حياة الجهاد في معترك الحياة. يلمع على المنابر بفصاحة فيّاضة، وينير النفوس بقلم سيّال وقلب عسلي. ولكنّه يترك ميدان النضال ويسلّم أمام المطامع التي تريد مناوأته واقتحام مراكزه، وحصونه أيضاً.
فما لبث أن عافت نفسه حياة أثينا، فعاد إلى وطنه. فعلم به صديقه باسيليوس، وكان قد ترك الدنيا وبهارجها وذهب إلى بريّة ضفاف نهر الإيريس، ليعيش عيشة الخلوة والنسك هناك. فأسرع وكتب إليه ودعاه ليشاطره أفراح تلك الحياة. فراقته تلك الدعوة. فترك المنزل الوالدي وذهب إلى صديقه، وبدأ برفقته حياة النسك والصلاة والتأمّل والتقشّف.
وبقي غريغوريوس زماناً بصحبة باسيليوس في تلك الخلوة السماويّة، يغذّي عقله بالتعاليم الإلهيّة والفلسفة العلوية، وتملأ قلبه المواهب السماويّة، إلى أن قاد الله غريغوريوس الأب من ظلمات الوثنيّة إلى أنوار النصرانيّة، ومن منصّة الحكّام إلى كرسي مطرانيّة نزينز.
فلمّا صار أبوه أسقفاً على تلك المدينة الكباذوكية، أرسل إليه يستدعيه ليساعده في مهام الأسقفيّة، ويكون له عوناً في مصاعب ومتاعب وظيفته الجديدة. فحزن غريغوريوس الإبن لتركه خلوته العزيزة وصديقه الكبير باسيليوس. لكن صوت الواجب رنَّ في أذنيه فلبّاه. فقام وعاد إلى حياة العمل والجهاد.
وما أن تقابل الأب بإبنه، وانحنى هذا الإبن على يد أبيه الأسقف الجديد، يقبّلها بخشوع وتقوى وحب عميق، حتى عرض غريغوريوس الأب على ولده أن يرسمه كاهناً، ويكل إليه إرشاد النفوس وتوزيع الأسرار.
فارتاع غريغوريوس الإبن لذلك، ولم يجد في نفسه تلك الهمّة وذلك الإقدام الذي يتطلّبه الكهنوت. فرجا من أبيه أن يعفيه. لكن الأسقف عاد فرغب إلى ولده في ذلك، وشدّد عليه الحملة حتى أقنعه. فاستسلم غريغوريوس الإبن لإرادة أبيه الأسقف، وقبل سرّ الكهنوت، وبدأ منذ ذلك الحين حياة جديدة، حياة الوعظ وإدارة النفوس، وهي الحياة العذبة التي تصبو إليها كل كاهن ويرغب فيها كل قلب رسولي.
إلاّ أن نفس غريغورويس كانت دائماً تصبو إلى الإبتعاد عن الناس وعن معاشرتهم، وتتوق إلى حياة الهدوء والإنفراد. فتضرّع إلى ابيه لكي يسمح له بالعودة إلى صديقه باسيليوس وإلى عزلة ضفاف الأيريس، وودّعه وأسرع بلهفٍ إلى جوار صديقه، وقام من جديد يشاطره حياة النسك والتعبّد والإنفراد.
وحدث لأبيه، بسبب جهله للأصول اللاهوتيّة، أن انحاز إلى البدعة الآريوسيّة. فثار المؤمنون عليه في أبرشيته واضطربت الأفكار. فأسرع غريغوريوس الإبن إلى أبيه الشيخ، لأن واجب خدمة النفوس حمله على ترك ملاذ حياة النسك. وانبرى يصلّح ما سبّبه خطأ أبيه من البلابل. فأرجع أباه الصالح إلى الإيمان بالعقيدة الكاثوليكيّة، وأعاد الطمأنينة إلى النفوس. فأكبر الشعب فيه تلك الغيرة الرسوليّة، وذاع صيته في كل أنحاء تلك البلاد الكبّاذوكيّة. وكان ذلك سنة 364.
وبقي غريغوريوس إلى جانب أبيه الشيخ، يساعده في إدارة أبرشيّته، إلى أن صار باسيليوس رئيس أساقفة على كرسي قيصريّة كباذوكيا، وقام يكافح بالخطابة والكتابة تلك البدعة الآريوسيّة الجهنميّة، التي أوشكت أن تدك أسس الإيمان الكاثوليكي في كل البلاد الشرقيّة. ورغب هذا الأسقف الكبير في إحياء الروح الكاثوليكيّة في مدينة سازيم، فاستدعى إليه غريغوريوس واستعمل معه كل وسائل الإقناع حتى حمله على قبول الأسقفيّة على تلك الأبرشيّة. فرضي غريغوريوس بذلك، وقبل من يد صديقه الكبير باسيليوس درجة الأسقفيّة.
لكنّه ما عتم أن أفاق من حلمه، وارتاع من المسؤوليّة الملقاة على عاتقه، فاستعظمها، فترك باسيليوس وسازيم وكل شيء، وهرب إلى خلوته المحبوبة، يعيش كأحقر الرهبان وأصغر النسّاك.
أن نفس غريغوريوس كانت غير نفس باسيليوس. فهذا بطل مغوار، يخوض معارك الحياة وميادين الجهاد بعزيمة ثابتة وجرأة غير هيّابة، ويقف أمام كبار الحكّام فيناقشهم الحساب، ولا يعبأ يتهديداتهم ولا يكترث لمواعيدهم، ولا يتركهم حتى ينتزع سلاحهم منهم ويسحق قوّتهم.
أمّا غريغوريوس، فنفس مسالمة ترغب في الخلوة، وتؤثّر حياة السلام على كل ما يُشتم منه روح المقاومة والحرب، حتى في سبيل الحق. ولذلك نراه دائماً، كلّما قامت بوجهه زوبعة، لجأ هارباً إلى البريّة بعيداً عن ضوضاء العالم، وأخذ يمارس ما تصبو إليه نفسه من حب السكينة والرياضات النسكيّة.
إلاّ أن الأيام كانت قد أثقلت ظهر أبيه الشيخ، فلم يعد يقوى على القيام بإدارة أبرشيّة نزينز الموكولة إلى عنايته. فلمّا رأى غريغوريوس ذلك، ترك من جديد عزلته المحبوبة وعاد إلى أبيه وقام بالعمل مكانه. وبقي بالقرب منه حتى رقد ذلك الأب بين يدي ولده القديس، بعد شيخوخة صالحة.
وقام الأساقفة والشعب يريدون غريغوريوس خلفاً لأبيه على كرسي نزينز. لكنّه أبى وهرب من جديد إلى خلوته العزيزة على قلبه. لأنّه كان يرى في الأسقفيّة لا الصولجان المذهّب والتاج الوضّاء، بل الواجب الثقيل والمسؤوليّة الكبرى والحساب المدقّق الذي سوف يؤدّيه أمام الحبر الأعظم والملك الأكبر، المسيح للرب.
كانت الكنيسة في ذلك العهد تئن من الشر الذي أحدثته بدعة آريوس. وكانت تلك العرطقة الأثيمة، رغم المجمع النيقاوي الذي شجبها سنة 325 ورغم فصاحة وكتابات أثناسيوس وكيرلس الأورشليمي وباسيليوس وغريغوريوس نفسه، لا تزال منتشرة في الدنيا وبين الكثيرين من الأساقفة.
فلمّا مات فالنس القيصر الأريوسي، وقام ثاوذوسيوس مكانه، إشتدّ ساعد الكاثوليك في القسطنطينيّة، ورغبوا في أن يكون لهم كيان وكنيسة وأسقف كاثوليكي. وكان غريغوريوس قد اشتهر في بلاد الشرق بفضيلته وعلمه وفصاحته. فاتّجهت إليه الأنظار. وذهب إليه وفد من القسطنطينيّة وأخذوا يبتهلون إليه ليكون أسقفاً عليهم، ويضع فصاحته وما حيّاه الله به من المزايا في خدمة الكنيسة الكاثوليكيّة وإيمان المجمع النيقاوي.
فمانع غريغوريوس في بدء الأمر، لأن نفسه الميّالة إلى الهدوء والسكينة تهيّبت موقف تلك العاصمة الرومانيّة. لكن باسيليوس صديقه برز إلى الميدان، وأخذ يقنعه ويشجّعه ويثبّته لكي يقبل تلك الوظيفة، وإن كانت صعبة شاقة، خدمةً للنفوس ونصرة للحق في تلك المدينة العظيمة.
فرأى غريغوريوس أصبع الله في ذلك التدابير، فقبل وسافر إلى القسطنطينيّة. وكانت تلك العاصمة مدينة عظيمة الشأن، شائقة البنيان، غنيّة بالمال والرجال، وكانت أسواقها وأنديتها تموج بأنواع الملل والشعوب المتدفّقة عليها من كل الأمصار، وكان للفصاحة والكلام المنمّق البديع فعله العظيم في النفوس.
هذا ما رآه غريغوريوس في تلك المدينة الصاخبة، ولم يكن هناك في استقباله سوى بضعة أنفار كانوا يقدّسون فضيلته ويعرفون قدره.
ولمّا كان غريغوريوس أسقفاً دخيلاً ورجلاً كاثوليكيّاً، منعه أسقفها الآريوسي من دخول الكنائس ومن الإحتفال بالأسرار الألهيّة. فنزل في بيت أحد أنسبائه، واتّخذ له هناك ردهة فسيحة، حوّلها إلى كنيسة، وسمّاها "القيامة". وبدأ هناك يحتفل بالأسرار، ويلقي تلك المواعظ الشهيرة التي جعلت الكنيسة والأجيال تلقّبه بإسم "الثاولوغوس" أي المتكلّم بالإلهيّات.
وكأنّ روعة تلك العاصمة الزاهرة بهرته وأثارت قريحته، فأخذت فصاحته تتدفّق كالسيل، ولكنّه سيل من ذهب. لأن غريغوريوس قد امتاز في الخطب التي ألقاها في تلك الكنيسة الصغيرة، فسحر بها العقول وأضرم نار الإيمان في النفوس.
فطار صيت غريغوريوس، وملأ كلامه الإسماع، وهابته النفوس. وانتصر الإيمان الكاثوليكي من جديد في مدينة قسطنطين.
ومات أسقف القسطنطينيّة . فأراد الأساقفة الآريوسيون أن يقيموا له خلفاً صنيعتهم الدخيل مكسمس الآريوسي. لكن الأمبراطور ثاوذوسيوس طرده، وانتدب غريغوريوس لذلك الكرسي الأول في المملكة الرومانيّة الشرقيّة. فجاؤوا به باحتفال مهيب إلى الكنيسة الكبرى في القسطنطينيّة. فدخل غريغوريوس الكنيسة دخول الفاتح الظافر. وجلس على كرسي الرئاسة. فعمّت الأفراح في القسطنطينيّة وعاد السلام إلى تلك العاصمة العظيمة.
لكن نفس غريغوريوس كانت لا تزال تهاب البلبلة والإضطراب. ولكي لا يدع لأحد سبيلاً لأن يعترض على قانونيّة إنتخابه للكرسي القسطنطيني، أراد أن يترك أمر تثبيت ذلك للمجمع المسكوني المنويّ إنعقاده في المدينة القسطنطينيّة نفسها بعد قليل، أعني سنة 381. إلاّ أنّه في غضون ذلك ساس ذلك الكرسي الأعلى بما عُرف به من نزاهة وتقوى عميقة وفصاحة نادرة. وقد كان القديس إيرونيمس إذ ذاك من تلاميذه المعجبين به.
ولمّا التأم المجمع القسطنطيني المسكوني، سنة 381، برئاسة ملانيوس البطريرك الأنطاكي ضد الآريوسيين، ثبت المجمع غريغوريوس في كرسيه. وجاء ملانيوس نفسه وأجلسه على عرش كنيسة القسطنطينيّة، بعد أن أضحت في أعين آباء ذلك المجمع، أولى كنائس الشرق، عملاً بالقرار الثالث من قرارات المجمع.
ورقد بالرب ملانيوس رئيس المجمع، فترأس المجمع غريغورويس، وقد كان الأول بمقامه وعلمه وما له من الإعتبار في النفوس. إلاّ أن ذلك كلّه تمّ قبل وصول أساقفة مصر. فلمّا جاء هؤلاء، وكانوا يضمرون العداء لغريغوريوس وللأنطاكيين، بدأوا فاعترضوا على قانونيّة إنتخاب غريغوريوس. فعارضهم في ذلك آباء الكرسي الأنطاكي والقسطنطيني، واضطربت الأفكار وساد البلبال.
فلمّا رأى غريغوريوس أن روح الإنقسام والخصام قد دبّ في المجمع، وكان بطبيعته ميّالاً إلى الهرب من الشر ومن إستعمال الطرق العنيفة حتى في الدفاع عن نفسه وعن حقّه، فتنازل عن منصبه رغم إلحاح مناصريه ومريديه.
فذهب إلى الملك ثاوذوسيوس وجثا أمامه وطلب إليه قائلاً: "أيّها الملك المعظّم، لقد أتيتك لا لطلب مجدٍ أو غنى لي أو لأصحابي، ولا طمعاً في إحسان إلى الكنائس. أتيتك راجياً أن تسمح لي بالإنسحاب من منصبي